الرئيسية » تحرر الكلام » “حرب عالمية ثالثة “

“حرب عالمية ثالثة “

رفوف ، مناضد ، إشارات تخبرك بمنع المأكولات و أخرى تمنعك عن الكلام ، حواسيب توضَّعت في احدى زوايا ذاك المكان و رائحة أَسدلت بجناحيها على تلك القاعة ..

رائحة كانت و مازالت عشقي ،  شغفي و دائي الذي لم و لن أجد له عقار يداويه ، إنها رائحة  كتاب جمع بين صفحاته ليس أريج أوراقه و حسب ، و لا رائحة حبر كلماته المطبوعة و حسب ،  ففيه قد توضَّع  شذى ذاكرة الكاتب  ، و بين طياته تشتمُّ عطر أنفاسه ، و نبض روحه قبل  أفكاره …

سواءً أكانت تلك الأخيرة مازالت تكتب حروفاً أخرى في مكان و زمان ما أو لم تكن ، لتترك من بقاياها بضع حروفاً و كلمات نطقت على ورق لتتلقاها عينا القارئ ، فتسمع الروح صوت صداها و تُصِبُّ في  قلب المتلقي لا أذنيه هذه المرة …

لتجد أحياناً أنك قد توضَّعت  في بعض تلك الوريقات كشخصية وهمية إختلقها الكاتب من وحي أفكاره يوماً دون أن يعلم أنه كان يكتب عنك و يسرق من تفاصيل واقعك الكثير جاعلاً منها شخصية وهميّة ….

و حتى إن كانت تلك الكلمات تصف أحد لا  يقبع في مخيلة الكاتب و حسب و إنما أيضاً في ذاكرته إلا أنه  لم يعلم أنَّه و إن ذاكرته لن تتسع يوماً لكل أشباه شخصيَّته الرئيسية القابعة في أحد رواياته إلا أن مثيلاتها ممن اِلتقطن تلك الكلمات راحت تبحث عن معانيها مقصدها و نهاياتها ليس في معجم للُّغات و إنَّما في ثنايا روحه بعد أن اصطدمت تلك الأخيرة بجدارٍ عالٍ منيعٍ صعب في اختراقه و الأصعب كان  تجاوزه …

جدار كان مؤلفاً من بضع كلمات يكررها عقلك الباطن كغراب راح ينعق مرَّات و مرَّات مستنجداً بصوت نعيقه ذاك بضعاً من أفراد سربه بعد أن سمع صوت نعيقٍ مغاير لأصوات أفراد  قبيلته المعتاد  و الذي كان دخيلاً عليها إذا ما صح التعبير ، لتجد أن روحك باتت تصدر ذات ذاك الصوت ولكن ليس ليستجلب أحداً من بنو البشر و إنما ليستجلب  روحك من جديد بعد أن رأت رسم صورتها في مرآة تلك الحروف و الكلمات فراحت تتساءل قائلة :

أتراني أنا من يتحدث عنه ذاك الكاتب أم تراه رافق أحداث حياتي و اغترابي أم لعله كان ضحية اغتراب لعين في مكان و زمان مختلفين فاختلق شخصية ما ليصبّ  ذاك الألم بين صحفه التي توضعت فيها  شخصية وهمية تعكس بضعاً من اغترابه و كثيراً من آهاته ..

آهات لم تصدر من أنين روحه و حسب ، بل إنّها قبعت في كل مغترب اتخذ من الوحدة صديق و من القلم درباً منجياً و سبيل بعد أن ترفَّع عن مصادقة البشر مصاحبتهم و تصديقهم  ، أم تراني أقول بعد أن  ملّ  تحليل طباعهم و قراءة تصرفاتهم ،  ليجد نفسه دون سابق إصرار و ترصّد قد ترفّع عن محادثتهم جاعلاً من ذاك القلم أداة نطقه الأسمى و من تلك الوريقات مكبراً لصوت آهاته و أنين روحه المتقد …

