الرئيسية » تقارير » الذكرى السادسة والثلاثون لرحيل ناجي العلي.. لم يأكله الذئب أكله عرفات!

الذكرى السادسة والثلاثون لرحيل ناجي العلي.. لم يأكله الذئب أكله عرفات!

وطن- لو قلت ان هذا الفنان المبدع الشهيد ناجي العلي هو أكبر شخصية فلسطينية في هذا العصر قرعت ضمير العرب والعالم اجمع بتشريحه المتواصل لمأساة الفلسطيني وهمومه وما تعرض له من خيانات وخذلان، وذلك عبر رسوماته التي بلغت ارجاء الدنيا، لما خالفت الصواب، فقد كان خير الشهود على الفجيعة الفلسطينية وأشرف من بثها.

وكان ناجي علي نفسه ممثل مأساة الفلسطيني بكل تفاصيلها، لما لاقاه من معاناة والتي انتهت باغتياله.

نزح “ناجي سليم العلي” مع أهل قريته الشجرة عام ١٩٤٨ من قبل العصابات الصهيونية إلى لبنان في ظروف بائسة وهو في عمر التسع سنوات، وبخيانة وتواطىء من قادة جيش الانقاذ العربي مع القيادات الصهيونية في منطقة الجليل التي ينتمي اليها، بعض قادة جيش الإنقاذ هؤلاء ارتشى بألف ومئتي دولار من المال اليهودي ليخون هذه الأرض الطاهرة ويترك أبنائها يهيمون على وجوههم من عذاب إلى عذاب ومن دم إلى دم ومن جراح إلى جراح، ومنهم هذا العملاق ناجي العلي.

وصل ناجي العلي إلى لبنان مع أسرته وعاش في المخيم الذي أطلق عليه فيما بعد مخيم “عين الحلوة”، المنكوب دوما وأبدا، ومن هناك بدأ نضاله طفلا، تارة يعين أسرته بعمل ما، وتارة يختلس وقتا يتعلم فيه فن الرسم حتى أصبح يشار اليه بالبنان.

عمل في الستينات من القرن الماضي في صحافة الكويت، ثم عاد إلى لبنان وعمل مع صحيفة السفير اللبنانية وصحف عربية أخرى وأصبح اسمه لامعا ومخيفا لكثيرين في نفس الوقت، فتعرض للسجن على أيدي السلطات اللبنانية عدة مرات، وبعد المذابح التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في مخيمات لبنان على أيدي عصابات الكتائب في الثمانينات، اضطر أن يعود للكويت عام ١٩٨٣ وعمل فيها حتى عام ١٩٨٥.

طلب ياسر عرفات من امير الكويت جابر الأحمد الصباح طرد ناجي العلي من الكويت، فتردد، الا أن الملك فهد بن عبدالعزيز أعاد الطلب بجبروته المعهود فنفذ الأمر، فجرى ترحيله إلى بريطانيا، حيث تم ترتيب عمله مع نفس الصحيفة التي كان يعمل فيها، صحيفة ” القبس“.

بعد عامين من إقامته في لندن توفاه الله في ٢٩/ ٨ / ١٩٨٧ عن ٤٩ عاما، وهو في أوج عطاءه، وذلك بعد ٣٧ يوما وهو يصارع من أجل الحياة بعد أن أطلقت عليه الرصاصة الغادرة، وكأنه أراد أن يثبت أيضا من خلال حياته أن هذا هو مصير الفلسطيني حين يتعلق بوطنه ويدافع عن قضيته، في عصر الخيانة.

قبل عدة سنوات كتب الي أحد القادة الفلسطينيين يحملني أمانة حملها لسنوات طويلة ولم يبح بها، وطلب مني كشفها بخصوص قتلة ناجي العلي رحمه الله، لكي يرتاح ضميره بعد كل هذه السنين، كنت اعرف هذا القائد واثق به، ولكنه طلب مني أن احتفظ بإسمه “خارج النشر” لأسباب اعيها وقد فعلت ذلك حين بلغتها، وسافعل ذلك ما حييت.

أنا شخصياً منحاز لطبقتي، منحاز للفقراء، وأنا لا أغالط روحي، ولا أتملّق أحداً. القضية واضحة، ولا تتحمل الاجتهاد، الفقراء هم الذين يموتون، وهم الذين يُسجنون، وهم الذين يُعانون المعاناة الحقيقية ناجي العلي
أنا شخصياً منحاز لطبقتي، منحاز للفقراء، وأنا لا أغالط روحي، ولا أتملّق أحداً. هم الذين يُعانون المعاناة الحقيقية ناجي العلي

فبعد اغتيال ناجي العلي ذهب صلاح خلف إلى مكتب ياسر عرفات وحدثت بينهما مشادة أدت إلى اشتباك بالأيدي- حسب ما ذكره هذا القائد- فكان صلاح خلف يعرف حقيقة ما جرى بخصوص هذه الجريمة وكيف تم الاستعداد لها، خصوصا بعد كاريكتير ناجي العلي عن رشيدة مهران زوجة ياسر عرفات سرا، وكان الخوف ربما أكبر من أن يذهب النبش حول هذه السيدة اللغز “رشيدة مهران”، التي يعتقد البعض انها لم تكن سوى ضابطة استخبارات مصرية، مما يؤدي لربط ما بين المخابرات المصرية وياسر عرفات الذي كان عرفات متهما فيه من الأساس، خاصة وأن نجم رشيدة مهران بدأ يختفي شيئا فشيئا بعد الرسم الكاريكتوري، واصبحت فيما بعد وكأنها تعيش في قصر مرصود لصعوبة الوصول إليها، حتى ماتت عام ٢٠١٢.

