الرئيسية » تحرر الكلام » الشعوب العربية وصناعة الاستبداد

الشعوب العربية وصناعة الاستبداد

ليس من الإنصاف تبرئة ساحة الشعوب العربية مما وصل إليه حالها قبل انبلاج الثورات  العربية ، وليس من الموضوعية القول بأن تجذّر الفساد واستغلاظ الاستبداد واستواء الجور على سوقه كان غصباً وجبراً أو قدراً مقدوراً على العرب ، إننا منذ بدأنا في التأصيل للثورات  العربية ونحن نتحرى تنبيه الأذهان إلى أن الشعوب العربية هي التي صنعت الاستبداد ، ووافقت عليه ، ومنحته الثقة والقوة والقدرة والتصميم على الاستمرار ، وانصاعت له وخنعت لسطوته وجبروته .

وإذا كان القضاء قد شاء لجيل الشباب ، الذي قاد الثورات العربية أن يصحح هذه الوضعية الشاذة غير السوية ، فعلى الأجيال القادمة أن تدرس بوعي وحصافة فعل جيلين : أحدهما صنع الاستبداد والآخر حطّمه ، وتحرص كل الحرص على الحرية والكرامة الإنسانية ، التي كان الحصول عليها هو نتاج تلك الثورة ، وتخشى أن تعود إلى صناعة الاستبداد خشيتها من أن تلقى في النار .

أولاً : خلق الديكتاتور وتمجيده والخضوع له :

ليس إلا في الأساطير أن يولد الإنسان خارقاً ، فالتميز بكافة أشكاله يجمع بين موهبة وملكة في الجبلة ، وبين عوامل مكتسبة تأصلها وتصقلها ، فلا الجبلة بمفردها تخلق التميز ، ولا المكتسبات لوحدها تزكي وترسخ التفرد ، ما تقدم يرتكز على فرضية أننا إزاء إنسان متفرد ، ولكن ما بالنا إذا كنا إزاء إنسان عادي لا يفترق عن بقية البشر في أية خصال خِلقية أو عقلية أو سلوكية ، ثم نُفاجأ بأنه أصبح بطلاً خارقاً وعبقرياً فذاً .

وهذا هو بالضبط شأن كل من تولى رئاسة دولة عربية منذ الاستقلال عن السيطرة الأوروبية ، كيف يمكن تفسير هذه الظاهرة ، التي نسميها بصناعة الوهم وتمجيده ، إنها بدون شك ظاهرة ناتجة عن خيال جمعي مريض بالدونية والضآلة ، يضخم ذات الآخر ، ويتخيل أن فيها ما ليس بها ، لتعويض ما ينقصه .

كيف انتشرت هذه الظاهرة ؟ وكيف تحولت إلى مرض عضال أصاب المجتمعات العربية وشعوبها ؟ فيما يلي التفصيل :

أ : خلق الديكتاتور :

كما قدمنا لا يولد إنسان ديكتاتوراً ، ولكن قد تصاحبه أمارات تتطور مع الزمن ، وبفعل الأغيار التي تأتلف مع تلك الأمارات ، تتضخم ذات الإنسان ، لتصنع منه شخصية مؤهلة للاستبداد بالرأي ، والانفراد بالحكم ، والتسلط على الآخرين ، والتحكم في المقدرات المتاحة ، ومعنى ذلك أن تلك الشخصية بمواصفاتها تلك تحتاج كي تجسد شخصية الديكتاتور إلى مرتكزين آخرين : المرتكز الأول هو الظروف المواتية ، والمرتكز الثاني هو الناس .

إن الشخصية المؤهلة للديكتاتورية تحتاج إلى ظروف مواتية كي تمكنها من تلبس شخصية الديكتاتور ، والظروف المواتية تتمثل في موقع القيادة أو الزعامة أي الحاكم أو الرئيس أو أية مسميات أخرى كالسلطان والملك والأمير ، وهو الموقع الوحيد الذي تختبر فيه شخصية الديكتاتور .

ولنا أن نسأل هل تبدأ أعراض الشخصية الديكتاتورية في الظهور منذ بداية خطواتها على طريق الحكم ، أم أن تلك الأعراض لا تظهر ولا تبدأ في إفراز نتائجها إلا عند استقرار الديكتاتور على سدة الحكم ؟ ولعل دراساتنا ذات الطابع السيكولوجي للعديد من شخصيات الحكام العرب منذ أوائل الخمسينيات من القرن العشرين أفضت إلى تحقق النموذجين .

