مهور “فوق السحاب” في سوريا رغم ظروف الحرب تثير الجدل!

وطن– رغم الأوضاع الاقتصادية ووطأة الحرب التي يرزح تحتها السوريون منذ سنوات، إلا أنّ هناك ظاهرة غير مفهومة، وهي ارتفاع المهور التي وصلت إلى مستوًى غير مسبوق، حتى ما قبل الحرب التي لم تًبقِ ولم تذر.

مستويات غير مسبوقة للمهور في سوريا

وكشف قاضٍ شرعي في وزارة العدل التابعة لحكومة للنظام، عن وصول المهور إلى مستويات غير مسبوقة، تفوق قدرة الشباب الراغبين بالزواج، متحدّثًا عن أرقامٍ فلكية تتجاوز مئات الملايين.

وقال القاضي الشرعي الثالث في دمشق “خالد جندية” لصحيفة “تشرين” الموالية للنظام، إنّ المحاكم السورية تشهد تسجيلَ مهور فلكية وأخرى قيمتها متدنية.

ووفق جندية، فإن “أقل مهر تمّ تسجيله هو 10 ل.س كمقدم ومثلها كمؤخر، في حين كان المهر الأعلى في إحدى معاملات الزواج، هو 15 ألف ليرة ذهبية، إذ باتت الناس تلجأ لوضع المهر بالذهب ليرات أو غرامات”.

وأوضح، أنّ التباين وارتفاع المهور ليس مسألةَ وليدة اللحظة، وإنّما هو أمر موجود على مر العصور في أغلب المجتمعات، وأنّ السبب وراء هذا التباين هو التفاوت الطبقي بشكل عام.

30 ألف دولار مهر عروس في الشمال السوري

وكان مقطع فيديو تمّ تداوله على مواقع التواصل في يونيو الماضي، قد وثّق واحدة من حالات المغالاة في المهور في الشمال السوري، وهي المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.

وأظهر المقطع مأذوناً وسط والد الفتاة والشاب الذي يريد الزواج منها، ولقّن المأذون والد الفتاة الصيغة المعروفة بعقود الزواج على مهر قدرُه 30 ألف دولار و30 ألف دولار مؤخر، وقبل الشاب بعقد الزواج والمبلغ الضخم الذي تم إعلانه.

وأثار المقطع ردودَ فعل وتعليقات متباينة: بين مَن يؤيّد هذه الظاهرة، وبين مَن يستهجنها ويرى أنها غريبة وشاذة.

ووصف البعض هذه الحالة بـ “البورصة التي حلّقت عالياً في الشمال”، حيث يعيش أغلب الناس تحت وطأة الفقر والحاجة والأزمات المعيشية كما في مناطق النظام.

حالة استثنائية وشاذة

وبدوره، رأى القاضي “محمد نور حميدي”، أنه لا ضوابط لموضوع المهور في الشمال السوري، ولكن هناك -كما قال- بعض الأشخاص الذين يعتمدون أسلوب الشهرة، ولو على حساب مشاعر الآخرين، ومحاولة المباهاة والتفاخر بشكل لا يعكس الواقع في الشمال السوري.

ولفت حميدي إلى أنّ القانون المطبق بخصوص الزواج وما يتعلق به في الشمال السوري، هو قانون الأحوال الشخصية السوري على المذهب الحنفي ذاته، كما في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.

استهجان المغالاة بالمهور

وعبّر المصدر عن اعتقاده بأنّ 99% وربما أكثر من أبناء المناطق المحررة، يرفضون ويستهجنون هذه الحالة البعيدة عن عاداتنا وتقاليدنا، وسبق منذ فترة -كما قال- أن عقد قران طبيب وطبيبة قرانهما على مهر 25 ألف دولار، ولكن معظم المهور المعتادة تتراوح بين الـ 1000 و2000 دولار، وبمعدل 5000 آلاف دولار: بين مقدّم ومؤخر.

وكشف “حميدي” كتجربة شخصية، أنه أعطى ابنتيه منذ فترة قريبة لشابين مقابل 5000 دولار بين مقدم ومعجل، رغم أنّ وضعه الاجتماعي والمركز الذي يتولّاه والعائلة التي ينتمي لها، ولم يُكلّف العريسين بأي التزامات من ذهب وغيره.

