الرئيسية » تقارير » زيارة “تبون” لتركيا .. محلل جزائري يتحدث لـ”وطن” عن أهميّتها وانعكاساتها على الجزائر ودول الجوار

زيارة “تبون” لتركيا .. محلل جزائري يتحدث لـ”وطن” عن أهميّتها وانعكاساتها على الجزائر ودول الجوار

خاص وطن – في 15 من ماي/ايار الجاري، وصل الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الى تركيا، في زيارة رسمية استغرقت 3 ايام. زيارة أثارت الكثير من الجدل، فهي أول زيارة لرئيس جزائري الى تركيا منذ 2005. في زيارة تأتي بعد 17 سنة في ظل متغيرات اقليمية ودولية.

حول هذه الزيارة وجوانبها ومخرجاتها وانعكاساتها على البلدين وعلى دول جوار الجزائر يتحدث لنا الكاتب والمحلل السياسي الدكتور ادريس ربوح في الحوار التالي.

نبدأ حوارنا من مراسم الاستقبال التي أثارت الكثير من الجدل، في الأعراف الديبلوماسية المتعارف عليه ان استقبال الرؤساء يكون من طرف نظرائهم اي مسؤول من الدرجة الديبلوماسية نفسها، لكن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون تم استقباله من طرف فؤاد أوكتاي نائب الرئيس التركي، هل هذا معمول به في الأعراف الديبلوماسية وفي البروتوكولات الرسمية؟

الاهتمام بالزيارة بهذا الشكل يدل على أهميتها وتاريخيتها، وهذا الاهتمام يعتبر شيئا ايجابيا؛ يدل على ان الموضوع ذو أهمية. الأعراف الديبلوماسية في تركيا تقضي بان الاستقبال يكون في رئاسة الجمهورية التركية في المجمع الرئاسي بأنقرة؛ والرئيس لا يستقبل في المطار.

والاستقبال كان على مستوى عال جدا، كما لاحظناه بعد ذلك في المجمع الرئاسي بالبروتوكول والحرس الرئاسي ورموز الدولة التركية.

بالعكس تماما ان يذهب نائب الرئيس للمطار هذا يعتبر تشريف كبير للجزائر، وكل دولة لها تقاليدها في الاستقبال، ففي دولنا العربية مثل الجزائر يستقبل الرئيس من طرف الرئيس في المطار لكن دول مثل تركيا لا يستقلبون الرؤساء في المطار. كل دولة وتقاليدها البروتوكولية التي يتم الاتفاق عليها بين الجانبين.

الزيارات بين الدول وخاصة على اعلى مستوى هرم السلطة؛ يتم الاتفاق مسبقا على كل تفاصيلها، اتفاق بروتوكولي وكل دولة تحترم الدولة الاخرى في بروتوكولها.

بالعكس أردوغان رحب بتبون وهو صديقه، فتبون قد اشتغل مع الاتراك عندما تقلد مناصب في عدة وزارات وله علاقات جيدة مع الأتراك الذين يبادلونه نفس التعامل. ولاحظنا تلك الحميمية في الاستقبال وهي دليل على علاقة الصداقة بينهما وهي تنم عن العلاقة المتميزة بين البلدين والعلاقة الشخصية بين الرئيسين.

وتبون من الرؤساء القلائل الذين يوشحون بدكتوراه فخرية من جامعة اسطبول العريقة وهذا تكريم لتبون ومن خلاله الجزائر.

