الرئيسية » الهدهد » السحر والشعوذة .. تجارة رائجة يقبل عليها السوريون في ظل وطأة الحرب

السحر والشعوذة .. تجارة رائجة يقبل عليها السوريون في ظل وطأة الحرب

وطن – قبل عرضه على أحد المشعوذين، اُسعف الشاب “محمود” 29 عاماً –اسم مستعار- إلى أحد المشافي الخاصة في حمص وهو يعاني من حالة اكتئاب شديدة. حسب وصف أحد الأطباء النفسيين الذين أشرفوا على حالته.

إلا أن علاجه لم يثمر فتطوع أحد المشعوذين في المدينة لطرد الجان من جسده. وقام مع والده ووالدته وأحد جيرانه بتثبيته قبل أن ينهال عليه المشعوذ بالضرب والصدمات الكهربائية.

ولما هدأ جسمه الذي ظل يتلوى ويتشنج ويقاوم الألم ظن الأهل أنه نام بعد خروج الجن من أصبع قدمه الصغير حسب ما وصف لهم المشعوذ. ليكتشفوا فيما بعد أنه جثة هامدة وتم إسعافه إلى المشفى الوطني بحمص وهناك قال لهم الأطباء إن جثته متفحمة من أثر الصدمات الكهربائية. التي تعرض لها، وأن ثقوباً خُطت في رقبته وثمة كسور في أضلعه وركبته واحتقان في أمعائه وبطنه. وليس في جسده شبر إلا وفيه ضربة عصا أو لسعة كهرباء !.

هذه القصة وغيرها تشير بوضوح إلى أن ما يُعرف بالسحر والشعوذة، لا يزالا منتشرا لدى شريحة واسعة من السوريين. رغم تطور وسائل وأساليب الطب الحديث وبخاصة في مجال العلاج النفسي.

كما تنتشر أعداد كبيرة من المشعوذين الذين راكموا مليارات الليرات السورية من جيوب البسطاء. ويمكن تصنيف هؤلاء المشعوذين الآن ضمن قائمة تجار الأزمات التي تطال مختلف الشرائح الإجتماعية. ولا سيما تلك الأكثر ضعفاً ممن يبحث بعض المنتمين إليها عن حلول في ظل انتشار الفقر وانسداد أفق حل أزماتهم وتحسين أوضاعهم التي أفرزتها تداعيات الحرب.

المعتقلون والمختفون قسريا

ومعرفة الغيب ليست الأمر الوحيد الذي يطرحه المشعوذون خلال استعراض مهاراتهم. إنما أيضاً الادعاء بقدرتهم على حل الأزمات المعيشية والأمراض وفك السحر والرصد وجلب الحبيب وتزويج البنات.

بينما دخل موضوع الإفراج عن المعتقلين ومعرفة مكان المختفين قسرياً على الخط منذ بداية الحرب في سوريا. بحسب تقرير لـ”موقع تلفزيون سوريا” بعنوان “ظاهرة الشعوذة في سوريا.. مَن المستفيد؟”

ويأتي انتشار هذه الظاهرة التي تدر الملايين لممارسيها رغم أن المادة 754 من قانون العقوبات، تشدد على أنه” يعاقب بالحبس التكديري وبالغرامة من يتعاطى بقصد الربح مناجاة الأرواح، والتنويم المغناطيسي والتنجيم وقراءة الكف وقراءة ورق اللعب وكل ما له علاقة بعلم الغيب.

كما يعاقب المكرر بالحبس حتى ستة أشهر وبالغرامة حتى مائة ليرة. ويمكن إبعاده إذا كان أجنبياً”واشترط المشرع لقيام الجرم أن يكون بقصد الربح فقط وهذا النوع فقط تتوجب معاقبته لأنه يقبض المال. أما من لا يهدف للحصول إلى المال فلا تجريم له، وأن العقوبة من 500- 2000 ليرة والحبس التكديري الذي تصل مدته من يوم إلى عشرة أيام ليست عقوبة رادعة. ولا تتناسب مع خطورة الفعل وهذا يعد ثغرة في التشريع لأن هؤلاء يمثلون خطراً حقيقياً على المجتمع.