جلست على أحد الأرائك  المنجدَّة  تلك ، أرائك فيها تجد بعضاً من  الراحة حيناً ، وفي كثير من الأحيان تكن مثل حديقة شوك قد اعتلت سطحها المخملي القرميدي اللون ذاك ، إذا ما سرقتك ذاكرتك من مكانك مجدداً فتأسرك مرَّة أخرى و لكن هذه المرة و بينما كنت تظن أنه سيكون أسراً رحيماً بين صفحات ذاك الكتاب لدقائق و ساعات و ربما أيام ليس إلا ، تكتشف فيما بعد أن ذاك الكتاب ذاته كان و مازال سجنك الأبدي سواء أأنت انتهيت من قراءته أم لم تنته بعد ، كيف لا ، و قد كنت وجدت ضالّتك  التي تبحث عنها منذ ليال أشهر و ربما سنوات بين مسارات اغترابك ، أرضها  ، و ربما سمائها أيضاً ، فما تلك الأخيرة إلا روحك الأولى ، تلك  التي طالما اشتقت إليها إلى أن صادفتها على حين غرة بين درفتي ذاك الكتاب  …..

رغم اتساع ذاك المكان و بالرغم من أنني وجدت ضالّتي التي كنت أبحث عنها منذ نيّف من الزمن و خاصة لندرة وجود ما أصبوا إليه بين جدران هذا المغترب و تحت سماءه  ، كيف لا ، و ضالتك تلك التي و إن هي تقبع بين كلمات حديثك اليومي مع نفسك ، و أحياناً أخرى مع أحد ممن يتقنون لغتك الأم إذا ما اِلتقيتهم  و إذاما حالفك الحظ و وجدتهم مازالوا مهتمين بنطقها مشتاقين لقراءة حروفها أو حتى مزاولتها سواء  بين ابناء ملّتهم أو حتى مع غيرهم ممن ينطقون العربية بعد أن غزت شوائب  لغة أخرى  مفرداتهم لتحفر بحروفها الأجنبية على خلايا الذاكرة ساعية لتزيل كلمات كانت تعبِّر يوماً عن أصلهم الأول ساعيةً لرسم معجم كلمات جديد يحلُّ  مكان ذاك الآخر مبتدءً بأبسط الكلمات التي كانت يوماً باباً تقوده إلى معرفته الأولى لمحيطه الدنيوي بعد أن ابتدأ الوعي عنده يرسم شعاع شروقه في أفق طفولته تلك ، متزامناً مع رسم وقع خطواته الأولى على أرض كانت يوماً تعبِّر  عن ارتباطه الأول ليمتد ذاك الغزو فلا ينتهي  إلا عند آخر كلمة قد يختتم بها محادثة طويلة كانت أم قصيرة ، جهريَّة  كانت أم خفيَّة بين جدران المكان تارةً و جدران  روحه و خفاياها تارةً أخرى  ، لأستشعر للحظات و ربما ساعات و أيام أن عربيّتي هنا باتت على حين غرة كضيفٍ حطَّ برحله عند أناس لم يتعرفوا  يوماً على الكرم إلا من خلال قصص الأسلاف  فلم يهلّ عليهم أهلاً و لم يطئ أرضهم سهلاً ، لأجد أن ليس  الكتاب الذي يحمل رسم كلمات كُتبت يوماً من اليمين نحو الشمال من أمسى محرم و نادر الوجود هنا بل أيضاً  لحنُ صوتي الأول ..

فتكتشف حينها أن النفس البشرية ما هي إلا كتاب لها درفة واحدة لا اثنتين ..

كتاب ابتدأ قلمك بخط كلماته فيه ليس عندما اتقنت فنَّ الكتابة و إنما عندما أُعلن لنفسك البشرية قدومها و كُتب لها أن تتكون وسط ظروف ، محيط و أناس دون غيرهم ، فوق أرض و تحت سماء ما ، فإذا بذاك القلم الخفي يخط ُّ حاضرك الذي سيمسي يوماً ذكرى في حاضرٍ زمان و مكان أُخَر..

كتابٌ إذا أنت  أجدت استشفاف كلماته و قراءته لتجاوزات الكثير من المحن ..

ليس إجادتك لقراءة كتابك و معرفة نقاط قوته ضعفه و مواضع خلله و حسب و إن كان شيء أولويّ و لكن أيضاً تمكّنك من قراءة كتب الآخرين  و الذي يمنحك الكثير الكثير ..

