الرئيسية » تقارير » معهد واشنطن: الأزمة في سوريا هي (حرب بالوكالة) بين تركيا وإيران ستمتد إلى صراع مفتوح

معهد واشنطن: الأزمة في سوريا هي (حرب بالوكالة) بين تركيا وإيران ستمتد إلى صراع مفتوح

بعد فترة قصيرة من صعود نجم "حزب العدالة والتنمية" عام 2002، تبنّت تركيا جدول أعمال طموحاً في مجال السياسة الخارجية الغاية منه فرض نفسها قوة إقليمية مرموقة بقدراتها الذاتية. ومن هذا المنطلق سعت لأن تظهر بمظهر «اللاعب المركزي» الذي يكفي استخدامه «القوة الطرية» لإعادة تشكيل الشرق الأوسط. إلا أن الحرب السورية وخطط إيران للهيمنة الإقليمية، قزّما مع الأسف، طموحات أنقرة.
 
كان التفكير الأولي عند "حزب العدالة والتنمية" عام 2002 أن تركيا ارتضت لنفسها بدور ثانوي في الشرق الأوسط، تحت نفوذ واشنطن، لفترة أطول مما ينبغي. ومن ثم لن يكون بمقدور تركيا أن تغدو قوة إقليمية حقيقية إلا إذا وقفت بمفردها في المنطقة، مخالفة السياسة الأمريكية عندما وحيث تدعو الحاجة.
 
هذا الشعور برز إبّان العد التنازلي لحرب العراق الأخيرة، ما أضفى الشرعية على الحكم التركي الجديد في أنظار شعوب المنطقة، وبالتوازي مع ذلك تصور قادة "حزب العدالة والتنمية" جعل تركيا «قوة طرية» في الشرق الأوسط بأمل إعادة تشكيله عبر نفوذها الثقافي والاجتماعي والاقتصادي.
 
وحقاً بفضل صعود تركيا الاقتصادي السريع خلال العقد الفائت تحقق معظم الجزء الثاني من ذلك التفكير الأولي. فلدى تركيا اليوم الاقتصاد الأقوى في المنطقة متجاوزاً الاقتصادات المنافسة بما فيها الاقتصاد الإيراني بفارق كبير. والمشاريع والشركات التركية مزدهرة الأعمال، والإنتاج الثقافي التركي — من برامج التلفزيون إلى المدارس — مطلوب وعليه إقبال كبير، على امتداد الشرق الأوسط.
 
غير أن خطة تركيا القاضية بأن تصبح قوة نافذة بقواها الذاتية في المنطقة ما زالت بعيدة جداً عن الإنجاز. ولقد فرضت الحرب في سوريا على تركيا مراجعة هذه السياسة، وهذا ما انطوى على إعادة دراسة قيمة العلاقات مع الولايات المتحدة.
 
وبالفعل منذ عام 2011 عادت تركيا للاقتراب من الولايات المتحدة، والوقوف مجددا تحت مظلة حلف شمال الأطلسي «الناتو».
 
في أواخر عام 2011، عندما كانت تأمل أنقرة ان تساعد على الإطاحة بنظام الأسد، بدأت تركيا تستضيف المعارضة السورية وتسلّحها. ولكن لتاريخه لم تعط هذه السياسة ثماراً. وحتى وإن كان الثوار السوريون قد حققوا بعض المكاسب، يبدو أن الأسد ومناصريه سيتمكنون من الاحتفاظ بالسيطرة على بعض المناطق. وبالتالي، بدلاً من الانهيار السريع لنظام الأسد، تواجه تركيا إمكانية نشوء كيان ضعيف ومقسّم على حدودها.
 
هذا الوضع خلق لأنقرة تحدياً أمنياً معقداً لا مثيل له، ما يعني حتمية طلب المساعدة من الحليف الأمريكي لمواجهة هذا التحدي. وراهناً ترغب أنقرة في العمل الوثيق مع واشنطن من أجل تفادي تداعيات الاضطراب الذي تولده الحرب السورية. وتتعدّد «السيناريوهات» البائسة وتتراوح بين انتشار الأسلحة الكيماوية وانهيار منظومة دولة عبر أطول خط حدود تركي.
 
ثم هناك عامل آخر يدفع باتجاه تقارب أنقرة مع واشنطن هي «الحرب التركية – الإيرانية بالوكالة» على أرض سوريا. فإذا أخفقت أنقرة في الحصول على دعم الولايات المتحدة ضد نظام الأسد، ستخسر أنقرة تلك الحرب. ذلك أن إيران رمت بثقلها في دعم نظام الأسد، ما مكّنها حتى الآن من نسف سياسة أنقرة الهادفة إلى تغيير النظام في دمشق.
 
في العراق، أيضاً، إيران هي المنافس الرئيس لتركيا، وهناك دعمت أنقرة «القائمة العراقية» اللاطائفية برئاسة إياد علاوي في الانتخابات العراقية التي أجريت عام 2010. بيد أن علاوي خسر معركته مع نوري المالكي، الذي تعتبره أنقرة «رجل إيران في بغداد». وأدى هذا الوضع إلى فتح هوة بين أنقرة وبغداد، وكذلك بين أنقرة وطهران. وفي المقابل بنت أنقرة علاقات حميمة مع الشمال العراقي السنّي، جامعة الأكراد والعرب والسنة والتركمان تحت عباءتها لمواجهة المالكي ونفوذ طهران في بغداد. والانطباع الشائع في العراق اليوم هو أنه يعيش مواجهة بين تركيا وسنّيي العراق في جهة، وإيران وشيعيي العراق في الجهة المقابلة.
 
ووفق هذا المنطق فإن تركيا (ومعها بعض الدول العربية) تساند الثوار السنة في معركتهم ضد تحالف القوى الشيعية المدعومة من إيران. ويضم هذا التحالف الشيعي إيرانيين، وكذلك لبنانيين وعراقيين، وأخيراً وليس آخراً الأقلية العلوية في سوريا. وكان التحالف بين إيران- الثورة والعلويين السوريين قد نشأ منذ عقد السبعينات من القرن الماضي، وثبّت بناء على فتوى أصدرها آية الله حسن مهدي شيرازي وموسى الصدر تعتبر العلويين مذهباً من مذاهب الشيعة.
 
وهكذا، بعدما وجدت تركيا نفسها وقد جُرّت جرّاً إلى مستنقع طائفي، فإنها اضطرت إلى تلطيف طموحاتها السياسية الانفرادية. غير أنه لحق بتركيا، في أي حال، ضرر كبير نتيجة إحراق لهيب الطائفية والمذهبية «قوتها الطرية» في أنحاء كثيرة من المنطقة.
 
وأخيراً وليس آخراً، فإن تفاقم الانقسام الطائفي والمذهبي في الشرق الأوسط يضع إيران وتركيا في مواجهة مباشرة لا مثيل لها منذ الفترة بين القرنين الميلاديين الخامس عشر والسابع عشر عندما خاض الأتراك العثمانيون والفرس الصفويون حرباً ضروساً على النفوذ في المنطقة امتدت 166 سنة.
 
 
 
سونر چاغاپتاي هو مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن ومؤلف الكتاب الذي صدر مؤخراً "صعود تركيا: القوة المسلمة الأولى في القرن الحادي والعشرين".

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.