فهناك من الحكام من بدأ كشخصية طبيعية سوية ، ثم تضخمت ذاته ، وتحولت إلى شخصية ديكتاتورية ، بعد أن وصل إلى الحكم ، بسبب المرتكز الثالث ، الذي سيأتي تحليله فيما بعد ، وهو الناس ، ونسوق كأمثلة على هذا النموذج “جمال عبد الناصر” و”معمر القذافي” و”علي عبد الله صالح” و”عبد العزيز بو تفليقة” ، و”محمد السادس” و”حسن البشير” وكافة ملوك وأمراء وشيوخ الخليج العربي باستثناء “عبد الله بن عبد العزيز” .

وهناك من الحكام من بدت عليه أمارات الديكتاتورية منذ وقت مبكر وهو في طريقه إلى سدة الحكم ، ثم زادت وطأة الديكتاتورية بعد الإمساك بتلابيب السلطة ، ومن أمثلة هذا الفريق “صدام حسين” و”حافظ الأسد” و”بشار الأسد” و”الحسين بن طلال” و”عبد الله بن الحسين” و”أنور السادات” و”حسني مبارك” و”عبد الفتاح السيسي” و”زين العابدين بن علي” و”عبد الله بن عبد العزيز”.

أما المرتكز الثاني الذي نرى أنه الأكثر تأثيراً على الإطلاق في صناعة الديكتاتور كما ورد في النموذجين على حد سواء هو الناس ، أي أفراد الشعب الذين يُظهرون الولاء والتفاني والرضاء مهما كانت الظروف ، ودون مبرر منطقي مقبول .

وتتعدد أسباب خضوع وخنوع واستكانة الناس في العموم والعرب في الخصوص لقهر الديكتاتورية وجورها ، ومن تلك الأسباب :

(1)الخوف من السلطة والبطش والقهر والتنكيل ، وبالفعل أسرف الحكام العرب في قهر أبناء الشعوب العربية وإذلالهم والتنكيل بهم حداً فاق كل التصورات وتجاوز كافة الشرائع والأعراف على مر التاريخ .

(2)التبعية والإمعية ، حيث ينساق الناس وراء بعضهم دون تفكير أو استدراك ، وهذا عامل نفسي يسكن اللاوعي لدى كل البشر ، فالمألوف متبوع ، والإجماع يكتل الناس بغض الطرف عن جوهره وغايته ، ويريح الإنسان من معاناة التفكير والتدبر ، حيث يوكل مهمة ذلك للآخرين الذين سبقوه ، فيتبعهم وهو راض ومستريح .

(3)الجهل والتخلف ، وهما آفة الشعوب والمجتمعات وبالذات العربية ، حيث لا قدرة على التعقل والتدبر والإدراك والوعي والنقد والتقييم والتقويم ، وعندما يضاف إلى كل ذلك الخوف والجبن ، يتحول الإنسان إلى دمية ، تحركها توجهات الآخر ، وتدفع بها إلى المجهول .

(4)الخوف على المصلحة الذاتية من القلاقل وعدم الاستقرار ، وهذا نوع آخر من الخوف ، ولكنه ليس خوفاً على الذات ، بل هو خوف على المركز الوظيفي والوضع الاجتماعي والعرض الزائل ، وقد يفوق خوف الكثيرين على ممتلكاتهم وأقدارهم خوفهم على ذواتهم ، وقد استغل كافة المستبدين هذه الخصلة الذميمة في مجتمعاتنا العربية ، فكانوا يشترون خوف الناس واستكانتهم بتهديدهم بالإضرار بمصالحهم ، بل وبإجزال العطاء ، وتسهيل السطو على مقدرات الوطن .

(5)يضاف إلى ذلك الهالة التي أحاط بها الحكام أنفسهم ، من قبيل أنهم حاربوا الاستعمار ، وحرروا البلاد والعباد ، ويدافعون عن الناس بجيوشهم الجرارة ، ويقودون الأوطان شطر الحرية والديمقراطية والإنماء والإحداث والرفاه ، ومن ثم أصبح من يعارضهم كأنه يعطل ويبدد كل هذه الآمال والطموحات ، وقد اتضح أن ذلك كان محض هراء وغثاء سيل ، ولم يقيموا دنيا ولم يرفعوا ديناً .

