الرئيسية » غير مصنف » العرب في ذاكرة التاريخ ووعيه

العرب في ذاكرة التاريخ ووعيه

(3) الانطلاقــــة الإنسانيــــة :

بعد انطلاقتها الأولى شرعت العقيدة المكافحة تسفر عن سماتها الخاصة ، وتمثلت أول تلك السمات في السمة الإنسانية ، وكانت السمة الإنسانية متأصلة ومتغلغـلة في ثنايا تلك العقيدة ، كذلك ارتبط بهذه السمة سمة أخرى تجسدت في العالمية ، وكان من المنطقي والطبيعي معاً أن تنقل العقيدة هاتين السمتين إلى الحضـارة التي رافقتها دوماً وارتبطت بها أبداً ، فاكتسبت الحضارة الإسلامية سمتي الإنسانية والعالمية .

وجاءت الاستجابة على قدر عظم الرسالة ، فاستقبلت كافة العناصر والأعراق العقيدة بقلوب طيّعة وعقول نيّرة ، وانبرت جميعها تشيد صروح حضارة الإسلام ، فخرجت تعبيرات ونماذج الحضارة الإسلامية في كافة بلاد المسلمين تحمل طابعاً واحداً وقاسماً مشتركاً ينطقا معاً بعقيدة وحضارة الإسلام ، لقد ذابت كل الأعراق في إطار العقيدة المكافحة فخرجت الحضارة الإسلامية معبرة عن سعة أفق ذلك الإطار ، وقدرته على استيعاب كافة تلك العناصر بما تصحبه من موروثات حضارية وثقافية لا تزال عالقة بذاكرتها العامة ووعيها الجماعي ، وجاء ذلك التعبير في مزيج رائع من الهوية الإسلامية الطاغية تتخللها اللمحات ذات الخصوصية ، وهكذا كانت حضارة الإسلام إسهاماً من كل المسلمين .

أولاً : الإسلام وحضارته للناس أجمعين :

الإنسانية سمة عامة تسم الجنس البشري مجردة إياه من كافة العوارض الزائلة مثل : العرق والأصل والمركز المادي والوضع الاجتماعي والمحتوى الفكري والتوجه العقلي  وتتعامل معه بمنطق الروح الواحدة والخصائص الطبيعية الغريزية .

وكانت هذه إحدى أهم سمات العقيدة المكافحة ، فقد نظرت إلى الإنسان بمنظار يتفق مع كونها جاءت من لدن خالق ذلك المخلوق ، فقد أرسل الحق تبارك وتعالى عقيدة التوحيد لتخاطب في الناس طبيعتهم الإنسانية التي أساسها وجـوهرها الروح ثم غلافها ومظهرها المادة ، وعليه فالبشر أمام عقيدة التوحيد سواء ، لا فضل لأحدهم على آخر إلا بما وقر في قلبه من إيمان وما تركه ذلك الإيمان على جوارحه من أمارات ، وتوضيح ذلك يتم فيما يلي :

أ : رسالة العقيدة إنسانية موجهة إلى كل البشر :

كان الرسول الكريم على علم يقيني من ربه بأنه قد أرسله إلى الناس كافة ، وقد بين ذلك في الذكر الحكيم ، وكذلك كان الرواد الأوائل يعلمون ويعون أنهم إنما اختصوا واصطفوا لحمل الرسالة إلى الناس كافة أيضاً تحت إمرة ذلك الرسول الخاتم ، وقد انطلقوا يحملون الرسالة إلى كل الدنيا ، وهم موقنون بذلك ، ولا علاقة لهذا الأمر بالعنصر الذي ينتمي إليه الرسول الكريم والرواد الأوائل ، فاصطفاء العنصر العربي لمهمة الانطلاقة الأولى والخروج المجيد إلى العالم هو تشريف ولكنه تكليف شاق في ذات الوقت ، فمهمتهم كانت أعظم وعبئهم كان أثقل ، إذ كان عليهم الانطلاق إلى جميع البشر حتى تستطيع هذه العقيدة بعد ذلك أن تعتمد على نفسها وتتغذى من داخلها ، ثم يواصلون دورهم ضمن كافة العناصر التي انتظمهم الإسلام تحت لوائه ، حيث يشترك الجميع في صياغة حضارة الإسلام كل بما قُدر له .