عبدالمجيد تبون يصل تركيا في زيارة رسمية

علاوة على الاستقبال الذي اثار الجدل، ايضا لقاء تبون بالجالية الجزائرية وزيارته ضريح مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال اتاتورك قبل لقاء أردوغان وقبل عقد لقاءات رسمية، هل هذا ايضا معمول به في الأعراف الديبلوماسية؟ ما هي الدلالات التي يحملها؟ وبروتوكول الاستقبال وبرنامج الزيارة من يقرره البلد الضيف او البلد المستضيف؟

تنظيم الزيارات يتم بين البلدين في جلسات مسبقة بين الديبلوماسييين ومسؤولي التشريفات والبروتوكول وغيرهم في البلدين وترتب الامور والاتفاق على كل التفاصيل، والجزائر دولة كبيرة ومحترمة ذات تاريخ كبير والتعامل الديبلوماسي مع تركيا قديم جدا نتحدث عن قرون من التعاون، بالتالي اعراف الديبلوماسية عريقة وعريقة جدا.

هذا من جهة ومن جهة ثانية عندما نتحدث عن زيارة إلى ضريح اتاتورك؛ في الجزائر مثلا اي رئيس دولة يأتي لا بد من ان يذهب الى مقام الشهيد بالعاصمة الجزائرية، لوضع اكليل من الزهور على مقام الشهيد ونفس الشيء عند الاتراك كل رئيس يزور تركيا يذهب لوضع اكليل من الزهور على ضريح مؤسس الجمهورية التركية ويزور المتحف الذي يحوي تاريخ مؤسسها مصطفى كمال اتاتورك.

ونحن في الجزائر تاريخنا مرتبط بالجهاد والشهداء فنقدم التاريخ الجزائري والجهاد الجزائري والثورة الجزائرية والشهداء من خلال زيارة متحفي المجاهد والجيش الوطني الشعبي واللذان يلخصان تاريخ الجزائر منذ العصور الأولى والى غاية قيام الجمهورية الجزائرية.

على كل حال هناك احترام متبادل وحرص من الطرفين على تعظيم تاريخ كل بلد خاصة وأنهما من البلدان القلائل في منطقتنا اللذان خاضا حرب استقلال ضد الإستعمار الغربي .

الاتراك يقدمون رمزا لاستقلال وطنهم مصطفى كمال اتاتورك الذي قاد حرب الاستقلال وكل دولة لها طريقة في تقديم تاريخها، اذا اول خطوة يقوم بها الرئيس هي زيارة مؤسس الدولة والترحم على روحه وهذا ما حدث.

بخصوص الجالية في تركيا فكانت محظوظة حيث انها كانت اول محطة للرئيس في زيارته لتركيا. نحن كجزائريين سعدنا بهذا التكريم وعبرنا عليه والبرنامج كامل فيه مجموعة من المحطات والفقرات كلها تمت في ظرف 3 أيام.

والبرنامج كان مزدحما وثريا وهذا يعبر عن تطور العلاقات بين البلدين خاصة ان الرئيس التركي رحب طيب اردوغان كان اول رئيس يزور الجزائر بعد انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون ومكث في الجزائر ليلة وهذا يدل على ان العلاقات لم تتوطد فقط بل اصبحت ذات طابع حميمي واخوي اكثر.

زيارة تبون إلى تركيا

الجالية الحزائرية اول محطة للرئيس تبون في تركيا، ما دلالات ذلك؟ هل يعني ذلك ان لهذه الجالية وبالاخص الطلبة الدور الكبير في مزيد توطيد العلاقات بين البلدين؟

الجزائر دخلت مع قدوم الرئيس عبدالمجيد تبون للسلطة مرحلة جديدة تتميز بالحوار والتشاور والتواصل مع جميع فئات الشعب الجزائري. فتبون هو الرئيس الذي فتح ابواب الرئاسة للصحافة الجزائرية وهذا تقليد لم يكن سابقا واثنينا عليه كثيرا، فنحن نريد ان نعرف وضع الدولة عن طريق وسائل اعلامنا ومن طرف المسؤول الاول هذا التقليد الاول.

