الرئيسية » الهدهد » شابة سورية تروي لـ “وطن” قصة اعتقال مخابرات الأسد لوالدها وقتله بالبطيء

شابة سورية تروي لـ “وطن” قصة اعتقال مخابرات الأسد لوالدها وقتله بالبطيء

وطن – لم تكن آلاء ابنة الـ 12 عاماً تتوقع للحظة أن رحلتها مع والدها إلى لبنان، ستكون الرحلة الأخيرة قبل أن يتم اعتقاله أمام عينيها على الحدود السورية -اللبنانية ليغيب خلف الشمس في زنازين النظام.

وغابت أي معلومات عن مكان اعتقاله أو مصيره، شأنه شأن مئات الألوف من السوريين إلى أن عثرت على صورته ضمن صور ضحايا التعذيب التي سربها “قيصر” منذ سنوات.

وورد اسم الضحية الذي نرمز لاسمه بـ “م.ج د” حفاظاً على من تبقى من عائلته في دمشق، ضمن قائمة شهداء تحت التعذيب التي نشرها موقع “زمان الوصل” المعارض منذ سنوات وتحوي أسماء 8000 شهيد تم تصفيتهم في سجون النظام.

وورد في البيانات المتعلقة بالضحية أن سبب الوفاة اعتقال –تعذيب الفئة مدني –المحافظة دمشق –القدم.

وروت آلاء لـ”وطن” أن والدها ولد ونشأ نشأة قاسية نوعاً ما في حي من أحياء دمشق العشوائية جنوب العاصمة دمشق، لعائلة مكونة من أب وأم وستة شبان وأربع بنات وتوفي والداه حينما كان يؤدي الخدمة الإلزامية، وكان عليه الاهتمام بشقيقاته إلى أن كبرن وتزوجن.

شابة سورية تروي لـ "وطن" قصة اعتقال مخابرات الأسد لوالدها وقتله بالبطيء
صورة أرشيفية لمعتقلة ناجية من سجون النظام السوري (منصات التواصل)

وتابعت محدثتنا أن والدها لم يكن يحمل شهادة جامعية، ولكن كان مثقفاً من طراز فريد، ولديه إلمام كبير بالثقافة والسياسة وعلى إطلاع واسع بأوضاع المنطقة كلها ويحب فلسطين كثيراً.

وأضافت أن والدها كان يعمل خياطاً نسائياً واعتادت معظم الممثلات السوريات على تفصيل ملابسهن لديه، وفق أحدث الموديلات دون أن يكتسب شهرة لأنه لم يكن يملك ورشة خاصة ومع بداية استيراد الألبسة الجاهزة توقف عن عمله واضطر للعمل كسائق لسيارة ميكرو داخل دمشق.

بعد اندلاع الثورة السورية حوصرت المنطقة التي تعيش فيها الأسرة وبدأت حملات المداهمات والقصف، ما اضطرهم للنزوح بين مناطق عدة من دمشق وريفها بين عامي 2011، و2013.

وأضافت محدثتنا أن والدتها أصيبت في شباط فبراير/ 2013 بمشاكل نفسية نتيجة الحرب والحصار، فقرر والدها أن ينقلهم إلى لبنان بحثاً عن الأمان على أن يعود إلى دمشق بمفرده لأنه -حسب قوله- لا يستطيع أن يعيش خارجها.

وروت ابنة المعتقل الشهيد أنها سافرت مع عائلتها ووالدها بتاريخ 16-2-2013، وعند الوصول إلى الحدود السورية -اللبنانية تم اعتقاله.

واستطردت أن الضابط قال لوالدتها حينها بلكنة ساحلية:”هادا لازم يرجع ع الشام وانتو بتكملو على بيروت، زوجك إرهابي ومطلوب”. قال تلك الكلمات باستخفاف، وكأنه اعتاد على التفوه بها كل يوم وكل دقيقة دون أدنى شعور بالإحساس.

وأضافت “آلاء” وكأنها تستعيد شريطاً سينمائياً أنها بدأت بالبكاء حينها فسمح لها ولوالدتها بالدخول إلى غرفة صغيرة قريبة من نوافذ ختم الجوازات، ورأت والدها الذي كان جالساً على الكرسي وهو ينظر إلى الأرض ويبكي وكأنه كان يعرف أنه لن يعود.

وحينها أعطاها هاتفه المحمول ومبالغ كانت لديه، وطلب منها أن تنتبه لنفسها ووالدتها وأشقائها وضمها بحرارة.

وأضافت أنها رفضت عندها الخروج من الغرفة فجاء عسكري وحملها ورماها خارجاً، واقتاد والدها ليضعه في زنزانة تابعة لمفرزة الحدود وأغلق عليه الباب، وكانت هذه المرة هي الأخيرة التي تراه فيها.

