الرئيسية » تحرر الكلام » الحضارة الاسلامية ماضيا مجيدا وحاضرا مخيبا

الحضارة الاسلامية ماضيا مجيدا وحاضرا مخيبا

من يقرأ تاريخ الحضارة الاسلامية منذ ظهور الاسلام وحتى الوقت الراهن يجد التباعدات الحضارية الكبيرة والبون الشاسع مابين الماضي والحاضر لتلك الحضارة العريقة التي  كانت في يوم ما من ايام الانسانية حاضرة الدنيا وخزينة العلم ومنبع الفكر ومعقل التمدن الانساني بل انها تعدت ذلك كله حتى اصبحت احدى اعظم الحضارات الانسانية على الاطلاق وفي كافة النواحي والمستويات ،فضمت اغلب الاعراق الانسانية من اسبانيا غربا حتى الصين شرقا ومن روسيا شمالا حتى بلاد السودان جنوبا ، فأزدهرت الحركة العلمية والتجارية والاقتصادية والمدنية في كل ارجاء تلك الحضارة العريقة ،فتم فتح العديد من بلدان المشرق والمغرب وأنشئت العديد من الحواضر الاسلامية كالبصرة والكوفة وبغداد وسامراء وخراسان وحلب ودمشق وغيرها من الحواضر الاخرى لتكون معاقل للعلم والفكر والحضارة ،فأزدهرت البصرة بالعلماء والمفكرين وكانت حاضنة العلم والفكر فظهرت الحركات العقائدية والمذهبية والفقهية فيها، وظهرت المدارس النحوية في الكوفة وأنشئت المكتبات العلمية في بغداد ودمشق ومن ثم أنشات دور العلم في مدن مصر و المغرب الاسلامي كالفسطاط في مصر وطرابلس في ليبيا والقيروان في تونس والرباط في المغرب ومدن الاندلس كقرطية واشبيلية وبلنسية وغرناطة في اسبانيا ، لتتحول تلك المدن الى عواصم علمية وثقافية وتجارية وحواضر مهمة في التاريخ الانساني خلال تلك الفترات التي امتدت لما يقارب اكثر من الف سنة منذ هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام.

لقد كانت الحضارة الاسلامية في تلك الفترة سيدة العالم في الناحية العلمية والثقافية والعسكرية والمالية والاقتصادية وكانت الدولة الاسلامية شاسعة المساحة لانظير لها ،فكانت افواج العلماء من بلاد الروم وفارس والقوقاز تأتي الى بغداد ودمشق والبصرة لينهلوا من معين الثقافة العربية الاسلامية ويساهموا في نهضة الحضارة الاسلامية حتى اصبحت ظاهرة التنقل والسفر وسيلة  من وسائل التعلم والتعليم ،فكانت ظاهرة السفر في نطاق الدولة الاسلامية من حدود الصين الى اسبانيا لم يشهد لها التاريخ مثيلا (في العهد الروماني كانت مدينة الاسكندرية مثلا ظاهرة تنقل العلماء فيها موجودة ولكنها ليست بتلك الابعاد التي كانت في الدولة الاسلامية ) وهذا الشيء كان سببا في ادخال علوم اخرى لم يكن العرب ذو دراية بها كعلم الفلسفة والمنطق الذي اخذه العرب من الاغريق وعلم الحساب والفلك الذي اخذه العرب من الفرس وعلم النجوم والبحار الذي اخذه العرب من الهنود وغيرها من العلوم الدخلية التي استطاع العرب من الالمام بها وتطويرها وانتاجها في ثوب اسلامي جديد يلائم واساسيات الدين ومرتكزاته، وتكمن أهمية علوم الحضارة الإسلامية في تمـيزها عن العلوم القديمة بأنها عالمية وليست محلية؛ لأنها نشأت في موطن يعد مركزا للاتصال بين أفكار العالم المتباعدة، وانتشرتْ في دولة كبرى امتدت من حدود الصين شرقًا إلى حدود فرنسا غربًا في أقل من قرن من الزمان، وذلك بفضل الإسلام الحنيف: دينًا وعقيدةً وقيمًا وخلقًا.