والتقليد الثاني مع الجالية فالرئيس يكاد يكون الوحيد الذي اعطى للجالية اهمية كبيرة تحت اشراف وزارة الشؤون الخارجية الخارجية والجالية الجزائرية في الخارج بمعنى لها مهمتين العمل الديبلوماسي والعمل مع الجالية الجزائرية فأعطاها اهمية أعلى على مستوى وزارة الخاجية بالارتقاء بالعمل القنصلي والاهتمام بالجالية هذا على الصعيد التنظيمي وهياكل الدولة.

وعلى صعيد اللقاءات العملية وزير الخارجية عندما يتنقل للدول لا بد ان يلتقي بالجالية، وسفراء الجزائر والقناصل لا بد ان يستضيفوا ويتواصلوا باستمرار مع اعضاء الجالية، قمة هرم هذا التواصل يتم مع رئيس الجمهورية عندما يزور أي دولة بها جالية جزائرية مهم حجمها وعددها.

اذا لقاء رئيس الجمهورية بالجالية هو اطار للتشاور والحوار وتبادل الافكار والاستماع لانشغالات الجالية وطموحاتهم وهذا مع حدث في لقاء الجالية الجزائرية مع الرئيس تبون في انقرة حيث قدمت تصورها للعمل من اجل خدمة الجزائر ومأسسة العمل والعلاقة بين الدولة الجزائرية وجاليتها في الخارج.

زيارة الرئيس الجزائري الى تركيا تأتي بعد انقطاع دام 17 سنة حيث ان اخر زيارة كانت في 2005، فهل أن تطور العلاقات الجزائرية التركية، فرضته عوامل ومتغيرات اقليمية ام هو تقارب مصالح بين البلدين بغض النظر عن بعض اختلاف وجهات النظر في عدد من الملفات الاقليمية؟

اولا العلاقات اخذت منحى تصاعدي خصوصا مع قدوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان حريصا على تطوير العلاقات مع الجزائر، لأن تركيا المعزولة سابقا لم تكن تعير اهتماما كبيرا لعمقها العربي والاسلامي والافريقي الذي تنتمي اليه الجزائر، لم تكن من اولويات السياسة الخارجية التركية وهذا شهدناه قبل مجيء اردوغان للحكم باستثناء فترات بسيطة بدأ هذا المسار لكنه مسار بسيط.

لكن اردوغان ذو توجه سياسي نحو العمل مع الفضاء العربي والاسلامي والافريقي والاسيوي والمتوسطي وهي الدوائر الخمس الرئيسية للسياسة الخارجية الجزائرية، كما انها دولة من دول عدم الانحياز، فجميع هذه الدوائر الجزائر عضو فيها . والرئيس اردوغان حريص عليها كما أنه لم يترك اي فرصة كرئيس حكومة تركية الا وزار الجزائر ثم كان اول رئيس جمهورية زار وهنأ تبون.

هذا يعبر ان العلاقة مع الجزائر علاقة وثيقة تجسدت بأرقام وليس كلام، فتركيا اول مستثمر اجنبي في الجزائر والجزائر ثاني شريك تجاري لتركيا في افريقيا، التبادل التجاري قوي وقوي جدا والجزائر تستثمر في تركيا وتركيا تستثمر في الجزائر اذا المصالح حاضرة بقوة وفي تصاعد مستمر.

التحولات الدولية نعم سرعت في الموضوع لان تركيا بلد ينتمي الى الحلف الاطلسي كان ومازال يرغب في الانضمام للاتحاد الاوروبي، بمعنى هي تسعى للتموقع ضمن المنظومة الغربية ومؤسساتها والجزائر بالعكس تماما هي خرجت من صراعها مع المنظومة الغربية و مع الحلف الأطلسي، فالدولة ولدت من رحم صراع وحرب تحريرية ضد فرنسا والحلف الاطلسي المتحالف معها، الجزائر تحالفت مع المعسكر الشرقي ابان الحرب الباردة وهي من مؤسسي دول عدم الانحياز والدول الناشطة فيه.