لم تكن آلاء ابنة الـ 12 عاماً تتوقع للحظة أن رحلتها مع والدها إلى لبنان، ستكون الرحلة الأخيرة قبل أن يتم اعتقاله أمام عينيها على الحدود السورية -اللبنانية ليغيب خلف الشمس في زنازين النظام.
صورة أرشيفية تحاكي الوضع البائس في سجون النظام السوري

رفضوا إعطاءه الدواء

وأردفت أن والدها الذي كان يبلغ من العمر حينها (53 عاماً)، كان يعاني من مرض السكري ويتجرع “الأنسولين”، فطلبت والدتها من الضابط أن تعطيه دواءه فرفض في البداية وبعد توسلات واستجداء أخذ الدواء.

وحول اعتقال شابة سورية استدركت آلاء: “قال الضابط لنا بكل صلافة: “اطلعوا إلى بيروت أو ارجعوا معه إلى المعتقل، فأكملت مع والدتها إلى بيروت، حيث يعيش أقاربهم.

وتضيف أن والدتها تركتها بعد يومين هناك وعادت إلى دمشق للبحث عن والدها وتواصلت مع سمسار معتقلين لمعرفة مكان اعتقاله، فأكد لها أنه في سجن “صيدنايا”، وأنه بحاجة لخمسة ملايين ليرة سورية للإفراج عنه.

وتضيف الشابة المكلومة أن السمسار المذكور أخذ دفعة من المبلغ وهرب ولم نعد نعرف عنه شيئاً، وحينها حاولت عائلتها الوصول إلى أحد من المعتقلين المفرج عنهم لمعرفة إن كان التقى والدها.

ولكن دون جدوى فنسبة الإفراج عن المعتقلين كان ضئيلة آنذاك، وكان المفرج عنهم يرفضون الحديث عما رأوه وعانوه داخل المعتقل وبخاصة من لا زالوا في سوريا.

قيد الانتظار المميت

وتضيف أن عائلتها عاشت شهوراً طويلة قيد الانتظار المميت إلى العام 2014 إلى حين نشر صور “قيصر”، وكانت هذه الصور –حسب قولها- طاقة الفرج لمعرفة الناس لمصير أحبائهم وحينها تعرفت على صور عمها وابن عمتها اللذين كانا شبه مشوهين وآثار التعذيب واضحة جداً عليهما.

بعد يومين من البحث عثرت محدثتنا على صورة والدها، وتقول إن صورته كانت واضحة من غير أي شك فوالدها كان لديه ندبة في حواجبه وكان حليق الذقن وعلى كتفه الأيمن بقعة حمراء. وعلى صدره بدت ورقة كتب عليها الرقم 2018 ومن هذه العلامات تم التأكد من صورته وكونه استشهد تحت التعذيب إذ كان مطلوباً لشعبة المخابرات العسكرية.

بلا جثة ولا قبر

وأكملت الشابة التي تعيش في بريطانيا أن عمتها ذهبت إلى فرع “المنطقة” بدمشق، وهناك تم تسليمها هويته وشهادة الوفاة، وعندما سألتهم عن جثته لم تلقَ رداً.

وأضافت محدثتنا أن اكتشاف صورة والدها ضمن ضحايا التعذيب، فجرت في داخلها كوامن الألم النفسي وكل ما يمكن أن يمر به الإنسان في هذه الحالة.

ولازالت “آلاء” رغم مرور أكثر من 10 سنوات على استشهاد والدها تتمنى أن تتعرف على شخص رآه في المعتقل “لتعرف كم عاش داخله وكم عانى ومتى وكيف مات ومكان اعتقاله، وما الذي كان يقوله ويعمله داخل الزنازين العاتمة الباردة، والشيء الأصعب –حسب قولها- أن والدها ليس لديه قبر يمكنها زيارته بعد عودتها إلى سوريا.

وختمت “آلاء” أن والدها كان إنساناً عظيماً علمها مع أشقائها حب الوطن والبحث عن الحق متأملة “أن لا يكون قد تعذب كثيراً على يد جلاديه ومات بطريقة سهلة من غير وجع ولا دم..!” حسب وصفها.

وقصة آلاء واحدة من بين عشرات القصص لمعتقلات سوريات عانين في أفرع النظام وسجونه سيئة الصيت ومنها معاناة سيدة روت قصة اعتقالها بداية أيلول/سبتمبر الجاري,

وكانت صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية قد شاركت عام 2018 مجموعة من الوثائق السرية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن أوامر التعذيب والقتل للثوار تأتي من بشار الأسد مباشرة وبشكل شخصي.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.