الرئيسية » أرشيف - تقارير » معضلة حزب الله السورية

معضلة حزب الله السورية

يريد حزب الله من العالم أن يعلم أنه لا يزال يتمنى الموت لإسرائيل، لكنه مشغول جدا هذه الفترة. عندما اجتمعت إيران ومجموعة الـ(5+1) في فينا حول الموعد النهائي، وبدا أن آفاق حل البرنامج الإيراني ضبابية جدا؛ توافقت وكيلة إيران المسلحة الرئيسة -حزب الله اللبناني- على أخبار من صناعتها، فقد أعلن نائب أمين عام حزب الله أمين قاسم، في مقابله له مع وكالة تنسيم الإيرانية، أن حزب الله، وبمساعدة إيران، حازت صواريخ إيرانية متطورة “عالية الدقة” يمكن لها أن تستخدمها في أي حرب مستقبلية مع إسرائيل. بمعنى آخر، إذا فشلت المفاوضات، فإن على إسرائيل أن تفكر مرتين قبل تنفيذ أي هجوم عسكري ضد منشآت إيران النووية.

هذا ليس تهديدا فارغا، مع العلم أن حزب الله كان يصدر ضجيجا حول تركيزه المستمر على حرب إسرائيل، مع رغبته القوية (أو ربما بسببها) لتجنب حرب واسعة مع إسرائيل في الوقت الحالي.

إذا لم تتضح الأمور للآن: الأمين العام للحزب حسن نصر الله يريد أن يعلم أي شخص يستمع له بأن: حزب الله مستعد تماما لقتال إسرائيل، بالرغم من تورطه العميق في معركة مختلفة تماما في سوريا. على الأقل، كانت هذه رسالته التي أكّد عليها في الخطاب السنوي الذي ألقاه بمناسبة يوم عاشوراء، في تشرين الثاني الماضي. ما لم يقله نصر الله، ومن السيئ اعترافه العلني به، هو أن حزب الله يسعى بيأس لتجنب صراع عسكري كامل مع إسرائيل، ولذلك فهو يختصر هجماته على عبوات ناسفة صغيرة غير دورية بطول الحدود اللبنانية، وهجمات من الوكلاء المحليين في الجولان.

 

في عش دبابير الشرق الأوسط، المليء بمجموعات إرهابية بكافة الأفكار، أثبت حزب الله -المدعوم والممول طويلا من إيران والمستقر في لبنان- نفسه كواحد من أكثر المجموعات مرونة وتكيفا، ودموية. الآن، في آخر تطوراته، بدل استراتيجيته المعتادة بمهاجمة إسرائيل، ودوريا، المصالح الغربي؛ وجد حزب الله نفسه متورطا في حرب الثلاث سنوات ضد بشار الأسد، إلى جانب الأطراف الإيرانية، حيث يواجه السنة من كل الأطياف؛ من جبهة النصرة وداعش إلى الثوار السنة المعتدلين، دفاعا عن النظام السوري.

اليوم، حزب الله بعيد جدا عن استهداف إسرائيل والمصالح اليهودية -خصوصا الدبلوماسيين والسياح الإسرائيليين- في مخططات يمكن تنفيذها بعيدا عن لبنان وبإنكار منطقي.

استراتيجية حزب الله الجديدة، التي وجدت بالضرورة أكثر من القوة، هي نعمة مختلطة، فهي تحدد تطورا واضحا ومتابعا في واحد من أكبر الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط، مبشرا بحقبة طورت الأمن الإسرائيلي في موطنه، بينما هددت السياح والدبلوماسيين حول العالم، ومطلقا خطر الإرهاب ضد السكان الأمريكيين حول العالم.

من الإيجابي للغرب أن ميليشيا حزب الله الشبيهة بالجيش، والمسماة المقاومة الإسلامية، تقاتل السنة في كل من سوريا وبدرجة أكبر في لبنان، لتقلل فرصة احتمال حرب مع إسرائيل. على كل حال، فإن استخدام حزب الله للوكلاء والمتعاونيين حول العالم يبدو أنه في تزايد، كما حذر مسؤولو مكافحة الإرهاب الأمريكيين، في مخططات قد لا تستهدف المصالح الإسرائيلية وحدها.

