الرئيسية » تحرر الكلام » متى يفيق أحد طرفي الأزمة في مصر من الصدمة؟ 

متى يفيق أحد طرفي الأزمة في مصر من الصدمة؟ 

الأصل في خروج الافراد والجماعات والأمم من المحن الإفاقة من الصدمة المباشرة المترتبة عليها، فكما إن الفرد يصاب بالذهول الذي يتحول تدريجيا إلى صدمة وأزمة يجعلانه غير مصدق لفترة ما يحيط به، كذلك تصاب الدول والجماعات بمثل هذه الحالات التي تجعل العقل يتوقف عن العمل بدرجات، تبدا بالتوقف التام في البداية لما ينظر المرء أو الكيان غير المتماسك، وفي حالة الجماعة التي نقصدها “عدم التماسك” يعني شبه إحكام البنيان فيما يخص المجال التربوي الدعوي الخدمي الاجتماعي .. مع افتقاد الكيان الجمعي كله للرؤية والروية معا في التعامل السياسي، بمعنى إنه ما من تكوين بشري منزه عن الخطأ بدرجات، وفي حالة جماعة الإخوان المسلمين في الدولة الأم بالنسبة لها: مصر، فإن الجماعة برعت في الجوانب الاجتماعية الخاصة بمد يد العون للمجتمع من حولها، وكانت تفعل هذا عن طيب خاطر ونقاء سريرة، وترى الأمر واجبا دينيا تتقرب به إلى الله، وهنا هناك إشكالية كبرى واضحة وأخرى دقيقة، الجماعة المصابة بالذهول، فيما أرى، اليوم لذهولها بوادر وأسباب قديمة لكنها كانت ذاهلة من آسف عنها!

الذين يراجعون البنيان التنظيمي للجماعة واللوائح، أي الصورة البنائية لها من حيث البشر والمواد، ويطالبون بتعديلات جوهرية يحاولون النفاذ إلى بنيان يرونه مضطربا، والمخلص منهم يريد للبناء أن يعاود استقرارا، إلا إن الأمر لدى صاحب هذه الكلمات مختلف على نحو ما، فما مسيرة الجماعة لوائح وتنظيم، وإنما الاضطراب أصاب في عمقه الجذور لو ندري .. وإن العلاج ليحتاج إلى فترة غير قليلة من المراجعة، فحينما تكتب “ضحى محمد بديع” ابنة المرشد الحالي للجماعة على صفحتها بالفيس الأربعاء الماضي .. قبل يوم واحد من كتابة هذا المقال متسآئلة: هل تدرك قيادات الإخوان في الداخل والخارج إن أقسى حلم لنا، أهالي المعتقلين، إدخال “بطانية” تحمي ذوينا من الموت تحت قسوة برد الشتاء، وإنهم هناك في “الملحق” يعانون سواء بسواء مع معتقلي العقرب، ولا أحد ينظر إلى معاناتهم، لما أقرأ هذه الكلمات تتمثل “المصيبة” في الذهن وكلمات السيد الدكتور محمد بديع، فك الله أسره، إنه ما يزال المرشد للإخوان، وإن كان المنصب شرفيا لكونه معتقلا بحسب قوله، كما تتداعى إلى الذهن مقولة منسوبة إليه، وإن كانت الأولى تناولتها صحف ومواقع معروفة، فإن الثانية سمعتها عن مصدق لدي..وليس بينها وبين المرشد سوى أربعة رجال أحدهم محدثي:

الدكتور كمال، يقصد محمد كمال، القيادي المعروف والمفصول اليوم بالجماعة، خاننا وباعنا!

هذا الرجل كان ترتيبه ترتيب أحد أصبع اليد الواحدة في الجماعة، وهو المحرض على نهج غير نهجها، ولست منحازا إلى هذا أو ذاك .. لكن إلى العقل في مواجهة الصدمة الأشد في تاريخ الجماعة، وبسببه، فيما يروى ويؤكد العشرات، تمت تصفية عشرات الإخوان في مصر بداية من العام الماضي بدلا من القبض عليهم، وإن صحت هذه الأخبار، وكلي ثقة فيمن أخبرونني بها، فإن الرجل عمل ويعمل من خلال مجموعة من حسن النية، مع إحسان الظن فيهم، على جر البلد إلى مستنقع الحرب الأهلية التي طالما اشتهاه قائد الإنقلاب!

ارفق بإخوانك في كلماتك!

