الرئيسية » الهدهد » واشنطن بوست: خدعوك فقالوا.. ثوار يناير أسقطوا مبارك

واشنطن بوست: خدعوك فقالوا.. ثوار يناير أسقطوا مبارك

“السرد التقليدي حول ثورة مدنية أعقبتها فترة تحول ديمقراطية مهزورة وانتهاء الأمر بانقلاب عسكري يتسم بعدم فهم للسياسة المصرية. فالجيش، وليست احتجاجات الشوارع، هو من عزل محمد حسني مبارك في 11 فبراير 2011 “.

جاء ذلك في سياق تحليل مطول بصحيفة واشنطن بوست للبروفيسور إليس جولدبيرج أستاذ العلوم السياسية بجامعة واشنطن تحت عنوان “ماذا كان تفكير الجيش المصري بعد الثورة؟”

وإلى نص المقال

بعد 5 سنوات من الثورة المصرية، مازال الدور الذي يلعبه الجيش المصري في تشكيل الأحداث واضحا وغامضا في ذات الوقت مثلما كان عليه الحال خلال الستين عاما الأخيرة.

وفي29 يناير 2011، استيقظ سكان القاهرة بعد يوم من المظاهرات الصاخبة ليكتشفوا وجود دبابات وناقلات جنود في أنحاء المدينة، وتمركز الجيش في الشوارع والقاعات الحكومية بشكل شبه مستمر.

ما الذي يشير إليه هذا النوع من السياسة المرتبط بمثل هذا الحضور الصريح للجيش؟

السرد التقليدي حول ثورة مدنية أعقبتها فترة تحول ديمقراطية مهزورة وانتهاء الأمر إلى انقلاب عسكري يتسم بشكل رئيسي بعدم فهم للسياسة المصرية.

الجيش المصري استثمر بعمق في السياسة المصرية على مدى نصف القرن الماضي.

الجيش، وليست احتجاجات الشوارع، هو من عزل محمد حسني مبارك في 11 فبراير 2011.

الجيش أيضا وليس المدنيون، هو من عزل مرسي في 3 يوليو 2013.

الإطاحة بحكومة وتولي الحكم عبر قيادة جماعية من المجلس الأعلى للقوات المسلحة باتت بشكل كبير ممارسة سياسية كالفوز بالانتخابات أو ترقيع ائتلاف تشريعي.

الدور السياسي للجيش المصري في النظام الجمهوري يعزي إلى مزايا التفتيش التي صاحبت انقلاب 1952.

سلطة الجيش لا تنبع فحسب من فوهة السلاح، ولا تستند فقط على إمبراطورية اقتصادية مفترضة.

وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، استفادت القوات المسلحة المصرية من نوعين منفصلين من السيطرة على المعلومات للحفاظ على القوة المؤسسية.

اللا تماثل المعلوماتي والسيطرة السردية يمثلان مفتاحين أساسيين لنجاح الجيش مؤخرا، لترسيخ مفهوم مفاده أن الجنرالات فحسب هم من يفهمون فقط سياسة الجيش، وأن الجنرالات يلعبون دورا رئيسيا في أسلوب تعلم المصريين تاريخهم.

مثل هذه المزايا سمحت للجيش بصد تحديات حاولت إخضاع هذه المؤسسة للرقابة التشريعية أو تحويلها إلى مجرد مؤسسة حكومية بدلا من أن تضحى تجسيدا للوطن.

ثمة نوع من اللا تماثل العميق يتعلق بالمعلومات المتاحة في الشأن الداخلي لأكثر اللاعبين السياسيين تأثيرا في مصر.

الجيش وأجهزة المخابرات امتلكت رؤية أكثر حرصا تتعلق بالشؤون الداخلية لجماعة الإخوان ومجتمع النشطاء.

ولكن حتى أكثر التحليلات السياسية المصرية دقة وارتباطا (ناهيك عن علماء السياسة الأمريكيين) لديها مشكلة في التمعن داخل الدوائر الداخلية للقيادة العسكرية.

وبالرغم من استمرار الشائعات حول ماذا يريد الجيش، وماهية القوى السياسية التي تحالف معها، إلا أن السياسيين المدنيين الذين لم يستطيعوا سبر أغواره الداخلية، تركوه يسيطر بمفرده.

وشهدت السنوات الخمس الماضية صراعات ملحوظة داخل كافة المؤسسات والقوى الاجتماعية تقريبا.

الجيش لا يستثنى من ذلك، لكنه أكثر قدرة بشكل كبير على حماية أسراره الداخلية، وصد محاولات التدقيق في تعاملاته السياسية.

التعتيم الذي يفرضه الجيش صاحبته آثار أوسع نطاقا.

كمؤسسة، ظلت القوات المسلحة غير قابلة للمساس ومتوحدة خلف قيادتها، لكن شؤونها الداخلية، وحتى صراعاتها بقيت غامضة.

من السهل نسيان أن كافة أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذين أصدروا البيان الأول في أعقاب تنحي مبارك جرى تغييرهم.

الضباط الذين أشرفوا على عزل مبارك ليسوا هؤلاء الذين أسقطوا خليفته (محمد مرسي).

المثال الأفضل للصراع الداخلي غير الملحوظ داخل الجيش قد يتمثل في جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة عام 2012 بين الرئيس الإخواني محمد مرسي ورئيس الوزراء في عهد مبارك أحمد شفيق.

الجنرال السابق شفيق كان ينظر إليه بشكل واسع على أنه رجل الجيش، وترشح بتفويض لإعادة تثبيت الاستبداد.

ولكن في أعقاب خسارته من مرسي بفارق ضئيل، غادر شفيق مصر متجها إلى أبو ظبي، وظل فيها حتى يومنا هذا.

واتُهم شفيق بمخالفات انتخابية ومالية، وهو على قائمة ترقب الوصول في مطار القاهرة.

لم يكن شفيق ملاكا ديمقراطيا، بل وعد الناخبين بإعادة النظام عبر استخدام قبضة حديدية.

ولم يبدو شفيق مرشحا مفضلا لأحد القيادات العليا للقوات المسلحة الذي لم يسمح له بالعودة أو حتى تسهيل محاولته لتأسيس حزب سياسي قابل للبقاء.

شفيق، الفريق الجوي السابق، كان ينبغي أن يمتلك رؤية أكثر حرصا تتعلق بالشخصيات التي يمكن أن تخلف وزير الدفاع محمد طنطاوي في أغسطس 2012 على نحو يتجاوز محمد مرسي الذي ظن أن سيطرته على الجيش تزايدت، لكن مرسي عين جنرالا تسبب في عزله.

ربما كان الأفضل لمرسي أن يعين سامي عنان، جنرال القوات الجوية، ورئيس الأركان آنذاك وزيرا للدفاع.

لكن الرئيس الأسبق، الذي أساء قراءة السياسة الداخلية للجيش، عزل عنان من منصبه، وعين الجنرال عبد الفتاح السيسي وزيرا للدفاع، والذي أصبح رئيسا الآن، وهو القرار الذي تسبب في بقاء مرسي عاجزا ومعزولا سياسيا.

وإذا كان اللا تماثل المعلوماتي جعل من المستحيل على مرسي الاختيار الحكيم للجنرالات، فإن نوعا آخر من اللا تماثل المعلوماتي سهل مهمة القوات المسلحة في المطالبة بسلطة سياسية.

وبالرغم من خسائره على أرض المعارك، لكن الجيش المصري شكل سردا مفاده أنه المدافع القدير عن السيادة والأمن الوطني.

مثل هذه الرواية شكلها الأكاديميون والجيش وجرى تكرارها بلا كلل في التلفزيون والمطبوعات.

ونتيجة لذلك، إذا كان الغموض يكتنف الجيش المصري وصراعاته الداخلية، لكن شعبيته ليست محل شك.

الاقتراعات تظهر دائما أن الجيش هو القوى السياسية الأكثر شعبية ونيلا للثقة بفارق شاسع في مصر.

ما يقرب من نصف المصريين صوتوا بحرية لشخص ما لمجرد تصورهم أنه مرشح الجيش، وذلك بعد 60 عاما من انقلاب عسكري جلب إلى السلطة جمهورية يحكمها فقط جنرالات سابقون.

وجاء التصويت المذكور بعد أقل من عام من دهس مدرعات لعشرات المتظاهرين بالقرب من وسط القاهرة.

ثمة العديد من التفسيرات لذلك التصويت، تتضمن رغبة واسعة النطاق لإرساء الأمن والنظام في مواجهة الانهيار الاجتماعي والاقتصادي، أو الخوف من انتصار مرشح الإخوان المسلمين.