كما استطاعت الحضارة الاسلامية ومن خلال نهضتها العلمية التي استوعبت الثقافات المختلفة من تكوين مدارس علمية متعددة على جميع المستويات ، فكانت هناك مدارس لغوية وثقت الحركة اللغوية للغة العربية من خلال مدرستين شهيرتين هي المدرسة البصرية بزعامة الخليل بن احمد الفراهيدي وتلميذه سيبويه ذو الاصول الفارسية والمدرسة الكوفية بزعامة الرؤاسي وتلميذه الكسائي، فأسهمت هذه المدرستين في اثراء الانسانية بمعين المفردات والنحو العربي الذي تميز عن غيره بعمقه وبأصالته وساهم كل ذلك في جعل اللغة العربية صاحبة مكانة عالية وراقية في تاريخ الحضارة الانسانية طوال عدة قرون حتى غدت لغة العلم والعصر في تلك الحقبة من التاريخ .

كذلك ساهمت الحضارة الاسلامية في العلوم الطبيعية ،ومن يتتبع إنجازات الحضارة الإسلامية في مجال العلوم الطبيعية، سيجد أنهم أول من استخدم المنهج العلمي التجريبي الذي اتخذوه أساسًا للبحث والتفكير العلمي؛ فكان هذا المنهج أعظم هدية قدمتها الحضارة الإسلامية لتاريخ البشرية كلها، بل إنهم كانوا أسبق من الغربيين الـمحدَثين إلى نقد منطق أرسطو العقيم (غير المفيد)، واستطاعوا أن يمـيزوا بين طبيعة الظواهر العقلية الخالصة من جهة، والظواهر الـمادية الـحسِّيَّة من جهة أخرى. وعلموا أن الوسيلة أو الأداة التي تستخدم في هذه الظواهر، يجب أن تختلف حسب طبيعة كل منها.

وساهمت الحضارة الاسلامية في اثراء التراث الانساني من خلال ترجمة العديد من العلوم الاخرى من حضارات اقدم منها كحضارة الاغريق والفرس والهنود والصينيون ،فانطلقت الحضارة العربية والإسلامية في إنجازاتها العلمية العظيمة في القرون 7-10 م في ترجمة العلوم القديمة من اللغات السريانية والفارسية والسنسكريتية واليونانية إلى العربية وذلك بشكل منظم ومخطط له على مستوى الدولة. كما أن النهضة الأوروبية قامت على أكتاف العلوم العربية واليونانية المنقولة للعربية بترجمتها إلى اللغة اللاتينية في القرن الثاني عشر للميلاد، ثم بلغت ذروتها في العصر العباسي وخاصة في عهد الخليفة هارون الرشيد ، وعند ولديه الأمين والمأمون زومن أشهر المترجمين حنين بن اسحق (860 م ) وابنه اسحق أما بيت الحكمة التي أسسها الخليفة المأمون فكان أول مدرسة صحيحة للترجمة في العالم العربي سنة 832 م.

ونبغ الكثير من علماء الحضارة الاسلامية في العديد من المجالات الاخرى المهمة كالطب الذي برع فيه الرازي صاحب الحاوي في الطب وكتاب تاريخ الطب وهو وهو أول من ابتكر خيوط الجراحة، وصنع المراهم وبرع ابن سيناء كذلط في الطب من خلال كتابه الشهير الشفاء والقانون في الطب وهو الذي لقب بالشيخ الرئيس ويُعد ابن سينا أوَّل من وصف التهاب السَّحايا الأوَّليِّ وصفًا صحيحًا، ووصف أسباب اليرقان، ووصف أعراض حصى المثانة، وانتبه إلى أثر المعالجة النفسانية في الشفاء وغيرهم من اطباء الاسلام كالزهراوي وابن البيطار وابن النفيس.

كما برع علماء الاسلام في  الكيمياء ومن اشهرهم جابر ابن حيان والرازي والكندي ، وبرعوا في الفلك والرياضيات ومن اشهر علماءهم الخوارزمي وابن الهيثم والبيروني وغيرهم.

