الرئيسية » تحرر الكلام » بين تل أبيب وواشنطن.. تناغم إرهاب وشريعة غاب

بين تل أبيب وواشنطن.. تناغم إرهاب وشريعة غاب

(عرفت الجمعية العامة للأمم المتحدة الفعل العدواني في ثماني موادٍ واضحة عام 1974 أختار منها فقرةً واحدةً فقط تنص على “أن التخطيط والتجهيز والإعداد لشن حرب عدوانية من قبل دولة على دولة أخرى جريمة ضد السلام تتنافى مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية، كما أن جرائم القتل والإبادة الجماعية والتعذيب والتهجير والإبعاد والإرهاب والاعتقال غير الشرعي والاضطهاد لأسباب سياسية أو دينية أو عرقية تندرج تحت عنوان الجرائم ضد الإنسانية”،وهذا ما ينطبق على الكيان الصهيوني في فلسطين وعلى الولايات المتحدة الأمريكية في العديد من بلدان العالم من بينها العراق على سبيل المثال لا الحصر.)

ترى لماذا يغض المجتمع الدولي الطرف عن ما يرتكبه الإرهابيون الصهاينة من مجازر ومذابح وجرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين منذ حدوث نكبتهم في عام 1948 وحتى اللحظة الراهنة؟

ولماذا غض هذا المجتمع الطرف عن ما ارتكبه المستعمرون الأمريكيون من جرائم مشابهة بحق العراقيين إبان حصار العراق وخلال اجتياحه واحتلاله بلا مسوغ أو مبرر في عالم 2003 وبعد ذلك حتى انسحابهم منه تحت وطأة ضربات المقاومة العراقية الباسلة في عام 2011!!؟

ولماذا تقوم الدنيا ولا تقعد عندما يقتل مواطن فلسطيني يسعى لتحرير أرضه المغتصبة جندياً أو مستوطناً صهيونياً تماماً كما كانت تقوم الدنيا ولا تقعد عندما كان يقتل مواطن عراقي جندياً أو مرتزقاً أميركياً بهدف تحرير أرضه التي احتلت بدعوى امتلاك العراق أسلحة دمار شامل التي تأكد بطلانها في ما بعد، باعتراف الحكومة الأمريكية نفسها؟

وهل حقاً أن كل هذا حدث ويحدث بمثل هذه الكيفية البربرية والمنافية للحق والعدل اللذين أجازهما القانون الدولي “لأن الدماء الصهيونية والأميركية أطهر وأنقى وأغلى ثمناً من الدماء الفلسطينية والعراقية”، وفق ما دأب على الترويج له الصهاينة العنصريون في تل أبيب ومن تبقى من حثالات المحافظين الجدد في واشنطن!!؟

أجزم ببطلان هذه المقولة الخرافية والحمقاء، لأن دماء الفلسطينيين والعراقيين والعرب أجمعين مسلمين ومسيحيين أطهر وأنقى وأغلى ثمناً مئات المرات، لا بل آلاف المرات من دماء الصهاينة والأمريكيين النجسة.

أذاً لماذا يستمر الإرهابيون الصهاينة في مغالطة أنفسهم وهم الذين يحتلون الأرض الفلسطينية بالإرهاب والإكراه والقتل والبطش والسحل والإبادة الجماعية والتدمير وفي وضعٍ مُخالفٍ ومغايرٍ للقانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية والشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة منذ 68 عاماً، فيوجهون تهمة الإرهاب هكذا جوراً وبهتاناً للفلسطينيين؟

ولماذا تمادى الإرهابيون الأمريكيون في مغالطة أنفسهم أيضاً وهم الذين احتلوا الأرض العراقية بالإرهاب والإكراه والقتل والبطش والسحل والإبادة الجماعية والتدمير وفي وضعٍ مخالفٍ ومغايرٍ للقانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية والشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة أيضاً لأكثر من ثمانية أعوام، ووجهوا تهمة الإرهاب هكذا جوراً وبهتاناً للعراقيين؟