لقد استشعر المخاطبون بالعقيدة من كافة الأعراق والعناصر هذه السمة ثم لمسوها وعايشوها واقعاً وسلوكاً ، وكان ذلك مستنداً على مرجعيات راسخة مصدرها الخالق العظيم والرسول الكريم ممثلة في القرآن الحكيم والسنة النبوية المطهرة ، وكانت الاستجابة رائعة ، حيث زادت من حماس تلك العناصر ، وقوّت رغبتهم في اعتناق العقيدة والدعوة إليها ، وشاركوا العنصر العربي في ذلك وشكّلوا مدداً متجدداً .

لقد أصبح كل البشر مخاطبين بالدعوة ، ولا فرق بينهم في استقبالها ، ولا فرق بينهم كذلك في اعتناقها ، وبعد اعتناقها لا يفرق بين المؤمنين بها إلا قوة إيمان كل منهم ، فالمساواة إذن هي إحدى عُمد عقيدة التوحيد ، وترتبط بإنسانية تلك العقيدة ارتباطاً عضوياً ، وسيستمر هذا الخطاب بهذا المنطق موجهاً لبني البشر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

وقد كافحت عقيدة التوحيد من أجل أن تصل إلى كافة الأعراق ، وكافحت كذلك من أجل أن تثبت وترسخ قيم المساواة والتآخي بين أبناء العقيدة ، وتذيب فروق العنصر والعرق ، ولكن هل قدر لكافة العناصر والأعراق أن تستجيب لهذه القيم ، وتسلم من شوائب العرقية وتبرأ من إرسابات العنصرية . 

إن الملاحظ أن المسلمين قد استجابوا لتلك القيم ، وكافحوا من أجل ترسيخها في عقولهم وسلوكاتهم خلال حياة الرسول الكريم وخليفته أبي بكر الصديق ، إلا أنه عندما خرجت العقيدة خارج إطار العروبة على العالم أجمع ، وخاطبت كافة الأعراق ، ودخل الناس من كل الأجناس في دين الله بدأت تلك القيم تبسط على محك تجربة قاسية ، حيث طفت العنصرية والعرقية على سطح التفاعلات الاجتماعية ، بالرغم من اجتهادات الخلفاء الراشدين الهادفة إلى تلافي إفرازات ذينك الرذيلتين إبتداءاً من عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب .

فقد خشي بن الخطاب على العرب من سكنى المدن وامتهان المهن الثابتة مثل الزراعة والحرف وغيرها ، وكان مقصد الرجل نقياً خالصاً ، فقد كان يخشى على العرب من أن تفتر همتهم ، ويتقاعسون عن مواصلة الانطلاقة بالعقيدة العالمية المكافحة ، كما كان يخشى على العرب من الاختلاط بالعناصر والأعراق الأخرى فيذهب نقاء عنصرهم ويقل حماسهم وحماس نسلهم المختلط للعقيدة ولنشرها ، وقد أسيء فهم مقصد بن الخطاب ، واستثمر البعض تلك المقاصد من أجل إثارة النعرات العرقية ، وعمدوا إلى تفضيل العنصر العربي على غيره من العناصر والأعراق ، وكان لذلك عواقبه الوخيمة ، حيث ظهر الكثير من الانعكاسات والمثالب التي فرضت على العقيدة مزيداً من الكفاحية للتصدي لتلك السوءات والنعرات المترتبة عليها .

وبقيت العقيدة في ذاتها خالصة نقية من أية نعرات عرقية أو نزعات عنصرية ، وظلت محتفظة بقيم المساواة والإنسانية والأخوة في الدين ، وستظل كذلك إلى أبد الآبدين ، لأنها جاءت من الخالق هكذا خالصة نقية .

ب : حضارة الإسلام وسمتها الإنسانية موجهة لكل الناس :

ذكرنا أن حضارة الإسلام تتبع عقيدة التوحيد أينما حلت ، وتحمل نفس سماتها  فهي إذن حضارة إنسانية موجهة إلى كل بني البشر ، فكل المسلمين سيساهمون في بناء نمط حضاري واحد قائم على قواعد وأصول ثابتة للتعامل مع عناصر الوجود وموجودات الكون .

فكل من يؤمن بعقيدة التوحيد إما أنه سيساهم في بناء حضارة الإسلام المصـاحبة لتلك العقيدة ، إذا كان من ذوي ملكات الابتكار والإبداع ، وإما أنه سيمارس سلوكات حضارية تابعة لحضارة الإسلام المرتبطة بعقيدة التوحيد .

