الرئيسية » تحرر الكلام » اقتحام المنطقة الخضراء طريقٌ باتجاه واحد

اقتحام المنطقة الخضراء طريقٌ باتجاه واحد

أسفرت جلسة البرلمان المنعقدة يوم الثلاثاء 26/4/2016 عن التصويت لصالح خمسة من وزراء العبادي الذين رشحهم لتشكيلته الوزارية والمتألفة من وزراء تكنوقراط، وشارك نواب التيار الصدري بتلك الجلسة وتم الاتفاق على انعقاد جلسة أخرى في يوم السبت الموافق 30/4/2016 لاستكمال التصويت على بقية الوزراء.

 

إلا إن الذي حدث في يوم السبت، هو عدم حضور نواب التيار الصدري للجلسة وحالوا بذلك دون اكتمال النصاب القانوني لعقدها. بعدها قام مقتدى الصدر بإلقاء كلمة بينَّ فيها سبب انسحاب نواب كتلته من الجلسة البرلمانية، كون الكتل السياسية الأخرى، تحاول تقسيم الوزرات فيما بينها وإرجاع المحاصصة الحزبية ذلك بجعل نصف الحكومة من التكنوقراط والنصف الأخر من الحزبيين.

 

الأمر الجدير بالملاحظة أن نواب التيار الصدري لم يحضروا الجلسة بالأساس فكيف علِموا بأن الكتل ناقشت موضوع تقسيم الوزرات بينهم؟ يدلل هذا على أن قيادة التيار الصدري كانت لها نية مسبقة لمنع نوابها حضور الجلسة. الأمر الثاني كان الصدريون شديدو الحماسة لانتخاب وزراء التكنوقراط يوم الخميس الماضي ولكن يوم السبت لم يحضروا جلسة البرلمان المخصصة لاستكمال التصويت على هؤلاء الوزراء. هل من ارتباط للتصرف المفاجئ هذا بزيارة جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي.

 

ما نراهُ إنَّ العبادي وبعد أن شعر بأنه وحيد وبدون غطاء حزبي أو مليشياوي في خضم كل تلك الفوضى الكبيرة التي تعم العراق، وجد لزاماً عليه أن يجعل من مقتدى الصدر حليفاً له، وإلا فأن مسألة سقوطه عن رئاسة الوزراء ستكون أمراً حتمياً. والدليل على هذا التحالف، هو تصريحات مقتدى الصدر ووصفه للعبادي بانه رجل يريد الإصلاح، لكنه واقع تحت تأثير ضغوطات الكتل السياسية الأخرى، وبالتالي فالصدر يعطي للعبادي حماية وحصانة ضد تأثيرات باقي الكتل.

 

أن موضوع اقتحام المنطقة الخضراء شديدة التحصين هو أمر مرتب مسبقاً بين الصدر والعبادي وبضوء أخضر أمريكي. حيث أمر العبادي بفتح أبواب المنطقة الخضراء أمام المتظاهرين الصدريين وذلك ما كشفه مراسل قناة الشرقية، الأمر الذي كذبه مكتب العبادي لاحقاً للتغطية على الاتفاق بينه وبين الصدر، وإلا فما التفسير لشعور العبادي بالارتياح كما وُصِف من قبل مراقبين وعدم هروبه من المنطقة الخضراء على عكس السياسيين الباقيين؟

 

لقد كانت زيارة جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي والمكلف رسمياً من قبل أوباما بالملف العراقي، الغرض منها إعطاء الضوء الأخضر لتلك العملية. تلك العملية المتوافقة تماماً مع التسريبات التي نشرت بالصحف العالمية قبل أشهر ومفادها أن الإدارة الأمريكية لها الرغبة حالياً لاستبدال كل أو بعض الوجوه السياسية الحالية في العراق بوجوه أخرى ليس لها سوابق فساد، وهذا ما يتم العمل عليه حالياً، حيث صرح الصدر في خطابه الذي ألقاه قبل ساعة من اقتحام المتظاهرين للمنطقة الخضراء، وقال: لن نسمح لكل السياسيين الحاليين بأن يستلموا مناصب حكومية مرة أخرى، وبالأخص أصحاب الولاية الثالثة (يقصد المالكي) ومن الدلائل التي تؤكد اشتراك الصدر والعبادي في المخطط الأمريكي، هو رد مقتدى الصدر على سؤال حول التدخلات الخارجية بالوضع العراقي، فقال ليس هناك ضغوط خارجية وأن جميع الأطراف الخارجية التزمت السكوت إزاء أحداث العراق، والسكوت علامة الرضا والموافقة. وأضاف الصدر أيضا بأنه يرفض الزيارة التي قام بها جو بايدن للعراق (محاولة لاستمالة الرأي العام لصالحه). أضف إلى ذلك عدم أخلاء السفارة الأمريكية وعدم اخلاء البعثة الدبلوماسية للأمم المتحدة تدلل أيضاً على موافقة أمريكية للأحداث التي تجري.

