الرئيسية » تحرر الكلام » انتهت اللعبة…. وحان وقت التسليم

انتهت اللعبة…. وحان وقت التسليم

انهمك المتابعون للشأن السوري بأنباء إستيلاء القوات الحكومية السورية والمليشيات المتجحفلة معها على مدينة “تدمر”، بنفس الطريقة التي أستولت داعش على هذه المدينة قبل سنة من الان، بطريقة دراماتيكية تشبه الى حد كبير السيناريوهات التي يتم إعدادها في إستديوهات هوليود.

وتشير كثير من الدلائل على إن الذي جرى في معارك الإستيلاء على “تدمر” من قبل القوات الحكومية السورية أشبه ما تكون، بمناورات عسكرية مشتركة تجريها القوات السورية مع تنظيم داعش ليتم إيهام المراقبين، بأن جيش النظام السوري حرر تلك المدينة من قبضة داعش، كما وصفت ذلك صحيفة ال”صندي تلغراف” البريطانية.

إنَّ هذه المسرحية التي تمت ببطولة كل من النظام السوري وتنظيم داعش وبإخراج روسي إيراني ومباركة أمريكية، لا تكاد تنطلي على أحد لكثرة تكرارها في العراق وسوريا.

فقد مكَّن النظام السوري عناصر داعش من الإستيلاء على مناطق محددة مراراً، للإستعانة بهم في محاربة باقي فصائل المقاومة السورية، مثلما كان يقوم المالكي بالعراق، يسمح لتنظيم داعش ومن قبله تنظيم القاعدة من الاستيلاء على المناطق السنية لكي يوفر الغطاء الضروري للقوات الحكومية والمليشيات الشيعة التابعة لها، بتدمير المناطق السنية وتهجير أهلها إستكمالاً للمشروع الطائفي القاضي بتشييع العراق وطرد أهله من السنة. وما حدث في الموصل والانبار خير شاهد على ذلك، وبعد أن تنتهي مهمة داعش بتلك المناطق، من قتل وحصار  للمدنيين هناك وتهديم كامل للبنية التحتية فيها، يبدأ تنظيم داعش بتسليم تلك المناطق للقوات الامنية الحكومية والمليشيات الطائفية الشيعية لمنع اهلها من الرجوع اليها، كما حدث في قرى المقدادية، حيث سلمتها داعش  لقوات الحشد الشيعي من دون قتال،  وسلمت مدينة سنجار للبيشمركة بمعركة وهمية، وإنسحبت داعش من كثير من المناطق (المتنازع عليها بين الكرد والحكومة المركزية) لتصبح تحت سيطرة الاكراد بشكل كامل.

كان تنظيم القاعدة (الأب الشرعي لداعش) يضرب بقية الفصائل العراقية المقاومة لإشغالها بمعارك جانبية تبعدها عن معركتها مع الاحتلال، ولتخفيف الضغط على جيش الاحتلال الأمريكي والحكومة العراقية الطائفية، وبنفس الطريقة بالضبط يعمل تنظيم داعش الان في سوريا.

قبل سنة كان للنظام السوري قوة عسكرية في مدينة تدمر قوامها 18 الف جندي، ومخازن مكدسة بالسلاح، ومع ذلك فقد انسحبت كل تلك القوات مخلّفةً ورائها كميات ضخمة من السلاح، بعد أن هجمت عليها داعش بقوة لا تتجاوز ال600 مقاتل، ولتغنم جميع ما تركه جيش النظام.

أما القصص التي خرجت علينا بها داعش بتصوير المذابح التي فعلتها في تدمر بحق عناصر تابعة للنظام السوري بعد إستيلائها عليها والتي روجت لها بالانترنت، فقد كان الهدف منها، الإيهام بوجود حالة عداء قائمة بين النظام وداعش وكذلك البرهنة على حدوث معركة حقيقية بين داعش والنظام السوري. وليستفيد النظام بالإدعاء إنه يقاتل جماعة متطرفة ومتوحشة.

لقد أستغل النظام مناظر المجازر التي قامت بها داعش في تدمر إعلامياً ليثبت إنَّ هؤلاء المتطرفين سوف يرتكبون نفس المجازر عندما يتوجهون الى القرى المسيحية الموجودة في ريف حمص، وبطريقة مشابه للذي فعلته داعش بحق المسيحين والأيزيديين في الموصل، الأمر الذي توقع منه النظام تعاطفاً غربياً معه.

أما الهدف الخفي للنظام، فهو محاولة فتح الطريق لداعش لمحاربة فصائل المقاومة الوطنية الموجودة في ريف دمشق ولفك الحصار الذي تفرضه تلك الفصائل على قوات النظام في دمشق.

