الرئيسية » تحرر الكلام » أضواء على ما يطلق عليه مقتدى الصدر إصلاحا

أضواء على ما يطلق عليه مقتدى الصدر إصلاحا

تمخض الجبل فولد فارا

بعد أكثر من شهر على تظاهرات عراقية حاشدة تطالب بالإصلاح وبعد نجاح التيار الصدري في احتواءها وتبني هذا الحراك الشعبي , ها هو السيد مقتدى الصدر يخرج في خطاب يعرض فيه ست وعشرون نقطة كونها النقاط الإصلاحية التي يعتزم العمل عليها لإخراج البلد من النفق المظلم الذي أصبح فيه . وفي الحقيقة فان ما طرح في هذا الخطاب لا يمثل نقاطا إصلاحية حقيقية بقدر ما هو برنامج انتخابي يحاول التيار الصدري من خلاله الظهور على الواجهة وإرباك منافسيه في العملية السياسية .

ما يتلمسه المتابع للخطاب هو انه قد تضمن عموميات متخبطة , يتناول نقاطا في العملية السياسية ثم يتجاوزها لتتناول أمورا لا علاقة لها بالعملية السياسية , ثم يرجع مرة أخرى ليمس محور العملية السياسية والمتمثل بالدستور , في عرض محبط يشير بوضوح إلى احتمالين

الأول.. أما أن يكون التيار الصدري لا يمتلك رؤية حقيقية للإصلاح بقدر امتلاكه أفكارا غير مختمرة أراد أن يفصلها على مطالب المتظاهرين .

ثانيا.. أن هناك دورا مشبوها للتيار الصدري في هذا الحراك الشعبي , لا يهدف إلى الإصلاح بقدر ما يهدف إلى الهاء المتظاهرين وإفراغ تحركهم الشعبي من فحواه وأهدافه , بالتنسيق مع جهات حكومية وأخرى إقليمية . وسنحاول فيما يلي تسليط الضوء على بعض النقاط التي تثير الشكوك حول نوايا التيار الصدري الحقيقية : –

إن طرح مطالب الجماهير الإصلاحية يجب أن ينبع من المتظاهرين أنفسهم من خلال لجان تنسيقية تدرس النقاط التي من الواجب التركيز عليها للوصول إلى الإصلاح , لا أن ينصب شخص نفسه وصيا عليهم ويطرح نقاط (حسب رؤيته هو) يصفها بأنها الإصلاح الذي يطمح إليه الشعب كما فعل السيد مقتدى .

المساجلات الإعلامية العقيمة التي حصلت بخصوص نوعية حكومة التكنوقراط وفيما إذا كانت حكومة تكنوقراط حزبية أم مستقلة , تثير الشكوك حول نواياهم في إشغال الشارع بنقاش سفسطائي بعيد عن النقاط الجوهرية للإصلاح , رغم أن مصطلح التكنوقراط يفسر نفسه بنفسه في انه يشير إلى حكومة مهنية بعيدة عن كل ما يتعلق بالتحزب والأحزاب .

إن أية رؤية حقيقية للإصلاح يجب أن تتضمن نقاطا محددة مدروسة تتناول العملية بشكل إصلاحي منظم لا بشكل انتخابي فوضوي , فالإصلاح يجب أن يبدأ بما هو خارج العملية السياسية ثم الاقتراب من محور العملية السياسية تدريحيا , فالفساد المالي والإداري المستشري في مفاصل الدولة يجب أن تكون له الأولوية , وهذا لن يكون إلا بالدعوة إلى وجود قضاء نزيه يرى الأولوية في تطبيق القانون بعيدا عن المصالح الشخصية والحزبية . وبالتزامن مع ملف الفساد هذا يجب وضع أسس واجب توفرها لحل المعضلة الأمنية وأسباب التدهور الأمني . ثم يأتي التركيز بعد ذلك على ألإصلاح في العملية السياسية والدستور .

عدم تطرق السيد مقتدى الصدر إلى حلول واقعية للمشكلة الأمنية يثير شكوكا كثيرة حول مصداقية توجهه , فمن اخطر المشاكل التي يعاني منها العراق هو غياب المؤسسة الأمنية والعسكرية وسيطرة المليشيات التي عاثت فسادا في كل المدن العراقية . فكيف يمكن الحديث عن حكومة تكنوقراط (مثلا) في ظل سيطرة شبه كاملة لهذه المليشيات على مجمل المؤسسة الأمنية والعسكرية للدرجة التي اضطر فيها وزير الدفاع قبل أيام للاستنجاد بمراجع دينية لاستعادة دبابات تعاقدت عليها الحكومة العراقية واستولت عليها تلك المليشيات بالقوة . فان كان هذا هو حال حكومة تدعمها أحزاب سياسية لها نفوذها وقوتها في العراق , فان أي حكومة تكنوقراط غير حزبية ستكون العوبة بيد هذه المليشيات .

ما ذكره السيد مقتدى في نيته تغير بعض بنود الدستور دون الإشارة إلى تلك البنود ودون طرحها على المتظاهرين لمعرفة إن كانت تشكل أولوية لديهم , تثير الكثير من الشكوك حول نوايا الصدر (لوحده أو بالتنسيق مع أطراف شيعية أخرى) في استغلال أي تغير حكومي مرتقب للانقضاض على الدستور وتغير بعض البنود فيه حسب مصالحهم وعلى حساب مصالح المكونات الأخرى .

ما الذي قصده السيد مقتدى الصدر في حديثه عن ضرورة (إصدار قوانين تحضر الأحزاب الدكتاتورية وتلك التي تتبنى الإرهاب) ؟ في الوقت الذي لا يزال قانون اجتثاث البعث وقانون المسائلة والعدالة ساريا المفعول من الناحية القانونية , ولا وجود لأحزاب تتبنى الإرهاب في العملية السياسية في العراق . هل ذكر هذه النقطة كان بطرا سياسيا أم إن هناك نيات للدخول في مهاترات وصراعات جديدة لإقصاء أطراف منافسة لهم في العملية السياسية ؟

لماذا لم يتطرق السيد مقتدى الصدر إلى ضرورة إصدار قوانين تحضر عمل الأحزاب التي تتبنى أفكارا دينية مع العلم إن الكثير من المتظاهرين يرون أن مشكلة العراق الحقيقية تكمن في وجود هذه الأحزاب وكثيرا ما نادوا إلى استبعادها .

إن تركيز الصدر على وحدة الأراضي العراقية هي رسالة موجهة للمكون الكوردي في الاعتراض على عزمه الذهاب إلى الاستفتاء حول حق تقرير المصير له . مما يعتبر ممارسة دكتاتورية يحاول الصدر من خلاله فرص وصايته على شعب كامل , و يبدد الأمل في وجود نوايا إصلاح حقيقية لديه .

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.