فإذا ما أنت أجدت قراءة كتبهم  أبعد ذلك عن كتابك نهاياته التعيسة الغَبِرة  و إذا ما أحسنت يوماً اختيار كتاب أحدهم بعدما أجدت قراءته تفهَّمته و استشفَّيت  أخطاءه قبل محاسنه  و تقبَّلتها  قبل الخوض في أحداثه رُسم لنهاية كتابك سعادةً لها مذاق خاص و إن كان قد تخلَّل صفيحات كتيّبك يوماً  بعض الألم  تماماً ككتب الآخرين و ذلك نتيجة لجهلك الأول في القراءة  ، أو ربما لجهل من كانوا حولك يوماً في استشفاف كلمات روحك التي لم تُكتب حينها و لم تُنطقِ ..

ليمسي صفحات كتابك جزء  من كتيبات آخرين ممن حاز على إعجابك و العكس بالعكس ..

و كل ذلك بالطبع قبل أن يضاف إلى ذاك الكتاب درفته الثانية التي تعلن بوجودها جفاف حبر قلمك داخل كتابك الدنيوي ذاك أو ربما جفاف أحبارهم على صفيحاتك التي لم يعلن لها باب نهاية بعد ، سواء أكان ذاك الجفاف نتيجة موت ، أو فراق ، فكليهما سواء من حيث الأقلام  .

و لكن و مهما حاولت نكران أصلك و انتزاع جذورك الأولى و تبنّي لغة غير لغتك الأم لم و لن يِحقّق لك الفلاح في ذلك ، فماضيك سيلاحقك على الدّوام وانتماءك الأول سيغزو أحلامك كلّ ليلة ، و أرضك التي كنت قد نكرتها يوماً سيأتي عليك زمان تتمنى فيه مأوى و حفنة من التراب و موضع قدمٍ تحت أرضه إذا ما شعرت أن درفة كتابك الأخيرة تلوّح في أفق وعيك مخبرةً إياك بأنها شارفت على إنهاء كتابك ..

و بالعودة إلى مكان تواجدي  حيث تلك الرفوف و الأرائك و بالرغم من أنني كنت أمسك بين يديَّ كتاب حمل اسمه رسماً اشتاقت العين إلى رؤياه  إلَّا أن كتيّباً كان قد توضع بين يدي قبل بضع دقائق من دخولي  بوابة هذه المكتبة  آخذ حيّز ليس بقليل من أفكاري و خاصة بعد أن رحت أردّد على ابواب  روحي مقاطع من كلمات كنت قد سمعتها قبل دخولي هنا ، كلمات استوقفتني بمجرد قراءتها على لوح رُسم عليه خريطة موطني التي توسطت خرائط أخرى ، لوح متوضع على  إحدى المناضد التي كانت على زاوية ذاك الشارع و على مقربة من بوابة هذا المكان ..

ليأتي صوت ذاك المُروِّج  للكتيّب و المُعلن عنه  فيستوقفني برهة من الزمن و ربما برهتين اثنتين أو ربما أكثر …

ما إن أنهى ذاك الشاب كلماته حتى دسست ذاك الكتيب في حقيبتي ظناً مني أنَّه سيكون بمقدوري نسيان وقع تلك الكلمات إلى حين وصولي منزلي على الاقل و لكن هيهات ، لأجد نفسي و بعدما وقع اختياري قي تلك المكتبة على رواية أثارت مقدمتها إهتمامي منذ زمن  و وجدت نفسي بين مواضع كثيرة داخل سطور ملخَّصها ذاك ، أعود من جديد إلى ذاك الكتيّب بعدما استبدلت الأخير واضعة أياه في تلك الحقيبة آخذة من تلك الاريكة مجلساً لأتوه بين كلمات ذاك المنشور  متناسيةً أنه بلغة فرنسية ناسيةً  ما يدور حولي نيّف من الزمن ..

كان عنوانه يجلب اهتمام كل مسلم حطّ برحله هذه الأراضي و استشعر في أعين الكثيرين خوفاً دفيناً قطن داخلهم قبل أعينهم و إن هم لم يصرّحوا عنه يوماً أو على الأقل لم يصارحوك به بعد و ذلك لأنهم كانوا قد اعتادوا ممارسة إحترام العقائد و الاختلافات و الذي يعتبر أساساً للتعايش هنا فتجدهم رغم أنَّ أعينهم تنطق  بالعديد من الأسئلة و تخبئ خلفها الكثير من الذُّعر  و ذلك لانعدام  إلمامهم بالأمر أو ربما خوفاً من أن يلمّوا به يوماً  ، و ذلك لجهلهم بالطبع،  تجدهم لا يصرّحون عن تلك المخاوف …

خاصةً بعد كلِّ ذاك الدُّخان الفاسد الذي تبثُّه كل يومٍ إذاعاتهم المحلية منها و العالمية حول ما يجري من حروب في العالم مُرجِعين أسبابها إلى فصيلة لم تنتمي يوماً ليس إلى ديانتي و حسب بل إنها لم تلحق بعد بوكب البشر و الإنسانية  ..

