الرئيسية » الهدهد » “متخفون بأزياء فلسطينية ويحملون سجادة صلاة”.. خدعة إسرائيلية لتنفيذ عمليات بالضفة

“متخفون بأزياء فلسطينية ويحملون سجادة صلاة”.. خدعة إسرائيلية لتنفيذ عمليات بالضفة

وطن– تحت عنوان: “متخفّون في وضح النهار: غارات عسكرية إسرائيلية على مدن بالضفة الغربية”، سلّط موقع ميدل إيست آي الضوء على عمليات تشنّها قوات الاحتلال الإسرائيلي وهي تتسلل إلى الأحياء المزدحمة، متنكرةً بزيّ الفلسطينيين، وتحوّل هذه المناطق إلى ساحات قتال.

استهلّ الموقع تقريرَه بالقول: “في صباح يوم الأربعاء الهادئ، كان علام عبد الحق ينظف محله الصغير في شارع مريج في نابلس بالضفة الغربية المحتلة، عندما وجد نفسه وسط غارة إسرائيلية سرية عنيفة”.

استغرق الأمر بضع لحظات قبل أن يدرك أنّ مجموعة عمال الاتصالات التي وصلت إلى حيه قبل لحظات كانت في الواقع وحدة تابعة لقوات الاحتلال تستعدّ لاعتقال المقاتل الفلسطيني محمد حمدان.

وجاءت الغارة في 22 مارس كجزء من سلسلة غارات عسكرية إسرائيلية مماثلة على بلدات وأحياء مختلفة في الضفة الغربية، بهدف اعتقال أو اغتيال مطلوبين من المقاومين الفلسطينيين.

مجازر إسرائيلية

أسفرت العديد من هذه المداهمات عن استشهاد عدد من الفلسطينيين فيما وصفه مسؤولون فلسطينيون بسلسلة “مجازر”، وبصوت مرتجف، استذكر عبد الحق أحداث ذلك الصباح.

قال صاحب المحل البالغ من العمر 55 عامًا، بصوت مرتجف وهو يتذكر الأحداث: “رأيت شابين يرتديان زي عمال الاتصالات أو شركة الكهرباء. كانا يحملان معدات وملابسهما مغطاة بالغبار”.

وأضاف: “تحدث أحدهم إلى زميله باللغة العربية ثم اشترى زجاجة ماء.. بعد لحظات وصلت سيارة ونزل منها أربعة رجال، وسألوا الشابين: جاهزون.. أجابوا: نعم، جاهزون.. ثم توجه الأربعة إلى شركة التوصيل أمام متجري، وبقي الاثنان الآخران بالقرب من متجري”.

وتابع: “مرت بضع دقائق قبل أن ينفد حمدان من السرية، تبعه الرجال الأربعة الذين صوّبوا أسلحتهم نحوه وأطلقوا النار عليه، ثم بدأوا بالصراخ وشتمه بكلمات بذيئة”.

وبينما كان عبد الحق يشاهد الحادث، صوّب الشابان أسلحتهما نحو رأسه، مما أجبره على إدارة ظهره للمكان، ومع ذلك، حاول إلقاء نظرة ليرى ما إذا كان حمدان، الذي أصيب برصاصة في الفخذ، لا يزال على قيد الحياة.

وتابع: “اعتقدت أنها مشكلة عائلية أو نوع من الخلاف، حتى وصلت تعزيزات عسكرية في حافلة كانت تقل عملاء سريين وقوات إسرائيلية. عندها فقط أدركت أن ما يجري هو غارة عسكرية لاعتقال فلسطيني مطلوب رجل”.

بعد ثلاثة أسابيع من الغارة، يبدو أن عبد الحق لا يزال في حالة صدمة، ويتذكر قائلاً: “كنت مرعوبًا. أعاني من مرض السكري وكنت في حالة بائسة، لذلك اتصل أخي، وهو طبيب، بعربة إسعاف”.

وأضاف: “لا أستطيع أن أنسى صوت محمد حمدان وهو يصرخ وهو محتجز اعتنوا ببناتي.. لا أستطيع أن أخرجه من ذهني”.

تنكّر قوات سرية لتنفيذ العمليات

منذ عام 2021، كثّف جيش الاحتلال غاراته على بلدات الضفة الغربية، حيث تتمّ عمليات الاعتقال والاغتيال عادة من قبل قوات خاصة سرية.

كان الجنود الإسرائيليون يظهرون في الحي الفلسطيني وهم يرتدون زيّ السكان المحليين -متنكرين بزيّ رجال دين أو عمال أو صحفيين أو مسعفين مسلمين- لإجراء عمليات عسكرية سرية للغاية.