أما تركيا حريصة على بقائها ضمن المنظومة الغربية ومؤسساتها الدولية، والجزائر حريصة على بقائها ضمن دول عدم الانحياز ومقاومة الامبريالية الغربية، والجزائر هي التي دعت في سبعينات القرن الماضي الى نظام دولي عادل هو الكلام نفسه الذي يقوله اردوغان الان، العالم اكبر من الدول الخمسة، هذا كلام قاله بومدين في الستينات والسبعينات من اجل نظام عالمي عادل.

الان ما دام تركيا اصبحت تتبنى هذه القيم لم لا يكون التقارب، وجاء هذا التقارب والتعاون فتركيا لا تستطيع ان تبتعد على التزاماتها الغربية لكنها تشتغل لتقترب من الشرق الكبير، سواء بدوله القوية مثل الصين والهند ودوله المتوسطة مثل الجزائر وايران ودوله العربية والافريقية، تحاول تركيا الموازنة في سياستها الخارجية والجزائر تقوم بسياسة متوازنة، فهي دولة تنتمي لدول عدم الانحياز وتحالفاتها تقليدية وتاريخية مع روسيا والصين والهند لأنها وقفت معها في الثورة التحريرية واعترفت بها، وتزودها بالسلاح اي حلفاء حقيقيين وفي الوقت نفسه هي جارة على بعد كيلومترات من الغرب، السواحل الجزائرية تقابل السواحل الأوروبية والاطلسية؛ والجزائر هي اكبر بلد في شمال افريقيا ليست مسؤولة فقط على امنها بل مسؤولة على امن كل الشمال الافريقي وهذا اشار اليه اردوغان عندما تحدث عن الدور الكبير للجزائر في شمال افريقيا والساحل بمعنى ان هذا هو بعدها الحقيقي.

الجميع يتعامل مع الجزائر على انها دولة اقليمية لها القدرة على الحفاظ على الاستقرار في منطقة شمال افريقيا والساحل وهذا ما يقوله الامريكان والروس وكل القوى الدولية التي تقول ان الجزائر دورها اقليمي اساسي.

الجزائر حريصة على العلاقة مع الغرب وتوازن العلاقة وليست مصطفة وجارة للغرب لا يمكن ان تعاديه او تدخل معه في صراعات، والجزائر تحرص على العلاقة مع الغرب وتركيا تحرص على العلاقة مع الشرق بالتالي هناك مصلحة استراتيجية متقاربة. ويمكن للجزائر وتركيا ان يلعبا دورا في هذا التقارب وهذا التعاون الجزائري التركي جسر بين الاتراك والعرب والغرب والشرق.

الزيارة اسفرت عن توقيع عدد من الاتفاقيات أهمها وأبرزها يتعلق بجانب طاقي بحت، استثمارات تركية في الجزائر مقابل الغاز الطبيعي او تنويع مصادر النفط خاصة بعد الازمة العالمية، هل توافق الرأي بأن هذا هو الهدف الرئيس من زيادة حجم الاستثمارات التركية؟

الاتفاقيات التي تم توقيعها هي 15 اتفاقية في مختلف المجالات اقتصادية وثقافية وتعليمية وأمنية. نحن نتحدث على اتفاقية فتح مدرسة دولية تركية في الجزائر وتركيا. الآن لديها أعداد ضخمة من الأتراك المقيمين في الجزائر والذين جاؤوا بغرض الاستثمار والجالية التركية وصلت الى قناعة انه لا بد لها من الاستقرار الدائم وتواصل الاستثمار لأنها نجحت وحققت مكاسب كبيرة في الجزائر، وهذا يبين ان حجم التواجد التركي الشعبي والاستثماري تصاعد بشكل كبير، اتفاقية ظاهرها تعليمي بحت وباطنها سياسي واقتصادي مهم.

