الرئيسية » أرشيف - المجلة » القمار .. نار الحرام التي تأكل الأخضر واليابس

القمار .. نار الحرام التي تأكل الأخضر واليابس

(وطن- خاص / وعد الأحمد) ما إن تُذكر لفظة القمار حتى تقفز إلى الذهن مفردات لا تقل وطأة عنها كالمخدرات وبيع الزوجات وجرائم القتل، ويجمع الباحثون وعلماء الاجتماع على أن “القمار” آفة خطرة تهدد آلاف الأسر في تماسكها، وتفتك ببنيان المجتمع العربي وتعمل على تمزيقه، وحين تتفاقم تصبح ناراً تأكل الأخضر واليابس، فهي تبدأ كتسلية بريئة أحياناً ولكنها تنتهي إلى الإدمان فالهلاك وربما الانتحار أيضاً.

 

كما يؤدي هذا الانحراف السلوكي إلى مشكلات نفسية وصحية واجتماعية ثقيلة، ومعاناة أسرية شديدة، يعاني فيها أطفال المقامرين من الإهمال، وتنتفي الثقة بين أفراد العائلة، ويرى علماء الاجتماع أن الهوس بالقمارـ بمعناه النفسي المرضي- هو أحد أخطر عواقب الإدمان على اللعب والمراهنة واستمراء الربح والخسارة، إذ يؤدي بصاحبه إلى نهج سلوكيات فردية وجماعية شاذة إزاء نفسه وأسرته ومحيطه القريب.

 

وترافق هذه السلوكيات الكثيرمن العادات المنحرفة، مثل الإدمان على شرب الخمر أو تعاطي المخدرات مما يزيد في تعميق الشروخ الاجتماعية الموجودة أصلاً في المجتمع.

 

ويرى الدكتور “عدنان مسلم” المدرس في كلية علم الاجتماع بجامعة دمشق لـ”وطن” أن “الإدمان على القمار هو علة العلل وهو كالمرض الخبيث في الجسد إذا لم يُستأصل سيفتك بالجسد كله حتى الموت والقمار مثل أي مرض عقلي فضلاً عن كونه مرضاً نفسياً أثبت علماء النفس بالتجربة والاختبار أنه ألم نفساني حيث إن 75% من المصابين به ثبت بعد الفحوص أنهم يعانون من الكآبة التي تجعلهم مرشحين للانتحار”.

 

وذهبت العديد من الدراسات المختصة إلى أن “هناك علاقة وثيقة بين القمار والجريمة، وتشير إحدى هذه الدراسات إلى ازدياد معدل الجرائم بنسبة 10% في المناطق التي تكثر فيها قاعات القمار عن غيرها من المناطق، كما يزيد عدد حالات الإفلاس الشخصي بنسبة 18 إلى 42% ويتضاعف أيضاً عدد حالات الإدمان”.

 

“السقط” و”الدومنجية”

 

لم يقتصر انتشار القمار على الصالات الفخمة أو الأندية أو الكازينوهات الفارهة والموائد الحمراء أو الخضراء كما يُخيّل للمرء للوهلة الأولى، وإنما يُمارس في الشوارع الخلفية وفي الأزقة المهجورة، وتعجّ شوارع المدن العربية بمثل هذه الممارسات المحرّمة التي تمثل عالماً سرياً بكل معنى الكلمة.

 

وعندما يمر المرء في إحدى هذه المناطق لا بد أن يستلفت نظره أحد المقامرين الذي يسمى “السقيط” وهو يقوم بالتغرير بأحد المارة بعد أن يتفرس فيه ويتأكد من امتلاء جيوبه فيأتيه من شماله إذا كانت “الكشة” أداة النصب على يمين المار، أو من شماله إذا كانت على يساره إلى أن يصل بالفريسة إلى “الكشة” التي يلتف حولها ما بين خمسة وستة أفراد هم “الدومنجية” ويطلقون عليهم اسمين هما “القاشق” و “الأبيه” وعلى رأس هؤلاء الدومنجية يقف “المعلم” رئيس “الكشة” عندما يصل “السقيط” مستصحباً معه “الكبن” وهو المار الذي أوقعه سوء حظه بين أفراد العصابة يقف السقيط ويستوقف “الكبن” بحجة الاستطلاع على ما يجري، فيبدأ الدومنجية اللعب بالورقات الثلاث أو “الكشاتبين” فيضع أحدهم عشر ليرات وأحياناً مئة مبصرّاً على ورقة معينة أو “كشتبان” معين فيضع أحدهم “الزييح” بتبديل أماكنها بسرعة البصر فيربح “القاشق” أو “الأبيه” نفس المبلغ الذي قامر به وهنا يحاول “السقيط” التغرير بـ “الكبن” فيبصّر أمامه على إحدى الورقات أو أحد “الكشاتبين” فينبهه “الزييح” بقوله “همّل” – أي تمهل- أو يلغز بعبارة “سرقاف تراب” أي ضع أموالك على أحد الأطراف ولا تضعها في الوسط، فيضع أمواله على الورقة الرابحة أو “الكشتبان” الذي في جوفه الزهر فيربح ويلتفت إلى الفريسة مخاطباً إياه: يا عم لماذا لا تبصّر فالربح مضمون وها أنا قد ربحت!! فيعمد المسكين إلى مجاراته بهدف الربح، فيبصر على ورقة من الورقات الثلاث أو أحد “الكشاتبين”، فيخسر ما وضعه من أموال فإذا حاول المسكين أن يحتج عمدَ السقيط إلى استصحاب “الكبن” لإبعاده عن المكان محاولاً إقناعه بأن القمار كما التجارة فيه الربح والخسارة، وكثيراً ما تتخلل هذه المقامرات خلافات تحدث بين اللاعبين وأفراد العصابة تبدأ بالمناوشات الكلامية وقد تنتهي بالتشابك بالأيدي أحياناً.

