الرئيسية » تحرر الكلام » الجيوش الوطنية والثورات العربية دراسة منهجية تجريبية موثقة

الجيوش الوطنية والثورات العربية دراسة منهجية تجريبية موثقة

خصائص الجيوش في الدول العربية (3)

اتسمت الجيوش في الدول العربية بمجموعة من القواسم المشتركة تؤشر إلى تشابه أو تماثل البيئات الاجتماعية التي أفرزتها ، هذا على الرغم من الاختلاف في التوجهات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية للنظم السياسية ، وفي هذا المقال نحاول أن نلتقط أوجه الشبه والاختلاف بين تلك الجيوش ، ومن ثم البحث في أسباب تلك الاختلافات واستنباط نتائجها ، فإلى التفصيل :

أولاً : التنظيم والتشكيل والحجم :

معظم الدول العربية تمتلك جيوشاً نظامية حديثة تعتمد على التجنيد الإجباري ، وقلة قليلة من الدول تلك التي تعتمد على أسلوب التطوع الاختياري ، وهناك من الدول من يعتمد الأسلوبين معاً ، ومدة التجنيد الإجباري محددة ، وتختلف وفق معايير معينة مثل شهادة المؤهل الدراسي أو السن ، ويدعم نظام التجنيد الإجباري التجنيد الاحتياطي ، ولا تعمل به كل الدول العربية ، وتحدد مدته كذلك ، وبعد قضاء هذه المدة الاحتياطية ، يتم التسريح النهائي من الخدمة العسكرية .

وتتشكل معظم الجيوش في الدول العربية وفق التشكيلات العصرية للجيوش حيث تنقسم في المعتاد إلي ثلاثة فروع : القوات البرية والقوات الجوية والقوات البحرية ، وقلة من الجيوش العربية هي التي تقيم توازناً بين الأفرع الثلاثة ، فبعض الجيوش التي لا تمتلك دولها سواحل طويلة على البحار المفتوحة تقلل من شأن القوات البحرية ، وتركز على القوات البرية والجوية، وبعض الدول تقلل من شأن القوات الجوية لظروف خاصة بالكفاءة والعوامل الجيوستراتيجية ، وخلاصة القول أن القوات البرية هي دائماً قوام الجيش وأهم قطاعاته ، وإن كانت المعارك العصرية لا غنى فيها ألبته عن سلاح الجو الذي يحسمها بلا منازع .

ففي مصر ثمة جهود محسوسة من أجل تطوير جيشها بشكل متوازن ، ولو أن الجيش المصري لم يختبر بعد حرب رمضان المجيدة ، كما أن التشكيل الذي أرسل للمشاركة في تحرير الكويت لم يقدم دليلاً كافياً على كفاءة الجيش المصري الذي يبدو أنه استرخى بفعل معاهدة الصلح مع إسرائيل ، وتم مَدْيَنَة قطاعاته لتشارك في عمليات الإنماء والإحداث ، إلا أن ما يتوافر من معلومات يكفى لتكوين انطباع مفاده أن الجيش المصري يتطور في سلاحه البري والجوي أكثر من سلاحه البحري ، رغم عراقة الجيوش المصرية منذ معاوية بن أبي سفيان في الاهتمام بالأسطول . 

وأحجام الجيوش في الدول العربية تختلف من الجيوش الكبيرة الحجم مثل الجيش المصري ، إلى الجيوش المتوسطة الحجم مثل جيوش السعودية وسوريا والجزائر والمغرب ، إلى الجيوش صغيرة الحجم وتشمل جيوش بقية الدول العربية .

وعدد الجيش أو حجمه قد يتناسب مع عدد سكان الدولة وقد لا يتناسب ، وتتحكم في هذه العلاقة معايير كثيرة ، مثل ظروف الدولة الاستراتيجية والأمنية ، وكذلك التطلع إلى الزعامة والسيادة الإقليمية ، فالجيش السوري مثلاً يقترب من تعداد الجيش الإندونيسي مع الفارق الشاسع في عدد سكان الدولتين لصالح إندونيسيا ، وجيش العراق كان يفوق الجيش المصري من حيث العدد إبان وبعد حربه مع إيران ، وهكذا لا تثبت العلاقة بين حجم الجيش وعدد سكان الدولة على وضعها الطردي ، إذ أن المتغيرات سابقة الذكر تكسر وتيرة هذه الطردية . 

ثانياً : التدريب والجاهزية :

الظروف الأمنية والاستراتيجية سواء أكانت على المستوى الإقليمي أو العالمي تقف وراء اهتمام الجيوش بالتدريب واستحضار الجاهزية ، والجيوش في الدول العربية لا تشذ عن هذه القاعدة ، وتسعى جميعها من أجل الوصول بجاهزيتها إلى أعلى درجة .

