الرئيسية » الهدهد » لماذا غيرت السعودية مسارها حيال الثورة السورية وانقلبت عليها لصالح الأسد؟

لماذا غيرت السعودية مسارها حيال الثورة السورية وانقلبت عليها لصالح الأسد؟

وطن – انتهجت المملكة العربية السعودية سياسة عرجاء حيال الثورة السورية التي تمر هذه الأيام الذكرى الثالثة عشرة لاندلاعها، من دور الداعم لها إلى احتضان بشار الأسد وإعادته إلى الجامعة العربية. لتنتقل بذلك من الضد إلى الضد، ضاربة عرض الحائط بكل الأعراف الإنسانية وبمأساة السوريين طوال السنوات الـ13 الماضية وشلالات الدم التي ملأت شوارع سوريا.

وفي البداية ومع استمرار القمع وانتشار الاحتجاجات السورية وتحولها إلى ثورة، أظهرت السلطات السعودية بشكل متزايد استياءها من نظام الأسد، ودعت الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومقرها جدة، النظام السوري إلى إظهار المزيد من ضبط النفس تجاه مواطنيه.

وبعد استمرار العنف والقمع لمدة أربعة أشهر، خرجت وسائل الإعلام الرسمية في المملكة العربية السعودية عن صمتها ودعت النظام السوري إلى تنفيذ إصلاحات حقيقية – إلغاء قوانين الطوارئ، وإلغاء سيادة حزب البعث، وإطلاق حملة وطنية. والحوار وتقليص العلاقات الوثيقة مع إيران، لكن لم تكن هناك دعوة لاستقالة الأسد.

مناورة ومصالح

وهكذا استمر السعوديون في المناورة بين المصالح المتناقضة: من ناحية انتقاد حاد لدمشق؛ ومن ناحية أخرى، تجنب المزيد من التدهور في العلاقات.

وأشار تقرير لموقع “mepc” إلى أن الملك الراحل عبد الله اقترح على الأسد، تشكيل لجنة مصالحة “سورية سورية” برعاية سعودية، تضم ممثلين عن النظام والأسد.

لكن رفض دمشق للفكرة، وتشديد علاقاتها مع طهران، واستمرار القمع العنيف للاحتجاجات، إلى جانب فشل الجهود السعودية لنزع فتيل الوضع، دفع الرياض إلى اتخاذ موقف مختلف تجاه الأسد.

لهجة الشارع

ولفت التقرير الذي كتبه الأكاديمي الإسرائيلي “يهودا يو بلانجا” إلى أن لهجة الشارع غير المواتية في الداخل والتغيير الجذري في الرأي العام الدولي أثرت على قرار المملكة العربية السعودية بزيادة حجم تصريحاتها الانتقادية حول الوضع في سوريا.

وبعد خمسة أشهر من بدء الاضطرابات، أصبحت دمشق هدفاً لانتقادات واستنكارات شديدة من دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة وحتى حليفتها تركيا. وانضم مجلس التعاون الخليجي إلى الإدانة.

  • اقرأ أيضا:
التطبيع الخليجي مع بشار الأسد حبر على ورق.. لماذا أوقفت السعودية والإمارات استثماراتهما؟

الوقف الفوري للعنف

وفي 6 أغسطس/آب 2011، أصدرت نداء استثنائياً من أجل “الوقف الفوري للعنف… وإراقة الدماء… وإدخال إصلاحات جدية وضرورية من شأنها حماية حقوق وكرامة الشعب السوري، وتلبية تطلعاته”.

وفي وقت لاحق، في 8 أغسطس/آب، كرر الملك عبد الله رسالة مجلس التعاون الخليجي عندما أعلن استدعاء سفيره من دمشق احتجاجاً على عنف النظام ضد مواطنيه ، وبمجرد أن اتخذت الرياض قرار التنديد العلني بالأسد، قررت أيضاً تسريع التحركات في هذا الاتجاه.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2011 قامت الجامعة العربية بدعم سعودي، بتعزيز خطط السلام لاستعادة النظام في سوريا.

في البداية، قبلت دمشق أفكار إنهاء العنف: إزالة قواتها العسكرية والأمنية من المراكز السكانية، والإفراج الفوري عن جميع السجناء السياسيين، والحوار بين النظام والمعارضة، وإرسال مراقب من الجامعة العربية.

وعندما أدركت السعودية أن الأسد قد انتهك الاتفاق مرتين ولم يبذل أي جهد لتحسين الأمور، استدعت ممثليها من قوة المراقبين في 22 يناير/كانون الثاني 2012. وغادر بقية المراقبين سوريا بعد ستة أيام.

وبعد ثلاثة أسابيع من ذلك، في 12 فبراير/شباط 2012، دعا وزير الخارجية السعودي، في كلمته أمام اجتماع خاص لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، الجامعة العربية إلى “اتخاذ إجراءات حاسمة لحل المأزق السوري ولاتخاذ إجراءات أكثر جدية ضد دمشق”.

وتضمنت الخطوات القوية التي اقترحها السعوديون فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على سوريا، وإنشاء قنوات اتصال مع المعارضة السورية، وتقديم المساعدة “بكل أشكال الدعم”.

ولم يتوقف السعوديون عند الكلمات فحسب، بل اتخذوا إجراءات فعلية أيضاً. وفي مايو 2012، قررت الرياض دفع رواتب لأعضاء الجيش السوري الحر من أجل تشجيع الانشقاقات عن قوات الأسد.