أيضا اخترع المهندسون المسلمون المحركات وتوربينات المياه والتروس المستخدمة في مصانع وآلات رفع المياه، وكانوا رواداً في استخدام السدود كمصدر للطاقة المياه واستخدامها لتوفير طاقة إضافية لطواحين المياه وآلات رفع المياه.

هذا التقدم في العالم الإسلامي في العصور الوسطى، جعل من الممكن لكثير من المهام الصناعية التي كانت تتم في السابق يدوياً في العصور القديمة، أن تتم بدلاً من ذلك بشكل ميكانيكي وأن تقودها الآلات.

وفي علوم البحار و الملاحة  كتب الجغرافيون المسلمون كتبهم. فضمنوها وصفا دقيقا لخطوط الملاحة البحرية، كماوضعوا فيها سرودا تفصيلية لكل المعارك الإسلامية البحرية، ثم وصفوا فيها البحار والتيارات إلمائية والهوائية، ومن أشهر الجغرافيين المسلمين المسعودي والمقدسي وياقوت الحموي والبكري والشريف الادريسي ومن الرحالة ابن جبير وابن بطوطة. وهناك كتب ابن ماجد في علوم البحار مثل كتاب “الفوائد في أصول علم البحر والقواعد” وأرجوزته بعنوان “حاوية الاختصار في أصول علم البحار”.

لقد استطاعت الدولة الاسلامية من تكوين حضارة راقية بالمعنى الانساني الحقيقي المشتمل على ظواهر اثبات وادلة مادية توثق اصالة البعد الحضاري للمعرفة الاسلامية في كل نواحيه وجوانبه ،فظهرت سيادتها على العالم بفعل الثورة العلمية الرائدة طوال مراحلها ،فأنبثقت روح الاسلام الحقيقية التي ارادها الله لعباده وهي تعمير الارض وبناء الانسان وخلق بيئة من الثوابت والقواعد الانسانية تكون منطلقا نحو الحفاظ على التاريخ الانساني من خلال  السعي نحو العلم والمعرفة والحث نحو البناء والتقدم والعمران والاخذ بسبل القوة والبقاء والاستدامة  وحين اهملت الدول الاسلامية تلك السبل والاهداف التي ارادها الله من خلال رسالة الاسلام وتعاليمه تراجع مستوى الامة الحضاري بين امم الارض حتى غدت من اضعف الامم الانسانية في الوقت الراهن بل ان الحضارة الاسلامية لم يعد لها ذكر حاليا على اي مستوى من مستويات التقدم والازدهار وتخلفت في العديد من المجالات التي كانت فيها وطوال قرون عديدة رائدة العالم بأسره.

ان المتابع لحاضر الامة اليوم يدرك تمام الادراك حقيقة ان الدول الاسلامية اصبحت تختلف اختلافا  كليا عما كانت عليه في الماضي مقارنة بالحاضر، ومرد ذلك  انعدام الحركة العلمية بشكل خاص والذي اودى بدوره الى تراكم الضعف حتى غدت مجمل تلك الدول في ذيل القائمة الانسانية من ناحية العلوم والمعرفة بل وأصبحت مستويات الفقر والعوز والجهل والامية هي المستويات السائدة في مجمل بلدان الوطن العربي حتى اصبحت بعض دوله تصنف عالميا تحت خط الفقر كالسودان والصومال واليمن والبعض الاخر تصنف على انها الاخطر في العالم من الناحية الامنية كالعراق وسوريا وليبيا ولبنان نتيجة انعدام السلطة والدولة المدنية والذي انتج بدوره مجتمعات تعاني من الامية والجهل فأنحدرت مستويات التعليم والمعرفة لادنى مستوياتها المعهودة بل اصبحت مؤشرات التنمية البشرية في بعض الدول العربية هي الادنى عالميا كما هو الحال في موريتانيا وجيبوتي وجزر القمر واليمن والسودان التي تذيلت قوائم التنمية البشرية ، كذلك اتسعت دائرة الفقر في المجتمعات العربية بشكل مخيف بحيث ساهمت الصراعات المسلحة والحروب الاهلية والطائفية في ارتفاع معدلات الفقر والجوع ، ففي الصومال يبلغ معدل الفقر العام 73 بالمئة من السكان (حسب تقدير صفحة البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة )، وفي اليمن، يعيش 54 بالمئة من السكان دون خط الفقر،وفي السودان يعيش 46.5 بالمئة من السكان دون خط الفقر،وفي موريتانيا  يعيش 42 بالمئة من السكان دون خط الفقر،وفي سورية يعيش 35.2 بالمئة من السكان دون خط الفقر،وفي ليبيا  يقدر أن ثلث السكان يعيشون دون خط الفقر،وفي لبنان، يعيش 28.6 بالمئة من السكان دون خط الفقر،وفي مصر يعيش 25.2 بالمئة من السكان دون خط الفقر،وفي العراق يعيش 25 بالمئة من السكان دون خط الفقر.