نفس الشيء حدث في مدينة “القريتين” في ريف حمص حيث أستولى عليها النظام السوري أيضاً بمعارك وهمية مع تنظيم داعش الذي أنسحب بشكل مفاجئ من المدينة. تم ذلك بعد أن إستولى جيش النظام ومليشياته على منطقتين تحيطان بمدينة “القريتين” والتي أنسحب منها داعش أيضاً قبل يوم واحد من إنسحابه من “القريتين”.

لقد كانت أرتال قوات داعش تنسحب من تلك المدن تحت أنظار طائرات الروس وطائرات النظام ولكن لم يتم إستهدافها.

لقد تكرر التعاون بين النظام السوري وتنظيم داعش في مواضع مختلفة وأوقات مختلفة من عمر الثورة السورية. مثالاً على ذلك (عمليات بيع النفط للنظام السوري، القتال نيابة عن نظام الاسد لفصائل المقاومة الوطنية)، وقد أستفاد منهم النظام كثيراً في محاولتهِ لتحجيم قوات المعارضة وتبيض صفحته أمام العالم والظهور بمظهر المحارب للإرهاب.

كما مكَّنت داعش ومن قبلها القاعدة، إيران من تنفيذ خططها بالعراق، تلك الخطط التي تقضي باستأصال السنة من العراق من خلال تهجيرهم من مناطقهم وتخريب مدنهم للوصول لمرحلة تشيع البلد بالكامل، أو جعل السنة كأقلية غير مؤثرة بالمشهد السياسي العراقي. وقد نجحت إيران وحلفائها بالعراق في قطع هذا المشوار ويكادون أن يصلوا الى كامل أهدافهم بفضل داعش.

من المتوقع في الأيام المقبلة إنَّ سيناريو تسليم المناطق سوف يتكرر في مناطق من مثل دير الزور وستتخلى داعش عنها لصالح النظام الاسدي في معارك وهمية أُخرى.

أما بالنسبة للموصل فإن الامر سوف يتأخر قليلاً. لأن التوقيتات الامريكية مختلفة عن التوقيتات الإيرانية، فإيران تريد طرد داعش من الموصل والمناطق السورية الاخرى بسرعة (إستباقاً للتدخل السعودي والتركي المحتمل بالمنطقة). ولكن الاجندات الامريكية تريد شيئاً أخر بما يخص العراق.

وكما نوهنا في مقالنا السابق فإنَّ إيران والاطراف المتحالفه معها تريد أن تأخذ الاراضي التي تسيطر عليها داعش سريعاً للحيلولة دون تنفيذ خطة أمريكا القاضية بإدخال قوات تركية وعربية وبمساعدة من القوات الامريكية للسيطرة على الاراضي التي تسيطر عليها داعش، تمهيداً لإنشاء النظام الفدرالي بالعراق.

وعلى ما يبدو إن داعش تحاول أن توازن بين الاجندات المختلفة لإيران وروسيا وأمريكا، وهذا يفسر لنا سرعة تسليم الاراضي في سوريا للنظام السوري (حيث لا فيتو أمريكي هناك على إيران وروسيا)، وتأخرها في تسليم تلك الاراضي في مناطق العراق (حيث تريد أمريكا إستعادة نفوذها في العراق).

كما ويبدو لنا واضحاً الآن أنَّ مهمة داعش في العراق وسوريا قد شارفت على الإنتهاء، وأنها قامت بالمهام الموكولة لها من قبل الاطراف المختلفة.

فداعش قدم خدمات هائلة لإيران، حيث تم إلصاق تهمة الارهاب بالسنة عالمياً، وما كشفت عنه وزارة العدل الامريكية عن تورط إيران في تفجير برج التجارة العالمي والذي كان المبرر لغزو أمريكا لأفغانستان والعراق، يوضّح بمالا يقبل الشك الدور الإيراني بتوجيه تنظيم القاعدة لإلصاق تهم الارهاب للسنة. وإستفادت إيران من القاعدة وتنظيم داعش في التمهيد لعملائها بالعراق، للإستفراد بالحكم وجعل العرب السنة أقلية في العراق. واستطاعت إيران ضرب المقاومة السورية ضربات قاصمة من خلال داعش وبحجة محاربة الإرهاب، تلك المقاومة التي وصلت الى مرحلة القضاء على النظام السوري عسكريا سنة 2012. وبنفس الوقت أوجدت داعش المبرر لروسيا بالتدخل في سوريا وضرب المقاومة السورية بنفس حجة محاربة الارهاب.

كما قدمت داعش خدماتها للأطراف الغربية، فقد حجمت دور المعارضة وهو هدف مشترك بين الغرب وإيران، وأوجدت الضروف الموضوعية لإنفصال الاكراد في العراق وسوريا وتشكيل دولهم  المستقلة مستقبلاً. وساعدت داعش نظام الاسد في البقاء بسدة الحكم ليستمر بتوفير الحماية لحدود إسرائيل.

وبعد هذا كله، هل هناك من يشك في عمالة داعش ومن قبلها القاعدة لأجهزة المخابرات العالمية؟

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.