الرئيسية » غير مصنف » ثوار لا مسلحين

ثوار لا مسلحين

يؤسفني أن تستمر وسائل إعلام عربية باستخدام لفظة “مسلحين” بدل “ثوار” فيما يتعلق بالثورة العراقية.

المعضلة ليست في الاستخدام فحسب بل بمحاولة إضفاء صفة الموضوعية على هذا الاستخدام، فعادة ما تلجأ وسائل الإعلام إلى التذرع بألفاظ “كبيرة” تختبئ خلفها في الخضوع للسياسة الدولية أو الضغوط التي تمارسها القوى الكبرى.

اتفقت أجيال الباحثين في الإعلام منذ بداية القرن الماضي وحتى اليوم أن مهمة وسائل الإعلام هي حماية المعلومات الصحيحة وتقديمها للجمهور، حتى يتمكن الأخير من الحكم عليها وبناء الآراء المناسبة تجاهها والتي قد تتطور إلى مواقف.

وكلمة مواقف هذه، هي التي تثير حفيظة القوى السياسية الكبرى وجماعات الضغط والدول الإرهابية وتلك الداعمة للإرهاب، لأن اتخاذ مواقف إيجايبة من الثورة العراقية ودعمها بكل الوسائل يهدد مصالح تلك الدول ويخرج رأسها من المنطقة كما يستطيع إخراج أذنابها.

إن وصول المعلومات الدقيقة، والاستخدامات الصحيحة للألفاظ من خلال إطلاق لفظ “الثورة” على ما يحدث في العراق اليوم، وتبني الجماهير العربية لمواقف إيجابية من تلك الثورة يشكل أكبر الخطر على دول عالمية مثل الولايات المتحدة، وعلى دول إقليمية ترعى الإرهاب وتعنى به كنظام بشار الأسد في دمشق ونظام الملالي في إيران.

لا يمكن لإعلامي أن يفهم توظيف مصطلح “مسلحين” بمعزل عن السياسة الأمريكية – الغربية في المنطقة العربية. وإن كان مما يشرف الثورة العراقية وصفها من قبل وسائل الإعلام الغربية والإيرانية بأنها أعمال “مسلحين” ضد حكومة المالكي، فلا شك أنه من المؤسف أن تمر هذه العبارة في وسائل إعلام عربية كبرى، كالجزيرة على سبيل المثال وصحيفة العربي الجديد، التي توقعنا أنها ستكون صحيفة الزمن العربي الجديد. حيث بنت الجماهير العربية على وسائل الإعلام تلك، أكبر الآمال في التعبير عن أهدافها والدفاع عن طموحاتها.

لا يخفى على طلاب السنة الأولى في قسم الإعلام أن الألفاظ تخرج من مدلولاتها إلى دلالات جديدة من خلال استخدامها بنمط معين، وتكرار محدد. ولا يشك أحد أن لفظة مسلحين بضم الميم تؤدي غرضاً مهيناً ، إذ يرتبط مدلول هذه الكلمة باللصوص والقتلة الذين يمارسون العنف والإرهاب ضد المسالمين، وهذه الدلالة ثابتة بالنسبة لدينا من خلال قياس ردة الفعل على هذه الكلمة بين أصناف الجمهور المختلفة. بل توصلنا إلى أن الكلمة تذكّر على الفور بلفظة “مخربين” التي استخدمها العدو الصهيوني في وصف الفدائيين.

استخدام اسم الفاعل “مسلحين” يدل على تسلح هؤلاء الجماعات، وإن كانت المسألة طبيعية من الناحية اللغوية، إلا أن المدلول الإعلامي يشير إلى اغتصاب السلاح واستخدامه ضد النظام والأمن العام. والمشكلة الأكبر في كل هذا أن يكون بعض من يدير وسائل الإعلام لا يعرف هذه البديهيات.

بالعودة إلى الموضوعية وحماية أمن المعلومات وإيصالها للجمهور، فإن من نواقض الموضوعية أن يتم إهمال رأي الأطراف الأخرى في الصراع أو الجدل أو الحوار، وهذا ما تعمدت وسائل إعلام عربية عديدة القيام به، إذ تم التجاهل التام لموقف العشائر العراقية التي تمثل أكثر من نصف الشعب العراقي وهي تصرخ “نحن في ثورة ضد التهميش وضد التدخل الإيراني وضد الإهمال الذي نعاني منه في بلادنا”. إلا أن صفة المسلحين متبوعة بصور “مسلحين” بالفعل، وبأخبار عن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام يجعل الأمر مقصوداً وخطيراً في آن.

ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن استخدام هذه الكلمة هو استخدام غير بريء، وينافي الموضوعية تماماً، ما تقوم به وسائل الإعلام العالمية أيضاً من التركيز على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام واعتباره عنواناً عريضاً لما يجري في العراق، ففي الوقت الذي يؤكد فيه الناطقون باسم مجلس الثورة العراقي هدف الثورة والمشاركين فيها ونسبة التنظيم، إلا أن وسائل الإعلام الغربية والإيرانية وكذلك وسائل إعلام بشار الأسد، لا تتحدث إلا عن أعمال إرهابية يقوم بها التنظيم، ودعوة لطاعة الخليفة، والولاء لدولة الخلافة، ويتم تشتيت النظر عن القضية الحقيقية بهدف إيجاد المنافذ والثغرات للقضاء على الثورة العراقية بحجة محاربة الإرهاب. فتكثيف صور المسلحين، وبث مصورات عن جرائم يقوم بها التنظيم، يطغى على حقيقة المشهد العراقي الذي يعبر عن قيام ثورة ضد الاضطهاد والظلم في بلاد الرافدين.

يؤسفنا أن تكون وسائل الإعلام العربية في واد ويكون الجمهور العربي في واد آخر، وأشد من ذلك مأساوية أن وسائل الإعلام تلك، لم تقم بدراسة واحدة حتى الآن ترى فيها موقف الجمهور العربي مما يجري في العراق. وأعتقد أنها لم تقم بذلك قاصدة، فذلك أضمن لها وأسلم من مواجهة السياسات الدولية والدول الضاغطة. فهي تسير بجانب الحائط وتدعو بالستر أيضاً.

 

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.