توقيع اتفاقيات تعاون بين تركيا والجزائر في شتى المجالات

واتفاق بين وزارة الأسرة الجزائرية ووزارة الأسرة التركية حول الخدمات الاجتماعية، واتفاقية حول البيئة نعرف ان الجزائر وتركيا بلدين متوسطين وفي منطقة تعاني من التغيرات المناخية، واتفاقية في مجال التعدين والجزائر بلد غني بالموارد الطبيعية وتركيا لديها تجربة في استخراج الموارد الطبيعية والجزائر تحتاج الى التجربة التركية في ذلك. الآن الجزائر مثلا تستثمر مع الصينيين في أكبر منجم في العالم في الحديد بولاية تندوف وتستثمر مع الصينيين في أكبر مركب للفسفاط في شرق الجزائر، الصين دخلت بقوة في مجال التعدين والمناجم وتركيا كذلك فتحت لها الجزائر هذا الباب للتعاون في هذا المجال.

تم الاتفاق ايضا على فتح مركز ثقافي جزائري في تركيا ومركز ثقافي تركي في الجزائر وهذا يدل على العلاقات والعمق التاريخي بين البلدين وأيضا تمتين العلاقات.

الاتفاقية الاخرى في مجال التربية والتعليم وهي مهمة جدا من ناحية الاعتراف بالشهادات. كذلك هناك اتفاقية في المؤسسات الصغرى ونحن لدينا وزارة في الجزائر تعنى بهذه المشاريع الصغرى وتريد الجزائر ان تستفيد من التجربة التركية المتميزة والتي تملك مؤسسات صغرى بشكل كبير وكبير جدا، خاصة وأن الجزائر تريد ان تنوع صادراتها خارج المحروقات وتتنتج في جميع الميادين.

واتفاقية اخرى في قطاع مهم وهو قطاع البحث العلمي في قطاع الصناعة والتكنولوجيا وتركيا تطورت كثيرا في هذا الميدان في السنوات الأخيرة وهذا يوطد العلاقة وتستفيد الجزائر من التجربة التركية. ومجال الصيد البحري والاستصلاح الزراعي واعتماد الحلال بين البلدين واتفاقية حول البنية التحتية والنقل واتفاقية في مجال الاتصال واتفاقية بين غرفتي التجارة والصناعة في البلدين.

زيادة تركيا لحجم استثماراتها في الجزائر، هل سيساعدها على ضمان مصالحها الاقتصادية في أسواق افتقدتها من قوى تقليدية نافذة على غرار فرنسا؟

الجزائر عضو في الاتحاد الافريقي الذي يضم 55 دولة وأمضى في جانفي/ يناير 2021 اتفاقية زيلكاف وهي اتفاقية التبادل الحر والتجارة الحرة بين الدول الأفريقية بمعنى أن المنتج الجزائري يباع في 54 دولة في افريقيا، وعندما نقول افريقيا نقول سوق كبير يحتاج الى كل شيء من سلع وخدمات.

وتركيا تدرك هذا الأمر وقد دخلت السوق الافريقية وهي نشطة وعندها أسواق في كثير من الدول الافريقية لكنها بعيدة عن افريقيا وليست عضوا في الاتحاد الافريقي بالتالي من الصعب عيلها أن تلج بأريحية في هذه الأسواق. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى هناك منافسين غربيين وهم الاستعمار القديم فرنسا وبريطانيا وامريكا حتى منافسين جدد مثل الصين وروسيا والهند فالمنافسة شرسة على افريقيا هذا السوق الغني بالموارد والذي يحتاج الى كل شيء.