رقى وتعاويذ

كما تحفل الذاكرة الشعبية في حمص كما غيرها من المدن السورية بالكثير من الموروث الشفاهي المرتبط بالخرافة بأشكالها المتعددة. ومنها ما يتعلق بالرقى لإبطال الحسد ودرء إصابة العين لأن (العين حق) كما يقولون، وقلما يخلو بيت في المدينة والريف السوري على حد سواء من نماذج لهذه الرقى والتعاويذ، تبرز في الثقافة الشعبية للناس، وفي سلوكهم اليومي أو في متعلقاتهم الشخصية.

ويعود الاعتقاد بتأثير التعاويذ والرقى على حياة الناس إلى عصور سحيقة من التاريخ فقد وُجد في مكتبة معبد الإله حورس في ادفو – جنوب مصر – كتابا مملوء بالرقى والتعاويذ لطرد العين الشريرة.

وثمة أنشودة معروفة للإله تحوت ورد فيها ” أيها الإله تحوت إذا كنت تحميني لم تبق بي حاجة إلى الخوف من العين.

 

قد يهمك أيضاً:

“مصائب المشعوذين” .. امرأة ذهبت لمشعوذ للعلاج من السحر فغابت عن الوعي وفعل “الدناءة” معها!

“أطعمهم خشباً مطبوخاً وخدعهم بالشعوذة”.. دبلوماسي يتحول إلى “مشعوذ” وينهب 19 مليون دولار من “سعودي وخليجي”!

أمير سعودي معارض يكشف التفاصيل.. المخابرات السعودية تستخدم “السحر والشعوذة” في تنفيذ عملياتها!

بحسب داعية مصريّ .. لن تصدق كم ملياراً يُنفق العرب على “السحر والشعوذة”!

 

كما يعتقد العامة أن المرض هو لعنة من الإله وأسبابه متعددة فقد يُصاب الإنسان بالعين، وذلك لما للعين من مفعول سحري وللخلاص من آثار الإصابة بالعين يلجأون إلى طرق بدائية كالرقية وهي تعويذة تستنجد بقوى ما وراء الطبيعة، كما ذكرنا آنفاً لأن العين تأخذ حقها من الحجر كما يقولون. والعين التي تترك أثراً سلبيا هي الزرقاء ولاتقائها يضعون الخرزة الزرقاء أو الأحجار وبعض الحجب لقدرتها على ” رد الشر ” – كما يزعمون.

ومن هنا فالحجارة في الخواتم تجلب الخير والبركة والرزق لحاملها وبعضها يشفي من الأمراض. لذلك كانت الأمهات يخطن الأحجار الكريمة والخرز على صدور أطفالهن أو على أغطية رؤوسهم، ويقال أن للخرزة الزرقاء علاقة بالصراع بين الساميين والحاميين في الزمن القديم.

طلاسم وأحجية

كما جاء في قاموس المنجد للغة والإعلام: التعويذة مفرد تعاويذ و (المعاذة) مفرد معاذات – أسماء بمعنى الرقية وهي التي تُكتب وتعلق على الإنسان لتقيه – في اعتقادهم – من الجنون والعين و(المعوذ) موضع القلادة.

أما الرقية فهي أن يُستعان للحصول على أمر بقوى تفوق القوى الطبيعية في زعمهم أو وهمهم. والراقي من يصنع الرقية، و” التمائم ” مفردها تميمة وهي أي شيء يحمله أو يضعه الإنسان في مكان ما للوقاية من مكروه أو تحقيق غرض يسعى إليه وقد يكون هذا الشيء من حجر أو معدن أو عظم.

وقد وردت الرقية في القرآن الكريم بمعنى الطبيب قال الله تعالى في كتابه العزيز (كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق) – أي من يعالج المريض إذ بلغت النفس الحلقوم.