قالها قيادي من الصف الثاني لصاحب هذه الكلمات منذ شهور قليلة جدا، وكلماته هي لب الأزمة لو ندري!

أتفهم أن يستغرق وقت الإفاقة من أزمة مدوية شهرا بل عاما، وهما كثيران على جماعة لها طابع المؤسسية، وسيرها حثيث سريع إلى رب العزة، لكنه ليس مستغرب ولا معاب على جماعة خالفت نهجها الذي سارت عليه عشرات السنوات، وزج بعض الرجال بها في آتون مستنقع السياسة ، وفك الله أسر الجميع، ولكن لم يكن من الواجب أن تسير الجماعة كلها وفق رغبة أحدها، وينعقد مجلس شوراها ثلاث مرات لإن المهندس خيرت الشاطر رأى أن تنزل الانتخابات الرئاسية المصرية عن غير إعداد ولا روية أو رؤية أو دراسة، والنتيجة الأزمة الطاحنة التي تحياها الجماعة اليوم، والصدمة المدوية التي تجعل البعض من داخل الجماعة .. يحلم بعود الرئيس محمد مرسي إلى كرسي الرئاسة فيما الآخرون يجزمون بانتهاء الجماعة تماما ..

إن بين أظهر جماعة الإخوان من لا يعرف التخصص ولا يحترمه بل لا يرى له فائدة من الأساس، فهو عالم دين يحفظ القرآن، أو جزء منه، وهو يعبأ استمارة أو ورد المحاسبة الأسبوعي فهو داعية تربوي، وهو مهندس أو طبيب أو معلم في تخصص دراسته، وهو سياسي بحكم ثقة إخوانه فيه، وهو مفت في أمور الأمة إن لزم الأمر، ثم هو صاحب دلال على الجماعة يقودها إلى المهالك بحكم كل ما سبق، فإذا أضفت خونة ومندسون إلى الأمر اعتدلت الفكرة لديك، ولست أقصد أحدا بعينه علم الله، ولكن الحقيقة بالغة المرارة .. تحيا الجماعة في أحلام اليقظة فيما الواقع بالغ المرارة، ويضنيني بشكل شخصي ما يحدث على نحو معروف للآلاف من المنتسبين إليها وللمرشد .. فك الله أسره وعجل سلامته وشفاءه ..

أما الإنقلاب وحكومته وبرلمانه ورجاله وأذرعته في مختلف المجالات فإن لديهم أزمة من نوع آخر مختلف، أزمة عدم تصديق إن مصر آلت إليهم بكل ما فيها من مقدرات وخيرات، ولذلك فهم قد نسوا الأمس كله، وجهودهم الجبارة في الاستيلاء عليها، وضرورة الحفاظ على ما كسبوا، وكذلك نسوا مخاطر ما يفعلونه على الأجيال القادمة بعد تدمير بنية استقرار الأجيال الحالية كلها، والنتيجة تخلصوا من حق مصر في مياه النيل، وباعوا اقتصادها، وحطموا مجرد استقرارها واللحمة والنسيج الواحد بين أهلها، وجعلوها سجنا كبيرا للفساد ودوده، والمتصابين والمفلسين فكريا وماليا ونفسيا ..

والخلاصة باختصار أجواء الصدمة تحيط الطرفين، هذا من حزن فلا يفيق بعد قرابة سنتين ونصف السنة على ما فرط وأضاع بطيبة وإحسان ظن، وعدم إعمال عقل على النحو الكافي، والاستسلام لأفراد أعطاهم من هالات الحكمة فوق ما يستحق البشر، وثقة في تنظيم بشري لم يحسنوا تنقيته وتربيته وتكليفه بما يجب ويستطيع، كل في مجاله، وبالتالي أثمر الأمر إلقاء مصر كلها في “عب” أو حضن السيسي، والأخير جاءته ثمرة “ناضجة” أعد لها وخطط مع آبالسة العالم، لكنه لم يصدق إن الأوائل “هينون” يمكن أن يؤكلوا على هذا النحو، والنتيجة هي إن الفريقين ينقسمان كل على نفسه، هذا من التخبط، وذاك مما يظنه سعادة، وتضيع مصر بين الاثنين، فيما يأمل الشرفاء أن يفيق أقرب الطرفين إلى العقل ليحفظ ما تبقى من أمر نفسه وكيانه وجماعته ثم مصر من “عبث” طرف آخر .. ما كان ليصل إلى ما وصل إليه لولا غفلته!

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.