إن التلازم بين عقيدة التوحيد وحضارة الإسلام تلازم لا انفصال فيه ، ولا يمكن أن يحدث ذلك الانفصال في أي وقت من الأوقات ، إلا في حالة الانقطاع الحضاري ، وهنا فالعقيدة تتحول إلى ديانة تحوي نسقاً من النسك والشعائر والعبادات والحدود والأحكام والفرائض ولا علاقة لها بنسق الحياة الاجتماعية التي تتحول هي الأخرى إلى حياة مادية بحتة لا تسودها قيم العقيدة ولا تضبطها مبادئ ومثل الإسلام ، ومن ثم لا يمكن الحديث عن نظام اجتماعي إسلامي أو الإسلام كنظام اجتماعي ويصبح لا معنى للحديث عن الحضارة الإسلامية .

ثانباً : كل الأعراق والعناصر تشيد صروح الحضارة الإسلامية :

انتهينا في ما سبق إلى أن الإسلام وحضارته للناس أجمعين ، فكل بني البشر في كل مكان وفق هذه النتيجة مخاطبون بعقيدة التوحيد ومخاطبون كذلك بالحضارة المصاحبة لتلك العقيدة وهي حضارة الإسلام .

وعليه فقد انتصبت للإسلام ذات حضارية لها جذورها ومصادرها ومرجعياتها ، ولها كذلك مقوماتها وأشكالها ونماذجها ، ولها أيضاً خصائصها وسماتها ، ولها أخيراً مقاصدها وغاياتها ، وهذه الحضارة بالوصف المتقدم تمثل الاستجابة الطبيعية والمنطقية التي أجاب بها المخاطبون بعقيدة التوحيد على تلك العقيدة ، فقد قبلوا العقيدة واعتنقوها وذابوا فيها ، وكان رد فعلهم واستجابتهم متمثلة في الحضارة الإسلامية ، فحضارة الإسلام رد فعل من المسلمين على عقيدة الإسلام ، ومن ثم كان التلازم بين العقيدة الإسلامية والحضارة الإسلامية ، وكان كذلك التناظر في السمات والخصائص ، وتفصيل ذلك فيما يلي :

أ : الاستجابة على قدر عظم الرسالة :

لماذا كانت حضارة الإسلام عظيمة شامخة إنسانية خالدة ، تحمل من القيم ما لم تحمله ولن تحمله حضارة أخرى ؟! كانت حضارة الإسلام كذلك لأنها جاءت بمثابة رد فعل على عقيدة التوحيد التي جاءت من الخالق العظيم إلى الكون كله ، لكي يوحّد ويمجّد ويقدّس خالقه الحي القيوم ، فعقيدة التوحيد إذن هي رسالة الخالق إلى خلقه ، ولابد أن تكون الاستجابة على قدر عظم الرسالة ، فكانت الاستجابة متمثلة في حضارة الإسلام العظيم ، إنها الحضارة التي تعبر عن سلوكات أبناء عقيدة التوحيد مع الكون وفق ما جاءت به عقيدتهم .

لقد حملت عقيدة التوحيد تعاليم وأصول وقواعد التعامل مع عناصر الوجود وموجودات الكون ، وكان على كل من يعتنق تلك العقيدة أن يتعامل مع الكون وموجوداته والوجود وعناصره وفق تلك التعاليم ، ومن ثم نتجت الحضارة تعبيراً عن ذلك التعامل ، إن من يحيي عقيدة التوحيد ، ويعيش وفق أركانها ومقوماتها لابد أن يتفاعل مع الكون والوجود بأساليب وطرق وأنماط بذاتها ، فينتج عن ذلك نماذج حضارية هي عينها حضارة الإسلام تصبح بمثابة التفاعل والتناغم والانسجام مع الكون والوجود بتعاليم وأصول وقواعد عقيدة التوحيد .

لقد كان من نتيجة ما تقد أن أصبح العامل الأخلاقي والوازع الروحي هما عماد ومحور وجوهر حضارة الإسلام ، لأن عقيد التوحيد التي صاغت قواعد وأصول التعامل مع الكون قد صاغتها على أسس أخلاقية ومبادئ روحية ، فجاءت أنماط الحضارة الإسلامية مرتكزة على أسس أخلاقية روحية ، وهذا هو الفارق الجوهري الذي أعطى حضارة الإسلام التفرد والتميز عن أية حضارة أخرى .