وضع الجزائر أنها بلد افريقي كبير المساحة كما قال أردوغان فقد أنشأت الجزائر شبكة من الطرقات نحو افريقيا وربطت شمالها مع غربها ووسطها، كذلك شبكة من السكك الحديدية ستصل الى كل الحدود يعني بنية تحتية قوية، للتجارة وتصدير السلع والخدمات، بمعنى ان تركيا تدرك انها يمكن ان تذهب سويا مع الجزائر الى الأسواق الافريقية وبالتالي ضمان مصالحها يكون بهذا الشكل، مسنودين بالجزائر التي تملك عضوية الاتحاد الافريقي ومسنودة بالتسهيلات الضريبية والجمركية التي تستفيد منها عن طريق اتفاقية التجارة الحرة وكذلك البنية التحتية القوية. وكذلك كلفة الانتاج في الجزائر بسيطة جدا مقارنة بتركيا، لذلك تضمن مصالحها من ناحية الكلفة ومن ناحية المخرجات وهي تصديرها الى الدول الافريقية.

هل تسعى أنقرة من خلال زيادة الاستثمارات في تركيا الى توسيع دائرة حضورها السياسي أفريقيا وهنا نتحدث عن مالي والنيجر بالتوافق مع الجزائر لا سيما مع بداية تراجع النفوذ الفرنسي؟

الرئيس الجزائري عبر عن ترحيبه بالدور التركي لأنه دور متعاون وليس دور امبريالي استعماري، تركيا والجزائر يتعاونان في ليبيا في هذا الملف المهم، في كل الدول الافريقية في النيجر ومالي وفي عدد من الساحات المشتركة الجزائر تتعاون مع تركيا، فالمصالح المشتركة وبناء الثقة الذي تم ويتصاعد بين البلدين هو الدعامة لهذا التعاون السياسي في افريقيا والعالم العربي.

حتى الملفات التي كان لتركيا مشاكل فيها مع الدول العربية، الجزائر ستلعب دورا داعما لترقية هذه العلاقات، نتحدث على مصر وسوريا فالجزائر تلعب هذا الدور لتقوية العلاقة بينهم. الان تركيا توجهها اعادة تقييم سياستها الخارجية وهذا شيء ايجابي فهي تقاطعت مع الجزائر في الساحات العربية والساحات الافريقية وهذا شيء ايجابي وسيكون هناك تعاون في هذا الاتجاه.

في الفترة الأخيرة هناك انتقادات واسعة من الجزائر حكومة وشعبا لفرنسا حول الجرائم التي ارتكبتها بحق البلاد والعباد اثناء الاستعمار، فهل هذا التقارب التركي الجزائري يعكس رغبة أنقرة في أن تحل محل القوة التقليدية؟

الجزائريون والجزائر كدولة ما يهمها هو أن يكون القادم الى الديار العربية والافريقية ان يكون متعاونا باستثناء الأعداء اي الكيان الصهيوني فلا خير يرجى منه. لكن كل الدول مرحب بها اذا راعت مصالح المنطقة العربية والافريقية والاسلامية، وحتى الدول الاستعمارية اذا راجعت سياساتها وتحولت الى دول مستثمرة وتقدم اضافة اهلا وسهلا بها. نحن نريد ان يأتي الجميع الى افريقيا والبلدان العربية وان يستثمر وتتغير العلاقات ونطوي المآسي التاريخية على أسس صحيحة.

فرنسا وبريطانيا وأمريكا تأتي لاستنزاف خيراتنا وهذا مرفوض، اذا جاؤوا للافادة والاستفادة اهلا وسهلا بهم، هم عكس الأتراك الذين يأتون للافادة والاستفادة لذلك دورهم مرحب به. البحبوحة والرفاهية الاوروبية الغربية جاءت عن طريق نهب الأفارقة والعرب والاسيويين وحتى امريكا اللاتينية نهبوا خيراتها.

تركيا تأتي للاستثمار بالتالي ستفتح لها الشعوب أذرعها وهو ما يقع في روسيا الآن حيث ترفع الأعلام الروسية في مالي والتشاد لأن الدور الروسي يعتبرونه دورا داعما وليس استعماريا، بمعنى ان هذه الدول التي تأتي للمساعدة مرحب بها لكن الدول الامبريالية لا بد ان تطرد والمواجهة مستمرة الا اذا غيرت سلوكها.