وأَبان حميدي أنّ قانون الأحوال الشخصية السوري والقرآن الكريم أو في السنة النبوية، لم يحددوا قيمة المهر، حيث جاء في الحديث: “التمس ولو خاتماً من حديد”، والأمر متروك للعرف والعادة.

وأعرب محدّثنا عن اعتقاده بأنّ ما ظهر في الفيديو والمهر الضخم الذي تمّ فرضه وقبوله من العروس، حالةً استثنائية وشاذة، وتابع أنّ معظم الناس في المناطق المحررة من ذوي الدخل المحدود، وبالكاد يستطيعون تأمين لقمة الخبز.

وهذه الحالة -حسب قوله- لا تمثّل رأي الشبان والفتيات الذين يرفضون بشكل مطلق المغالاة في المهور، وخاصة أننا في ظرف تزايدت فيه نسبة العوانس والأرامل والبنات اللواتي بقينَ خارج مؤسسة الزواج لظرف اجتماعي أو آخر، مع تناقص في أعداد الذكور بسبب الحرب: من استشهادٍ أو اعتقالٍ أو اختفاء قسريٍ أو هجرةٍ لأعداد كبيرة من الشباب خارج البلاد، وهذا يتطلب -كما قال- تشجيعَ الزواج وتسهيل أموره، وتذليل عقباته سواء أكانت مادية أو غيرها.

ودعا د. حميدي إلى الاقتداء بسنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وديننا الإسلامي الذي يقدّس مؤسسة الزواج، وإلى تشجيع الشباب عليه من أجل القضاء على ظاهرة العنوسة والانحلال الأخلاقي والعلاقات غير الشرعية، والقضاء على ظاهرة تشرد الأطفال من خلال زواج الشباب من المطلقات أو أرامل الشهداء.

تعديل المهر

ووفق قانون الأحوال الشخصية المعمول به في مناطق النظام السوري، يحقّ للزوج أو الزوجة تعديل المهر في حالتين، إذا تمّ الأمر برضا الطرفين وبموافقتهما التامة دون خصومة، وذلك من خلال تقديم طلب إداري إلى القاضي الشرعي، الذي يحوّل الطلب إلى الديوان، ثم تُكتب ورقة تعديل المهر على أصل عقد الزواج القديم في المحكمة.

والحالة الثانية عند رفع دعوًى خاصة، لكنْ لا ينظر القاضي بأمر التعديل إلا في حالة كانت قيمة المهر المسجلة منخفضة جدًا عند التسجيل. أما دون هذه الحالات فتقابَل بالرفض التام، كحالات تحديد المهر بقيم متدنية دون 10 آلاف ليرة سورية على سبيل المثال، حينها يتمّ تعديله ليصبح 200 ألف ليرة سورية أو أكثر بقليل عند المطالبة.

بمعنًى آخر، تبقى المرأة هي الخاسرة الأكبر من مسألة تعديل المهر في حال رفع دعوة خصومة.

المهر بالليرة الذهبية

ويرى المحامي “إبراهيم الأيوبي” -بحسب الصحيفة السورية- أنّ تعديل المهر يعدّ إجراءً شائعاً مؤخراً، وذلك نتيجة انخفاض المهور المتفق عليها في عقد الزواج مقارنة بالقدرة الشرائية، والذي تسبّب بحدوث مشاكل عائلية لفقدان المهر قيمته المادية، وصدور قانون الأحوال الشخصية لعام 2019 شجع العديد من الأزواج، على تعديل المهر رضائياً، صوناً لحقوق الزوجة المادية.

حالات عديدة تكرر فيها تعديل المهر ليصبح بالليرة الذهبية

وتحدّث أنّ هناك حالات عديدة تكرر فيها تعديل المهر، أكثر من مرة ليصبح بالليرة الذهبية، وأنّ عامل التقليد والمباهاة بين العائلات يلعب دوراً كبيراً في ذلك.

ووفقاً لتصريحات اﻷيوبي، “جاء التعديل الجديد ومكّن الزوجة من تعديل مهرها، بعد مدة معينة على زواجها تصل إلى قرابة 10 سنوات، لأن قيمته السابقة لم تعد مناسبة للقوة الشرائية الحالية، مع الالتزام بشرط القانون، وهو ألّا يتجاوز مهر المثل عند الاستحقاق، وأن يكون برضا الطرفين وتقديم طلب إداري للقاضي الشرعي”.

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث