الرئيسية » تحرر الكلام » من قاع المدينة “عمان”

من قاع المدينة “عمان”

سقف السيل ، سوق الحرامية ، سينما الحمراء ، شارع طلال ؛ أماكن حملت من الأحداث ما يؤلم ، ومن الذكريات ما يجرح ، وفي يقيني أن أحدا لم يلتقطها ، او يفكر في تسجيلها ، فأبطالها مغمورون ، عبروا سماء ” عمان ” ذات زمن ، ومضوا في عالم النسيان ، وعمان يومها غانية ، مشغوفة بجمالها ، مفتونة بأحلامها ، محروسة بلحظها ولحظاتها ، وكأن دوام حالها  غير محالها .

خليط من أفواج بشرية تعبر كل يوم ، تلتقط ما تحتاج وتمضي ، وثمة أغراب استقروا هناك ؛ في قاع المدينة عاشوا ، ينظرون بوابة الأفق عل طائر البرق يأتي ، وطائر البرق كذوب خؤون :

                                  ” يا طير البرق تأخرت

                         فأنا أوشك أن أغلق باب العمر ورائي

                        أوشك ان أخلع من وسخ الأيام حذائي “

أبو محمد واحد من  أبناء القاع ، في الأربعينيات ، يحمل في جوفه سرا غائرا . لطيف المعشر ، نقي السريرة . بائع بالة ، ثم بائع ساعات . كثيرا ما أعاد على مسامع الفتى قصة سجنه في دمشق ، وعودته إلى الوطن . في رحلة العودة ، وفي قرية “الشجرة” التقته فلاحة حورانية ، صدمت لمنظره ، منحته بعض المال ، على الأرجح كل ما تملك ، و”شبشبها” النسوي . يذكر ذلك بكثير من الامتنان والإكبار .

أخذتنا الحياة ، ومضى كل في طريق ، إلى أن التقيته ذات مساء في مقهى “خبيني” ، عيناه حمراوان ، شعره أشعث ، وملابسه رثة ، صدمت .

– هل تعرفني ؟

– نعم . منصور .

احتسينا كأسي شاي ، نقدته ما تيسر . وخرجت .

في شارع الملك طلال ، وشمس عمان تتدثر بلحاف من غيم ، والمطر يتساقط بغزارة ، لمحته على الجانب الآخر مفتوح الإزار ، عاري القدمين ، شارد العينين ، غائب الذهن ، يهذي بكلمات غير مفهومة ، لقد جن ، أبو محمد فقد عقله !!

أسقط في يدي ، وقفت مصدوما ، أجتاحتني عاصفة من حزن ، ولا شعوريا امتدت يدي لتمسح دمعة حيرى .

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.