أبعاد زيارة تبون الى تركيا وازدهار العلاقات بين البلدين، هل هي فرصة الجزائر للتخلص من النفوذ الفرنسي أو فرصة للرئيس التركي للخروج من ضغط المعارضة والاتهامات الموجهة اليه بادخال تركيا في عزلة دولية؟

بالعكس تماما أردوغان يدفع تركيا الى الانفتاح اكثر فهناك اعادة تقييم للسياسة الخارجية التركية وتصالح مع اكثر من بلد عربي ونوع علاقاته.

الجزائر تلتقي مع تركيا في كثير من الملفات في المستوى الافريقي والعربي والاسلامي والدولي وبالتالي سيكون هناك تعاون. والجزائر وتركيا بلدين مسلمين كبيرين والمنطقة العربية والافريقية والاسيوية ودول عدم الانحياز ستستفيد من هذا التقارب والتعاون بين البلدين ولمحاصرة، واي نفوذ امبريالي سواء القديم او الذي يريد ان يكون سواء كانت فرنسا او غيرها، وفرنسا لم تعد بذلك الحجم.

لكن نتحدث عن قوى كبرى مثل الولايات المتحدة المهيمنة على النظام الدولي وهذه نقطة تقاطع للكثير، للروس والصينيين والهنود يريدون نظام عالمي جديد. وأردوغان قال ان العالم اكبر من الخمسة الكبار والجزائر تريد ان تكون لها عضوية في مجلس الامن والجزائر تتكلم بإسم افريقيا تقول لا بد لنا من عضوية في مجلس الامن باعتبار ان الجزائر اكبر قوة عسكرية في افريقيا وتملك اقتصاد هائل وبالتالي تريد ان تكون لافريقيا كلمة مسموعة في المنظومة الأممية، اذا هناك تقاطع كبير بين البلدين ورغبة في ان يكون للعمق العربي والاسلامي والافريقي والاسيوي حضور في المؤسسات العالمية ومواجهة الهيمنة الأمريكية.

الكثير يتكلم عن فرنسا، فرنسا لم تصبح بتلك القوة التي يتحدث عنها الجميع، فرنسا في وضع سيء جدا فعندما احتج وخرج التشاديون وشعوب دول فقيرة مثل مالي. لم يعد لها ذلك الهيلمان فما بالك بدول وازنة مثل الجزائر.

هذه الزيارة هل ستحسم موضوع الغاء التأشيرات بين البلدين؟

لا أعتقد أنها ستحسم موضوع التأشيرات وهناك تسهيلات في موضوع التأشيرات، فتركيا قدمت تسهيلات طيبة للجزائريين أكثر من 65 سنة ودون 15 سنة الدخول دون تأشيرة، وتم فتح عدد من المكاتب في عدد من الولايات الجزائرية لشركات التأشيرة التركية والجزائر تسرع في إصدار التأشيرات للاتراك وخاصة للمستثمرين. وتبون تعهد بتسهيل الأمر.

أما الغاء التأشيرات لن يعود بالفائدة على البلدين في هذه المرحلة، فالجزائر تريد مستثمرين حقيقيين تسهل لهم التأشيرة والاقامة وتقدم لم كل التسهيلات وتبون تحدث عن قانون الاستثمار الجزائري الجديد، وقال نحن نضمن الحقوق وبالتالي يعطي ضمانات للاستثمار التركي وغيره في الجزائر.

ما إنعكاسات هذه الزيارة على التعاون الأمني والقضائي بين البلدين وبشكل خاص على تهريب الأموال من الجزائر والتخوفات الجزائرية من تسلل عائدين من التنظيم الارهابي داعش الى الجزائر عبر تركيا؟

هناك اتفاقية في هذا المجال وهذه تعتبر سابقة وانجاز في هذه الزيارة، والاتفاقية وقعها وزير الداخلية التركي مع وزير الخارجية الجزائري، اتفاقية خاصة بالجريمة العابرة للحدود، فهي تهدف إلى متابعة المجرمين والارهابيين ومتابعة تهريب الاموال وكل ما يضرب أمن البلدين.

