الرئيسية » تحرر الكلام » سلام منسوج بدماء الابرياء

سلام منسوج بدماء الابرياء

في ذاك اليوم شعرت  بدوار ، غثيان ، و ألم استقرّ في أجزاء من صدعي ،  لينتج عن ذلك  ضيق شديد ضرب مجرى تنفسي على حين غرّة فيمسي ذاك الأوكسجين ثقيل على رئتي و تصبح  ضربات قلبي سريعة متلاحقة تبحث عمّا يهدّئها في ذاك المكان الضيق رغم اتساعه ، بعد أن باتت وجوه الناس خيالات غير واضحة الملامح رغم معرفتي السابقة بها ..

أنا يا سادة لست في إحدى غرف المشافي و لم يُطرح في جسدي أي نوع من أنواع المخدر ، و لكن كل ما هنالك أن نوبة من الكره كانت قد أصابتني مجدداً في مسيرتي وسط جدران هذه الحياة ، فيبدو أن الكره يحمل أعراضاً شبيهة بأعراض الحب ، كيف لا و أنت إذا ما كرهت شخص ما لن تستطع منع ذكراه من أن تتوارد إلى مخيلتك و ذلك تماماً ما يحدث إذا ما وقعت بالحب .

و الجدير بالذّكر و من وجهة نظري أنّ من أطلق مصطلح ” الوقوع في الحب ” قد غفل عليه مصطلح ” الوقوع بالكره “  فبالرغم من أنّهما كلمتان متضادتان و لكنّهما يشتركان بأشياء كثيرة منها بأن كليهما يشغلان الاحساس ، الفكر ، بل حتى أحياناً تتجاوزان الوعي عابرتين إلى اللّا وعي حيث مناماتنا لتخبراننا بأنهما لم يعد يكفيهما ما تستهلك كلّاً منهما من اوقات يقظتنا ليأتي الحلم مجسداً  ما قد حاولنا إخفاءه في بعض الأحيان ليس عمّن حولنا و حسب بل أيضاً عمّن تقبعن داخل أجسادنا  ألا و هنّ  أرواحنا ، و كأننا بذلك  ننفي ما نشعر به هرباً أو ربما خوفاً من مصارحة أنفسنا بذلك الاحساس سواء أكان حبَّاً أو حتى كراهيّة …

و لكن يجب أن لا ننكر  أننا نهاب الكراهيه  أكثر من خوفنا  الحب ، فنحن نخاف أن يتزايد ذاك الشعور ليصل إلى مرحلة  الحقد الذي قد ينتج عنه تصرفات قد تترك أثراً ليس في الشخص الذي أساء  إلينا و حسب بل داخل أرواحنا أيضاً لتمسي ندوباً ليس من صنع غيرنا من البشر بل من صنيعنا هذه المرة ، ندوب  لن تندمل يوماً و لن يؤذن لها بالشفاء إلا إذا تمكنّا من بناء حائط يمنعها من التمدّد داخلنا منذ البداية  و يمنعها من أن تبني على ذاك الأساس من الكره صرحاً من أحقاد خفية يصعب علينا  السيطرة عليها  يوماً ، فلا تفارق  أرواحنا إلا بعد أن تشوّهها سارقة منها كل معاني الإنسانية التي كنّا  نتغنّى بوجودها يوماً ..

و هنا يحضرني قول مصطفى محمود حينما عبّر عن الكراهيّة قائلاً :

“الكراهية تكلف أكثر من الحب لأنها إحساس غير طبيعي ، إحساس عكسي مثل حركة الأجسام ضد جاذبية الأرض تحتاج إلى قوة اضافية و تستهلك وقود أكثر ”

و لأنّني كنت قد بنيت ذاك الجدار داخلي منذ زمن بعيد ، بعد أن كنت قد  قررت أن يكون صرحاً منيعاً في وجه أي شعوركره قد يزورني يوماً رحت أجيب في ذاك اليوم بعد نوبة الكره تلك  بصوت يحمل بين موجاته نبرات الغضب كاسرةً حاجز ذاك  الصمت حينما شعرت للحظة  أن صمتي سيرميني قتيلة لا محالة  ، لحظة ستذكرني في كل دقيقة صمت لي قد تزورني في أيامي المقبلة بضعفي و استكانتي في ذاك اليوم ، و بما أنّي لم أعتد يوماً أن أكون في زاوية الانسان الضعيف الخائف أو حتى الذليل و لأن دمي لا يعد بالدم البارد على الاطلاق و لأنه يحمل مع كريّاته الحمراء و البيضاء  ديانتي وعروبتي التي اعتز بهما و سأبقى عليهما حتى يجف ذاك الأخير في عروق جسدي إذا ما آل إلى مثواه الأخير أطلقت  للساني العنان  بعدما شعرت أن ما يدور حولي بات يطبق على عنقي و كأنّه يداً لمجرم أحكم الوثاق على أنفاسي حتى بات تصاعدها أشبه بالمستحيل ، لأعلم حينها أننّي على مشارف رؤية ذاتي و هي تلفظ أنفاسها الأخيرة لي في هذه الديمومة و لأؤمن أن صمتي سيقتلني لا محالة ، فإن لم يكن الآن سيكون في المساء بعد أن يحاصرني الندم من كل ناحية  من جديد  ، و لكن ليس على شيء فعلته كما جرت العادة  و إنما على شيء لم أفعله هذه المرّة لأبدأ بجلد ذاتي مرّة أخرى ، مرّة ستضاف إلى ما سبقها من تأديب الذات و جلدها …

فإن لحظة واحدة كفيلةً لتخبرك بما يتوجب عليك فعله أو حتّى اجتنابه ، لحظة قد تكون مفتاحاً لحياة تكمن بين طياتها بعضاً من الرضا عن الذات و ذاك إذا ما أصبنا التقدير في ذاك الموقف  بالطبع و رحنا نخطي خطوة نحو الفعل الذي نشعر بأنه هو السبيل الصحيح و ربما الأوحد لما يتوجب علينا فعله ،  و لكن و إذا ما اخطأنا التقدير قد تمسي نلك اللحظة كابوساً  يُغرقك استرجاعها في بحر من بحور الندم  الواسعة ، ذاك البحر الفريد من نوعه كيف لا و هو الذي  يقرر أن يسحبك لتخوض أمواجه  هذه المرّة دون ان يكون لك يداً في اتخاذ قرار البقاء على شاطئه و الاكتفاء بمراقبة أمواجه من بعيد إذا ما اِلتطمت قدميك بأحد رذاذاته تلك ، لتكتشف بعد أن تصل إلى قاعه أن ماءه كان غوراً..

ولأني أهاب خوض هذا البحر من جديد راح لساني ينطق تلك الكلمات دون هوادة ….

و لكن و قبل أن أخبركم ما نطق به لساني بنبرته المتهدّجة الغاضبة تلك و التي أعترف أنها كانت تحمل معها الكثير من العدوانية  آنذاك دعوني اخبركم عن أحداث هذا المكان و تواليها  ..

كانت بداية هذه الأحداث حينما اُشترط على الموجودين في تلك القاعة أن يقدّموا عرضاً يتحدثون بها عن بلادهم إذا ما كانوا يسعون للانتقال للمستوى الذي يليه من تعلم هذه اللغة ..

كان كل شيء على ما يرام إلى أن علمت أنَّ في القاعة ثلاث نسوة كانوا يطلقنَ على أنفسهنّ بأنهنّ قد قدمن من  بلدهم الأم إسرائيل على حد تعبيرهن ..

ما إن بدأن  ذاك العرض المقزّز حتى قلت لنفسي مخبرة إياها أن هذا اليوم لن يكون كغيره من روتين أيامي السّابقة هنا ..

قطع حديث نفسي اللا منقطع كلمات من مقطع مصوّر كنَّ قد استشهدنَ فيه لإثبات مزاعمهنّ و أكاذيبهنّ تلك حينما قال :

نحن كيهود و كإسرائيلين نحب السلام ، بل إننا بعثنا بحمامة السلام نحو كل البلدان العربية ، المجاورة لنا و الغير مجاورة أيضاً ، و لكن ماذا كانت النتيجة يا ترى ؟

لم نجد منهم سوى الحرب و الاعتداء ، قتلوا كل حمامات السلام يا سادة ، فيبدو أن العرب و المسلمين يحبّون الموت أكثر من حبّهم للحياة ، أما  نحن فإننا نحب هذه الحياة ..