وتدريب الجيوش مسألة روتينية من صميم مقوماتها وأساس جاهزيتها للقيام بالمهام المنوطة بها ، وبالإضافة إلى التدريب هناك الاتفاقات الاستراتيجية أو التحالفات العسكرية الإقليمية والعالمية ، وهذه تهم الوحدات النظامية أي الدول وجيوشها ، وتتخذ قرارات الانضمام إليها بما يحقق المصالح العليا والأهداف الاستراتيجية ، وإذا كانت هذه الاتفاقات أو التحالفات تضيف مزايا إلى الجيوش ذات أبعاد استراتيجية وأمنية وعسكرية ، فإن لها كذلك تبعات تحد ولاشك من حرية الحركة وتزيد من التوترات .

وعن العلاقات الارتباطية بين الولايات المتحدة وبعض الدول العربية في الخليج العربي أو في مصر أو في الأردن فهي علاقات تمليها المصالح المتبادلة ، حيث تسعى هذه الدول الإقليمية إلى طلب الحماية أو الحصول على (عربون) الصداقة في مقابل ضمان حصول أمريكا على مواطئ قدم ووجود دائم ومستقر في هذه المناطق ، يأخذ أشكالاً عديدة أهمها المصالح الاقتصادية والتواجد العسكري في مناطق استراتيجية متفرقة .

إن التحالفات والارتباطات – التي سبق الحديث عنها – قد منحت الولايات المتحدة التواجد العسكري والاستراتيجي من خلال قواعد عسكرية دائمة ، وهذه القواعد لا تؤدي أبداً إلى إضافة أية ميزات إلى جيوش الدول التي تقع على أراضيها ، بل إن كل ميزاتها تضاف إلى أصحابها ، ولكنها تبقى في نهاية المطاف مصالح متبادلة .

كذلك يضاف إلى ما تقدم مسألة المناورات المشتركة التي تقوم بها جيوش الدول العربية مع بعضها ، أو مع دول أجنبية مثل الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا ، أو مع حلف شمال الأطلنطي، وهذه المناورات تساعد في اكتساب الجيوش الإقليمية للخبرة والدراية نتيجة الاحتكاك والدربة .

والسؤال الآن هل يؤدي كل ما سبق إلى زيادة خبرة الجيوش العربية واستحضار جاهـزيتها ؟ إن ما سبق عبارة عن مواءمات وحسابات استراتيجية ، تحقق مصالـح وأهداف واستراتيجيات القوى الكبرى بالأساس ، ثم النظم السياسية في الدول العربية ، أما جيوش تلك الدول فينبغي أن تكون آخر من يمكن أن يستفيد ، ففي استفادتها ما يضير تلك المصالح والاستراتيجيات .

ثالثاً : التسليح :

تسليح الجيش هو من أهم نقاط التماس بين الجيش والحضارة ، فالأسلحة التي يستخدمها الجيش في أي عصر من العصور هي مؤشر مباشر لما وصلت إليه حضارات تلك العصور من تقدم صناعي وتقني ، وفي عصرنا الراهن أصبحت صناعة السلاح أكثر تطوراً ورقياً واحتواءً للتقنيات رفيعة المستوى من الصناعات المدنية ، وتعمد كافة الجيوش في هذا الزمن إلى اقتناء الأسلحة الحديثة عالية التطور ، ومعلوم أن التفاوت في تقدم الأسلحة وتطورها بين الجيوش يقود إلى رجحان كفة ميزان القوة لمصلحة الجيوش حديثة التسليح ، وثمة بعض المسائل والإشكالات الخاصـة بتسليــح الجيش ، نمر عليها في عجالة فيما يلي : 

البند الأول : تطوير التسليح : يحتاج تسليح الجيوش إلى متابعة أرقى أنواع الأسلحة وأكثرها تقدماً ، وتعمد دول كثيرة إلى تزويد جيوشها بهذه الأنواع من الأسلحة ، ولكنها قد تصادف بعض المعوقات مثل : ارتفاع ثمن تلك الأسلحة المتطورة بشكل باهظ قد يكون فوق طاقتها ، أو تنظر إليه على أنه هدر في مواردها الاقتصادية ، كما أن كثيراً من الأسلحة المتطورة معقدة للغاية بما يصعب على أفراد الدول المتخلفة علمياً وتقنياً التدرب عليها واستخدامها بكفاءة ، كذلكفإن معظم الدول المصنعة للأسلحة المتطورة تحجب هذه النوعيات من الأسلحة ، وتقصر اقتناءها على جيوشها وجيوش الدول الحليفة فقط ، ولا تعمد إلا إلى تسريب وبيع الأسلحة الأقل تقدماً ، ولو قدّر وباعت الدول المصنعة للأسلحة المتطورة لبعض الدول نوعيات من هذه الأسلحة ، فهي تحتفظ بالكثير من أسرار استخدامها وقطع الغيار الخاصة بها .