كان على المسلمين أن يدركوا حقيقة الارتباط والتلازم بين عقيدتهم وبين ما يشرعون في بنائه من حضارة ، وبالفعل أدرك الرواد الأوائل من المسلمين مع المدد المتجدد من الأعراق التي اعتنقت عقيدة التوحيد تلك الحقيقة ، فكانت استجابتهم على قدر عظم الرسالة التي تحملها تلك العقيدة ، وجاءت حضارة الإسلام عظيمة متفردة في كل شيء .

ب : كافة الأعراق تقدم كل ما لديها وتبني حضارة الإسلام :

لقد أصبحت حضارة الإسلام مسئولية كافة الأعراق التي اعتنقت عقيدة التوحيد ، وصار من المحتم على كل عرق وعنصر أن يجتهد من أجل تقديم ما لديه من إبداعات وابتكارات لبناء صروح حضارة الإسلام .

وفي ذلك كانت هناك قواعد وأصول وقواسم مشتركة يلتزم بها الجميع ، وتجمع بين كافة العناصر والأعراق ، ومن ثم كانت مخرجات الإبداع وإفرازات الابتكار المبنية على تلك القواعد والأصول والقواسم مشتركة ومتطابقة ، وباتت تحمل الهوية الإسلامية الخالصة التي تعكس حضارة الإسلام وعقيدته ، ولا تتصل أو ترتبط بالعناصر والأعراق وما لديها من خصوصيات ثقافية أو ذاتيات حضارية .

لقد كانت إبداعات وابتكارات المسلمين رائعة في كافة المجالات التي أصبحت فيما بعد مقومات وأشكال ونماذج وتعبيرات للحضارة الإسلامية : في الدعوة إلى العقيدة والحضارة الإسلامية ، في التنظيم بكافة أشكاله الإدارية والسياسية ، في النظام الاجتماعي ، في الجيوش ، في العمران والمدنية ، في العلوم والمعارف بكافة توجهاتها الدينية والدنيوية ، في كل ما تقدم ساهمت كافة العناصر والأعراق التي انضوت تحت لواء الإسلام واعتنقت عقيدته ، وأصبحت المخرجات الناتجة عن تلك الإبداعات والرصيد المتراكم المترتب على تلك الابتكارات ملكاً للمسلمين في كل مكان ومن كل عرق وعنصر بل وفي كل زمان ، أصبحوا جميعاً شركاء في تلك الحضارة ، ومشاركين في نماذجها وتعبيراتها ، ومعنيين بتطورها ومستقبلها ومهتمين بكل ما يصيبها من انقطاع أو تدهور أو تداعي فهي بهم ولهم .

وهكذا برزت كفاحية العقيدة وحضارتها في قدرتها العظيمة والفائقة على لمّ شمل المسلمين وتجميعهم وتأليفهم في إطار واحد يبدعون جميعاً ويبتكرون جميعاً ، يحدوهم هدف وحيد هو الإسلام وحضارته ، ذابت الأعراق والعناصر وتلاشت الأهواء والمشارب واندثرت الخصوصيات والذاتيات أمام تلك الكفاحية الرائعة ومضائها الجبار .

ثم برزت الكفاحية وتجلت مرة أخرى وبإبداع لا يقل عن ذي قبل في السماح للخصوصيات بأن تبدو دون صخب ، وللذاتيات بأن تبرز دون تشرذم وتحزب ، كلاهما برز في لمحات لطيفة هادئة ، وإشارات رقيقة هيّنة ، وتعبيرات بسيطـة قيّمة ، تتخلل الإبداعات ، وتأتي في ثنايا الابتكارات ، فتطل النماذج والأشكال الحضارية الإسلامية في كل متناغم متناسق معبر عن الهوية الإسلامية ، مجامل للعرقية والعنصرية ، حاصل منها على أجمل وأرق وأروع ما فيها ، غاض الطرف عن ما فيها من شوائب التحزب وإرسابات التشرذم وتداعيات التفرق !! 