فهل يا سادة لديكم رد وجيه على ما حدث و يحدث من زعزعة لأمن وطننا الغالي ..

وطننا !!

اقال وطننا أيضاً أم تراني أتوهّم للمرة الثانية ؟

قلت لنفسي مجدداً…

ما هذه الوقاحة ؟ كيف لهم أن يكونو بتلك الصّفاقة و هم يعلمون تماماً  إن كانوا  يستطعيعون  تسميم آراء الغرب بأفكارهم الدنيئة تلك لن يستطعن هنّ  اليوم ، فلا بدّ أنهنّ قد لاحظن وجود عدد ليس قليل من  العرب و المسلمين في تلك القاعة ..

يا لسفاهتهنّ تلك ..

قطع أنين غضبي المشتعل داخلي و الذي كاد أن يحرق روحي صوت إحداهنّ الذي يُطلق عليه أي شيء إلا بالأنثوي أم تراني ذاك ما شعرت به حينها لا أعلم ، حينما قالت :

كما تشاهدون يا سادة نحن في تل أبيب ننادي على الدوام بالسّلام بل أكثر من ذلك إن بلادنا تتصف بالتعدد الثقافي و الديني أيضاً .

فكما تعلمون أنا يهودية اسرائيلية روسية الأصل و صديقتي التي على يميني يهودية اسرائيلية أوكرانية الأصل و أما تلك التي على يساري فهي يهودية اسرائيلة رومانية الأصل ، جميعنا قادمين من دول مختلفة و ثقافات متنوعة كما تلاحظون إلا أنه يجمعنا هدف واحد و هو العيش بسلام بعيد عن الدم ، الحرب و الموت ..

و الدليل على كلامي هذا بإمكانكم إيجاده في بلدي حيث ” تل أبيب ” إذا ما زرتم موطني ” اسرائيل ” لتروا  كيف أنَّ في حيّ واحد من أحياء مدينتي  ستجد اليهودي ، المسلم و المسيحي يعيشون مع بعضهم  البعض ليس كجيران و حسب بل أيضاً كأهل وأصحاب ..

فهلا عرفتم الآن من أي مكان أنتمي يا سادة …

ما برأت قالت كلمتها الأخيرة حتى راحت كلماتي تخرج رشاً و دراكاً كهذيان إنسان اصابته حمّى من مرض عليل فتك بجسده برهة من الزمن ليست بقليلة بعدما أن جرّب  كافة أنواع العقاقير المعالجة و المهدئة منها و لكن دون جدوى ،فيبدأ لسانه يفيض بكلماته ذات اليمن و ذات الشمال و ذلك تماماً ما حدث معي حينما وقفت قائلة :

بل دعوني يا سادة أخبركم قليلاً عن اسرائيل ..

ولكن قبل ذلك أود أن تجبنني أحداكنّ على أسئلتي التالية :

ترى ما ردّكم على الأطفال الفلسطينين الذين يموتون كل يوم نتيجة إرهاب سلامكم المزعوم ، و ما رأيكم  بأعداد العائلات الهائلة التي هاجرت و تهاجر كل يوم اجباراً لا اختياراً  من بلدها الأم فلسطين …

أتراه بسبب ذاك السلام أيضاً  ؟ أم بسبب التعايش و التعدد الثّقافي و الدّيني يا ترى ؟

ثم إذا كنتم تنعتون من يدافع عن أرضه بيته و عائلته من الموت أو من  اغتصاب حقوقه ، حريّاته او حتى نفسه أو نفوس أحبائه و ربما أجسادهم أيضاً ، بأنه يقف ضد السلام فما زحزح الله موقفه ذاك يوماً ..

ثم اريد  أن تشرحوا لي أمراً ..

أمراً لم استطع إلى الآن فك شفرة حروفه تلك !!!