وتشير الإحصائيات المتعلقة بالعالم العربي إلى أن حوالي 40 مليون عربي يعانون من نقص التغذية أي ما يعادل 13% من السكان تقريبا, بالإضافة إلى أن نحو مائة مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر. وتضيف التقارير المتخصصة أن الأمن الغذائي العربي سيظل مهددا بسبب الخلل الذي يشوب العديد من الاقتصادات العربية جراء عدة عوامل داخلية كفشل الخطط التنموية والتوزيع غير المتكافئ للثروات والفساد, وأسباب خارجية على غرار الأزمات الاقتصادية التي تؤثر على التنمية البشرية عالميا.

كذلك يشهد الوطن العربي انحدارا في المستويات العلمية والمعرفية ، فأصبح واقع التعليم في بلدان الوطن العربي واقعا مريرا لايمكن مقارنته بأي منظومة تعليمية اخرى نظرا للانتكاسة التي شهدها نتيجة عدة عوامل منها الحروب والصراعات والفساد السياسي والاستبداد  ساعدت في انتاج منظومة من الامية والجهل بشكل كبير في اوساط الناشئة العربية وعلى كافة المستويات بحيث اصبح عدد الأمِّيين في العالم العربي يكاد يصل إلى حوالي 54 مليون أمِّي ،وحسب المرصد العربي أيضاً فإن حوالي 5,6 مليون طفل عربي ما بين 6-11 سنة لم يلتحقوا اساساً بالمدرسة (61,2 % منهم من الإناث) هذا في عام 2014.

اما في مجال البحث العلمي فكل المؤشرات تدل على استمرار ضعف منظومة الجامعات والبحث العلمي في العالم العربي ووجود مشكلات حقيقية تعيق تطورها وإنتاجها المعرفي ومساهمتها الضرورية في التنمية والإبداع. فالجامعات ومؤسسات البحث العلمي تكتسب أهمية قصوى في تنمية الاقتصادات الوطنية وتطوير الصناعات وابتكار التقنيات والاختراعات ،وعليه فإن الانفاق على البحث العلمي في بلدان الوطن العربي كان ضئيلا جدا مقارنة بالدول العالمية الاخرى ، فإذا قارنا نسب الإنتاج القومي الخام المخصصة للبحث العلمي في عام 2007 في الغرب (1.7% في بريطانيا، و1.9% في الاتحاد الأوروبي)، تبقى النسب العربية متواضعة. ونجد في رأس القائمة العربية 1.02% في تونس، ثم 0.64% في المغرب، و0.34% في الأردن، وفي نهاية القائمة الكويت (0.09%)، السعودية (0.05%)، والبحرين (0.04%)، بحسب تقرير لليونسكو لعام 2010. كذلك يشير تقرير العلوم لليونسكو في نسخته تشرين الثاني 2015، أن نسبة الإنفاق المحلي الإجمالي للدول العربية كلها على البحث والتطوير بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي لا تزال واهية جداً. فعام 2013 لم تبلغ هذه النسبة واحداً في المئة من الإنفاق المحلي الإجمالي العالمي إلا بعد جهد بالغ. أي ما مجموعه 15 مليار دولار من أصل إنفاق عالمي بلغ 1477 مليار دولار، اما من ناحية البحوث المنشورة فإن نصيب العالم العربي من المنشورات العلمية قد بلغ 29944 بحثاً منشوراً في عام 2014، لكن هذه النسبة لم تتجاوز 2.45% عالمياً. كما بلغ عدد المنشورات العلمية نسبة إلى كل مليون نسمة 82 بحثاً عام 2013، لكنه بقي أقل من نصف المعدل العالمي البالغ 176 بحثاً منشوراً لكل مليون نسمة.