أكد نصر الله مؤخرا أن “حزب الله بكامل استعداده في الجنوب اللبناني“، بالرغم من غرقه في الحرب السورية حيث خسر ما يقارب ألف مقاتل متمرس -في خسارة تعد كبيرة لتنظيم لديه فقط 5000 مقاتل كامل التدريب والتفرغ، مقابل 20-50 ألفا من جنود الاحتياط-. هذا في جنوب لبنان، على طول الخط الأزرق للأمم المتحدة، الذي يحدد الحدود اللبنانية الإسرائيلية، والذي يواجهه حزب في طريقه المباشر مع إسرائيل، حيث خاض حربه الكبيرة في 2006.

اليوم، يسعى حزب الله لردع إسرائيل من الاستفادة من غرق حزب الله في سوريا، وبدء مواجهة لتقويض قدرات حزب الله في الجنوب، وبالفعل، وهذه الرسالة التي أراد حزب الله نشرها في الفترة الماضية. على سبييل المثال، في تشرين الأول، ولأول مرة منذ حرب 2006، تبنى حزب الله علنا مسؤوليته عن هجوم ضد إسرائيل أصاب به جنديين إسرائيليين بعبوة ناسفة عند الحدود اللبنانية، ثم عاود نصر الله الإشارة للهجوم ليثبت أنه بالرغم من التورط الكبير لحزب الله في سوريا فإن “عيوننا ستظل مفتوحة، ومقاومتنا جاهزة لمواجهة العدو الإسرائيلي”.

وبعيدا عن التبجح، فإن الهجوم كان بصعوبة أفضل ما يمكن لحزب الله. كان صغيرا بالمدى، وناجحا نسبيا: لم يقتل أحد بالقنبلة المصنوعة يدويا، وبعكس الهجمات السابقة، لم يطلب من جنود حزب الله اختطاف الجنود المصابين إلى لبنان -أحياء أو أموات- لاستخدامهم في صفقات تبادل سجناء. لماذا؟ لأنه بينما يريد حزب الله إثبات استحقاقه كقوة مضادة لإسرائيل، فإنها لا تستطيع الدخول في حرب كاملة معها في الجنوب، بينما هي ملتزمة بقتال السنة في كل من سوريا، وبتزايد في لبنان. كما إنها لا تريد أن تعطي فرصة استخدام الطيران الإسرائيلي للاستجابة ضد سوريا، حيث يمكن للضربات الإسرائيلية أن تدمر حزب الله بشدة، والقوات الأخرى المولية لنظام الأسد.

لذلك، فلا يجب أن يكون مفاجئا أن حزب الله اختار تجنيد وتشغيل وكلاء محليين لزراعة عبوات ناسفة قرب الحدود بين إسرائيل وسوريا في مرتفعات الجولان؛ إذ أشارت المصادر الرسمية الإسرائيلية إلى 15 هجوما من هذا النوع منذ آذار/ مارس الماضي، فقد أخبر جنرال إسرائيلي صحيفة النيويورك تايمز أن “من يضع القنابل هي منظمة بالوكالة، لذلك يمكنك القول إنها ليست نحن. حزب الله يعطيهم العبوات المتفجرة، والإيرانيون يعطونهم الإلهام”.

في آخر تنبيهاته، حذر نصر الله من أن أي حرب ضد إسرائيل “سيكون عليها إغلاق مطار بن غوريون وميناء حيفا”، ولكن هذه ليست أخبارا دقيقة. أطلق حزب الله صواريخه من لبنان على ميناء حيفا في 2006، وأطلقت حماس من غزة صواريخها تجاه مطار بن غوريون الصيف الماضي، ومع ذلك، لم يكن نصر الله يتحدث فقط بقوة عندما أكد أن “المقاومة تهديد حقيقي لإسرائيل”. أوضح مخططات لاستهداف إسرائيل اليوم من حزب الله أبعد كثيرا من السياج الحدودي مع المناطق الإسرائيلية الشمالية مع لبنان وسوريا.

