الرئيسية » تحرر الكلام » سلمان العودة نموذجا .. إنهم يحاربون الإنسانية لا المعارضين

سلمان العودة نموذجا .. إنهم يحاربون الإنسانية لا المعارضين

بعد أيام قليلة تهل أيام شهر رمضان على الأمة العربية والإسلامية في ظل ظروف بالغة القسوة على طرف كبير من الشرفاء الذين يسعون إلى رفعة الأمة واسترداد مكانتها.

   أما متابعو الشيخ الأسير “سلمان العودة” الداعية الإنسان، رده الله سالمًا من السجن، فسيفتقدون آراءه وفتاويه القيمة التي جمعت بين الحكمة والتبحر في الدين الإسلامي الحنيف .. ومنها حلقات “حكايات سلفي” التي كان يبثها يوميًا عبر صفحته على الفيسبوك في رمضان الماضي، تشكل أحد المنافذ المميزة للإطلال على روح الإسلام، لولا أن الشيخ آثر إنهاؤها قرب العشر الأواخر لحضور ابنه من الرياض برفقة ابنته “لدن” التي كانت محجوزة في مستشفى عسكري قبلها.

   وكانت أسرة الشيخ “العودة” تعرضت لحادث أليم في 25 من يناير/كانون الأول 2017 على أحد الطرق السعودية، وذلك في غير وجوده، توفيت على إثره زوجته “هيا السياري”، وأحد الأبناء إلى جوار إصابة آخر إصابة شديدة، بالإضافة لابنته، وهو الحادث الذي عزا فيه ولي العهد “محمد بن سلمان” إبان كونه وليًا لولي العهد، وكذلك الملك “سلمان” هاتفيًا “العودة” في 27 من يناير/كانون الأول من العام الماضي.

   ورغم مكانة “العودة” الداعية المشرف العام على موقع “الإسلام اليوم”، وكون “العودة” معروفًا بمواقفه المعارضة في عهد الملك الراحل “فهد”، إلا أن الملك “سلمان” ونجله كانا يحاولان الاستمرار في المساحة المشتركة للتعايش مع آراء ومواقف “العودة”، وهي المساحة التي بدأت بعد خروجه من السجن لـ5 سنوات بدأت من عام 1993م على إثر معارضته لوجود القوات الأمريكية على أرض سعودية، ثم رفعه عريضة للملك “فهد” مطالبًا فيها مع علماء وأكاديميين آخرين مطالبين بمراجعة قوانين المملكة لضمان توافقها مع الشريعة.

   وفي التفاصيل كان “العودة” الشاب في يونيو/حزيران 1992م (العودة مواليد 1956) تم التحقيق معه بسبب موقفه من القوات الأمريكية في شبه الجزيرة، ومنعه من المحاضرة كمعيد إبان ذلك، فإنه بعد أقل من عام تم اعتقاله لمدة 5 سنوات على إثر “مذكرة النصيحة” للملك الراحل “فهد”، واستمر الاعتقال دون محاكمة، وهو ما خشي “العودة” تكراره منذ اعتقاله مجددًا في سبتمبر/أيلول الماضي، ومن هنا جاءت أنباء إضرابه عن الطعام .. ومن ثم شائعات وفاته، حفظه الله، وآخرها في أيام أبريل/نيسان الماضي الأولى.

     ويبقى السؤال:

    لماذا فضلت السلطات السعودية بعد أقل من 8 أشهر فحسب على عزاء الملك “سلمان”، وابنه “محمد” للداعية “العودة” اعتقاله مجددًا؟

   ولماذا أطاح النظام الحالي في المملكة بالعلاقة مع “العودة” التي كانت تسير على وتيرة غير تصاعدية؟ وإن شهدت هزات من حين إلى آخر.

     فعقب خروج “العودة” من السجن في نهاية التسعينيات سمح له بعد قرابة 3 سنوات بتقديم برنامج تلفزيوني في قناة “المجد”، وكان الداعية أعلن تراجعه عن آراء سببت له الصدام مع السلطات وقتها، وبعدها ومنذ عام 2005م جاء برنامج “حجر الزاوية” لـ”العودة” على قناة “إم بي سي” السعودية، فسبب إقبالًا شديدًا يصفه مدير قناة “العربية” اليوم “تركي الدخيل” بأنه تفوق خلال 5 سنوات بخاصة في شهر رمضان على جميع المسلسلات وبرامج المنوعات بل (بزها بزًا).