 

بعد عملية اقتحام المنطقة الخضراء عُقد اجتماع للرئاسات الثلاث بالإضافة الى رؤساء الكتل السياسية لمحاولة إيجاد حل لتداعيات تلك الحادثة، إلا إن الاجتماع فشل بالخروج بحل. إنَّ هذا الفشل سيجعل الأوضاع تتجه بسرعة للتفاعل السلبي بين الأطراف السياسية المختلفة، دلت عليه المشادة الكلامية التي حدثت بين العبادي وهادي العامري حينما سأل الأخير العبادي عن سبب سماحه للمتظاهرين الصدريين بالدخول الى المنطقة الخضراء.

الغريب بالأمر لاحقاً قيام الصدر بسحب أتباعه من المنطقة الخضراء، واعتبار حادثة الاقتحام هي رسالة تحذير فقط للحكومة والرئاسات الثلاث بضرورة تشكيل حكومة التكنوقراط.

ولا نعلم إن كان الصدر يدري أو لا يدري بأنه قد مشيَ بطريق ذو اتجاه واحد، من العسير جداً فيه الرجوع لنقطة البداية مرة أخرى، وأن ما بعد يوم السبت لا يشبه مطلقاً ما قبله.

 

من المتوقع أن يقوم العبادي بإجراءات متوافقة مع ما تطلبه منه الإدارة الأمريكية، منها إعلان حالة الطوارئ وتشكيل حكومة طوارئ برئاسته، وحل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، لاستبدال الوجوه السياسية الحالية بوجوه أخرى، وستكون الغاية من حكومة الطوارئ تلك، هي الاستمرار بمقاتلة داعش والتحضير للانتخابات القادمة. ويتوقع أن تستمر هذه الحكومة لسنة كاملة أو أكثر، وفق الرؤية الأمريكية.

إن اللاعب الأساسي في المشهد السياسي العراقي الحالي هو الأحزاب والتيارات الشيعية، وقد انقسموا إلى فئتين.

الأولى منها مؤيدة للمشروع الأمريكي وتضم كل من العبادي والتيار الصدري وبعض الأطراف السياسية الصغيرة (التيار المدني، الحزب الشيوعي، الأحزاب اليسارية)

والفئة الثانية هي كل الكتل السياسية الأخرى التي توالي المشروع الإيراني وعلى رأسهم (جماعة المالكي، منظمة بدر، جماعة عمار الحكيم، حزب الفضيلة) ومن ورائهم أغلب المليشيات الشيعية المسلحة.

والذي حدث يوم السبت (اقتحام المنطقة الخضراء) هو إيذان لبدأ الصراع بين الفئتين على الأرض وبشكل علني هذا واضح من تصريحات وتحركات الأطراف الأخرى المنافسة للتيار الصدري والموالية للمشروع الإيراني.

 

فقد أمر هادي العامري “رئيس منظمة بدر والقيادي بالحشد الشعبي” مليشيات منظمته ومليشيات الحشد الشعبي بالتحرك إلى قواطع بغداد العسكرية لحمايتها، وأنتقد التيار الصدري تلك التحركات، فقد قال حاكم الزاملي بأن على هادي العامري ألا يقف بوجه صوت الشعب (في تحذير مبطن لهادي العامري بعدم الوقوف ضد تحركات الصدر وتياره) فرد عليه قيادي من منظمة بدر: يجب على الصدريين أن لا يزايدوا علينا بحمايتهم للشعب، فنحن من حمي الشعب ونقاتل تنظيم داعش.

 

إن من الدلائل على محاولة الصدر الخروج من المظلة الإيرانية وجعل نفسه تحت مظلة الأمريكان هو شعارات المتظاهرين المعتصمين في ساحة الاحتفالات الكبرى الموجودة داخل المنطقة الخضراء والموجهة ضد إيران وضد قاسم سليماني المكلف بالملف العراقي والمليشيات العاملة فيه. ويطمح الصدر بأن يكون المرجع الأول للشيعة بالعراق متجاوزاً السيستاني ومكانته بين الشيعة.

 

إلا إنَّ تلك الطموحات تصطدم بالإرادة الإيرانية، فقد قامت إيران برمي كل ثقلها لاحتواء الأزمة السياسية الشيعة في العراق، حيث انتشرت المليشيات الموالية لها ببغداد تحسباً لأي طارئ يمس نفوذها، وتُوج ذلك التحرك باستدعائها للصدر نفسه لطهران لإعادة ترتيب البيت الشيعي، وما كان للصدر بداً إلا الامتثال لأوامر إيران والذهاب على عجل لطهران. وبانتظار ما تثمر عنه تلك الزيارة فإن الوضع بالعراق مرشح لأسوء الاحتمالات.