ومن المؤشرات الأخرى الدالة على الوضع المعرفي والعلمي العربي هو مؤشر الترتيب الأكاديمي للجامعات العالمية، الذي يصدر عن مركز بحث الجامعات العالمية التابع لجامعة جياو تونغ في شنغهاي، وهو أجود تصنيف عالمي للجامعات وأكثرها دقة. إذ لا نجد تصنيف عام 2015 لأحسن 500 جامعة عالمية سوى خمس جامعات عربية، أربع منها سعودية وخامسة مصرية.

كل هذه المؤشرات السابقة تدل دلالة قطعية على استمرار ضعف منظومة الجامعات والبحث العلمي في العالم العربي التي تمثل الجانب العلمي والمعرفي لأي أمة ووجود مشكلات حقيقية تعيق تطورها وإنتاجها المعرفي ومساهمتها الضرورية في التنمية والإبداع والرقي بالامة واعادة مجدها الحضاري الذي انتكس انتكاسة عظيمة نتيجة العوامل السابقة التي تم ذكرها .

كذلك يشهد العالم العربي انتكاسة كبيرة في مجال الصناعة والزراعة ،حيث ان المجال الصناعي في اغلب دول العالم العربي لديه معوقات عديدة تساهم في ترديء هذا القطاع الحيوي المهم رغم توفر اغلب المصادر الطبيعية للعديد من الصناعات الرئيسية التي يمكن التعويل عليها في بناء مجتمع صناعي ضخم يساهم في الرقي بالتنمية البشرية للدول العربية ، فالوطن العربي يحوي الكثير من الموارد والثروات الطبيعية والبشرية التي لو أحسن استغلالها لأصبح الوطن العربي قوة صناعية كبرى منها:

البترول بحجم 81 مليار طن ، والغاز الطبيعي بحجم 235مليار طن م3 والفحم ربع مليار طن ، والحديد 35 مليار طن ، والفوسفات 40 مليار طن ، والمعادن الثمينة بنسبة 10% من الاحتياطي العالمي والكهرباء 1023 م/ط ، وكذلك هناك 

رؤوس الأموال ،واتساع السوق الداخلية، والقوة البشرية، والموقع الاستراتيجي،والسواحل البحرية،والممرات الدولية وغيرها من الموارد والثروات التي تؤهل العالم العربي ليكون قوة اقتصادية عالمية دون شك ولكن هناك العديد من المعوقات تحول دون ذلك منها نزوح الخبرات الاقتصادية والصناعية نحو الغرب وهجرة الاموال العربية وغياب الاستثمار في الصناعات الوطنية نتيجة الاوضاع السياسية وضعف البنية التحتية للعديد من الدول العربية والفساد المالي والاقتصادي لبعض الانظمة الحاكمة والتعقيدات الاجرائية الممنوحة لبناء المصانع والورش الصناعية، كل هذه العوامل ساعدت في ضعف الانتاج الصناعي العربي عالميا وكانت احدى الاسباب الرئيسية لتخلف الدول العربية في وقتنا الحاضر بعد ان كانت الصناعة احدى ركائز الحضارة الاسلامية طوال تاريخها العريق واحدى مصادر الدخل للدولة الاسلامية والتي كانت تحظى برعاية خاصة من قبل الحكام والخلفاء وما ساعة هارون الرشيد التي اهداها الى شارلمان الفرنسي الا صورة مؤكدة على اهمية دور الصناعة في العصر الاسلامي وصورة لمدى التقدم والرقي التي بلغته الحضارة الاسلامية في الماضي .

