الرئيسية » حياتنا » صناعة الخناجر المجدلاوية مهنة تراثية متوارثة في “مجدل شمس”

صناعة الخناجر المجدلاوية مهنة تراثية متوارثة في “مجدل شمس”

وطن – داخل إحدى الفاترينات الزجاجية بمتحف الأسلحة الاثنية، في بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية. يلفت نظر الزائر نماذج متنوعة لما يعرف بـ”الخنجر المجدلاني. ” نسبة إلى بلدة “مجدل شمس” الواقعة على السفح الجنوبي لجبل حرمون في الجولان المحتل.

مجدل شمس

اشتهرت مجدل شمس بصناعة السيوف والخناجر منذ مطلع القرن الماضي، على يد الحرفي “عوض” الذي ينتمي لعائلة مسيحية البلدة. وتوارثت عائلته وعائلة قضماني و”منصور عويدات” في البلدة المحتلة فيما بعد صناعة هذا النوع من الخناجر. الذي يدخل في تصميمه العديد من المواد المحلية، ومنها قرون الماعز والنحاس والفولاذ والصدف وبعضها مستورد كاللؤلؤ والمرجان والعاج.

وروى “محمد زعل سلوم” أحد المهتمين بتاريخ وتراث الجولان لـ”وطن”، أن أبناء الجولان عامة كان يمنطقون بالخنجر دلالة على الجاه والثراء.

كما كان يتحزم به رجالات الشام وبيروت وصيدا وصور وصفد والخالصة.

وأشار محدثنا إلى أن والده “زعل ناصر السلوم” شيخ العجارمة”، الذي ينحدر من مدينة القنيطرة 1943. كان في زيارة لزعيم حي الميدان الدمشقي وفارسه “أبو علي القلاوي” منتصف الستينات.  فأراد الثاني تكريمه وإهدائه بارودة عصملي وسيفاً دمشقياً وخنجراً مجدلاوياً وعباءة جده الفارس.

والتقط  له في منزله صورة لا زالت في حوزة العائلة، وظلت الذكرى الوحيدة من الجولان عام  1967 بعد النزوح إضافة لطاولة سفرة عملاقة.

قد يهمك أيضا:

الخنجر المجدلاني

ويتألف “الخنجر المجدلاني” من نصل وقبضة وقراب (غمد). وغالباً ما يكون النصل من الفولاذ والقبضة من قرون الحيوانات كالماعز أو الجواميس وأحياناً من قرون الغزال.

ويتم ترصيع الخنجر بالنحاس والصدف أو اللؤلؤ  أحياناً حسب ميزانية الزبون وطلبه. وأغلب هذه المواد-كما يقول- متوفرة في الجولان.

مراحل تصنيع الخناجر المجدلانية

ورافقت صناعة الخناجر حاجة الإنسان إلى سلاح يدافع به عن نفسه، في زمن لم تكن فيه الأسلحة المعروفة اليوم قد ظهرت.

وكانت الخناجر المجدلانية في الماضي -كما يقول السلوم- سلعة رائجة في هذه البلدة، لكونها قطعة أساسية يحملها الرجل للزينة أو للاحتراز من اللصوص وقطاع الطرق. وخاصة بالنسبة للمسافرين.

الخناجر المجدلاوية

أما الآن فاقتصر الأمر على اقتنائها كقطع تقليدية جميلة وتراث قديم تزيّن به جدران البيوت وفاترينات التحف.

الجوهر

وحول مراحل تصنيع الخناجر المجدلانية، أوضح السلوم أن المرحلة الأولى في هذه المهنة هي تجهيز النصل من الفولاذ الممتاز أو (الجوهر) . نسبة إلى القائد “جوهر الصقلي الذي يُحمى على النار ويُطرق حتى بصبح جاهزاً.

ويقوم الحرفي المجدلاني بعدها بالحفر على النصل بريشة معدنية حادة، حيث يرسم بعض النقوش أو يكتب عبارة “شغل مجدل” وسنة التصنيع. بالإضافة إلى بعض الجمل التي تتناسب مع الظرف التاريخي. فمثلاً في الأربعينات والخمسينات، كان صنّاع الخناجر يحفرون على النصل جملة “تحيا العرب”.

وفي أوقات سابقة جملة “وما النصر إلا من عند الله”، أو جملة “لا غالب إلا الله” التي كانت تنقش على السيوف وغيرها من الأسلحة البيضاء أيضاً.

وينتقل الحرفي بعدها إلى تجهيز القبضة التي تحتاج إلى حرفية وذوق عالِ–حسب قوله- .

تحفة فنية

حيث يتم تسخين قرن الماعز أو الغنم أو الجاموس على النار حتى يتحول إلى مادة لينة يمكن التحكم بشكلها.

بعد ذلك يتم كبسها حتى تبرد ويتم تقطيعها على شكل حلقات، ثم يتم تركيبها على النصل واختيارها بطريقة معينة. وعند التأكد من ملاءمتها يتم فكها ومعالجتها بالمبرد لتحسين شكلها.

الخناجر المجدلاوية

كذلك يتم الحفر عليها بواسطة المنشار بطريقة فنية، ويتم حشوها بعد ذلك بالنحاس والصدف  باستخدام المطرقة. فتتحول هذه الحلقات عند إعادة تركيبها على النصل إلى تحفة فنية جميلة جداً. وهي عبارة عن قبضة الخنجر وتتكون القبضة من أربعة أجزاء وهي: “شـَمْسة سفلى”الجوزة” “شـَمْسة عليا” إضافة إلى قراب الخنجر(الغمد).

أسد الله الدمشقي

ويحتاج صنع الخنجر العادي إلى يوم عمل كامل، أما الخنجر المميز فقد يحتاج إلى يومين أو ثلاثة أيام. ويكون عندها فعلاً تحفة فنية رائعة. كتلك المعروضة في متحف الأسلحة الاثنية في بنسلفانيا بالولايات المتحدة الامريكية والمتحف البريطاني في لندن.

ويذكر أن صناعة الخناجر حرفة تراثية متوارثة أباً عن جد، يرجع تاريخ نشوئها إلى مئات السنين حيث رافقت فترة اكتشاف المعادن وتطويعها في سوريا.

وعاشت هذه الصناعة عصرها الذهبي في سوريا علي يد “أسد الله الدمشقي”. الذي كان من أفضل صانعي السيوف والخناجر قبل حوالي سبعة قرون.

مدرسة مختصة

ومازالت بعض المتاحف في دمشق وباقي المحافظات، تحتفظ بعدد كبير من الخناجر والسيوف المحفور على مقبضها أو نصلها الختم الخاص بأسد الله الدمشقي واسمه.

وعندما غزا المغول والتتار بلاد الشام، نقلوا أسد الله الدمشقي وعدداً من صنَّاعه المهرة إلي إيران وبعض بلدان آسيا. وأسسوا هناك مدرسة اختصت بصناعة السيوف والخناجر ما زالت تُعرف باسم مؤسسها أسد الله الدمشقي إلى الآن.

المصدر: (خاص وطن)

اقرأ أيضا:

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.