كيف تخبرون عن فلسطين بأنها بلادكنّ و انتنَّ كل واحدة منكن قادمة من بلد و ثقافة مختلفة على حد تعبيركن؟

هنا كل أسئلتي السابقة باتت منسية غير مهمة نسبة للسؤال الأخير و ذاك بحسب ما استنتجت حينما قاطعوني عند السؤال الأخير ذاك قائلين كاذبين مبررين و مدافعين :

” ليس من الضرورة أن أولد في فلسطين لأنتمي إلى تلك الأرض فهناك أشياء أخرى يعطيك الحق بتلك الأرض  ، فليس الفلسطينيّين و حسب هم أصحاب تلك الأرض لمجرد أنهم ولدوا و كبروا فيها و لا حتّى لأن نسبهم يعود إلى أجداد من قطنوا هذا المكان منذ آلاف السنين و حسب فهناك أشياء أهم …

أشياء أهم ! قلتنّ أشياء أهم !!

أومأن رأوسهن بالموافقة قبل أن أعقب …

حسناً فلنفترض أنني قدمت إلى روسيا أو رومانيا أو أوكرانيا بحجة “أشياء أهم ” و ادّعيت بتلك الحجة الواهية أنني أملك الحق بأن تكون إحدى تلك البلاد موطني بسبب تلك “الأشياء الأهم” ، و تحت ذريعة الأشياء الأهم قتلت ،سلبت، نهبت و احتللت منازلكن ثم رحت أنادي بالسلام التعدد الثقافي و الديني  و لم أكتفي بذلك بل رحت أبعث حمامة السلام هنا و هناك ، فهل يا ترى حينها ستقفن دون حراك تطالعن ما يجري من أحداث و كأنها  بضع مشاهد من فيلم يعرض في إحدى قاعات العرض العامة أو على خشبة أحد المسارح أم أنكنّ ستدافعن عن بيوتكن و أطفالكن و أعراضكن بكل ما أوتيتم من قوة و لو كلّف ذاك الأمر ليس أرواحكنّ و حسب بل أرواح كل طائفتكنّ أيضاً إذا ما لزم الأمر ، صافعين تلك الأشياء الأهم على وجه كل من طال أرضكن تلك أيّاً كانت و أينما كانت …

فلا تخبروني عن أشياءكم الأهم أرجوكن …

قلت زافرة علّي أوقف تلك المسرحية الهزلية قبل أن أرى الجالسين  في الصفوف الخلفية ينهضون من مقاعدهم محتجّين على ذاك المقطع المصوّر و مستنكرين مثلي تماماً و ربما أكثر ، و الذين  كانوا بالطبع من جنسيات مختلفة ممن قدموا من أوطان عربيّة متفاوتة و كل ذلك قبل أن تبدأ إحدى الحاضرات الحديث ، موجهة كلامها نحوهنّ ، قائلة :

” هل تعلمن  بالرّغم من أنني سوريةً ، مسلمة إلا  أن جدّتي كانت سوريّة يهويدية ، فنحن في سوريا لطالما تعايشنا مسلمون مسيحيون و يهود ، و لكن اسرائيل أمراً آخر بل هو الشيء الآخر  ..

و ما أن أطبق الصمت لبرهة من الزمن حتى أردفت موجهة حديثي نحو المشرفة هذه المرّة شارحةً قائلة :

سيدتي :

إنني كمسلمة لا يحق لي الدخول إلى الإسلام إلا بعد أن أعترف بوجود كافة الرسل و الديانات السماوية التي أنزلها الله عز وجل قبل رسالة الإسلام ، فأنا أعترف باليهودية و أقرّ بنبيّها الّذي اختاره الله حينها لنشر هذه الديانة تماماً كاعترافي بوجود المسيحية ، فهلّا وجدنَ حجّة مبرمة واهية أخرى فتلك الأخيرة مع الأسف لم تستطيع تحقيق النجاح المطلوب لها لتزييف الحقائق 

فإنهنّ و تقديمهن ذاك ما هو إلا مجرّد إعلان لمنتج رديء الصنع لم يشتره أحد فكسد و آل إلى الفساد و العفن  خلف واجهات العرض تلك فلم يجدن لأنفسهنّ مخرجاً  تحت وقع خسارة الذات  و ذلك حينما خسرن و من خلفهم  احترام العالم و اقراره بأحقيّتهم في الوجود على تلك الأرض ، خاصة بعد كل تلك الجرائم الانسانية التي تُمارس بحق أخوتنا في فلسطين ، فلم يمسي لهم سبيلاً سوى أن ينسجوا أكثر الأكاذيب غباءً و التي لا يمكن لأي إنسان عاقل أن يتقبل سماعها فكيف بتبنّيها اذاً ؟؟