ولهذا السبب، فضل العديد من المصريين اختيار جنرال قوات جوية سابق على سياسي إسلامي، بما يعكس أكثر كيفية موازنة المصريين بين المرشحين.

المكانة العسكرية داخل المملكة السياسية هي شهادة للدور المركزي الذي يلعبه الجيش في سرد التاريخ المصري المعاصر.

ولا يمثل ذلك مفاجأة بالنسبة لبلد يبدأ تاريخه المعاصر، حسبما يقال، بغزو نابليون لها عام 1798.

المعارك المتتالية، من القصف البحري للإسكندرية عام 1882، إلى الحروب مع إسرائيل في منتصف القرن المنصرم ولد اهتماما شعبيا ونخبويا بالقوة العسكرية.

العديد من التواريخ في مصر يتم تذكرها دون أي جهد، بدءا من تأسيس محمد علي باشا جيشا في أوائل القرن التاسع عشر، ومرورا بثورة عرابي عامي 1881-1882 ضد النخبة التركو شركسية والبريطانيين، ثم الاستحواذ على السلطة الذي نفذه الضباط الأحرار عام 1952.

لقد كانت هذه نقاط تحول في التاريخ المصري، لكنها أحدثت خلطا بشأن دور الجيش بين مؤسسات الدولة.

السرد الذي يرويه الجيش يعزز اتجاها يصور التاريخ المصري المعاصر وكأنه أحد شهداء وأبطال المؤسسة العسكرية.

بيد ان ذلك أحاطه بين حين وآخر ضحايا إسلاميين مثل حسن البنا وسيد قطب.

مثل هذا السرد يمحو السياسة المدنية على نحو مترابط.

ومن أجل جعل الجيش يحتل مكانة مركزية في التاريخ المعاصر، تطلب الأمر منه بعد عام 1952 محو قصص حول صعود نخبة مدنية إلى السلطة عبر ثورة شعبية، مثل 1919 التي أجبرت البريطانيين على التخلي عن الاحتلال.

الميل نحو تخيل التاريخ السياسي المصري المعاصر كصراع على دور الإسلام في السياسة يعزز هذا المحو للماضي.

وعلى غرار ما فعل في الفترات التاريخية السابقة، ينهمك الجيش الآن في محو أرصدة المدنيين في العالم السياسي خلال السنوات الخمس الماضية.

العديد من الأحداث الأكثر أهمية خلال السنوات الخمس الماضية، بدءا من حل البرلمان، إلى إنشاء أحزاب جديدة، مرورا بالجدل طويل الأمد حول قوانين الانتخابات أوائل 2013 يدور حول دور مجلس تشريعي منتخب.

ثمة سرد تاريخي معقول في السياسة المصرية خلال نصف القرن الماضي يشدد على دور برلمان منتخب كممثل للتعبير الشعبي، وحكم نهائي في قرارات الحكومة.

الدستور الأخير على المستوى الرسمي يقوي المجلس التشريعي بشكل يجعله يشكل تهديدا للسلطة التنفيذية والضباط المتحكمين فيها.

ويبدو الجيش في هذه اللحظة متجاهلا لهذا التحدي، لكنه سرد يسعى الجيش إلى طمسه.

وهكذا، فإن سيطرة الجيش على الدولة تتكئ بشكل رئيسي على لا تماثل معلوماتي يتخطى نطاق مزايا السلطة التنفيذية التي يتمتع بها.

في مصر اليوم، تحركت القوات المسلحة لمنع نشر تقارير تتحدث عن الشؤون الداخلية للجيش أو دوره الأكبر في الاقتصاد والمجتمع.

ومؤخرا، احتجز الناشط الحقوقي حسام بهجت أياما للاستجواب جراء مقال واحد له.

وباعتبار المزايا التي اكتسبها الجيش من التعتيم والجهل العام، ليس من قبيل الدهشة أن تنظر القوات المسلحة إلى كشف المعلومات باعتبارها خطرا يضاهي تقريبا الاحتجاج العلني الصريح.

قد يعجبك أيضاً

رأي واحد حول “واشنطن بوست: خدعوك فقالوا.. ثوار يناير أسقطوا مبارك”

  1. مجنون من يعتقد أن بلد عربي سيحكمه الشعب من خلال الديموقراطيه … تعود الشعب العربي على الكرباج لابد من جرعة كرباج كل يوم وكل ساعه حتى نستطيع أن نعيش .. لا عيش بدون اطع وان جلد ظهرك

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.