الرئيسية » غير مصنف » وحدةٌ حريةٌ اشتراكيةٌ …

وحدةٌ حريةٌ اشتراكيةٌ …

حينما يصدح أحدهم بأعلى صوته مخبراً أياك قائلاً لك ” حذاري أن تمشي يوماً مطأطئ الرأس حانياً إياه ، و إياك ثم إياك أن تبعث بدلالة أو حتى إيماءة توحي لمن يراها بأنك تخجل من كونك مهاجر ، بل على العكس عليك أن تمشي و رأسك مرفوعاً عالياً ” مبررة بذلك قائلة : “إنك و لكونك مهاجر فهذا يستدعي أن نحترمك أكثر و أكثر فما أنت إلا  أحد أولئك الشجعان ” على حد تعبيرها ، و اكملت : ” أولئك الشجعان الذين قبلوا يوماً التعرف على ثقافة أخرى و حاولوا أن يندمجوا بالمجتمع فإن لم ينجحوا بذلك فيكفيهم شرف تلك المحاولة ” قالتها بالطبع موجهة كلامها  لكل الحاضرين يومها و الذين كانوا ينتمون إلى جنسيات مختلفة حاملين ثقافتهم و ألوانهم ، أعراقهم و أديانهم على كاهلهم ، آتين بها  إلى أرض المهجر هذه ..

كانت تقول تلك الكلمات رافعة رأسها نحو الأعلى ، ناصبة قامتها ، ماشية بخطى ثابتة واثقة ، باعثة من أعينها شرارة توقظ فيك أمل كان و كأنه قد دخل في سُبات عميق…

و لكن و من جهة أخرى تجد نفسك تسأل نفسك أو لعلك تحاصرها قائلا: كيف يا ترى قد استطاعوا من الوصول إلى تلك الدرجة من الاندماج مع الآخر و تفهم ثقافته و الترحيب به ، بل السؤال هنا كيف وصلنا نحن إلى تلك الدرجة من التمييز الذي انقلب من كونه تمييز إلى طائفية دم و حرب ….

صدقاً حينها لم أعد أعلم ما هو ذاك الشعور فقد كنت قد تفاجأت بتلك الكلمات فلم أكن أتوقع سماعها يوماً من أحد أساتذتي هنا ، و بالرغم من  أن تلك الكلمات كانت موجهة لكل الحاضرين بكافة جنسياتهم ألوانهم و أشكالهم إلا أني لم أشعر بنفسي إلا و أنا أنظر إلى عينيها شاكرة إياها ، و ما أن انقضت ثوان معدودة على انتهاء ذلك الموقف حتى نظرت إلى صديقتي التي تجاورني و التي تتحدث العربية أيضاً  فقلت ضاحكة بصوت يتصف بالهمس نوعاً ما لأعقب متفاجئة أم تراني مستهزءة لا أعلم ..

لم أكن استهزئ حينها من تلك الكلمات حاشى لله فوالله تلك الكلمات لها وقعاً في النفوس لا يمكن وصفه بل إنها كانت تعبر عن خلق يتوجب عليه أن يلتصق بالاسلام ، فيبدو أنني كنت   استهزئ من حالنا حال العرب و المسلمين ” و ليس الاسلام بالطبع ” أولئك المسلمين الذين فصلوا الدين عن الخلق و كأن الدين هو عبادة لله و حسب ناسين شعائره ناسين قول نبيه ” المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص ” ..

البنيان المرصوص …!!

لم يعد هناك بنيان ليكون مرصوص يا سيدي يا رسول الله لقد تشتتنا تمزقنا إرباً إرباً ، ففرينا هاربين من نيران الحرب علًنا ننقذ ما تبقى لنا في هذه الحياة ألا و هي أرواحنا ، أرواحنا التي وهبها الله لنا و أمرنا أن نحافظ عليها ، فاستقبلتنا البحار و استضافتنا فأكرمت ضيفها بكل ما تملك ألا  و هي مياهه المالحة الباردة التي لا تروي و لن تروي احداً يوماً ، يا سيدي لقد قالوا عنا من يدّعون أنهم يتبعون دينك الحنيف أننا مليؤون بالأمراض العصبية و النفسية و أننا من الصعب أن نتأقلم يوماً مع ابناء ملّتهم ، ملّتهم التي هي كالماء الزلال !! 

