الرئيسية » تحرر الكلام » الجيوش الوطنية والثورات العربية ـ دراسة منهجية تجريبية موثقة (9)

الجيوش الوطنية والثورات العربية ـ دراسة منهجية تجريبية موثقة (9)

لم ينقلب جيش عربي على نظام من النظم المستبدة الفاسدة

في هذا المطلب ننقاش مسألة حيوية في إطار العلاقة بين الجيوش والمجتمعات العربية ، وهي عدم تحرك أي من الجيوش العربية في مواجهة النظم السياسية الفاسدة ، وهذا يعني أن الجيوش العربية هي جزء من منظومة النظم السياسية الفاسدة ، وأن فساد قيادات الجيوش العربية لا يقل وطأة عن فساد النظم ، ويعني أيضاً أن الجيوش متواطئة مع تلك النظم ومستفيدة من وجودها واستمرارها ، ويعني أيضاً أن الجيوش العربية تتسم بالسلبية ومتقاعسة عن خدمة الوطن بتخليصه من مصادر الاستبداد ومنابع الفساد وهي النظم السياسية ، وبذا تكون تلك الجيوش خائنة للوطن ، ويعني أخيراً السيطرة الرهيبة المحكمة على الجيوش العربية من قبل قياداتها ، وإلى التفصيل والتحليل والدرس : 

الفرع الأول : الجيش جزء من منظومة النظم المستبدة الفاسدة :

على مدى عقود منذ منتصف القرن العشرين والنظم السياسية العربية تسجل اخفاقات متتالية ، ولم يتصد لها أية قوة سياسية ، ولم يحتج عليها أبناء المجتمع  ، فقد استأسدت تلك الأنظمة واستقوت بتحصين نفسها بدائرة نارية من الفساد ، ولم تكتف بذلك بل نشرت الفساد في كافة دوائر الدولة وتجذر فيها ، وبذلك عشعش الفساد في كل تلك الدوائر .

وكان الجيش الذي انتقل إليه الفساد ، هو أحد الفواعل المحفزة لهذه الوضعية المزرية ، التي خلقتها وكرستها الأنظمة السياسية في المجتمعات العربية ، وانخرط الجيش العربي  في تحالف مع الأنظمة وأصبح جزءً مهماً وأصيلاً منها ، فهو إما يحكم من وراء ستار شفاف ، وإما يحكم مباشرة ، وإما هو جيش الحاكم والأسرة الحاكمة .

ومع الوقت انتقل فساد النظام والجيش إلى المجتمع، الذي لم يعد يستقبح أو يستهجن المنكر من القول والفعل ، وتفشى الفساد القيمي والأخلاقي في كل جنبات وأبعاد المجتمع ، وكأن الفساد والإخفاق أصبحا يرتكزان على مرتكزات ثلاثة هي النظام السياسي والجيش والمجتمع .

وإذا كانت ثورات الكرامة العربية قد أيقنت أن النظم السياسية مخفقة وفاسدة فثارت عليها وطوحت بها ، فعليها أن تكمل حلقات السلسلة ، فتنقّي الجيش من قياداته الفاسدة ، ثم تتجه إلى المجتمع الذي يستغرق وقتاً أطول في إعادته إلى الجادة مع تأسيس أركان الدولة الجديدة .

إلا أن الأمر الجدير بالتأكيد في هذا الموضع هو أن الجيش محدداً في قياداته كان  أهم أعمدة الإخفاق ، فهو حامي الأنظمة المخفقة الفاسدة ، وشريك معها في صناعة الفساد ، ومبدد لمقدرات ومكنات المجتمع ، فهل تتهم المجتمعات الجيوش بالخيانة للوطن وتحاكمها وتنفذ العقوبة دون تأخير !!

الفرع الثاني : الجيش متواطئ مع النظم المستبدة ومستفيد منها :

لم يكتف الجيش بكونه ركناً ركيناً في مثلث الفساد ، بل دخل في تحالف استراتيجي مصيري مع النظام السياسي ، وأصبح الإثنان مشتركين في مصير واحد ، ما حدا بكل منهما إلى الحفاظ على الآخر والحفاظ على تحالفه معه ، وذلك في مواجهة مجتمع أخذ منه الوهن والضياع كل مأخذ .

إن التواطؤ بين الجيش العربي والنظم الفاسدة يضيف إلى الجيش تهمة جديدة ، فالطرف الأول في علاقة التواطؤ وهو النظام السياسي قد لاقى مصيره المفروض ، ويفرض الشرع والطبع أن يلاقي الطرف الثاني في علاقة التواطؤ وهو الجيش محدداً في قياداته نفس مصير الطرف الأول .

لقد تطورت علاقة التواطؤ بين الجيوش العربية والأنظمة السياسية لتصل إلى علاقة تآمر على المجتمع العربي ، ومن حق المجتمع أن يسترد حقه في عزته وكرامته التي انتهكها النظام والجيش .

وإذا كان المجتمع العربي قد استرد كرامته من النظم السياسية بفضل ثورته المجيدة ، فقد بقي أن يسترد كرامته وعزته من الجيوش محدداً في قياداتها ، وللمجتمع محكمته ومحاكمته ومحاموه وهم الشرفاء من أبنائه الذين لم يميلوا إلى هؤلاء أو إلى هؤلاء ، بل ظلوا على استقامتهم ولم ينحنوا إلا لله ، لكي توضع الجيوش في نصابها وحجمها الحقيقي الذي تحدده دساتير وقوانين تلك المجتمعات التي تصيغها وتفعلها بشكل ديمقراطي واقعي .

الفرع الثالث : الجيش سلبي ولم يستفد منه الشعب وهو في أمس الحاجة إليه :

سبق لنا أن أوضحنا أن الجيش العربي لم يخض معركة حقيقية مع عدو حقيقي ، بل جاء عليه وقت أصبح حامياً للعدو الحقيقي وضامناً لوجوده ، وبالإضافة إلى ذلك لم يستفد المجتمع العربي ومن ثم الشعب من جيوشه التي أسسها من أبنائه وأنفق عليها من أقواته ، وقد جاءت لحظة المكاشفة والمواجهة دون خوف أو خجل ، والأدهى والأمر أن الشعب عندما تيقن من فساد وإخفاق أنظمته السياسية ، وبات في أمس الحاجة إلى من يخلصه من تلك الأنظمة ومن إفرازاتها السيئة لم يجد مساندة الجيش ، بل فوجئ بأن الجيش جزء من منظومة النظم المستبدة الفاسدة ، وأنه متواطئ مع تلك النظم المستبدة ومستفيد منهاومتآمر معها على المجتمع والشعب العربي .

الفرع الرابع : السيطرة الرهيبة على الجيوش من قبل قياداتها :

للجيوش العربية سمات تميزها عن كافة الجيوش في العالم المتقدم ، وتجمعها في بوتقة واحدة مع جيوش الدول المتخلفة ، ومن أهم هذه السمات هي السيطرة الرهيبة والمحكمة من قبل قياداتها على من دونهم من قيادات الصف الثاني ومن دونهم ، وذلك لوأد أية محاولة للاحتجاج والاعتراض على سلوكات وتصرفات القيادات المسيطرة على الجيوش .

ووسائل قيادات الحيوش في كبت وقمع من دونهم من قيادات الصف الثاني معلومة ، وهي تتمثل في الإقالة والمحاكمات العسكرية السرية وحتى التصفية الجسدية .

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.