أما الحجب أو الأحجبة فهي نوع من التمائم تستعمل لأغراض اعتقادية، وجاء في المنجد أيضاً (الحجاب) حرز يُكتب فيه شيء ويُلبس وقاية لصاحبه في زعمهم من تأثير السلاح أو العين أو غير ذلك.

بينما تُكتب الحُجب بالحبر الأحمر أو الأخضر أو بالزعفران ثم تُغلف الكتابة بالجلد وتوضع مع الثياب. ويقوم المعوذ بتدوين طلاسم وأحجية غير مفهومة بحبر الكوبيا. على الغلاف فإذا جاء إليه من يشكو من مرض أو علة، يضع أوراق هذا الطلسم المكتوب في وعاء فيه ماء فيقوم الشاكي بشربه ” ليحصل له الشفاء، كما يدعون.

شعوذة عابرة للحدود

ولم تقتصر أعمال السحر المشبوهة على سراديب مخفية تفوح منها روائح المواد النافذة من بخور وزعفران وغيرها. بل بات ممارسو هذه “المهنة” يستخدمون وسائل الإتصال الحديثة في التواصل مع ضحاياهم.

كما كشفت وزارة الداخلية السورية على موقعها الرسمي في شباط فبراير الماضي. أنها ألقت القبض على رجل امتهن أساليب السحر والشعوذة بمساعدة مشعوذة من خارج البلاد. وبالاشتراك مع زوجته، حيث قام بالاحتيال على المواطنين بمبالغ مالية كبيرة.

وأضافت الوزارة التابعة لنظام الأسد، أنها تلقت شكوى أحد المواطنين إلى قسم شرطة حي دمر في دمشق بإقدام شخص ملقب بأبو عدي. على استجرار مبالغ مالية منه بلغت قيمتها خمسين مليون ليرة سورية باستخدام السحر والشعوذة بعد إيهامه أنه قادر على تسفيره إلى خارج القطر. وتدبير عمل يدر له أموالا طائلة.

بينما تابعت الوزارة أنها تمكنت من إلقاء القبض بكمين محكم على الساحر محمد. ح وعلى زوجته المدعوة “غ”. مؤكدة أنها عثرت في منزله على أدوات السحـر والشعوذة وطلاسم تمت مصادرتها.

وبالتحقيق معه اعترف بالنصب والاحتيال على عدد من المواطنين باستخدام أساليب السـحر والشعوذة. بعد إيهامهم بأنه قادر على تسفيرهم وجلب الحظ.

وأكدت أن الساحر اعترف بتواصله مع مشعوذة في دولة مجاورة، من دون أن تحددها. لكي يتعلم منها بعض أساليب السحر والشعوذة. كما أشارت إلى اعتراف زوجته بالاشتراك معه بأعمال السحر والشعوذة.

في وكر المشعوذين

وحول عالم الحسد والمشعوذين أنجز الصحفي السوري “أحمد الحسن” تحقيقاً استقصائياً بعنوان “خيام المندل”، فاز مؤخراً بجائزة منتدى الإبداع الإعلامي في جامعة اليرموك بمدينة إربد الأردنية.

وروى الحسن لـ”وطن” قصة اقتحامه لهذا العالم الغريب الغامض الذي بدأ -كما يقول- بجلسة مع أحد أصحابه من ساكني مخيم الزعتري (شمال الأردن). وحديثه عن وجود أشخاص ذكوراً وإناثاً يستغلون حوائج الناس وجهلهم في وضع حجُب وتعاويذ كاذبة لهم على أسس خاطئة ولقاء مبالغ مالية كبيرة.

الأمر شدّه ودفعه-كما يقول- لإنجاز تحقيق يكشف فيه هذه الممارسات السلبية ليس فقط فيما يخص من يقوم بها. إنما فيما يخص ضحاياها، فالكل يعلم بؤس ومأساة أهالي الزعتري وظروفهم المعيشية الصعبة.

