الرئيسية » تقارير » بلومبيرغ: هكذا سيختبر الصراع في السودان “الدبلوماسية العربية الجديدة”

بلومبيرغ: هكذا سيختبر الصراع في السودان “الدبلوماسية العربية الجديدة”

وطن- على مدى السنوات الثلاثة الماضية، كانت النخب الحاكمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تهنئ نفسها على ما تزعم أنه نجاحاتها الدبلوماسية، في ظلّ حالة الفراغ التي وجدت فيها المنطقة نفسها بعد التوجّه الأمريكي نحو “أعداء” إستراتيجيين (الصين وروسيا)، بعيداً عن محاولات تحجيم الدور الإيراني أو حماية إسرائيل ومراقبة تحركات بشار الأسد.

هل تبتعد الدبلوماسية العربية عن الفلك الأمريكي؟

تُروّج بعض الحكومات والأنظمة العربية لسرديات جديدة مفادها نجاح تلك الأنظمة، في الابتعاد عن التأثير والنفوذ الأمريكي فيما يتعلق بصياغة سياساتهم الخارجية.

وهي سرديات وتوجهات يتردّد صداها بالفعل في دوائر السياسة الخارجية الأمريكية، نظرًا لأسباب كثيرة، لعلّ أهمّها فقدان الولايات المتحدة لاهتمامها السابق (أو التخلي عن التزاماتها في بعض القضايا) بتطورات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على حساب مناطق أهم في العالم مثل: بحر الصين الجنوبي أو الحرب الدائرة في أوكرانيا.

وفي مقابل التطورات التي فرضها الأمر الواقع على واشنطن، يقوم عدد من القادة الإقليميين في المنطقة العربية ببراعة بالتكيف مع بعضهم، من جهة، ومع القوى العالمية الأخرى في حلّ المشاكل طويلة الأمد، من جهة أخرى، كما يقول بوبي غوش، كاتب العمود والمهتم بتغطية الشؤون الخارجية في بلومبيرغ Bloomberg.

ويذكر الكاتب، أنّه من اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل إلى الاتفاق السعودي الإيراني ومحاولات إعادة تأهيل بشار الأسد، تمّ تفعيل العديد من المبادرات الإقليمية في الشرق الأوسط، وباتت تلك التحركات العربية أمثلة على نوع من البراعة الدبلوماسية الجديدة لدى بعض الحكام العرب.

ولعل الرسالة الأساسية من تلك المبادرات، يقول غوش، هي أن العرب ليسوا بحاجة إلى حلول غربية للأزمات التي تحدث في منطقتهم.

الحديث ليس عن محمد بن سلمان

يُنوّه كاتب المقال إلى أن رأيه هذا المتلعق بتطورات الدبلوماسية العربية، يتجاهل الأزمات التي أنشأها بعض الفاعلين الرئيسيين في المنطقة، مثل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية منذ 2017.

ويقول بوبي غوش، كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المحرك الرئيسي للمستنقع اليمني، الذي يحاول الآن تخليص نفسه منه من خلال الاتفاق على شروط مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

واعتبر الكاتب الأمريكي أنّ مفاوضات بن سلمان مع الحوثيين (وفعلياً إيران) “ليست حنكة سياسية بقدر ما هي خضوع”.

لكن مع ذلك، يتابع غوش، فإنّ فكرة أن اللاعبين الإقليميين يتعاملون مع مشاكلهم الخاصة، تتناسب مع إجماع الحزبين في واشنطن على أنّ الولايات المتحدة يجب أن تُقلّل من تدخلها الدبلوماسي في العالم العربي، وأن تعيدَ تخصيص الموارد لمناطق أخرى مليئة بالأزمات، مثل: شرق آسيا وأوروبا الشرقية.

حرب السودان أول اختبار للدبلوماسية العربية الجديدة

يمثّل التنافس الدموي على السلطة بين الجنرالات المارقين في السودان، حميدتي والبرهان، تحديًا جديدًا للدبلوماسية العربية الجديدة.

حيث إنّ الدخول على مسرح الأحداث في فترة ما بعد توقف النزاع، حيث إنّ كل المتصارعين منهكون -في اليمن وسوريا على سبيل المثال- لا يشبه بأي حال من الأحوال محاولة الدخول في صراع قائم بالفعل، وما زالت نيران طرفي الصراع مشتعلة، مثل الحالة السودانية.

حتى أنّ العمل على تنظيم هدنة لإيقاف وقف إطلاق النار بين حميدتي والبرهان، في الوقت الحالي بالنسبة للقادة العرب، يمكن أن يكون من أكبر التحديات، خاصة مع العلم أنه حتى وقف إطلاق النار الذي عملت عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لم يستمر.

إذ لم يُبدِ طرفا الصراع -قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”- سوى اهتمام يكاد لا يذكر بدعوة القوى المذكورة لوقف إطلاق النار.

عندما أطيح بالديكتاتورية العسكرية لعمر البشير، التي استمرت 30 عامًا، بانتفاضة شعبية سلمية قبل أربع سنوات، واستبدلت بحكومة انتقالية من المدنيين والعسكر، اختارت الدول العربية الكبرى دعم المكوّن العسكري.

حيث انحازت مصر، بقيادة وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي القادم للسلطة بعد انقلاب دموي عام 2013، إلى البرهان.

وعلى النقيض من مصر، دعمت السعودية والإمارات حميدتي، الذي أرسل مقاتلي قوات الدعم السريع إجبارًا على خدمة مصالحهم في اليمن.

وفي الأثناء، لم يكن مهمًا بالنسبة للقاهرة أو الرياض أو أبو ظبي، الاهتمام بفكرة رئيسية في الحالة السودانية، وهي أنّ كلّاً من البُرهان وحميدتي طرفان في الإبادة الجماعية في دارفور، يقول كاتب المقال.

وبالمثل أيضاً، عندما كان البرهان وحميدتي يتصرفان فيما يشبه ‘التحالف’ الذي عرف إعلامياً باسم المكون العسكري، والذي بموجبه طردوا المدنيين من الحكومة وسيطروا على الخرطوم خلال انقلاب عام 2021، لم تهتمّ الدول العربية كثيرًا بتطلعات السودانيين المحطمة.

يجب عليهم عدم دعم القادة العسكريين

يقول الكاتب في هذا السياق: “يجب أن يُظهر القتال بين قوات البرهان وحميدتي لرعاتهم العرب (مصر والسعودية والإمارات) أنه لا يمكن الوثوق بالجنرالات”.

وينصح غوش تلك الأنظمة قائلاً، إنه “من الأفضل عقد صفقات مع حكومة مدنية خالية من التدخل العسكري”.

ويعتبر في سياق حديثه، أنه بالنظر إلى أنّ طرفَي الصراع في السودان لديهم عدد قليل من الممولين والموردين الآخرين للأسلحة، فإنّ الدول العربية لديها القدرة على كبح جماحهم.

“كما يجب أن يكونوا قادرين على استخدام علاقاتهم العميقة مع موسكو لتقييد الدور الذي تلعبه مجموعة فاجنر الروسية” في السودان.

لكنّ التحدي الأكبر للسعوديين والمصريين والإماراتيين هو الابتعاد عن ميلهم التاريخي إلى تفضيل العسكريين الأقوياء داخلياً وأمراء الحرب على المدنيين.

والآن سيكون الصراع في السودان عرضًا واضحاً وجليّاً لـ”الدبلوماسية العربية الجديدة”.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.