البند الثاني : تنويع مصادر التسليح : فيما بعد الحرب العالمية الثانية طغى انقسام العالم سياسياً وأيديولوجياً بين المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي والمعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة على كافة شئون الحياة ، وقد طال ذلك الانقسام الجيوش وتسليحها ، فانقسمت جيوش العالم من حيث عقائدها القتالية وتسليحها بين الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية والولايات المتحدة والكتلة الغربية ، وكان ذلك يسبب صعوبات بالغة لكثير من الجيوش ، إذ قيدت حرية الحركة ، وتحددت مصادر التسليح بشكل صارم في مصدر وحيد ، إما الاتحاد السوفياتي وكتلته ، أو الولايات المتحدة وكتلتها ، وكان لذلك مخاطره ومآسيه ، إذ لا يمكن خوض حرب يُعتمد فيها على مصدر وحيد للإمداد بالسلاح ، فقد تكون العواقب وخيمة إذا توقف ذلك المصدر أو تعثرت الإمدادات لسبب أو لآخر ، فالبديل في هذه الحالة غير مطـروح.

إلا أنه منذ بداية العقد الأخير من القرن المنصرم لاحت في الأفق إنفراجات فيما يتعلق بواحدية مصدر تسليح الجيوش ، إذ أصبح من الممكن الاعتماد على أكثر من مصدر لإمدادات السلاح ، ومرد ذلك إلى المرونة التي بدأت تتسم بها مواقف القوى الكبرى إزاء السماح بإمدادات السلاح ، فلم تعد تلك القوى تشترط أن تكون هي المصدر الوحيد ، وإلى التفكك الذي حدث داخل الكتلتين المتصارعتين ، حيث بات في مقدور دول أوربا الشرقية وأوربا الغربية تزويد الدول الأخرى بالسلاح دون رقابة صارمة من قبل الاتحاد السوفياتي أو الولايات المتحدة ، ولو أن الواقع يعلن أن دول أوربا الشرقية لديها الحرية المطلقة في هذا الخصوص ، لأنها انفلتت تماماً من ارتباطاتها القديمة مع الروس ، في حين أن دول أوربا الغربية لا يمكنها التصرف بنفس القدر من الحرية نظراً لارتباطاتها مع الولايات المتحدة في حلف الناتو، إضافةً إلى مواءمات أخرى ذات طبيعة استراتيجية وذلك باستثناء فرنسا .    

وبالرغم من أن إمكانية تنويع مصادر السلاح أصبحت واردة ، إلا أن ثمة معضلات تكتنف هذه الإمكانية ، ومن ذلك أن الجيوش لا يمكنها من الناحية العملية أن تنجح في استخدام أسلحة متنوعة إلا في حدود ، يرتبط بما تقدم أن تصنيع السلاح يقوم على قاعدة تقنية مهمة هي قاعدة المنظومات ، وهذه القاعدة تعنى تصنيع مجموعة من الأسلحة بينها تعاون وتنسيق ومساندة ، بحيث أن غياب أي عنصر من هذه المجموعة يؤدى إلى خلل في الأداء وانخفاض في الكفاءة وربما توقف كامل ، وهذا يفرض على الجيش أن يقتنى المجموعة أو المنظومة بالكامل ، ومن ثم تقل ولربما تنعدم فائدة إمكانية تنويع مصادر التسليح ، مثال ذلك منظومات الدفاع الجوي ، ومنظومات الصواريخ ، ومنظومات الرادار والتوجيه ، ومنظومات الاستشعار والتجسس .. الخ .

إلا أنه يمكن تنويع مصادر أسلحة أخرى باستثناء المنظومات ، وكذلك وسائل النقل البري ووسائل الإبرار الجوي والقطع البحرية المختلفة ، ولو أن التناغم بين بعض المنظومات من مصادر مختلفة اصبح الآن ممكناً .

البند الثالث : توفير قطع الغيار : توفير قطع غيار الأسلحة من أهم الإشكالات التي تواجه الجيوش ، وتبدو خطورة هذا الإشكال وقت الحرب ، وينبغي على المخطط الاستراتيجي أن يؤمّن مصادر الإمداد بقطع الغيار بشكل أكيد ، وتلجأ بعض الدول إلى تصنيع تلك القطع محلياً بترخيص من دولة المصدر وباستيراد حق المعرفة . 

البند الرابع : تأمين الإمدادات وقت الحرب : تسعى الجيوش إلى تأمين إمدادات الأسلحة والذخائر وقت الحرب ، وذلك يقتضي من الدول توقيع اتفاقات خاصة بهذا الشأن ، وعادة ما تُضَّمن مثل هذه الاتفاقات المعاهدات المنشئة للتحالفات العسكرية أو اتفاقات الدفاع المشترك.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.