 

من هم المتضررين من مخطط الصدر والعبادي وما المتوقع من ردود أفعالهم؟

بالتأكيد إن المتضرر من هذا المخطط هو الطرف الشيعي المنافس للصدر والمستهدف بعملية التغير تلك، فمن المتوقع أن تصطف جميع المليشيات الشيعية ضد التيار الصدري والعبادي وعلى رأس تلك المليشيات، مليشيا هادي العامري ومليشيا قيس الخزعلي ومن خلفهما مليشيا الحشد الشعبي، حيث إن تلك المليشيات متحالفة وبقوة مع المالكي وهو الذي يعتبر نفسه المتضرر الأكبر من كل تلك العملية، إضافة الى مليشيا الخراساني التابعة لعمار الحكيم.

 

وإزاء هذه التحركات فمن المتوقع أن يعيد الصدر تنظيم صفوف المليشيا التابعة له “سرايا السلام” للدفاع عن وجودهم. وملامح ذلك الصراع بدأت تتضح من خلال مهاجمة مكاتب حزب الدعوة “المالكي” ومحاولة اقتحامها بالقوة من قبل أنصار التيار الصدري في الديوانية، كذلك انسحاب القوات الأمنية داخل بغداد من الحواجز بشكل مفاجئ، لتحل محلها مليشيات غير معروفة تسمى مليشيات “سرايا الجهاد” وسط غياب الأجهزة الأمنية الحكومية.

 

أما بالنسبة للقوات المسلحة فمن المتوقع أنها ستتشظى بين تلك الأطراف المتنازعة، بسبب أن قادة الجيش متعددين الولاءات، وعلى الرغم من أن حظوظ المالكي في الجيش أقوى من الآخرين، لكن التدخل الأمريكي أذا ما تم على المستوى العسكري سوف يجعل من تدخل القوات المسلحة في تلك المعارك بأضيق نطاق.

 

إنَّ الحرب القادمة في العراق هي حرب إرادات، الإرادة الأمريكية من جهة والإرادة الإيرانية من جهة أخرى للسيطرة على العراق، وأغلب الضن سيحسم الأمر لصالح أمريكا.

 

موقف الأكراد:

تعتبر العملية الأخيرة فرصة مناسبة جداً للأكراد للإعلان عن تخليهم عن العملية السياسية الحالية برمتها وإعلان استقلالهم. وحادثة الاعتداء على بعض النواب الأكراد حادثة مناسبة جدا لاستغلالها في الترويج لطموحاتهم بالاستقلال عن العراق، وقد أصدر التحالف الكردستاني بياناً يدين هذه العملية وحادثة الاعتداء وأنهم يفكرون جدياً بالتخلي عن العملية السياسية برمتها. كما وأن من الدلائل التي توضح نية الاكراد باستغلال حادثة الاعتداء تلك، هو موقف فوج الحماية المكلف بحماية البرلمان والمنطقة الخضراء والذي هو من قوات البيشمركة الكردية، فقد كان من الأولى لهم حماية نوابهم الاكراد، كذلك سماح البيشمركة الكردية للمتظاهرين بدخول المنطقة الخضراء، كلها دلائل على تواطأ الكرد أيضاً بالأحداث ويدلل على الرغبة الكردية بتخريب العملية السياسية الحالية، لان هذا معناه تقوية فرصة الأكراد بالاستقلال.

 

موقف السنة:

لاذ السياسيون العرب السنة بالصمت إزاء الأحداث الجارية لأسباب عددية، من أهمها انهم لا يشكلون تأثيراً جدياً على الاحداث الحالية، إضافة الى انتظارهم انفراج الأوضاع ومعرفة الغالب فيها لكي يتم أعادة رسم سياستهم من جديد وفق المتغيرات الجديدة. ومن الجدير بالإشارة له، إن الأحداث الأخيرة مهما كانت نتائجها، إلا إنها ستؤثر بالمحصلة سلباً على التحالف الشيعي الحاكم وتفت في عضده وتضعف شوكته. ومن الممكن أن يستغل السنة حالة الضعف تلك.

 

إلا إنَّ السؤال، هل يوجد من يستثمر هذه المستجدات الجديدة من قبل السنّة؟ بالتأكيد لا، حيث إنَّ السنّة الأن في أضعف حالاتهم، ولن يتمكنوا من استغلال هذه الظروف الجديدة إلا وفق ما رُسم لهم من قبل الإدارة الامريكية.

قد يعجبك أيضاً

4 رأي حول “اقتحام المنطقة الخضراء طريقٌ باتجاه واحد”

  1. بوركت
    معلومات قيمة واوافقك الرأي بأن السنة لايمكنهم استغلال الفرصة لغياب المشروع الموحد لهم

    رد
  2. التحليلات غالبيتها قريبة للواقع … وأنصحك أن تراعي القواعد النحوية عند الكتابة ولا تكن مستعجلاً كي يكتمل شكل ومضهر المقال

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.