وكان هذا هو حال الشعوب العربية منذ انعتاقها من السيطرة الأوروبية وحتى انبلاج ثورة الكرامة العربية ، فقد انفرمت تلك الشعوب طيلة هذا التاريخ بين سندان الخنوع والاستكانة ومطرقة الحاكم المتسلط الديكتاتور وبطانته التي هي على شاكلته ، وطال السبات وساد القهر والجور وورث الضيم أجيال تلو أجيال .

ولكن هل فعلت الشعوب العربية بنفسها ذلك ؟! أم أن الظروف هي التي قضت عليها بذلك ، ولم تتمكن من التخلص منها ؟!

الأرجح أن الشعوب العربية هي التي فعلت بنفسها ذلك ، وقد فعلته مرتين : المرة الأولى في قبول الخنوع والاستكانة ، والمرة الثانية في قبول الظروف التي تذرعت بها لتبرير خنوعها واستسلامها ، ودليلنا التجريبي على ما نقول ، هو أن الشعوب العربية عندما استحضرت رغبتها وإرادتها ، واستجمعت عزيمتها من أجل القضاء على النظم الديكتاتورية الفاسدة ، كان لها ما أرادت ، ولم يأت قول “أبي القاسم الشابي” من فراغ “إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر” .

فإذا كانت الشعوب العربية قد أرادت هزيمة الديكتاتورية ، كان عليها أن تهزم الخوف أولاً ، ذلك الخوف الذي عشعش بداخلها وترسخ مع الزمن ، فالديكتاتورية ظهيرها وقرينها الخوف ، لا تتواجد ولا تستمر ولا تتجذر وتستقوي إلا به ، فإذا ولّى الخوف من قلوب وعقول أفراد الشعب ، أصبحت الديكتاتورية بدون سند وبدون ظهير ، وأضحت أضعف ما تكون ، ومما يتصوره الناس ، وانتثرت بأقل مجهود .

ب : تقديس الديكتاتور وتمجيده :

لا يكتفي الناس بالخنوع والاستكانة للديكتاتور ، الذي يولدهما الخوف ، بل تظهر فئة من الناس تعكف على تقديس الديكتاتور وتمجيده بوسائل عديدة عقلية فكرية وسلوكية عملية ، نهتم بالسلوكية ونرجئ الفكرية إلى العنصر التالي ، فالتعابير السلوكية هي دوماً الأساليب المتاحة للتعبير لدى العوام ، مثل الأغاني والأناشيد وقصائد المدح والثناء والتظاهرات والهتافات ، وترديد الشعارات ومقولات الديكتاتور ، والاحتفال بالمناسبات التي تخصه مثل يوم ميلاده ، بل وقد يبتدع الناس تعابير يعربون بها عن تقديسهم وتمجيدهم ، كأن يهدي بعضهم المكافآت والجوائز التي نالها للديكتاتور !!

وغالباً ما يتخصص أناس من الحاشية والبطانة في القيام بتحفيز وحث الناس على المشاركة في التعابير السابقة ، ويظل هذا دأبهم ، وفي كثير من الأحيان يعلمون أنهم هم صناع الديكتاتور ، وهم مؤيدوه على التمادي في الاستبداد والطغيان .

وفي كثير من الأحيان يتولى القيام بمثل هذه التعابير المقربون من الديكتاتور بل وبعض مستشاريه ومعاونيه ، وهم بذلك يحجبون عنه رؤية واقع المجتمع تماماً ، وكأنه يعيش في عالم منعزل ، ولذلك نجد كثيراً من المستبدين لا يتصورون ولا يصدقون أنهم كانوا على خطأ ، بل وييقنون أن الشعب يحبهم ويجلّهم ، وذلك نتيجة التزييف والتزوير الذي يقوم به من أشرنا إليهم من المعاونين والبطانة والحاشية .