نعم إنهم ” داعش “  أم تراني أخبر عنهم بما عُنون  به ذاك الكتيب معبراً قائلاً :

“الحرب العالمية الثالثة ليس لها علاقة بالإسلام “

جذب انتباهي ذاك العنوان ، فما إن قرأت تلك الكلمات حتى شعرت للحظات بأن قدميّ باتتا عاجزتين عن إكمال الدرب طالبةً مني الوقوف ، سائلةً إيَّاي الاستعلام عن الأمر ..

حرب عالمية ثالثة ، كم كان ذاك التعبير معبراً عن الواقع ، مع الأسف ، فهي عالمية نعم ..

غدت عالمية حينما تبنَّى الجميع الصمت و اتّخذ من المشاهدة الخنوع و الخوف سُرُراً يدخلون إليها كلَّما شعروا ببرودة أطرافهم من هول ذاك المشهد ناسين متناسين أن ذاك السَّرير ذاته هو من  سيستقبلهم يوماً و لكن ليس ليزيل بردهم و خوفهم  آنذاك بل ليخنق عليهم الوثاق حتَّى تلفظ أرواحهم أنفاسهم الأخيرة إذا ما استشعروا ان ذاك المشهد بدأ يطرق أبواب قصورهم و ممالكهم ، يوماً لم و لن ينفع فيه الندم حينها ، يوماً سيُحَاسَب به  صمتهم الأزلي ذاك حينما يصرخ القدر في وجوههم مخبراً إياهم بدنو الأجل ، صرخةً قد يسمعها كل أهل الأرض إلا ذاك الذي اتخذ يوماً من دثر كلمة الحق تحت قدميه منهجاً ، دون أن يعلم حينها أن تلك الكلمة هي التي سوف تستجلب ليس قدميه و حسب بل  جسده بأكمله  بعد أن تجعل منه جثة هامدة لا روح فيها ..

فنعم قد غدت عالمية ..

عالمية بغدر البشر و تسابقهم على نهش لحم المظلوم مترفِّعين عن محاكمة الظالم فاتحين أذرعتهم نحو كل أصقعة الأرض طالبين منهم التدخل لتصبح حرباً عالمية …

عالمية نعم ..

و لكن ليس  بين دول مختلفة و على بقاع و حدود مختلفة هذه المرة كأسلافها من الحرب العالمية الاولى أو الثانية  ، فهذه المرة قد أتت بثوب جديد يحمل معه هيئة أكثر وحشية ، ثوباً بات كل جزء منه يحكي قصة أليمة بعد أن تركت آثارها على ذاك الثوب لتخبر العالم بحدوثها يوماً و لنعلم حينها أنها حرب عالمية اشترك بها الجميع دون استثناء سواء أكانت مشاركتهم  ماديّة ، عسكريّة أو حتى من خلال صمتهم الذي اتخذوا منه عنواناً لما يجري من أحداث ..

فإذا بنا نجد أن العالمية هذه المرة قد تعاضدت و توحَّدت و للمرة الأولى على أمر واحد و هو تصفية أمة لم تكن تمتلك يوماً و لا حتى سلاح       ” أبيض ” كما يُطلق عليه ،  لتدافع به عن نفسها ، لنستنتج حينها أن كل القوى اشتركت بما نعتت بالعالمية الثالثة  إلا جهة واحدة ، جهة يُدّعى  أنها تمتلك حق ،  حقٌّ  كان يسمى ” حق تقرير المصير “..

جهة  ليس فقط لم تعد تمتلك حق تقرير ذاك المصير و حسب بل أنها لم تعد تمتلك حق للحياة بعد الآن ، فاليوم باتوا يملكون حقاً واحداً لا ثانٍ له ألا و هو الممات ..