ومنذ ذلك الحين، تمكّنت القوات السرية من دخول البلدات الفلسطينية باستخدام شاحنات ومركبات تحمل أسماء شركات ومصانع أغذية فلسطينية، أو سيارات تحمل لوحات فلسطينية.

والمثير للدهشة، أنّ معظم المداهمات جرت في ساعات الذروة في أسواق وأحياء مزدحمة وحوّلتها إلى ساحات قتال.

قبل شهر من الغارة السرية في نابلس، في 22 فبراير، اقتحمت القوات الإسرائيلية المدينة وقتلت 11 فلسطينياً.

متنكرينَ بزيّ رجال دين ويحملون سجاد صلاة أخفَوا فيها أسلحتهم، دخلت القوات الإسرائيلية السرية سوقًا مزدحمة وتوجّهت إلى مسجد الصلاحي الكبير، وفقًا لروايات شهود عيان.

ثم غادرت القوات الخاصة المسجد وتوجّهت نحو مبنًى مجاور قيل إنّ مقاومين فلسطينيين يتواجدون فيه، قبل أن تنضمّ إليهم تعزيزات عسكرية كبيرة.

كان المنزل محاصرًا، وجرى إطلاق صواريخ باتجاه المبنى، فيما شوهد قناصة إسرائيليون في الجوار، كما شوهدت مروحية عسكرية إسرائيلية تحلّق فوق المدينة.

اختباء في وضح النهار

بعد ثلاثة أسابيع، في 16 مارس، تمّ شنّ غارة مماثلة في مدينة جنين بالضفة الغربية، ففي ظهيرة يوم الخميس في شارع أبو بكر، حيث عادةً ما يكون السوق المركزي في جنين مزدحمًا قبل نهاية الأسبوع، نزل أربعة مسلحين من سيارة وفتحوا النار على حشد من المتسوقين والمشاة، حيث استهدفوا اثنين من المقاومة الفلسطينية.

كان الرجلان، وهما نضال خازم (28 سنة)، ويوسف شريم (29 سنة)، قد غادرا مخيم جنين في ذلك اليوم، حيث كانا مختبئين، لزيارة محلّ حلاقة ومتجر حلويات في المدينة.

كان الاثنان على متن دراجة نارية عندما استشهدا، مع اثنين آخرين، أحدهما صبي يبلغ من العمر 16 عامًا. وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إنّ 23 آخرين أصيبوا بجروح في المداهمة.

قالت سورة أبو الرب، التي كانت تغادر عيادة أسنان: “كان الجميع يصرخون ويبكون ويركضون في كل مكان. كانت النساء والأطفال مذعورة بينما كان الرجال يحاولون حمايتنا وإدخالنا داخل المحلات لتجنب إطلاق النار”.

وأضافت: “قررت العودة إلى العيادة. اعتقدت أنها ربما تكون أكثر أمانًا من الشارع. لكن نافذة العيادة كانت تطل مباشرة على سطح المبنى المقابل، حيث اختبأ المقاومون خلف خزانات المياه واشتبكوا مع القوات الخاصة”.

احتمى أبو الرب ومرضى آخرون في العيادة من إطلاق النار في أحد الممرات، وقبل زيارة العيادة، التقت أبو الرب بأصدقاء لم ترهم منذ سبعة أشهر.

تتذكر: “مشينا في أحياء المدينة وتحدثنا عن مدى حبنا لها وعن العلاقة الحميمة التي نشعر بها. لكن هذه العلاقة الحميمة اختفت في غمضة عين وتحولت إلى خوف ورعب.. [عندما بدأ إطلاق النار] حاولت التواصل مع أصدقائي للتأكد من أنهم بخير، لكنني لم أستطع”.

وذكرت: “الغارات [العسكرية] ليست جديدة على الشعب الفلسطيني، لكنها تتم عادة في ضواحي المدن والأحياء.. ما جعل الأمر مرعبًا في ذلك الوقت هو حقيقة أنه حدث في وسط سوق مزدحمة للغاية”.

وعقب الحادث قال أبو الرب في تدوينة على فيسبوك: “هذا مشهد لا نعتاد عليه مهما تكرر.. هذه الأصوات الحزينة لا تختفي بمرور الوقت.. هذه الخسارة الفادحة لا تتلاشى.. مع مرور الوقت. إنهم يولدون الخوف والكراهية والانتقام الطويل وربما القليل من الأمل”.

“أنت فلسطيني وأنت هدف”

بمجرد بَدء المداهمة، يرتدي محمد، بدلة المسعفين ويهرع إلى الميدان لعلاج الجرحى، وفي مثل هذه الأحداث، يقول إنه ورفاقه المسعفون “ينسون الخوف” لأن همهم الأول وأولويتهم تصبح “إنقاذ الأرواح”.

