الرئيسية » تحرر الكلام » الهجرة إلى أمريكا عندما يتحول الحلم إلى كابوس

الهجرة إلى أمريكا عندما يتحول الحلم إلى كابوس

كان يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 يوما باردا كجميع أيام مدينة أيسن بولاية شمال نهر الراين الألمانية ، استيقظت في الصباح الباكر وصليت الفجر في المسجد الجامع بضاحية آلتن أيسن ثم عدت إلى شقتي لتناول وجبة الفطور قبل الذهاب إلى الجامعة ، في قطارات الأنفاق وفي الجامعة بدت الأمور طبيعية جدا ، الكل منهمك في نشاطاته الروتينية ولاشيئ يشي بأن هذا اليوم سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه ، خلصت المحاضرات وأكملت الواجبات اليومية ونزلت إلى النفق لأستقل قطار العودة إلى البيت في رحلتي المسائية العادية ، تفاجأت بجموع الألمان المتحلقين حول الشاشات الكبيرة المثبتة على جدران النفق وعندما اقتربت منهم فإذا بالتغطية الإخبارية عن طائرات أمريكية يقودها انتحاريون عرب تصطدم ببرجي مبنى التجارة العالمي.

في اليوم الموالي أنباء عن اعتقالات بالجملة في صفوف الجالية العربية ومضايقات هنا وهناك ، رجل يرتدي عمامة السيخ يتعرض لإطلاق النار من طرف مسلح كان يعتقد أنه مسلم ، لم تثنيني هذه الأعمال العدائية ضد العرب والمسلمين عن متابعة حلم الهجرة إلى أمريكا لأن الصورة الوردية المرسومة في ذهني عن أمريكا بصفتها القلب النابض للبرالية العالمية والراعي الأبرز للحريات تحجب عني كل هذه الأحداث وتجعلها مجرد سحابة صيف عابرة ، مرت الأيام والليالي وفي صيف 2004 شاهدت إعلانا عن شركة تسمى The American Dream “الحلم الأمريكي” يوجد مقرها بالعاصمة برلين تتخصص في مساعدة الحالمين بالهجرة إلى أمريكا في إكمال الإجراءات الضرورية مقابل عمولة قدرها 100 دولار ، عبأت استمارة الهجرة الموجودة على موقع الشركة وسحبت نسخة منها أرفقتها بشيك بقيمة 100 دولار وصورتين شمسيتين وأرسلت الجميع إلى مقر الشركة ونسيت الموضوع تماما لأتفاجأ بعد ستة شهور برسالة من الشركة تهنئني بقبول إدارة الهجرة الأمريكية طلبي ومعلومات وافية عن كيفية إتمام الإجراءات لدى القنصلية الأمريكية العامة بمدينة فرانكفورت.

أقلعت بي طائرة الخطوط الفرنسية من مطار ديسلدورف (ألمانيا) يوم 4 أكتوبر 2005 ووصلت مطار سنسناتي/شمال كنتاكي في نفس اليوم ، كان يوما مشمسا يزيد عن الأيام العادية ب7 ساعات هي فارق التوقيت بين ألمانيا والغرب الأوسط الأمريكي ، نزلنا من الطائرة واخرجت جواز سفري إضافة إلى الظرف المغلق الذي استلمته من القنصلية الأمريكية في فرانكفورت ، كانت سيدة واقفة في منتصف الطريق بين سلم الطائرة وشبابيك موظفي الهجرة توجه الأمريكيين والكنديين إلى شبابيك خاصة بهم والأجانب مثلي إلى شبابيك خاصة أكثر زحمة وتحتاج وقتا أكثر لإتمام المعاملة ، انتظرت في الطابور الطويل إلى أن جاء دوري ، قدمت جواز سفري والظرف المغلق لموظف الهجرة ، تفحص التأشرة على جوازي واحتفظ بالجميع ودلني على قاعة للإنتظار ، جلست في قاعة الإنتظار مدة ساعة بعدها نادى الموظف باسمي فتقدمت نحوه ، أشار علي بفتح حقائبي الواحدة تلو الأخرى وكان حريصا على تفتيشها تفتيشا دقيقا بعدها أمرني بإغلاقها ووضع ختم الدخول على جوازي ، اجتزت المنطقة الدولية ودخلت الولايات المتحدة ، في الخارج كان الجو مختلفا تماما عن ما عهدته في ألمانيا ، الشمس قريبة من رأسي كأنها شمس الآخرة وأشعتها حارقة ، الشوارع عريضة جدا والمحلات التجارية على جنباتها منزاحة بعيدا تاركة رصيفا عريضا ، المطار ورغم تسميته بمطار سنسناتي الدولي (ولاية أوهايو) إلا أنه يقع في شمال ولاية كنتاكي على سهل فسيح يرتفع حوالي 2000م عن سطح البحر ، بدا هذا الإرتفاع جليا عندما أخذنا الطريق السريع المؤدي إلى مدينة سنسناتي ووصلنا حافة الجرف الجبلي على الضفة الجنوبية لنهر أوهايو حيث اتخذ الطريق مسارا لولبيا نازلا وفي اللفة الأخيرة من اللولب ظهرت ناطحات السحاب على الضفة الشمالية تعانق السحب البيضاء التي تلبد السماء مشكلة لوحة فنية رائعة.

