الرئيسية » غير مصنف » الطائرة…. 

الطائرة…. 

إنك في اللا مكان ، إنك معلق بين السحب و التراب ، إنك في اللا مكان… 

كل ما حولك هو اللا شيء ، هو فراغ لا متناهي ،  هو حياة و لا حياة ، حتى إنك لتشعر أن ذاك الفراغ لا بداية له أيضاً  ، فلا هو يرحمك من  تثاقل دقائقه  و لا أنت قادر على تجاهله … 

فأنت الآن داخل هذه الحياة و خارجها في آن واحد ، فلا أنت عدت قادراً  في تلك اللحظة أن تدخل في الحياة و لم يكتب لك أن تكون خارجها بعد…

فما أنت إلا  كائن ضعيف البنيان هزيل الجسد معدوم القوى خلف ذلك الزجاج المصفح ، فقدرتك و قوتك انعدمت حين حبست داخل ذاك الهيكل المعدني الطائر ، فأنت مسلوب القرار في تلك اللحظة ، فسبق و قد اتخذت قراراً بالمغادرة ، بدخولك تلك الوحدة لإحدى عشرة ساعة فلم يعد بمقدورك الآن العودة من طريق لا رجوع فيه ، مهما مللت ، تذمرت ، غضبت،  خفت ، أو حتى طرقت الوحدة باب نفسك ، فما أنت  الآن إلا  في سجن تعلق في السماء معلقاً معه الزمان و المكان ليجعل منك اسيراً وسط الغيوم تنتظر رؤية بعض من الملامح الدنيوية ، جبل سهل صخرة  أو حتى حفنة تراب ، فالأخير ما هو إلا رمز يربطك بماضيك بأجدادك  وصولا إلى سيدنا ادم… 

فأنت الآن في سجن اسطواني تحمله يد الرحمن وسط اللا مكان…

فبعد جسدك عن امك عن الارض عن التراب هو شعور مخيف يصيبك منه القشعريرة ، ربما هو برد السنين و قساوة الماضي و ثقل الذكريات و استعراضها في تلك اللحظة كانت سبباً رئيسيا لشعور الوحدة ذاك ، فبينما انت تبحث بين نوافذ الذاكرة على صور أخرى  غير التي اعتاد عليها ناظريك قرابة الأربع ساعات اإلى الآن ، فتلك النافذة أمست عنوان لكآبة المنظر و انعدام لرائحة التراب ، فها انت الآن قد أغلقت تلك النافذة باحثاً لك عن نافذة أخرى غير التي تقبع بجانبك نافذة تحملك إلى الذاكرة دافعة إياك للتخيل ، فها انت الآن تتخيل  منظر الارض أو ربما الشمس متصدرة عرض السماء  و انت نتظر إليها واقفاً فوق التراب وسط خضرة بعرض السماء التي بت سجين فيها… 

و بينما أنت تتأمل  تتخيل و تتذكر تجد نفسك قد رافقتك لا إراديا تنهيدة طويلة و دمعة متجمدة كمرور هذا الوقت ، فأنت ببحثك عن صور للأرض و الخضرة وسط نافذة الذكريات تلك قد فتحت معها نوافذ احلامك ، طموحاتك ، و  أياماً مضت ضاع فيها الوقت  وسط زحمة اللا معنى ، وسط دقائق عمرنا المهدورة  التي ترافقنا في كل يوم ، و الغريب بالأمر أنها في كل يوم تعود مجدداً لتهدر أوقاتنا ونحن على علم و بيّنة  و تجدنا مهرولين مسرعين فاتحين لها زجاج تلك النافذة مرحبين مهللين بتبديد أوقاتنا حاضرنا و مستقبلنا أيضاً تماماً كأمس مضى حملنا الى اليوم ليحملنا إلى غدٍ كتب له من الوقت المهدور الكثير الكثير… 

و يجب ألا تنسى أن نافذة أحلامك و طموحاتك اللا متناهية تلك ما هي إلا كهذا الفضاء ، فإنك مهما حاولت النظر للغد تجد أنك تضيع وسط ضباب المجهول ، و اتساع فضاء الاحتمالات ، و لكن و مع ذلك و بينما انت تفكر تخاف تحاور و تتذكر في ذاك اللا مكان  يفاجئك الرحمن بشعاع شمس بدء يلمس خدك مداعب إياك و كأنه يخبرك أنك أنت سجين معلق لبضع ساعات أما أنا فإني نشأت مع نشأة  هذه الحياة الدنيا بيد الرحمن التي ترعاك ، نشأت و أنا معلقة بين السماء و الارض  و لن أزول إلا بأمره ، و أحلامك  كذلك لن تتحقق إلا ليأذن لها من بيده ملكوت كل شيء فلا تخف فإن طائرة أحلامك  التي تستشعر بأنها  تحلق وسط ظلمة الأيام و ديمومتها و بين انعدام الرؤية و استحالتها محفوظة عند من يملك خزائن الارض و السماء ، يرعاها رب السماء ، تنتظر أن يسمح لها بالهبوط إلى أرض واقعك و أيامك ، صحيح أنك لا تعلم لها  وقت هبوط محدد و لكنه يعلمه و يعلم إن كانت سترسوا يوماً على مدرجها الأخير  أم أنها ستبقى معلقة بين السماء و الأرض تنتظر لها هبوطا لم يحن أوانه  بعد و ربما لن يحن يوما على ارض واقعك و أيامك ، أم لعلها ستهبط هبوطاً اضطرارياً مفاجئاً نتيجة دعاء كنت قد ناجيت ربك به  لتجد نفسك قد  حققت أمراً  كان حتى الحلم به عظيم صعب المنال عندك و لكنه هو دوما كان و سيظل سهل بسيط عنده سبحانه و تعالى .

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.