الجزائر وتركيا دولتان مستهدفتان من طرف الارهاب الدولي والجريمة العابرة للحدود. والبلدان يقدمان ضريبة كبيرة جدا في هذا الموضوع نظرا لاستقلال قرارهما السياسي وقدرتهما على الانفلات من الهيمنة وبالتالي لا بد ان يضرب البلدان بجميع الوسائل كما يعتقد الإمبرياليون.

هناك الان اتفاقية تعاون ولاحظنا ذلك في المستوى العملي التركي، فكل ما يسيء للجزائر هنا في تركيا تحاول تركيا ان تحد منه وهذا شيء ايجابي ونفس الشيء بالنسبة للجزائر وبالتالي فكل الملفات يتم تسويتها بطريقة وبتنسيق متواصل.

كان هناك عمل سابق في هذا المجال وجاءت الاتفاقية لتؤطر هذا الامر.

ماهي انعكاسات هذا التقارب على العملية الانتخابية في ليبيا؟

في الملف الليبي الجزائر وتركيا متفقتان على الذهاب الى انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية. ومصرتان على الاستقرار السياسي واي ذهاب للعنف فيه تقويض للعملية السياسية مرفوض من الدولتين.

الجزائر وتركيا تدعمان العملية الانتخابية في ليبيا لكن هناك تباين في الاراء بين البلدين حول فتحي باشاغا الذي تدعمه انقرة وترفضه الجزائر، برأيك هل هذه الزيارة ستساهم في تقريب وجهات النظر في هذه النقطة من الملف الليبي؟

الأمر متعلق بالحل السياسي، والحل السياسي متفقين عليه، الآن الأسماء عندما نتحدث عن الدبيبة نتكلم على حكومة لم تسلم مهامها لحكومة منتخبة، لا يمكن ان نذهب للفراغ. مادام هناك حل سياسي وحوار سياسي الجزائر تدعمه وكذلك تركيا. العنف الذي وقع منذ أيام في ليبيا مرفوض، الجزائر تدعم الحل السياسي وجلوس جميع الاطراف الليبية الى طاولة الحوار بغض النظر عن الأسماء.

ما انعكاسات التقارب الجزائري التركي على دول جوار الجزائر على ملف الصحراء الغربية مثلا؟

تركيا والجزائر عشية الزيارة كان وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو في اجتماع مراكش، وبعد ما تم تداوله من ان بلاده تدعم الحكم الذاتي، كذبت الخارجية التركية والسفارة التركية في الجزائر في بيان وأكدا ان تركيا مع الحل الأممي في الصحراء الغربية اي مع الحل الأممي القانوني وتركيا منحازة للقانون الدولي للذهاب لاستفتاء. والجزائر تحترم الموقف التركي المنسجم مع الشرعية الدولية.

وانعاكسات ذلك على التغيرات التي تشهدها الساحة السياسية التونسية؟

الجزائر تدعم الاستقرار، دعمت الثورة التونسية لانها ثورة ديمقراطية. الجزائر تدعم الاستقرار السياسي وما تفرزه الساحة السياسية التونسية تدعمه الجزائر مادام الأمر في اطار تدافع سياسي، فالتفاصيل غير مهمة.

قيس سعيد جاءت به الانتخابات والبرلمان كذلك جاءت به الانتخابات وما يحدث تدافع سياسي. الجزائر تدعم الاستقرار وعلى الجميع الى البقاء ضمن الحلبة السياسية. تونس دولة مهمة وجزء من الأمن الجزائري.

اقرأ أيضا:

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.