هذا الكاريكتير الذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير .. والذي اتخذ قرار الاغتيال بعده مباشرة.
هذا الكاريكتير الذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير .. والذي اتخذ قرار الاغتيال بعده مباشرة.

لذا كان تحذير صلاح خلف لناجي العلي لما يعد له بليل، لم يكن تخمينا أو توقعا كما اعتقد كثيرون وربما منهم ناجي العلي نفسه والذي عاش سنوات مع مثل هذه التهديدات، لقد قال صلاح خلف لناجي العلي بالحرف:” يا ناجي لقد صدر القرار. أخرج فورا من بريطانيا، أو على الأقل أخرج واختفي في إحدى القرى البريطانية».
وهذا ما حمل رئيس تحرير صحيفة “القبس” محمد الصقر أن يسافر إلى لندن على عجل ويقوم بترحيل ناجي العلي من لندن وتأمينه في مدينة أخرى، لكن ناجي العلي لم يستسغ الرحيل مجددا وعاد قائلا: فليكن ما يكون!.
في ذاك اليوم عرضت عليه إحدى المنظمات الفلسطينية العيش في سوريا أو ليبيا تحت حمايتها، لكنه رفض قائلا: هذه الدول ستمعني من كامل حريتي فما الفرق بين الموت والحياة حينها.

اعترفت بعض الانظمة العربية أنها خافت أن تعرض عليه الرشوة حتى لا تصبح كاريكتير الغد!
اعترفت بعض الانظمة العربية أنها خافت أن تعرض عليه الرشوة حتى لا تصبح كاريكتير الغد!

كان صلاح خلف على علاقة صداقة وطيدة مع ناجي العلي رغم خلاف ناجي مع منهج “فتح” والذي يعتبر صلاح خلف ثاني أركانه.

بعد هذه المشادة مع عرفات؛ قابل صلاح خلف أحد القادة الذين يثق بهم ( القائد الذي حملني الأمانة) ، وقال له: قد يقتلني (عرفات) في أي لحظة! فإن قتلت فهذه اسماء المجموعة التي نفذت عملية اغتيال ناجي من طرف ياسر عرفات، فاكشفها للعلن.

وسلمه ” ابو اياد” حتى فواتير إقامتهم في “مطعم لبنان” في لندن.

كان صلاح خلف بحكم مسؤوليته استطاع أن يتوصل إلى كل ما حدث.

المحزن هنا أن صلاح خلف عاش لمدة أربع سنوات بعد اغتيال ناجي العلي ولم يكشف عن أسماء القتلة، وحتى هذا “القائد الصديق” بعد مقتل صلاح خلف لم يبح بها لسنين طويلة حتى تحميله هذه الأمانة لي لظروف صعبة واجهها.

عند تحميلي الأمانة نشرتها في اليوم التالي لأبرىء ذمتي.

فيما بعد رجوت هذا القائد مقابلة أحد أبناء هذا الشهيد، وقد تم اللقاء، لتزويده بما ذكر ليكتمل ايصال الأمانة.
المؤسف أن بعض هؤلاء القتلة قد مات خلال هذه الفترة الطويلة، وهم كالتالي:

١ -فايز حماد (علي صالح الزغاري) -صار فيما بعد سكرتير عرفات، مطلوب للسلطة حاليا على خلفية عمليات نصب واحتيال، قبل تسميم عرفات بسنة قام فايز حماد يعزل أشهر حارس شخصي لعرفات وهو محمد الداية!، لسبب غامض، وبعد عام من وفاة عرفات وأثناء التحقيق في مقتله، هرب حماد واعتقل سائقه. لا زال حيا، يعيش في الأردن.

٢ – فتحى الرازم -كان من المقربين من ياسر عرفات، يسمى بفتحي البحرية، توفي في الإمارات عام 2017.

٣- عبد الرحمن صالح من البحرية الفلسطينية التابعة لمنظمة التحرير وانتقل لغزة بعد أوسلو، (هو من أطلق الرصاصة على رأس ناجي) غادر غزة إلى الجزائر ومن ثم انتقل للإمارات للعمل مع محمد دحلان. ثمة مصدر يؤكد انه ينتقل ما بين ابوظبي وبروكسل حيث يعمل مع مصطفى أبو جزر مدير مركز بروكسل الدولي.

٤- ابو خليل- لا توجد معلومات عنه، ولم يعرف اسمه الحقيقي، ولا “المصدر” يعرف عنه شيئا.