أنهم أبناء موطني …

فهلّا استبدلت يا سيدي كلمة ” الثالثة ” تلك بكلمة أخرى و هي  “الأولى “، فما نعيشه نحن اليوم ما هو إلا حرب إبادة عالمية و لكنها الأولى من نوعها …

و إذا بصوت ذاك الشاب يستجلبني من وقع ذاك العنوان و من أفكاري مجدداً حينما قال مخاطباً إياي :

هل توافقيننا الرأي سيدتي بأن ؛

“ISIS” أو ما تُلقِّب  نفسها بالدولة الاسلامية ليس لها أي علاقة بدين الإسلام و إنًّ كل إنسان سواء أكان مسلم أو لم يكن ، يدين تلك الدولة و أنَّ ما يجري على الأرض ليست إلا سياسة عالميَّة و يجب على الجميع الفصل بين السياسة و ما يجري على أرض الواقع و بين الدِّين …

هززت رأسي بالموافقة بعد أن خانتني الكلمات مجدَّداً متناولة ذاك الكتيّب من يده مكملة نحو وجهتي الأولى بخطوات سريعة تجاري سرعة أفكاري التي كانت تراودني حينها  ، ليتملّكني حينها سؤال واحد كاد أن يفتك بي إلى أن استشعرت تلك اليد على كتفي ، يدٌ كانت تطبطب عليّ مجيبة إياي و مهدئة من روعي دون أن تعلم ذلك ..

سؤال كان يهمس متأرجحاً بين ثنايا عقلي طالباً مني الإجابة ولكن هيهات …

لأستشعر في تلك اللحظة أن عجزي إذا ما وددت حَصْيَهُ أمسى كعجز أبناء موطني اليوم  ..

كان ذلك عنما اصطدمت مجدداً بجدار من الكلمات التي بات تجاوزها صعب و اختراقها مستحيل و لكن هذه المرة ليس في بضع كلمات في كتاب يتحدث عن شخصية وهميّة خياليّة ، فاليوم قد أتت معبّرةً عن واقعي المرير حينما زارتني  قائلة :

إذا كان الكثير ممّن ينتهجون الإسلام حائرين تائهين و ربما غير مهتمِّن في تفسير ذاك الواقع فهل يا ترى سيهتم الغرباء بتفسير ما يحدث و البحث عن حقيقة الأمر ؟

أولئك الغرباء  الَّذِين  ليسوا فقط غرباء عن هذا الدين و حسب بل عن واقعنا العربي أيضاً …

بل السؤال الأهم هل يا ترى إذا ما وصلت إلى آذانهم يوماً بضعاً من تلك الحقائق كما اليوم سيآمنوا بها يتبنوها أو حتَّى يفقهونها …

“لا أعلم” ، أم تراني أقول ” لا أظن ” أم لعلَّ الجواب الأصح هو” لا ” بالتأكيد ، أم تراه “نعم “..

كانت كل تلك الأجوبة بدأت تتصارع داخلي آمرة عقلي أن يجيب لكن دون جدوى ..

إلى أن ربتت تلك اليد على كتفي بعدما كنت قد دفنت نفسي داخل تلك الأريكة و بين كلمات ذاك الكتيِّب ، أم تراني أخبر عنهم قائلةً بأنني كنت قد دفنت نفسي داخل حقل من الأشواك !

لأرفع رأسي إلى الأعلى و قد اكتست ملامح وجهي علامات الدهشة !

فهنا لا يحق لأحد أن يخترق دائرتك الخاصة كما يطلقون عليها ،

فلكل إنسان  هنا حيّز من المكان لا يُسمح للآخر بتعديه إلا بإذنه ، تماماً كهالة وهمية رسمها كل شخص في حيّزه  الخاص ..

فإذا بصوت انثوي استرجعني من دهشتي تلك ليأخذني نحو مفاجأة أخرى حينما قالت و بعدما استدلّت على ديانتي من مَلبسي على ما يبدو  قاطعةً نظراتي  حينها :

” عذراً؛  و لكني أودُّ أن أتمتى لكِ رمضان جيد  ” ..

كانت أمرأة على مقربة من قرع باب الستينات من العمر ، يدلُّك ملبسها و طابع نطقها للّغة الفرنسية بأنه تماماً كذلك الذي يتّسم به السكان الأصليين لهذا المكان لتخبرك دون كلمة تذكر بأنها واحدة منهم ..

تشكرتها متمنِّيةً  لها أيضاً حياة سعيد ، و ما إن استدارت حتى راح قلبي يردِّد قبل شفتيّ قوله تعالى  :

” إنّا نحن نزَّلنا الذِّكر و إنّا له لحافظون ”

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.