كان المسعف البالغ من العمر 28 عامًا والعديد من زملائه، الذين كانوا جزءًا من فريق إغاثة طبي مؤلف من 25 عامًا، موجودين في منطقة باب الساحة في نابلس يوم مداهمة 22 فبراير.

قال محمد: “لقد انتشرنا في مناطق متعددة لضمان قدرتنا على الاستجابة لأي حالات إصابة في جميع أنحاء مناطق الاشتباكات.. عالجنا عدداً كبيراً من الإصابات الناجمة عن الأعيرة النارية والأعيرة المطاطية وعبوات الغاز المسيل للدموع”.

وأضاف أنّ القوات الإسرائيلية خلال الغارات العسكرية لا تفرّق بين مسعفين ومدنيين ومقاومين، وتابع: “أنت فلسطيني.. أنت هدف.. المسعفون دائماً في بنك أهداف الاحتلال”.

وأصيب زميله المسعف حمزة أبو حجر بجروح خطيرة في الكبد والطحال في أثناء محاولته علاج جريح فلسطيني في ديسمبر الماضي.

وقال: “لا أتوقف عن التفكير فيما سيحدث إذا كنت سأكون مكانه يومًا ما.. لكن بمجرد تلقينا النداء لإنقاذ الجرحى، وفي اللحظة التي أرتدي فيها بدلة المسعف، أتوضأ وأدعو، ثم أهرع إلى الميدان. في تلك اللحظة تتوقف هذه الأفكار، وأنسى الموت”.

وفي كثير من الحالات، يتم استهداف سيارات الإسعاف بالنيران الإسرائيلية أو منعها من إخلاء الجرحى والوصول إلى المستشفيات.

بعيدًا عن معارك الشوارع، يحدث نوع مختلف من ساحات القتال في المستشفيات في أثناء المداهمات، وتقول نوال العنبوسي مسؤولة العلاقات العامة في مستشفى ابن سينا ​​المجاور لـ مخيم جنين: “فور بدء المداهمة، يستعدّ المستشفى القريب من مكان الحادث لاستقبال الجرحى. ومطالبة الأطباء من جميع الأقسام بالتأكد من أنهم مجهّزون تجهيزًا كاملاً لاستقبال وعلاج جميع الإصابات، والعمل بلا كلل لإنقاذ الأرواح”.

وأصبحت غرف الطوارئ مكتظة بالضحايا وعائلاتهم الذين يُهرعون إلى المستشفيات لمعرفة ما إذا كان أبناؤهم من بين الضحايا، وما إذا كانوا على قيد الحياة.

يصل الجرحى واحداً تلوَ الآخر، مما يترك الأطباء منهكين في محاولاتهم لإنقاذ المصابين بجروح خطيرة، ويمكن سماع أصواتهم تتردد في جميع أنحاء المستشفى، داعية للتبرع بالدم، أو تطلب من الممرضات نقل الجرحى إلى غرف العمليات أو وحدات العناية المركزة.

وأضافت: “أقارب الجرحى ينتظرون في قسم الطوارئ، ولا يعرفون ما إذا كان آباؤهم أو إخوتهم أو أبناؤهم على قيد الحياة.. لكن المشهد الأكثر قسوة الذي مررت به كان عندما أبلغت أم شاب أصيب بجروح خطيرة، أنه سيعيش، لكن بعد عشر دقائق، وافته المنية.. لا توجد سوى لحظات قليلة بين الأمل في البقاء والخوف من الخسارة”.

في العام الماضي، شاركت عنبوسي في تكفين الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة بعد اغتيالها على يد القوات الإسرائيلية، وهي تجرِبة لا تزال لا تصدِّق أنها مرّت بها، وقالت: “لقد صدمت مما حدث، وبينما كنت أقوم بتغطيتها، ما زلت لا أصدق ذلك. كل من رآني في ذلك اليوم أخبرني أنني بدوتُ على ما يرام”.

بعد ساعات قليلة من كل غارة عسكرية، وبعد انسحاب القوات الخاصة، يواصل الأطباء بذل قصارى جهدهم لإنقاذ الجرحى، فيما يتمّ دفن الشهداء، وعادةً ما تسقط المدينة بأكملها في حالة حزن عميق، وتغلق المتاجر أبوابها لأن معظم مدن الضفة الغربية تقيد إضرابًا عامًا.

وتقام جنازات عسكرية لمقاتلين استشهدوا خلال الاشتباكات مع قوات الاحتلال تكريماً لنضالهم ضد الاحتلال، وينزل العشرات من السكان إلى الشوارع لحضور جنازاتهم، وهم يهتفون لفلسطين والشهداء، ويهدّدون الاحتلال الإسرائيلي بالانتقام.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.