٥- منير الزعبي -لواء حاليا وقائد الحرس الرئاسي في السلطة الفلسطينية حاليا. مسؤول أمن ياسر عرفات منذ عام 1979 وحتى وفاة الأخير.

٦- زهير اللحام (أبو سليم) ويلقب ب( زهير اللاسلكي) مدير عملية الاغتيال ومسؤول الاتصال اللاسلكي كان يعمل مهندسا في اذاعة الثورة الفلسطينية.

وقد كانت تكلفة العملية كما يؤكد المصدر هي نصف مليون باوند استرليني، حتى أن صلاح خلف تعجب أن مبالغ كبيرة صرفت على الخمور ضمن هذه الفاتورة.

الشهيد سليمان خاطر .. بطل مصر، كان حاضرا في رسوماته.
الشهيد سليمان خاطر .. بطل مصر، كان حاضرا في رسوماته.

حين سألت عن أطراف أخرى قد تكون مساعدة، قال لي حتما ولا بد أن يكون من قد ساعدهم في لندن كالموساد ضمن الخدمات المتبادلة!، ولكن هذا الفريق الذي تم تجنيده من قبل ياسر عرفات!.
هكذا تخلص الخونة المتخلفين من هذه العبقرية، الذي وصفته يوما صحيفة “أساهي” اليابانية بأنه أحد أشهر رسامي الكاريكاتير العشرة في العالم، كما وصفه الاتحاد الدولي لناشري الصحف، بأنه احد أعظم رسامي الكاريكاتير في العالم منذ نهاية القرن الثامن عشر.

ثلاثون عاما منذ أن بدأت الرسم، أحسست فيها أني قبعت في كل سجون العرب واسأل نفسي وما الذي سيحدث بعد كل هذا؟ أنني على استعداد للموت في سبيل الدفاع عن رسم واحد فقط! ناجي العلي.
ثلاثون عاما منذ أن بدأت الرسم، أحسست فيها أني قبعت في كل سجون العرب واسأل نفسي وما الذي سيحدث بعد كل هذا؟ أنني على استعداد للموت في سبيل الدفاع عن رسم واحد فقط! ناجي العلي.

رحم الله ناجي العلي هذا العملاق الذي لم يعلم قاتلوه أن اغتياله قد أصبح رمانة الميزان ما بين الشرف والخيانة في القضية الفلسطينية برمتها.

عندما هدد بحرق اصابعه في الأسيد، رد ناجي العلي سأرسم بأصابع رجلي
عندما هدد بحرق اصابعه في الأسيد، رد ناجي العلي سأرسم بأصابع رجلي

رحل قتلته ومن شاركوا في قتله واللعنات تتبعهم، أما هو فقد رحل شهيدا مناضلا عزيزا، ليظل إرثه باقيا يقرع الضمائر حتى يومنا هذا.

لي موقف من الجماهير الكادحة والمسحوقة والمغبونة تاريخياً، أحاول التقاط همومها، فتمتزج في داخلي الهموم ناجي العلي
لي موقف من الجماهير الكادحة والمسحوقة والمغبونة تاريخياً، أحاول التقاط همومها، فتمتزج في داخلي الهموم ناجي العلي
كلما ذكروا لي الخطوطَ الحمراءَ طار صوابي… أنا أعرفُ خطاً أحمر واحداً؛ إنه ليس من حق أكبر رأس أن يوقّع وثيقة اعتراف واستسلام لـ «إسرائيل ناجي العلي
كلما ذكروا لي الخطوطَ الحمراءَ طار صوابي… أنا أعرفُ خطاً أحمر واحداً؛ إنه ليس من حق أكبر رأس أن يوقّع وثيقة اعتراف واستسلام لـ «إسرائيل ناجي العلي
أنا ضد التسوية، ولكن مع السلام… وأنا مع تحرير فلسطين، وفلسطين هنا ليست الضفة الغربية أو غزة، فلسطين بنظري تمتد من المحيط إلى الخليج ناجي العلي
أنا ضد التسوية، ولكن مع السلام… وأنا مع تحرير فلسطين، وفلسطين هنا ليست الضفة الغربية أو غزة، فلسطين بنظري تمتد من المحيط إلى الخليج ناجي العلي
إحدى رسوماته الموجعة عن صبرا وشاتيلا..
إحدى رسوماته الموجعة عن صبرا وشاتيلا..
لم يستثن أحدا.. محمود درويش صاحب قصيدة بيروت خيمتنا الأخيرة
لم يستثن أحدا.. محمود درويش صاحب قصيدة بيروت خيمتنا الأخيرة
حين يتضامن الفاسدون والخونة
حين يتضامن الفاسدون والخونة
كان يعرف خيانة جامعة الدول العربية الممحونة دون رتوش!
كان يعرف خيانة جامعة الدول العربية الممحونة دون رتوش!
اللي بدو يكتب عن فلسطين، واللي بدو يرسم لفلسطين بدو يعرف حاله ميت ناجي العلي
اللي بدو يكتب عن فلسطين، واللي بدو يرسم لفلسطين بدو يعرف حاله ميت ناجي العلي

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.