  • اقرأ أيضا:
صحيفة سعودية مقربة من الديوان تنقلب على “الأسد” وتفضح حجم ثروته وعلاقته مع نساء مكتب زوجته

تسليح الثوار

والتقى ممثلون عن المعارضة السورية مع ضباط المخابرات السعودية في أوروبا وتركيا لمناقشة احتياجات المتمردين.

وغضت الرياض الطرف عن رجال الأعمال السوريين المرتبطين بالمعارضة الذين كانوا يجمعون الأموال في الخليج لشراء الأسلحة والذخائر التي تم تهريبها بعد ذلك إلى سوريا من قبل الجماعات الموالية للسعودية في لبنان.

وسرعان ما وجد البيت الملكي نفسه منخرطاً بشكل أعمق في تسليح الثوار السوريين، إذ زار الأمير عبد الله بن عبد العزيز، نجل الملك ونائب وزير الخارجية وقتها، أنقرة وطلب إنشاء مركز في مدينة أضنة، على بعد حوالي 100 كيلومتر من الحدود التركية السورية، لتسهيل نقل الأسلحة ومعدات الاتصالات إلى تركيا.

وقال المصدر إن نظرة فاحصة تكشف كيف وصل الدعم السعودي للثوار إلى مراحل توازي تدهور العلاقات بين الرياض ودمشق.

في المرحلة الأولى، عام 2012 وأوائل عام 2013، رأت الرياض أن سقوط الأسد هو هدفها الرئيسي. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فقد أعطت الجزء الأكبر من دعمها للجيش السوري الحر، على أمل أن يكون الجيش السوري الحر بمثابة ركيزة لحكومة مستقرة بعد سقوط البعث.

واستمرت سياسة الصمود على الجبهتين في أوائل عام 2016، عندما أعلن وزير الخارجية السعودي الجديد، عادل الجبير، أن إزاحة الأسد ضرورية لهزيمة داعش. واقترح السعوديون أيضًا إرسال قوات برية إلى سوريا كجزء من التحالف الدولي ضد داعش.

ومع ذلك، فمن الواضح أن الرياض كانت تركز أنظارها أيضًا على قوات الأسد وأرادت الحد من النفوذ الإيراني في سوريا.

وكان التغيير الدراماتيكي في السياسة السعودية، والذي أدى إلى التعاون مع كل من الدوحة وأنقرة، نتيجة لتوسع التدخل العسكري الروسي في القتال ضد تنظيمات المتمردين-حسب وصف التقرير-، وخاصة تلك المرتبطة بالمعارضة العلمانية لنظام الأسد.

هالة غامضة

وعلى الرغم من أن هيمنة موسكو الجديدة على دمشق يمكن أن تقلل من نفوذ طهران، إلا أنها روجت أيضًا لهجوم دبلوماسي ضد الرياض، بهدف ترك الأسد في السلطة.

وإلى جانب التهديد الإيراني والانزعاج من روسيا، كان صناع القرار السعوديون ينظرون بقلق إلى القوة المتنامية لتنظيم داعش، الذي تمتع بهالة الإسلام الغامضة في ذروة نجاحه.

ومع ذلك تحاول السياسة السعودية الآن في مرحلتها الثالثة تجاه الأسد أن تعيد نفس السيناريو القديم والنهج التقليدي المتمثل في الحفاظ على الوضع الراهن، وتخطو عدة خطوات تصالحية مع النظام، فلم تعد تصر على إزاحة الأسد كشرط مسبق للتوصل إلى حل سياسي، بل إعطائه العديد من الحوافز مقابل تقليص نفوذ طهران، لكن دون وجود رؤية لحل الأزمة في سوريا، أو حتى التوصل إلى اتفاق بشأن تغير من جانب الأسد.

تغيير المزاج السعودي

ووفق تقرير لموقع “نون بوست” أدت وفاة الملك عبد الله في 2015 وتسلم أخيه سلمان الحكم إلى تغير كبير في المزاج السياسي السعودي تجاه الثورة السورية خاصة مع صعود محمد بن سلمان وقدوم جيل جديد إلى السلطة، إذ أصبحت الرياض أقل التزامًا بما يجري في سوريا.

ورغم استمرار الدعم لبعض فصائل المعارضة، تراجعت سوريا في قائمة أولويات المملكة، وأصبح كسب الحرب في اليمن الأولوية الرئيسية لولي العهد محمد بن سلمان، بجانب أنه كان مشتتا بسبب صراعاته الخاصة.

مفارقات متناقضة

وأضاف المصدر أن السعوديين وقعوا في مفارقات متناقضة، ما بين التصميم على إسقاط الأسد والتعاون مع ضباط الجيش السوري الحر والخشية من صعود الإسلاميين مثل جماعة الإخوان في سوريا.

وفي الوقت نفسه هزيمة تنظيم الدولة، وضمان عدم سيطرة بعض القوى على الأرض، واحتواء حجم الحماس الجهادي.

وفي نهاية المطاف، فشلت السعودية في بناء تحالف لوقف تقدم إيران، كما تخلت عن الإطاحة بالأسد، وأنهت دعمها لجميع فصائل المعارضة، وتبدو اليوم في أسوأ موقف مقارنة بعام 2011، وهو الأمر الذي يعتبره الكثيرون هزيمة استراتيجية للرياض وانتصاراً لطهران.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.