الرئيسية » تحرر الكلام » الصورة القديمة – قصة قصيرة

الصورة القديمة – قصة قصيرة

أتعبه المشي، ولم يسعفه عكازه الذي يتكئ عليه. لم يعرف ما سر تعبه المفاجئ. أهو طول المسافة من باب العمود حتى آخر البلدة القديمة، أم حالة الحزن التي ألمت به؟

اقترب من كرسي بلاستيكي أمام أحد المطاعم السريعة، جلس عليه ليستريح قليلا..

عيونه بدأت تدقق في المكان جيدا.

لم تترك حجرا لم تدقق به، الأبواب، الأسماء، المشاة، الأصوات. فجأة بدأ يبحث في محفظته المخبأة أسفل ذاكرته عن صورة قديمة. بعد طول بحث حمد الله أنه وجدها.

أخرجها من محفظة ذاكرته، وضعها في يده، وبدأ يدقق جيدا فيها، وفي الصورة الحديثة التي يجلس أمامها.

صورة قديمة لكنها تحتفظ بجوهرها. حاول أن يجد وجه شبه بين الصورتين.

اقترب النادل منه، نظر إليه مستغربا، ثم قال له بالعربية المكسورة:

– هذا الكرسي للمطعم، للزبائن فقط. رد عليه:

– حسنا ألست زبونا؟

– ماذا تريد؟

– أعطني فنجان شاي، وبعض الحلوى؟

– أي نوع؟ وبدأ يعدد الأنواع.

– أي نوع غير مهم.

ذهب النادل، فعاد يسأل نفسه:

– هل تستطيع أن تجد وجه شبه بين الصورتين؟

هناك كان المسجد العمري، لكن مدخله تغير كثيرا، لم يعد مسجدا، لعله الآن كنيس! لا شبه بين الصورتين.

حسنا هنا في الصورة القديمة كان مطعم أبو الحمص، لكنه غير موجود في الصورة الحديثة.

هناك في أعلى الدرج كان مخبز أبو سياس البيتوني، لكنه غير موجود في الصورة الحديثة، إنه مغلق.

هنا كانت مقهى تعج بالرواد، انظر هذا أبو صالح، هل تذكره؟

الصورة الجديدة لا أثر لتلك المقهى ولا لأبي صالح. هل هي فعلا صورة نفس المكان؟

ربما أخطأت بالصورة؟

تابَعَ البحث عن وجه شبه واحد.

فجأة علا صوت بالعبرية:

أني أمرت …، إيفو آتا…، تنلي زه …

نظر في الصورة الثانية وبدأ يستمع لتلك الأصوات القديمة:

السلام عليكم.

صحن حمص مع شوية فلافل.

أبو محمد يسعد صباحك.

لا شبه حتى الآن. اللعنة لكنها صورة نفس المكان.

كيف لا أستطيع أن أجد شبها بين الصورتين؟

المكان هو المكان، الشارع هو الشارع، البنايات تغير وضعها، تم ترميمها، تحديثها، لا بأس لكنه نفس المكان.

هز رأسه،

هاها وجدته، هذا مخبز أبو اسنينة، بياع الكعك.

دقَّقَ في الصورة القديمة، كان مخبزا للخبز البيتي، فأين رواده؟

عاد النادل مع الشاي، والحلويات، وضعها على الطاولة، قدم له الفاتورة، دفع الحساب، وقبل أن يذهب سأله:

– هل تجد وجه شبه بين الصورتين؟

– نظر النادل إليه وسأله باستغراب:

– أي صورتين؟

– منظر هذا المكان، وهذه الصورة.

– أي صورة؟

فتح له يده وقال:

– انظر هذه الصورة.

قطب النادل جبينه، وزم شفتيه، وقال بنوع من العصبية:

– أتسخر مني؟ لا يوجد صورة بيدك.

غادر النادل، وهو يتمتم بالعبرية:

– عرفيم!!!

سأل نفسه:

– أمجنون أنا؟ لماذا لم ير الصورة؟ إنها بيدي، لعله يحتاج لنظارة طبية كي يراها بوضوح. نظر إلى الصورة القديمة يبحث عن هذا النادل فيها فلم يره، هل هو في المكان الغلط؟

دقق فيها جيدا للمرة الأخيرة. حاول أن يجد وجه شبه بين الصورتين فلم يجد.

أخرج هاتفه النقال من جيبه، قرر التقاط صورة للمكان، وقبل أن يضغط على زر التقاط الصور وجه الكاميرا نحو الصورة القديمة ثم ضغط على زر الكاميرا.

بعد عودته للبيت قرر أن ينشر الصورة في الفيسبوك، بحث عنها في الهاتف فلم يجدها، قرر أن يلتقط الصورة من جديد، بحث عن الصورة القديمة فلم يجدها في محفظته، هل نسيها على الطاولة في المطعم؟ هل سقطت منه في الطريق؟ قرر العودة في اليوم التالي ليبحث عن الصورة القديمة.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.