و لكن لا أنكر أنّ اسرائيل أبلت بلاءً حسناً ذاك السوء و تلك الأكاذيب و تزييف الحقائق ، فكثيرة هي الدول التي تبنَّت و أقرّت وجودهم ليس اقتناعاً ما عاذ الله و لكن لأن وجودهم بات يخدم مصالحها السياسية و ربما أمنها المستعار …

لننهي بذلك تلك الحصّة الدّراسية قاطعين تقديهنّ الهزلي ذاك مستنكرين أكاذيبهنّ تلك ، ليُفضَّ ذاك الاجتماع بعد أن أعقبت المشرفة على التقديم قائلة :

” إنني لاحظت في ذلك العرض أن هناك طابع عربي في كل شيء ، في المعالم ، في الأماكن ، في الأطعمة ، و حتى المناظر الطبيعية ، و كأنها إحدى الدول العربية …

هي دولة عربية الأصل سيدتي …

قاطع كلام تلك المشرفة صوتاً كان قادماً من أحد المقاعد الخلفية تلك ، قبل أن تردف المشرفة قائلة :

و لكن كما تعلمون أنا كندية الأصل ، ولدت و تربيت في مقاطعة ” كيبك ” …

  و أنني مثلي مثل  كثير من أبناء أمتي ممن يمتلكون حلقة فارغة من الهوّة الثقافية حول هذا الموضوع ، و لا نعلم كيف و متى و لماذا بدأ ، فكما تعلمون نحن هنا بعيدون كلّ البعد عن أحداث و احداثيات ذاك المكان …

ثم أردفت موجهة الحديث لنا قائلة :

ولكن تمتلكون كل الحق بالاعتراض بل و بالرّدّ أيضاً على المقطع المصور الأخير ذاك  فهو بالفعل يحمل بين طياته الكثير من العنصرية السلبية تجاه العرب و المسلمين ..

لم أخرج ذلك اليوم من تلك القاعة على عجل كعادتي الّتي باتت إحدى طباعي في هذا المغترب بل على العكس كانت قدماي قد تثاقلت خطواتها لأشعر للحظات أن أرض تلك القاعة لم تعد تنتمي إلى كندا في ذلك اليوم و كأن قطعة من أرض فلسطين المغتصبة قد زارت هذه البقعة من الأرض لتحط برحال شجنها المتّقد منذ نصف قرن و نيّف على ضمائرنا الغافية عن أوجاعها تماماً كغيرها من الدول العربية و ما يجري من أحداث مأساوية و مظالم  في المنطقة  ، عربية كانت أم إسلامية ..

لأكتشف بعد ذلك اليوم أن حتى البلدان أذا ما اشتاقت لكلمة حق  من أهلها أو من أناس غير أهلها ممّن  أكانوا قد  ألمّوا بما يجري على أرضها أو حتى  اطّلعوا يوماً على تاريخ تلك الأرض فإنها تهمّ بزيارتهم ، فعلى ما يبدو  ليس  الانسان وحسب من يشعر بالشوق لأرضه و ذكرياته ، لأهله و أحبّائه  ، فالمدن أيضاً تشتاق لقاطنيها  و أهلها ، و  الأرض تنتظر بشوق وقع خطوتنا عليها مجدداً ، بل و حتى السماء تحزن على فراقنا و شتاتنا الذي قد  بتنا اليوم فيه .

و لأن لكل قاعدة استثناء سأسمح للكره هذه المرة بأن يمسي حقداً ، فحتى الحقد يصبح رحيماَ على من لم يأخذوا من صفات الإنسانية سوى هيأتهم البشرية تلك ، كيف لا و قد كان ذاك الكره سبباً بأن أرى نظرات خوفهنّ و حيرتهنّ  في أمرهنّ ، خاصة بعدما وقف عدد ليس بقليل يحتج و يزفر ليفض ذاك العرض الذي أبسط ما يقال عنه أنه كان رديء ، خسيس و مبتذل ، لأتأكد حينها أنهن جازعات بالرغم من أنهن يقطنّ أكثر البلاد أمناً استقراراً و ديمقراطية ، فما حالهم إذاً الآن في إسرائيل كما يلقبونها !!َ!

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.