كانت الزراعة احدى الممارسات المهمة ومعلما من معالم التقدم والتمدن والتحضر والرقي ومصدرا من مصادر الدخل لبيت المال(الخزينة) في تاريخ الحضارة الاسلامية وكانت احدى ركائز الاقتصاد للدولة الاسلامية والتي من خلالها استطاعت الحضارة الاسلامية من الرقي والتمدن نرى اليوم ان هذه الممارسة او الصناعة غدت مهملة في عالمنا العربية واصبحت تئن تحت مخاطر شتى جعلت من الزراعة جانبا غير مهم كما كان في السابق ، فأصبحت الزراعة تعاني من الاهمال وقلة العاملين فيها ونقص الخبرات والايدي العاملة نتيجة ابتعاد الكثير من سكان الوطن العربي عن هذه الصناعة بدواعي المدنية الحديثة والرغبة في العمل بالوظائف الحديثة وبدواعي دونية الاعمال الزراعية وقلة دخلها المالي مقارنة بباقي الاعمال والمهن، كذلك فإن من الاسباب الاخرى التي جعلت من الزراعة ان تشهد انحطاطة كبرى في الدول العربية هي ضعف الدعم الحكومي لهذا القطاع المهم وعدم اهتمام الحكومات بتسويق المنتجات الوطنية والسماح للشركات الاجنبية الاخرى بتوريد المنتجات على حساب المنتجات الوطنية في الاسواق المحلية وعدم العمل على دعم هذا القطاع بالمبيدات والاسمدة والكفاءات والخبرات والذي بدوره جعل من الزراعة قطاعا مهملا لايمكن الاعتماد عليه رغم وجود الموارد المائية والاراضي الصالحة للزراعة والقوة البشرية القادرة على العمل لو تم دعمها وتشجيعها من قبل المؤسسات الوطنية والخاصة.

لقد كانت الحضارة الاسلامية حضارة انسانية عالمية استطاعت الالمام بجوانب العلم والمعرفة في مجالات عدة فتم تسخير كافة العلوم والمعارف في الرقي بالصناعات المختلفة حتى غدت الحضارة الاسلامية رائدة الامم في كل المجالات واصبحت اكثر الامم والحضارات تقدما وتمدنا وتركت ارثا انسانيا عظيما للانسانية جمعاء لايمكن جحده ولا تخطيه ابدا وامتد ذلك البريق لمراحل طويلة جدا حتى انحساره فيما بعد نتيجة الاستبداد السياسي الذي مارسه حكام الدول الاسلامية  والفساد المالي الذي استشرى في دوواين الحكم والعمالة للاعداء ذلا وهوانا خوفا من فقد كراسي الحكم والتنازع على الملك الذي اسفر عن ذوبان بريق الحضارة الاسلامية كوحدة واحدة  وخلف مجتمعا لم يعد قادرا على حمل الرسالة الحضارية للاسلام وبالتالي حدث انحسار وانكسار للحضارة الاسلامية خلق فجوة عميقة بين ما كانت عليه الحضارة الاسلامية من قوة وثبات الى ضعف ووهن و جعل المقارنة بين الماضي العريق لتلك الحضارة الخالدة وبين الحاضر المخزي الذي نعيشه في العصر مقارنة باطلة لاتصح ابدا بل يمكن وصفها  بأنها مقارنة مغشوشة لايمكن مجانبتها بأي شكل من الاشكال ولايمكن حتى وضع نقاط التقاء بين ما كانت عليه من مجد ورقي وتمدن وبين ما تشهده الان من جهل وتخلف وتدهور وعليه فلا حل لإسترجاع القيم الحقيقية والركائز الحضارية لتلك الحضارة المجيدة الا بالسعي نحو بناء اجيال قادرة على استيعاب كنوز الحضارة الاسلامية بكل مضموناتها وهذا لا يتأتى الا بالعلم والمعرفة فقط ، فبهما يتحقق كل شيء وبهما تستعيد الامة الاسلامية مجدها التليد..

دويم بن سالم الشعيلي

مسقط – سلطنة عمان

25 مايو 2018م

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.