أهداف الجيوش العربية (6)
لا تتعدى مهام الجيوش في الدول العربيةالمهام الشاذة غير السوية وغير المعهودة في دول العالم ، وهي أهداف حددتها النظم السياسية وربما حددتها الجيوش نفسها ، وهذه الأهداف تتمثل فيما يلي :
الفرع الأول : خوض الصراعات والسيطرة الإقليمية :
من استعراضنا السابق لجملة الصراعات والنزاعات والحروب في منطقة العالم العربي ، يمكننا أن نلحظ أن معظم الجيوش في الدول العربية قد انخرطت في تلك الصراعات والنزاعات والحروب ، وهي نزاعات وحروب بينية تدور رحاها بين الدول العربية ، وقليل منها ما يدور بين دول عربية وأخرى غير عربية ، وكأن تلك الجيوش قد أعدت وهُيئت وأُنفق عليها من أقوات الشعوب العربية لكي تقاتل بعضها بعضاً .
فمثلاً الجيش العراقي حارب إيران وأحتل الكويت ، والجيش السوري يحوّل لبنان إلى محمية سورية ، ويرعب الأردن ، ويحافظ علىالتوازنالاسترتيجي مع الجيش العراقي ، والجيوش الخليجية معدة لقمع الثورات والمعارضة الشعبية في أية دولة خليجية ، والتصدي للتهديد والنفوذ الإيراني المتصاعد في الخليج العربي ، والجيش الإيراني حارب العراق ، ويتحرش بجيرانه العرب في البحرين ، وأحتل جزر الإمارات المتحدة السابق الإشارة إليها ، والجيش المصري يفرض هيمنته على جيرانه ، ليبيا التي اعتدى عليها في عهد السادات واخترق أراضيها ، والسودان التي ينبغي أن تظل تعترف بأنها كانت ولاية مصرية ، والجيش الجزائري الذي يكرس كل جهوده لصراعه التاريخي مع المغرب حول إقليم الصحراء المغربية ، وإظهار التفوق المطلق على الجيش التونسي المتواضع ، وكذلك تحجيم “القذافي” وردعه لاتقاء مغامراته الجهنمية ، والجيش الليبي المكون من كتائب الأسرة الحاكمة كانت له مآرب إقليمية لتحقيق مغامرات “القذافي” في تشاد والنيجر وحتى في السودان وربما في مصر إذا سنحت الفرصة ، والجيش المغربي معد هو الآخر ومهيأ لخوض الصراع مع الجيش الجزائري ، حيث سبق وتصادما من قبل ، ثم لفرض سيطرة المغرب على إقليم الصحراء ، هذا في الوقت الذي لم يفكر أحد هذه الجيوش في قتال إسرائيل أو حتى محاولة ردعها ، وهي كما تدعي كافة الدول العربية ، وتزعم جيوشها الجرارة أنها العدو الأول للعرب وللمسلمين ، إذن فالجيوش في الدول العربية قد أعدت لتواجه شعوبها ، ثم لتواجه بعضها بعضاً ، وليس لمواجهة عدو مشترك .
الفرع الثاني : تأكيد السيادة الوطنية :
كذلك تعمد الدول العربية إلى تأسيس الجيوش وتجهيزها والإنفاق عليها من أقوات الشعوب ، لتأكيد ما تسميه بالسيادة الوطنية ، وذلك إمعاناً في ترسيخ وتوطيد الأفكار الانعزالية الإقليمية ، وقتل روح التضامن والتكاتف العربي ، الذي يشمل الأمة العربية، والمبالغة غير المبررة في ترقية وتعزيز مفهوم السيادة الوطنية ، وسط دول تتبع نفس القومية وربما نفس الدين ، وباتت هذه المسألة بمثابة الذريعة والمحفز لحالات التنافر بين الدول والأنظمة العربية ، والتي انتقلت إلى الشعوب ، التي حالت الحدود التي تحرسها الجيوش وتدججها بالسلاح دون تواصلها واندماجها ، وكأن السيادة الوطنية التي تشبثت بها النظم السياسية هي اللعنة التي حلت على الشعوب العربية جراء تخليها عن أواصر الدم .
كذلك تبدو نزعة تأكيد السيادة الوطنية لدى الدول أو النظم السياسية التي تعاني من أعراض شذوذ المراهقة الفكرية والحركية وانعدام النضج والتوازن ، مثلما حدث في أوربا في النصف الأول من القرن العشرين لدى كل من ألمانيا وإيطاليا وتسبب في حربين عالميتين .
وإلى جانب هدف ما يسمى بالسيادة الوطنية ، هناك أهداف أخرى مثل السيطرة الإقليمية ، والقيام بأدوار الزعامة ، والسيطرة على الدول الأخرى ، الأقل مقدرة مادية وعسكرية ، وذلك ما فعله العراق وإيران وسوريا والسعودية ومصر وليبيا والجزائر ، ومثل العمل لمصلحة تحالفات وسياسات القوى الكبرى.
الفرع الثالث : قمع محاولات الخروج على النظم السياسية :
ومن أهداف جيوش الدول العربيةبالإضافة إلى ما تقدم ، أنها تقوم بقمع ثورات الشعوب على النظم السياسية الاستبدادية الفاسدة ، التي تشترك معها في التكوين والهدف ، بل إن من تلك الجيوش ما يعمل لمصلحته الخاصة المتمثلة في السلطة والاقتصاد ، وربما يدخل في صراع مع الأنظمة ما يضطره للانقلاب عليها .