لقد أبدع كل عنصر فيما قدّر لـه أن يبدع ، وابتكر كل عرق فيما شاء الله لـه أن يبتكر ، وقدمت كل نفس ما في وسعها ، وكانت حضارة الإسـلام جماع جهد المسلمين في كل مكان ، فهناك من أبدع في أصول الدعوة وأساليبها ووسائلها ، وهناك من أجاد في مســائل التنظيم الإداري والسياسي ، وهناك من امتاز في النظام الاجتماعي ، وهناك من ابتكر في العمران والمدنية ، وهناك من اجتهد في العلوم الدينية والدنيوية ، وهناك من استبسل في الدفاع عن حمى الإسلام وحضارته .

ت : كفاحية العقيدة وحضارتها في الدعوة السلمية والعلاقات الإنسانية:

أتمت العقيدة الإسلامية سمتها الإنسانية من خلال روح الكفاحية التي بثتها في حضارتها في الدعوة السلمية والعلاقات الإنسانية بالآخر ، وقد انبعث في ذلك من أصول وقواعد مستقاة من مرجعياتها المعتمدة وهي القرآن الكريم والسنة المطهرة ونموذج دولة الرسول الكريم ، وتوضيح ذلك من خــلال الآتي :

(1)كفاحية الدعوة السلمية : إنسانية العقيدة وحضارتها تجاوزت الدعوة بشكلها التقليدي الذي تمثل في الفتح وإزالة عوائق الدعوة بالوسائل العنيفة والصراعات العضوية إلى الدعوة بشكلها السلمي البسيط الذي يتم عبر العلاقات والتبادلات الاجتماعية والتجارية وغيرها ، وقد بذلت عقيدة التوحيد جهوداً جبارة أبرزت قدرتها الكفاحية على العمل في هذا الاتجاه ، فقد خاضت تجربة الدعوة السلمية في أماكن كثيرة من العالم ، وانتشرت العقيدة في أقاليم شاسعة عبر هذه التجربة وقامت على أثر ذلك نماذج مزدهرة وأشكال يانعة من الحضارة الإسلامية في تلك الأماكن والأقاليم .

لقد ابتدعت العقيدة من الأساليب والوسائل المستقاة من المرجعيات الإسلامية ما مكنها من الدعوة السلمية بطريقة أثبتت أن تلك العقيدة لم تقتصر على الدعوة عن طريق الفتح بل أنها تصل إلى الناس عبر كافة الطرق والوسائل ، وأنها تصل إلى الناس باختيـارهم ولا تفرض عليهم ، ومن الناس من أقبل على العقيدة برغبته وإرادته واعتنقها طواعية .

(2)العلاقات الإنسانية : فيما يتعلق بالعلاقات الإنسانية كان لعقيدة التوحيد منطقها القويم الذي صنف تلك العلاقات على نحو معين ، وبناء على ذلك التصنيف أقام تلك العلاقات ، وكان ذلك النحو كما هو وارد :

*الآخر كتراث حضاري وثقافي وقيم وعلوم ومعارف : ومع هذا الآخر تعاملت العقيدة الإسلامية ومن ثم الحضارة الإسلامية على أساس الاستفادة من قويم تلك القيم ومفيد تلك العلوم والمعارف والإضافة إليها وتطويرها .

*الآخر كبشر: وهذا البشر علاقته بالمسلمين تأتي على حالتين نوضحهما فيما يلي :  

ـ الحالة الأولى قبل أن توجه إليه الدعوة ويُبلغ بالعقيدة : وهو في هذه الحالة – كما سبق وأوضحنا – مخاطب بعقيدة التوحيد في أي مكان هو فيـه ، وعلى القائمين على أمر العقيدة توجيه الدعوة إليه ، ومن لم تصل إليه الدعوة ولم يبلغ بها فعبء ذلك وعواقبه تقع على المسلمين .

ـ الحالة الثانية بعد أن يتم تبليغه ويرفض الدعوة أو يتجاهلها : وفي هذه الحالة يتحلل المسلمون من عبء تبليغه ويوكل أمره إلى الله ، ويظل مخاطباً بالدعوة ، ولا يساء إليه ولكن لا يتخذه المؤمنون ولياً من دون المؤمنين .

*تقديم الحضارة الإسلامية للقيم والعلوم والمعارف في شتى الميادين والمجالات حتى يمكن لجميع بني البشر الإطلاع عليها والإلمام بها ، فقد تلقى لديهم القبول والارتياح .

ولا يزال لقاؤنا ممتد مع الهوية الإسلامية للذات الحضارية

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.