لا أعتقد أن في المغالطتين شيئاً من الصحة، بل أجزم قاطعاً أن المحتلين الصهاينة والأمريكيين هم الإرهابيون الحقيقيون. فالفلسطينيون يدافعون عن عرضهم وأرضهم ويناضلون من أجل الحفاظ على العرض وتحرير الأرض أملاً في نيل الاستقلال، والعراقيون كانوا يدافعون عن العرض والأرض ويناضلون من أجل الحفاظ على العرض وتحرير الأرض سعياً لاستعادة الاستقلال.

أسئلة وتساؤلات وعلامات استفهام عندما تتم الإجابة عليها أو يُصار إلى تعليلها أو سرد مبرراتها “توافقاً” أو “تعارضاً” مع القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية وقرارات الشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة، لا يمكن حصر هذه الإجابة في غير دائرة واحدة مفادها أن أصحاب القرار في تل أبيب يتعاملون مع الفلسطينيين وفق نهج الإرهاب وشريعة الغاب وسياسة التوسع الاستيطاني، تماماً كما أن أصحاب القرار في واشنطن تعاملوا مع العراقيين وفق نهج الإرهاب وشريعة الغاب وسياسات الإمبراطوريات الاستعمارية التوسعية التي سادت العالم في في ما بين القرون الوسطى ونهايات القرن التاسع عشر. ففي إطار نهج الإرهاب وتلك الشريعة والسياسات، كان يحق لسلطة الاحتلال ضم الأراضي المحتلة إلى أراضيها أو بيعها أو تأجيرها أو التنازل عنها لدولةٍ أخرى.ومع انعقاد مؤتمر بروكسيل عام 1874م وتمخضه عن اتفاقية خاصة بالطبيعة القانونية للاحتلال الحربي، أُسقط هذا الحق عن دولة الاحتلال. وفي عام 1913م أوضح “الوجينر الفرنسي للقانون الدولي” ذلك في نصٍ واضحٍ جاء فيه “أن الاحتلال لا ينقل أي حقٍ من حقوق السيادة إلى القائم به، لكنه ينقل بعض مظاهر ممارسة هذه السيادة فقط، مع ضرورة الحفاظ على الأمن والنظام في الأراضي المحتلة من قِبل سلطة الاحتلال إلى حين زوال الاحتلال”. وبمعنى آخر تتمتع سلطة الاحتلال – مثل يفعل الكيان الصهيوني ومثل ما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية – بسلطةٍ مؤقتةٍ ومحدودةٍ ترتبط بشرط الضرورة لحماية الأمن والنظام فقط لا السيادة الشرعية. ومهما يطول الاحتلال “لا يجوز بحال من الأحوال ضم الأراضي المحتلة إلى أراضي سلطة الاحتلال أو إقامة حكمٍ مدني فيها”. وَتَمَ تأكيد ذلك في المادة “47” من اتفاقية جنيف الرابعة في نصها القائل “أن الاحتلال الحربي حالة مؤقتة تنتهي مع إيجاد تسويةٍ سلمية بما يترتب على ذلك حتى التبعات القانونية”. كما وأضافت المادتان الأولى والثانية من البروتوكول الإضافي لعام 1977 الملحق بالاتفاقية مزيداً من التأكيد في القول “أن السكان المدنيين والمحاربين يبقون تحت حماية ومفعول حياد القانون الدولي – لا القانون الصهيوني أو الأميركي – ويُطبق ذلك في حالة النزاع المسلح حين يناضل الشعب ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال المعادي والأنظمة العنصرية ومن أجل حقه في تقرير مصيره”، وهي أمور تم تثبيتها في ميثاق الأمم المتحدة وضمانها من قبل القانون الدولي.

هذا في ما يتعلق بالطبيعة القانونية للاحتلال الحربي. أما في ما يختص بالعدوان فإن “المعنى يقع في قلب الشاعر” كما يقول المثل الشعبي الشائع، إذ أن كلمة العدوان تُعرف نفسها بنفسها. فالعدوان هو عبارة عن اجتياح الأراضي من قبل دولة أو قوات أجنبية كغزو الأراضي بالطرق البرية أو الجوية أو البحرية أو اجتياحها أو قصفها أو محاصرة شواطئها، وهذا ما ينطبق تماماً على الكيان الصهيوني في فلسطين وما كان ينطبق على الولايات المتحدة في العراق. وهذا التعريف ورد في معاهدة “بريان – كيلوغ” التي صدرت قبل أكثر من ثمانية عقود، وأكده ميثاق منظمة الأمم المتحدة الذي تمَ توقيعه عام 1945 على خلفية الحربين الكونيتين الأولى والثانية.

وفيما يتصاعد العدوان الصهيوني على الفلسطينيين، وفيما تحاول الولايات المتحدة مجدداً العودة إلى ممارسة دور سلطة الاحتلال على العراقيين من خلال اللعب على التناقضات في العراق، وفيما تتصاعد المطالبة بمحاكمة أشرار تل أبيب وواشنطن أمام محكمة دولية، نستذكر ما جاء في المادة السادسة “أ” من الميثاق في تعريف نظام المحكمة الدولية للعدوان “إنه جريمة ضد السلام”. أما جوهر العدوان فيتلخص في ضم أو اغتصاب أرض الغير ونهب واستعباد الشعوب الأخرى وإبادة السكان المدنيين بالجملة وإبعادهم وتهجيرهم. ووفقاً لأحكام القانون الدولي المعاصر تعتبر “أرض الدولة حُرمة لا تُمس ويجب أن لا تكون عرضة للاحتلال الحربي المؤقت أو للضم وبسط سلطة دولة أخرى عليها”. وتُضيف أحكام هذا القانون “أن الشعب هو مالك أرضه وصاحب الحق الأعلى في التصرف بها”.

ونبقى في إطار العدوان فنضيف أن الجمعية العامة للأمم المتحدة عَرَّفت الفعل العدواني في ثماني موادٍ واضحة عام 1974 ننتخب منها فقرةً واحدةً فقط تنص على “أن التخطيط والتجهيز والإعداد لشن حرب عدوانية من قبل دولة على دولة أخرى جريمة ضد السلام تتنافى مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية” تماماً كما “أن جرائم القتل والإبادة الجماعية والتعذيب والتهجير والإبعاد والإرهاب والاعتقال غير الشرعي والاضطهاد لأسباب سياسية أو دينية أو عرقية تندرج تحت عنوان الجرائم ضد الإنسانية”، وهذا ما ينطبق على الكيان الصهيوني في فلسطين وما كان ينطبق على الولايات المتحدة الأمريكية في العراق. وقد أرَّخَت “محكمة نورمبرغ” التي أنشئت بموجب اتفاقية لندن عام 1945 لمثل هذه الجرائم في القرن الماضي وفي مقدمها جرائم الحرب التي ارتكزت على انتهاك قوانين الحرب، بانتظار أن يُصارَ إلى تشكيل محكمةٍ مماثلةٍ لتؤرخ للجرائم الصهيونية والأمريكية في كل من فلسطين والعراق. نُذَكّر بأن نورمبرغ كانت العاصمة الروحية للرايخ الثالث. ولا يفوتنا أن نؤشر إلى أن كل ما يرتكبه جيش الاحتلال الصهيوني في فلسطين وما ارتكبه الجيش الأمريكي في العراق يتنافى تماماً مع معاهدة فرساي 1919 واتفاقية لندن 1945 واتفاقيات جنيف 1949 والاتفاقية الخاصة بمنع وقوع جرائم الإبادة والمعاقبة عليها التي أقرت عام 1948 وأُدخلت حيز التطبيق عام 1951.فالاتفاقية الأخيرة تقول في مادتها الأولى بأن “الإبادة الجماعية بغض النظر عن ارتكابها في زمن السلم أو زمن الحرب تُعتبر جريمة تخرق قواعد القانون الدولي، وتلتزم الدول أطراف الاتفاقية باتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع وقوعها ومعاقبة مرتكبيها في حال حصولها”.

ما من أحد ينكر أن الكيان الصهيوني في تل أبيب يحظى “بسمعة طيبة في مجالي الديمقراطية وحقوق الإنسان” في الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة، باعتبار “أنه جزء من هذا الغرب وامتداد حضاري له”.وفي هذا الإطار يمكن الإقرار بأن مظاهر الديمقراطية وحقوق الإنسان تبدو في هذه الكيان اللقيط واضحة في مجال محاسبة ومساءلة وإدانة الصهاينة رؤساء ومرؤسين عندما يتعلق الأمر بالفساد المالي والأخلاقي. ومسلسل المحاسبة والمساءلة والإدانة لكبار الموظفين والوزراء ورؤساء الحكومات ورئيس الدولة نفسه والذي كان أبرز حلقاته مساءلة رئيس الوزراء السابق دافيد أولمرت واعتقاله ومن قبله سلفه آرئيل شارون ونجليه وآخرين غيرهم يدلل على صحة ذلك. لكننا نرى أنه عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين فإن الديمقراطية وحقوق الإنسان في هذا الكيان تُركن جانباً، ويستعاض عنها بجميع الأدوات والآليات التي تكرّس العدوان وتخدم استراتيجية التوسع الاستيطاني – الاستعماري. وما قيل ويُقال عن الكيان الصهيوني منذا نكبة 1948 يمكن سحبه على الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بما حدث إبان احتلال العراق وعندما يتعلق الأمر بمعاملتها للعرب والمسلمين عامة.

ففي حال توفر”التوافق” بين السياسات والاستراتيجيات الصهيونية والأمريكية والقانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية والشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة يُظهر كل من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة حرصاً بالغاً على هذه مجتمعةً أو منفردة. أما في وضعية “التعارض” فيتجاهل كلاهما هذه مجتمعة أو ما يتعارض منها مع سياساتهما واستراتيجياتهما. وقد يصل الأمر في أحيان كثيرة إلى حد التجاوز والتحدي السافر، كما هو حال الكيان الصهيوني مع قرارات مجلس الأمن الدولي ومنظمة الأمم المتحدة الخاصة بقضية الصراع العربي ـ الصهيوني، وحال الولايات المتحدة الأميركية مع المجلس والمنظمة أيضاً بخصوص عدوانها السافر والمستمر في أماكن متعددة من العالم وفي مقدمها البلدان العربية التي لا تسير في فلك سياساتها.

وما من شك في أن القراءة المبسطة للمقتطفات التي اجتزأتها من القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية والشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها للاستشهاد بها، ومحاولة فهم كيفية تعاطي تل أبيب وواشنطن مع هذه المقتطفات والقانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية والشرعية الدولية بشكل عام يُظهران لنا بكل بساطة مدى عمق”التعارض” القائم وَحِدَتِهِ، الأمر الذي يؤكد أن العاصمتين تنطلقان في تعاملهما مع الفلسطينيين والعرب مسلمين ومسيحيين ومع المسلمين بشكل عام من نهج الإرهاب الذي أسس له المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في مدينة بازل السويسرية عام 1897 ومن شريعة الغاب وسياسات الإمبراطوريات التي سادت العالم بين القرون الوسطى ونهايات القرن التاسع عشر. فأصحاب القرار في العاصمتين عادة ما يشكلون وجهين “لعملة” واحدة بالية وقذرة تجاوزها الزمن وأصبحت من مخلفات العصور الغابرة. ومن هنا جاء التوافق والتناغم بين نهج الإرهاب وشريعة الغاب في العاصمتين، مهما تبدلت وجوه أصحاب القرار فيهما.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.