سنسناتي مدينة جميلة جدا تأوي جالية عربية كبيرة وأنا لست العربي الأول الذي عشقها وقرر أن يحط الرحال فيها فقد سبقني إلى ذلك الشاعر العربي الكبير إليا أبو ماضي الذي عشقها وطاب له المقام فيها وامتهن التجارة فيها رفقة أخيه مراد. سنواتي الثلاث الأولى في سنسناتي كانت هي سنوات جورج بوش الإبن الثلاث الأخيرة في الحكم ، تعرضت خلالها لصنوف من المضايقات الأمنية يندى لها الجبين ولا أعتقد أنكم تستسيغون حصولها في بلد ديمقراطي كالولايات المتحدة ، جميع الإخوة العرب الذين تعرفت عليهم وأقمت معهم صداقة تم تجنيدهم ضدي ، جميع العيادات الطبية وعيادات طب الأسنان التي زرتها تم تجنيد طاقمها ، متابعة أمنية على مدار الساعة ، كنت أعتقد أن هذه المعاناة مرحلية ستنتهي بعد جمع الأجهزة الأمنية معلومات كافية عني والتأكد أنني شخص مسالم يريد أن يعيش بسلام ويحقق الحلم الأمريكي كأي مهاجر آخر لكنها للأسف لم تنتهي لا مع نهاية حكم بوش ووصول أوباما للسلطة ولا بعد حصولي على الجنسية الأمريكية سنة 2010 حيث لازالت مستمرة إلى اليوم ، راسلت أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ الممثلين لدائرتي الإنتخابية في الموضوع كما أنني راسلت وزارة العدل وكانت الرسائل الجوابية متفقة على ضرورة توكيل محامي ورفع دعوى قضائية ضد الحكومة الفدرالية لكنني لازلت مترددا في رفع الدعوى.

حسب تجربتي طيلة 12 سنة في الولايات المتحدة فإن الشعب الأمريكي عموما شعب طيب جدا كما أن حكومات الولايات والهيئات المتفرعة عنها تحترم الأقليات وتصون حقوقها على العكس من الحكومة الفدرالية التي تمارس تمييزا ممنهجا ضد الأقلية العربية في الوظائف وغيرها من الفرص المتاحة على المستوى الفدرالي ورغم أن إدارة أوباما أنشأت هيئة فدرالية لمحاربة التمييز الوظيفي وإشراك الأقليات في مختلف الوظائف المتاحة في هياكل الحكومة الفدرالية إلا أن الأقلية العربية لم تستفد من هذه الإصلاحات القانونية ولازالت غائبة تماما عن تقلد أي منصب حكومي فدرالي رغم مؤهلاتها العلمية العالية وكأن أفرادها ليسوا أمريكيين ، بل إن معظم أفراد الجالية العربية ينظر إلى مطالب الإشراك الوظيفي كنوع من الترف الفكري ويخفض سقف مطالبه إلى وقف المضايقات والتحرش الأمني الذي يشبه إلى حد كبير محاكم التفتيش التي نظمها الكاثوليك ضد المسلمين واليهود بعد سقوط الأندلس والتي حدت بهم للهجرة الجماعية إلى شمال إفريقيا ، إن المضايقات الأمنية اليومية التي تتعرض لها الأقلية العربية في أمريكا تريد إيصال رسالة واضحة مفاده أن الحل الوحيد هو التنازل عن الجنسية الأمريكية والمغادرة الطوعية وطالما أن الإعلام الأمريكي لايسلط الضوء إلا على الأخبار السلبية كالأعمال الإرهابية ومحاولة ربط الإسلام بالإرهاب فإننا في حاجة ماسة لتناول الإعلام العربي للمضايقات والتحرش الأمني الذي نقاسيه على يد السلطات الفدرالية لخلق رأي عام عالمي متعاطف معنا لنيل أبسط الحقوق التي يكفلها لنا دستور الولايات المتحدة الذي يحرم التمييز على أساس اللون أو الدين أوالأصول الإثنية.

لمانه ولد علي

سنسناتي ، أوهايو ، أمريكا

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.