وكثير من الحكام من يسلم نفسه لمثل هذه التعابير الزائفة الكاذبة ، ومنهم من يكون على وعي بما يحدث من حوله ، ويدرك مدى كذب وزيف أفعال وتعابير التقديس والتمجيد ، ولكنه في ذات الوقت يستسلم للواقع ، حيث لم يعد من المجدي التراجع الذي يكلّف كثيراً ، إلا أنه عندما تقع الواقعة يقسم المستبدون أنهم كانوا على يقين من زيف وكذب ما زيّنه المنافقون وزخرفه الملفقون ، فـ”زين العابدين بن علي” و”حسني مبارك” و”معمر القذافي” و”علي عبد الله صالح” اعترفوا بذلك على الملأ ، ولكن الوقت كان قد ولّى ، وسيعلم الذين ما زالوا أي منقلب ينقلبون .

ت : اختلاق بطولات الديكتاتور وتلفيق مناقبه :

ثم تأتي فئة أخرى تتخصص في التعابير الفكرية والتعبئة والحشد المعنوي لمصلحة الديكتاتور ، وهؤلاء هم فئة المفكرين والكتاب والفنانين والأدباء والفقهاء والعلماء والمثقفين ، ويحلو لهم أن ينعتوا أنفسهم بالنخبة ، وتتحدد مهمة هذه الفئة في اختلاق بطولات الديكتاتور ، وتلفيق مناقبه في كافة المجالات ، وتتدرج عملية اختلاق بطولات الديكتاتور وتلفيق مناقبه في منطلقات متتابعة على النحو التالي :

(1) تحسين الذات والسمات الخِلقية : ما أكثر المقالات والحوارات والتصريحات والتعليقات التي تتزاحم من أجل توصيف شخص الديكتاتور وسماته الخلقية ، حيث يتفنن أتباع الديكتاتور من النخبة المذكورة ، كل فيما برع فيه ، في التغني بسماته الخلقية الكاملة والجذابة ، والتي إنما جاءت هكذا لتناسب المهمة التي سيُصطفَى لها الديكتاتور من دون الناس .

(2) افتراء وقائع النشأة وتاريخ الحياة الشخصية : ثم تصدر المؤلفات التي تفتري وقائع ميلاد ونشأة الديكتاتور ، ثم تواصل تزييف وتلفيق تاريخ الحياة الشخصية له ، وإذا بك أمام شخصية نكرة مجهولة مثله مثل ملايين الشعب العربي بل أقل ، ولا يتميز عنهم ذاتاً أو صفاتاً.

(3) تقريظ القدرات العقلية واختراق البطولات الوهمية : لا يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل يبدأ الملفقون سلسلة جديدة من الأكاذيب والفرى ، تكثف الضوء على رجاحة عقل الديكتاتور وكياسته وحصافته وحس تدبيره للأمور ، وما قدّمه للوطن من أعمال وخوارق وما سجله من ملاحم وبطولات ، وتستمر المبالغات حتى تصل إلى كذبة “المتنبي” الكبرى عندما قال في “سيف الدولة الحمداني” : “تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى إلى قول قوم أنت بالغيب عالم” .

(4) إبراز المآثر وإخفاء المثالب في الحكم والسلطة : الديكتاتور وفق المنطق العربي الشاذ لا يُخطئ ، ولا يمكن أن يزِلّ ، وإلا ضاع كل ما قدمه الملفقون وما بذله المزيفون ، وتقزّم الديكتاتور في أعين الناس الذين أكبروه وأجلُّوه ، والحل معد ومهيئ وضمن جوقة الديكتاتورية ، هو عمل شيطاني بشع ، احترفه وبرع فيه ما يُدعى بالإعلام العربي منذ أزمان طويلة ، حيث يُنسب إلى الديكتاتور كل إنجاز وكل مكرمة ، في حين يُلقى بكافة أخطائه ومثالبه على كباش الفداء المجهزة والراضية بذلك .