 

سلوك شيطاني

 

البحث عن الثراء السريع الذي يحققه اللاعبون من وراء احتراف هذه السلوك هو أحد أسباب اتجاههم إلى ممارسة هذا السلوك وتزجية الوقت بالتسلية كما أفاد بعض ممن التقيناهم وفضلوا عدم ذكر أسمائهم خوفاً من الملاحقة الأمنية والقانونية، لكن هذه الرغبة كما قالوا تتحول بعد فترة إلى حالة من الندم والأسف وخصوصاً عندما يفقد المقامر منهم أي شعور بالانتماء الأسري والمجتمعي، ومشاكل المقامرين.

 

وقال عز الدين ع – 38 عاماً- وهو أحد ضحايا قمار الشوارع لـ”وطن”: “أدمنت القمار منذ عشر سنوات خسرت خلالها كل ما كنت أملكه، وفي يوم واحد خسرت أكثر من ربع مليون ليرة سورية وكنت دائم الانفعال والعصبية أضرب زوجتي وأولادي لأتفه الأسباب حتى ضقت ذرعاً بحياتي و فكرت بالانتحار أكثر من مرة ولكن الله هداني وتركت هذا السلوك الشيطاني والحمد لله”.

 

وروى “علي .ي- تاجر” قصته مع هذه الآفة المجتمعية قائلاً:” كنت أمر ذات يوم في أحد شوارع دمشق القديمة فلفت نظري عدد من الشبان يتحلقون حول طاولة نصبها أحدهم، فاقتربت منهم لأرى ماذا يحصل وعندها راح أحدهم يدعوني لمشاركتهم لعب القمارو يغريني بالأموال التي سأجنيها، وهكذا وجدت نفسي متورطاً معهم لدرجة خسرت فيها نصف ما ادخرته من عملي في الخليج لكن أحمد الله أني صحوت أخيراً وإلا لكنت خسرت كل ما أملك.

 

أما ” لينا- خ ” فتقول: “لم يكن زوجي يعود إلى المنزل إلا بعد منتصف الليل بحجة أنه يلعب الورق مع أصدقائه في المقهى أو في بيت أحدهم إلى أن بدأ هؤلاء يترددون إلى بيتنا المكون من غرفتين، يسهرون ويشربون ويلعبون “الشدة”، وكنت أسمع من الغرفة الأخرى صياحهم وشجارهم كل ليلة فتأكدت أنهم يلعبون القمار، فهددت زوجي بترك البيت والأولاد، ولكنه كان يقابل تهديداتي باستهزاء وسخرية قائلاً لي: “اذهبي إلى جهنم أنت وأولادك”.. وقد تركت البيت أكثر من مرة ولكن والدي وأشقائي كانوا يعيدونني إليه مرغمة لأجل أبنائي الثلاث الصغار، وحاول أهلي وأهله إقناعه بالعدول عن هذا السلوك الشائن أكثر من مرة دون جدوى

 

عين الحرام

 

حول رأي الشرع الإسلامي بالقمار والمقامرة يقول الشيخ فهد الكيلاني “وطن”: “القمار أو الميسر محرّم في الإسلام لقوله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون”.

 

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “من قال لصاحبه تعال أُقَامِرْكَ، فَلْيَتصَدّقْ” – متفق عليه- فإذا كان مجرد القول معصية موجبة للصدقة المكفرة فما ظنك بالفعل وهو داخل في أكل المال بالباطل.

 

وسبب تحريم القمار في التشريع الإسلامي -بحسب الشيخ الكيلاني – أنه أكل لأموال الناس بالباطل المنهي عنه في الآية السابقة، لذلك عُد الميسر أوالقمار من أكبر الكبائر، وقرنه الله عز وجل بالخمر والأنصاب والأزلام، والغاية من تحريمه أن الله تعالى يريد من المسلم أن يكسب معيشته بالطرق المشروعة كالبيع والشراء والفلاحة والصناعة وسائر الحرف والمهن.

 

والقمار من جانب آخر يجعل الإنسان يعتمد على الحظ والصدفة والأماني والأحلام الخادعة، دون الاعتماد على الله عز وجل والتوكل عليه في مباشرة الأعمال الدنيوية المشروعة.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.