الرئيسية » تحرر الكلام » الجيوش الوطنية والثورات العربية

الجيوش الوطنية والثورات العربية

دراسة منهجية تجريبية موثقة ننشرها على صفحات هذه الصحيفة 

(31)

الجيش هو جيش الحاكم

العنصر الثالث في بوتقة الانصهار هو الجيش وهو الآلية الضرورية التي لا غنى للدولة والنظام السياسي اللذين يذوبان في شخص الحاكم عنها لمواجهة من يمكن أن يهدد وجود الحاكم ودولته ونظامه السياسي ، ومن ثم يتلقى الجيش أوامره من الحاكم نفسه أو من أقرب رموز النظام السياسي إليه .

ولا يتورع الجيش في الدولة الأبوية عن استخدام كافة السبل الوحشية في سبيل تحقيق أهدافه ، والقيام بمهمته في الدفاع عن شخص الحاكم ، الذي يجسد الدولة والنظام السياسي ، في مواجهة أية قوة مهما كانت ، وقد لا يسلم الشعب نفسه من هذه المواجهة ، وقد حدث ذلك في نموذج البحرين .

كانت ثورة الكرامة العربية هي اليقين الذي أجلى الكثير من الحقائق ، فلم يكن أحد يتصور أن الجيوش العربية ستواجه الشعوب بشراسة ووحشية ، وستكون أداة الحاكم الذي يبطش بها وينكل بمعارضيه ، وكانت البحرين من الدول الأبوية التي استخدمت جيشها من أجل القضاء على الثورة  ، وتم ذلك من خلال الإجراءات التالية : 

(أ) تشكيل الجيش من قبيلة الحاكم والقبائل الموالية :

الرعوية أو الجنسية ليست هي معيار الانخراط في جيوش الدول الأبوية ، ولكن ثمة معايير أخرى دقيقة وصارمة هي الانتماء لقبيلة الحاكم والقبائل الموالية ، وبنظرة تأملية دقيقة ، نستنتج أن الجيش هو جهة انتقائية وليس جيشاً شعبياً ، كما أنه من فبائل وأسر فوقية قريبة من الحاكم .

ولا شك أن الانخراط في الجيش في الدول الأبوية هو ميزة معنوية وميزة مادية في وقت واحد ، والميزة المعنوية لا تتمثل في سطوة أفراد الجيش في الحياة المدنية ، ولكن تتمثل في النظرة التفضيلية من الحاكم والنظام السياسي ، أما الميزة المادية فهي ليست من الإغراء بما يضارع ميزات قيادات الجيش في مصر بالذات ، ولكنها ميزة نسبية مقارنة ببقية أفراد المجتمع في الحياة المدنية .

(ب) ولاء الجيش المطلق للحاكم :

الانتماء إلى قبيلة الحاكم والقبائل الموالية ليس هو الشرط الوحيد للانخراط في الجيش في الدولة الأبوية الاستبدادية ، ولكن هناك ما هو أهم من ذلك وهو الولاء المطلق للحاكم الذي يمثل الدولة ونظامها السياسي ، والولاء له أمارات يستوضحها القائمون على أمر الجيش وقياداته وهي تتجمع في التفاني المطلق والطاعة من قبل العنصر المنضوي إلى الجيش ، ولا يقتصر التفاني والطاعة على العنصر نفسه بل تنصرف هذه السمات إلى أسلافه دون أية إشارة إلى المعارضة أو الخروج على الطاعة .

والولاء المترتب على التفاني المطلق والطاعة يدفع العنصر إلى أن يفعل ما يؤمر به دون تفكير أو تردد من ثبل قياداته لأنه على يقين من أنه إنما يفعل ذلك لإرضاء الحاكم الذي هو في ذات الوقت الدولة والنظام السياسي .

وقد تبين أنه في الدول الأبوية دائماً ما يتم الربط العضوي بين الولاء للحاكم وطاعته وبين الولاء لله وطاعته ، وهذا إشكال معضل في غاية الحساسية والخطورة ، حيث يتم استخدام الرمزيات المعتقدية في توجيه ولاء الناس ، بل وفي تبرير تصرفات وأفعال الحاكم وبطانته الذين يجسدون الدولة والنظام السياسي ، وما هو أدهى وأمر أن تقرن طاعة الحاكم والدولة والنظام الذي يجسدهما بطاعة الله .

(ت) الجيش يقتل المعارضين :

ترتيباً على ما تقدم يكون الجيش في وضعيةالاستعداد والجاهزية المطلقة لأن يدافع عن الحاكم بدون أي تفكير أو تردد ، ولا يُتوقع أن يكون للحاكم في الدولة الأبوية من يخشاهم أكثر من الشعب وبصفة خاصة المعارضين له والمحتجين على سلوكاته ومن يعاونونه من بطانته وحاشيته .

إن الجيش في الدولة الأبوية والمثال على ذلك ما حدث في البحرين يقتل المعارضين على الحاكم بوحشية ودون رحمة ، وكأن الجيش يقاتل عدواً في حرب معلنة بين دولتين ، وقد تجاوزت مواجهات الجيش في البحرين للثوار كل الحدود وبما يفوق قدراتهم كمتظاهرين سلميين يعبرون عن اعتراضهم على ممارسات النظام في القهر والجور والفساد .

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.