بينما أضاف الحسن أنه لم يكن من السهل عليه اقتحام عالم السحر والشعوذة في المخيم لحساسية الموضوع بالنسبة للكثير من سكان الزعتري. إضافة إلى أن الفكرة بحد ذاتها خطرة وتحتاج جرأة كبيرة، فموضوع السحر والجن-كما يقول- مذكور في القرآن ولا يمكن إنكاره. لذلك تطلب الموضوع منه بحثاً طويلاً استمر لأكثر من شهر واستشارة رجال ثقات.

فك السحر أو معرفة الطالع

كما أوضح محدثنا أنه كان حريصاً على تدوين كل شيء يتعلق بالموضوع قبل الانطلاق في رحلته المحفوفة بالسرية. وكان عليه –كما يقول- تجهيز مجموعة من القصص والأسماء المستعارة ليستخدمها في تمويه شخصيته أمام المشعوذين الذين سيقابلهم في الزعتري.

وروى معد التحقيق الذي ينحدر من مدينة إزرع بريف درعا، ويدرس ماجستير الإعلام في جامعة اليرموك الأردنية حالياً. أنه التقى في الزعتري بداية بسيدة ستينية تُدعى “أم عبدو” وقص عليها قصة مفتعلة مدعياً أنه طالب في تخصص الصيدلة. وكان الأول على قسمه إلا أنه أصبح منذ فترة يشكو من عدم تمكنه من الدراسة وقراءة الكتب. وأنه أصبح لا يستطيع الإجابة على أسئلة الامتحانات ويخشى أن يؤثر ذلك على معدله ويؤخر تخرجه.

فطلبت منه اللاجئة المسنة قماشاً من ملابسه وكتبت له مجموعة من الحُجب وأخذت منه مبلغاً معيناً. والسيناريو ذاته حصل مع المشعوذين الآخرين ومن يدعون فك السحر أو معرفة الطالع أو جلب الغائب.

كما كشف محدثنا أنه كان حريصاً على سلامته واتخاذ احتياطاته. فكان يضع في جيبه مصحفاً ويصلي ركعتين قبل كل موعد اتقاء لأي ضرر محتمل.

بينما اضاف أن المشعوذين هم سلسلة واحدة إن أمسكت أولها وصلت إلى آخرها، وكلهم كما يقول. يتم إغراؤهم بالمال وأسلوب الكلام وكيفية عرض القصة. وإمكانية إقناعهم بصدقها وهذا ما كان حريصاً على تنفيذه.

مشعوذ في صيدلية

كما كشفت دراسة أجراها الدكتور محمد عبد العظيم الخبير بمركز البحوث الجنائية في القاهرة حول السحر والشعوذة. أن الدول العربية تنفق ما يزيد على خمسة مليارات من الدولارات سنويا على السحر والشعوذة. ويوجد في الدول العربية ما يزيد على ربع مليون ساحر.

كما أكدت الدراسة على أن ما يزيد على 300 ألف شخص في مصر وحدها يدعون القدرة على علاج الأمراض كافة. وأن ضحايا السحر والشعوذة هم من الجهلة والمتعلمين على حد سواء.

وفي هذا السياق ضجت مواقع التواصل الاجتماعي العام الماضي 2021 بقصة صيدلانية كانت على خلاف عائلي حول ملكية منزل. فاقتنعت بنصيحة أحد معارفها ولجأت إلى مشعوذ “لديه قدرة على إعادة الحق إلى أصحابه عن طريق قراءات وكتابة الطلاسم”. وفعلا كان يحضر المشعوذ ويقرأ كلمات بلهجة غير مفهومة أثناء تجوله بالصيدلية.

بينما وفي آخر زيارة له طلب من الصيدلانية الخروج من الصيدلية بحجة أنه سيقرأ التعويذات بمفرده. وطلب إخراج مصاغها بحجة القراءة عليه ووضعه تحت المصحف. وطلب منها إحضار الملح وعلبة مياه مختومة وكمية من الكمون. وعند خروجها لإحضار الكمون فرّ بمالها ومصاغها. بعدها تمكنت شرطة المرجة من القبض عليه في شارع الثورة بكمين محكم.

 

(المصدر: وطن + تلفزيون سوريا)

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.