    بل إن “الدخيل”، وهو أبرز الأذرع الإعلامية لـ”بن سلمان” اليوم نال بداية عام 2011م رسالة ماجستير في الدراسات الإسلامية من جامعة المقاصد الإسلامية في بيروت عن “سلمان العودة من السجن إلى التنوير”.

   وأورد “الدخيل” في رسالته مقولة الألمانية “أولريكه فيرتاغ” مديرة مركز الشرق الأوسط في جامعة برلين الحرة: “سلمان العودة أصبح الشخص الذي يمثل الصوت العقلاني الحديث في السعودية، وهناك كثير من المؤشرات تؤيد ذلك، فهو يتبنى موقف الاعتدال والتوافق”.

   هل كان موقف “العودة” بداية عام 2011م المناصر لثورتي تونس ومصر المهاجم لكارثة “سيول جدة”، وهو الموقف الذي أوقف برنامج “الحياة كلمة” على “إم بي سي” سببًا في إضمار السلطات السعودية سجنًا للعودة؟ لكن 6 سنوات من العلاقة الجيدة يقطع بالنقيض والعكس تمامًا؛ وفي المقابل كان “العودة” خلال تلك الفترة يتحول رويدًا فرويدًا إلى صاحب موقف إنساني، يعبر عن آلام البشرية في كل مكان من منظور إسلامي.

   وكان صبر “العودة” على فجيعة فقد الزوجة والابن جميلًا يليق بالداعية المسلم الإنسان، ولما برزت للوجود الأزمة الخليجية وحصار قطر بداية من 5 من يونيو/حزيران الماضي آثر “العودة” الاعتزال في مسقط رأسه بريدة بالقصيم، في حين تبارى علماء دين سعوديون شهيرون في مولاة ومناصرة السلطة.

   ولكن لماذا تم اعتقال “العودة” وبأي ذنب؟

  هل كان لتجسسه مع آخرين كما قيل على عجل من السلطات الأمنية فيما بعد، وهل يُعزي الملك وولي العهد الحالي جاسوسًا قبل أشهر من اعتقاله؟!

   في 11 من أبريل/نيسان الماضي غرد نجل “العودة” “عبد الله” على “تويتر” كاشفًا عن التغريدة التي كانت سببًا في اعتقال أبيه.

   التغريدة كتبها “العودة” الأب بحسابه على “تويتر” في 9 من سبتمبر/أيلول الماضي الساعة 12 ظهرًا، وقال فيها: “ربنا لك الحمد لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.. اللهم ألف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم”.

   وكان “العودة” رأى ما حسبه انفراجة في الأزمة الخليجية .. فحمد الله وأثنى عليه، ودعا للتأليف بين الحكام دون أن يذكرهم بأسمائهم أو حتى يشير إليهم إشارة ولو عابرة، ووقتها لاقت التغريدة أكثر من 17 الف متابع، وأعادها أكثر من 14 الفا.

   أفكانت هذه الكلمات التي تمثل دعاء بالخير للجميع وحمدًا لله تستدعي اعتقال الرجل وسجنه دون اتهام حقيقي أو مجرد محاكمة، مع ما يمثله من تعقل شديد في الطرح واعتزال للأزمات .. وإرادة لخير البشرية ..؟

   وهل راعى ساجنوه الوضع المتأزم لأفراد أسرة منكوبة في والدتهم .. واثنين من الأبناء مصابين بشدة، وهو عائلوهم من جميع الجوانب بعد غياب الزوجة الأبدي؟

   وهل ينقصنا دليل، من بعد، لإثبات أن السلطات السعودية، وسلطات عربية أخرى بالتبعية اليوم إنما تحارب الإنسانية، في “العودة” وأمثاله الكثيرين .. قبل أن تحارب المعارضين؟!

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.