الرئيسية » أرشيف - فضاء واسع » حمص يا مدينة الصلاة

حمص يا مدينة الصلاة

عشرون شهراً وحمص لا تزال محاصرة، وأجزم أن ما تعرضت له غزة على يد الإجرام الصهيوني أقل بكثير مما رأته حمص على يد بشار الأسد وشبيحته. حمص لمن لا يعرفها مدينة خالية من العلويين، لكنها تقع بالقرب من  معاقل شبيحة حزب الله في بعلبك وتتصل في الوقت نفسه بالحدود العراقية، وتقع بالتالي بين منطقتين خادمتين لنظام الأسد، فأريد لها أن تكون على الخط الطائفي للعلويين. ولهذا قام حافظ الأسد بزرع ثلاث مستوطنات علوية فيها تمهيداً لسلخها عن واقعها السكاني الأصلي.
 
استعمر الأسد الأب المدينة وبنى فيها مستوطنات عكرمة والنزهة والزهراء. وطلب إلى سكان هذه المناطق التحرش بأهل حمص ومضايقتهم قدر الإمكان وهذا ما فعلوه بالضبط، فقد كانوا يقتحمون الشوارع في نهارات رمضان ويتفاخرون بشربهم للخمور، وكانوا يكسرون الأعراف بتصرفاتهم ولباسهم بل ولهجتهم. كانوا يخطفون السُّنة المعترضين على النظام فيسلخون جلودهم في تلك المستوطنات وبعلم الأسد وشبيحته.
 
عندما اندلعت الثورة السورية المباركة شنّ النظام هجوماً عنيفاً على حمص، بقصد ترويع أهلها وثنيهم عن الثورة، ولم يُعرف تاريخياً أن حاصر جيش مجحفل بالسلاح والطائرات منطقة لا يملك أهلها سلاحاً لما يقارب سنتين زاخرتين بأقبح الجرائم في تاريخ الإنسانية كلها، فقد منع النظام عن السكان الغاز والكهرباء والدواء ودمر خزانات المياه والمخابز.
 
صبرت حمص وصبر أهلها، وبعد سنتين من هذا الصبر واحتمال عقد جنيف 2 ومحاولة الأسد تحقيق بعض المكاسب على الأرض، قرر تدمير المدينة بشكل كامل وها نحن ندخل في اليوم التاسع للإبادة. إنها ليست كلمة مبالغة، وليست شطحة لغوية، إذ يقوم النظام بصب جحيم البراميل فوق الآمنين، ويقصف البيوت بصواريخ أرض-أرض، ويدمر المدينة القديمة. إنه لا يريد اليوم تهجير أهلها بل إبادتهم بشكل كامل.
 
قام النظام في أول يوم من حملة الإبادة بحرق السجل العقاري في حمص، وقصد بهذا العمل الشيطاني تضييع ممتلكات الناس وعدم قدرتهم في المستقبل على إثبات حقوقهم في أراضيهم أو مساكنهم و ممتلكاتهم، وفي الوقت نفسه يقوم النظام الفاشي بتجنيس الآلاف من الإيرانيين وميلشيات حزب الله والمالكي بالجنسية السورية ويبيع لهم صورياً أراضي حمص وممتلكاتها . ولم يفعل ذلك أحد في التاريخ، اللهم إلا العدو الصهيوني الذي بدأ يخجل من أفعال بشار الأسد فقد وجد نفسه حدثاً في الإجرام أمام سفاح سورية.
 
أبدى المقاومون في حمص نفساً عميقا في القتال، وظهر أحفاد خالد من تحت الرماد يقاتلون، سمعت عبارات بعضهم من الجبهة، يقولون لبعضهم أ أخاف من الموت وقد خرجت أطلب الشهادة، وآخر يقول والله إن النصر لقريب ولو وقفت روسيا وأمريكا و العالم كله ضدنا، وسنحققه بدمائنا فإما أن نراه وإما أن يراه إخواننا. وثالث يقول لا عودة إلى البيت إلا محملاً على الأكتاف وليفعلوا ما يفعلوا. ولما رأى النظام صبر أهل حمص على القتال أطلق عليهم السلاح الكيماوي، ولكن هذه المرة لم يكتف بغاز السارين، بل أطلق عليهم رذاذ حمض الكبريت وغازات ومواد لا يعرف كنهها على وجه التحديد.
 
تقاتل ميليشيات حزب الله وجيش العدو الإيراني جهاراً نهاراً في حمص، مدفوعين بحقدهم الطائفي الذي يصل إلى ذروته إذا تذكرنا أن خالد بن الوليد رضي الله عنه هو الذي  كسر دولتهم ومرغ أنفهم بالتراب، ولهذا تتحدث صفحات الشبيحة كما نقل لي عن ضرورة تدمير مسجد خالد ونبش قبره والعبث بعظامه ثم إرسالها إلى إيران ليتم الانتقام منه بأمر المهدي، إذ تقوم عقيدتهم على أن المهدي سينبش قبور الصحابة ويعاقبهم على ما فعلوا بعلي رضي الله عنه كما يزعمون.
 
لا عتب على أمريكا أو روسيا فهما على الدوام يقاتلان للحفاظ على بشار الأسد، حارس الكيان الصهيوني. ولا عتب على الائتلاف الوطني فأعضاؤه مشغولون بانتخاب أحمد الجربا ذي التاريخ القاتم والتحالفات المشبوهة.
 
ولا عتب على سليم إدريس الذي كذب على الشعب السوري وادعى وصول الأسلحة النوعية للثوار، وما أظنه فعل ذلك إلا ليحطم معنويات الثوار بعد رفعها.
 
من المذهل والمخزي في آن، أن يتفرج العالم بغربه وشرقه وعربه وعجمه على حمص تباد ويستباح أهلها ويساء فيها إلى صحابة رسول الله فلا يتحرك أحد لنصرتها.
 
ومع كل ما تقدم، فإن التفاؤل يملأ قلبي بانتصار الثورة السورية مهما عظمت التضحيات، ولا أعتقد أن أحفاد  سيف الله المسلول يشاركون في معركة ويخسرون.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.