يا سيدي يا رسول الله لقد أغلقت كل الابواب أمامنا و نصبوا على طول الحدود بنيان و لكنه لم يكن بنيان لاستقبالنا و إكرامنا بل كان كحصن منيع تسلح كل العرب من خلفه مخافة أن ننعم عندهم ببعض من الأمان المستعار و الحياة الكريمة المنشودة ، فماذا عسانا نفعل يا رسول الله ، أطفالنا قد لفظوا أنفاسهم الأخيرة و هم يقولون ” سنخبر الله ” يا بني لا تخف !! و نم قرير العين فقين الله لم تنم ..

لنعد إلى ذلك اليوم فالحديث عن مآثر العرب لا تنتهي ..

فقد قلت حينها :

إياك و أن تحني رأسك يوماً يا صديقتي فيكفينا شرفاً أننا من عداد المهاجرين !!!

قلتها مكررة تلك الكلمات و كأنني أنا التي اريد هذه المرة سماعها مرات و مرات لا صديقتي ، مع العلم أني لم أمضي يوماً حانية رأسي و لكن يومها استشعرت تلك الكلمات و كأنها دواء أنزل على داء سقيم فخفف ألمه و إن هو لم يشفه ، داء تستشعر ألمه بين الحين و الآخر لتشغل نفسك عنه وسط ديمومة الحياة ، فذاك الداء ما هو إلا شعورك بكونك غريب في بلاد لم تعتد عليها أو لعلها هي التي لم تعتد عليك بعد …

لم أكن قد استجمعت نفسي من أثر تلك الكلمات التي نطقتها مدربة المحادثة للتتلقاها أبواب روحي لا أذني و حسب حينما باغتتني بسؤال قائلة :

حديثي يا رنا عن شعار بلدك حيث هناك حيث انتمائك. !!!

فقلت يا سيدتي : 

إننا ما إن يبدأ الوعي عندنا يخط أولى خطوطه و الذاكرة تبدأ تتماثل للحفظ و الاسترجاع يوماً ما ،  نبدأ نردد دون فهم يذكر حينها ، فما نحن آنذاك إلا طفل قد سمع أغنية طفولية جميلة فراحت تتعلق في حبال ذاكرته البريئة متأرجحة بين كلماته المتعثرة مع فارق ليس بالبسيط يا سيدتي ، فإن تلك الأغنية قد تغني ذاكرته يوماً على خلاف الأخرى التي ترهقها و تفسد طمأنينتها إذا هي قامت باسترجاعها فيما بعد فتتعب الروح و تمزقها لتتغشّى الذكريات الظلام فقد كان شعارنا على الدوام :

” أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة أهدافها…

وحدة حرية اشتراكية …”

فابتسمت فرحت أبادلها ابتسامتها و قبل أن تنتقل بالسؤال إلى غيري قلت :

و لكن ذاك ليس صحيح و لم يكن يوماً واقعي أو لعله قد وُجد و لكن كان ذلك في زمان بعيد سحيق اعتلى قصص أبطاله غبار الحرب و غطت معالم حضارتهم دماء لأبرياء اليوم ،أمس و غد ، فأُسدل على تاريخهم و أمجادهم ظلاً أسوداً ، ظلاً شكّلته كثرة طيور الجنان و عصافير الفردوس ، طيور كانت أرواحاً بيننا يوماً ، أرواحاً لأطفال صغار وجدت لها مستقراً و متاعاً إلى حين فأطفالنا على ما يبدو قد كانوا اكثر ذكاء منا و أكثر حنكة حينما اتخذوا من الهجرة إلى السماء سبيلاً فدنيانا لم تعد تتسع للأبرياء بعد اليوم ..

2 _ 9_ 2015

معهد اللغة الفرنسية .

مونتريال _ كندا

 

 

أعزائي القراء أريد أن انوه إلى أمرٍ ما :

إن خواطري يتخللها بعض من الأحداث الحقيقية و أخرى من محاكاة النفس ، فما تجده  يدخل في باب المبالغة إلى حد ما فما ذلك إلا محادثة وهمية بين جدران النفس ..

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.