ثانياً : التمادي في الخنوع وتكريس الاستكانة :

إن الناس أو أبناء الشعب ، الذين وصفناهم بالخنوع والاستكانة نتيجة الخوف ، هم أنفسهم الذين يتمادون في تعميق خنوعهم واستكانتهم ، بل ويقنعون أنفسهم بالوضع القائم ويستمرؤون الخنوع والاستكانة ، ويُئوّلون تلك وذاك تأويلات قدرية مبنية على الدروشة ومؤسسة على الشعوذة ، ويقف وراء ذلك سببان :

أ : التلقي عن الديكتاتور وعن حاشيته وبطانته وإعلامه وعلمائه ومفكريه وتصديقهم دون مراجعة أو تقييم :

عندما يستقر وضع الديكتاتور ويفرض هيمنته ويرخي سطوته على البلاد والعباد ، يكون في حاجة ماسة إلى تثبيت وتمكين وضعه هذا ، وذلك من خلال التغلغل في أعماق مدارك الناس ووعيهم ، حتى يتمادون في خنوعهم ، وتتكرس لديهم الاستكانة ، من خلال المحافظة على صورة الديكتاتور المرسومة والمطبوعة في وعيهم بكل مكوناتها وأبعادها وإفرازاتها .

إن تثبيت وتمكين وضع الديكتاتور بالحفاظ على صورته دون تشويش أو اهتزاز ، يحتاج إلى جهود متواصلة من الذين صنعوه ، ومن الذين انضموا إليهم واستفادوا من وجوده ، وجوقة الحاشية والبطانة والمستفيدين تبدأ محدودة ، ثم تتضخم إلى أن تصبح بمثابة خلايا سرطانية تفتك بالديكتاتور وجوقته .

والحفاظ على الصورة اللامعة للديكتاتور في مخيلة الناس ، يلزمه استمرار قناعتهم  بصحة وصدق ما وصل إليهم في البداية من معلومات وأخبار وأفكار ، ومن ثم تعكف الجوقة بكاملها على العزف على وتر استمرار قناعات الناس ، الذين هم مؤهلون بطبيعتهم للتلقي عن الديكتاتور وعن حاشيته وبطانته وإعلامه وعلمائه ومفكريه وتصديقهم دون مراجعة أو تقييم ، وبذا يستمر خنوع الشعب وتترسخ استكانته لسنوات طويلة ، ويرتبط استمرار قناعات الناس باستعدادهم الدائم للتصديق والوثوق فيما يُقال دون مراجعة أو تفنيد ، ولما كانت هذه هي طبيعة الشعوب العربية ، فقد امتدت فيها الديكتاتوريات عقود طويلة ، “فالقذافي” في ليبيا مكث اثنين وأربعين عاماً ، و”مبارك” مكث في مصر ثلاثين عاماً ، ومكث “زين العابدين بن علي” في تونس اثنين وعشرين عاماً ، ومكث “علي عبد الله صالح” في اليمن مدة مقاربة ، ومكث “آل الأسد” في سوريا ما يزيد عن أربعة عقود .

ب : القناعة بالوضع القائم والاستكانة واستمراء الخنوع باختلاق الفزّاعات:

إن قناعة الناس بالديكتاتور وما يقود إليه ذلك من استمرار الخنوع وترسخ الاستكانة ، يقود بدوره إلى أخطر نتائج الديكتاتورية وهو القناعة بالوضع القائم واستمراء الخنوع ، ويبدأ الناس في ترديد العبارات الانهزامية الدالة على ذلك مثل : ليس في الإمكان أحسن مما كان ، ومن تعرفه أفضل ممن لا تعرفه .

وتعاجل جوقة الديكتاتور الشعب بما يزكي لديه هذا الشعور وهذه الروح ، فتختلق الفزّاعات التي تخيف الناس ، وتجعلهم يتشبثون بتلابيب تلك الجوقة ، وتتعاون أجهزة كثيرة في عملية اختلاق الفزّاعات ، ويأتي على رأس تلك الأجهزة المخابرات والإعلام ، ولعل الإرهاب والفوضى هي أهم الفزاعات التي اخترقتها النظم السياسية العربية عن طريق أجهزة مخابراتها ، وبصفة خاصة بعد انبلاج ثورة الكرامة العربية .

إن للنظم الديكتاتورية العربية باعاً طويلاً منذ زمن بعيد في انتهاج اختلاق فزّاعات الإرهاب بالذات ، بوصفها آليات تكرس القناعة بالوضع القائم ، والاستكانة ، واستمراء الخنوع ، وهذا ما مدّ في عمرها وأطال بقاءها ، لأنها المنقذ من الهلاك والضياع .

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.