وحذر مدير مركز مكافحة الإرهاب الوطني مات أوسلن في أيلول/ سبتمبر من أن حزب الله “بجانب دوره في سوريا، يظل ملتزما بتنفيذ نشاطات إرهابية حول العالم”، وهذه ليست مشكلة إسرائيل وحدها، مضيفا أن الغرب “يظل قلقا من أن تستهدف أو تهدد نشاطات التنظيم المصالح الأمريكية أو الغربية”.

أورد مسؤولو المركز أن حزب الله “شارك في حملة إرهابية عنيفة في السنوات الأخيرة، واستمر بالتخطيط بهجمات بالخارج“. في السنوات الأخيرة الماضية، فشلت مخططات حزب الله أو أفشلت في مناطق مثل جنوب أفريقيا وأذربيجان والهند ونيجيريا وقبرص وتركيا. في بلغاريا، قام عملاء حزب الله بتفجير باص لسياح يهود في مطار بورغاس، وهذا العام فقط، أفشل مخططان لحزب الله؛ أحدهما في تايلاند والآخر في البيرو.

في نيسان/ أبريل، اعتقل عميلان لحزب الله في تايلاند، أحدهما اعترف أنهما كانا هناك لتفجير يستهدف سياحا إسرائيليين في بانكوك، بحسب مسؤوليين في مكافحة الإرهاب الإمريكية، مضيفين أن المخططات التهديد الذي يفرضه حزب الله على المراكز المدنية. وأبدت السلطات الاهتمام بكون العملاء مدنيين لبنانيين مزدوجي الجنسية: أحدهم يحمل جنسية فرنسية، والآخر فلبيني.

مؤخرا، اعتقلت الشرطة البيروية عميلا لحزب الله في ليما الشهر الماضي، كنتيجة لعملية مراقبة بدأت في تموز/ يوليو. محمد أمدار، مواطن لبناني، وصل إلى البيرو في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 وتزوج امرأة بيروية/ أمريكية بعد أسبوعين، ثم انتقلوا إلى البرازيل في ساو باولو قبل العودة إلى ليما في تموز/ يوليو 2014. كانت السلطات حذرة بوضوح من أمدار في ذلك الوقت؛ لأنه سأل في المطار وتمت مراقبته. عندما اعتقل في تشرين الثاني/ أكتوبر، داهمت الشرطة منزله ووجدت عبوات TNT، صواعق، ومواد حارقة أخرى. وعند البحث في مرآب المنزل، وجدوا مواد كيميائية لصناعة المتفجرات. أثناء اعتقاله، أشارت الاستخبارات إلى أن أهداف أمدار ضمت أماكن مرتبطة بإسرائيليين ويهود في بيرو، بما في ذلك مناطق مليئة بإسرائيليين بحقائب، والسفارة الإسرائيلية، والمؤسسات اليهودية الاجتماعية.

حزب الله كان فعالا في أمريكا الجنوبية لمدة طويلة في أمريكا الجنوبية، من منطقة الحدود الثلاثية حيث تلتقي حدود الأرجنتين والبارغاوي والبرازيل مع تشيلي والأوروغواي وغيرها. هذه النزعة مستمرة؛ إذ أخبرت وزارة الخارجية في آخر تقرير إرهابي سنوي، حيث أوضحت أن شبكات الدعم المالي لحزب الله موجودة في أماكن مثل أمريكيا اللاتينية وإفريقيا. بحسب الشرطة البرازيلية، كشفت التقارير للعامة الأسبوع الماضي أن حزب الله ساعد عصابة سجن برازيلية، تعرف اختصارا بـ(PCC)، للحصول على أسلحة مقابل حماية مساجين بأصول لبنانية معتقلين في البرازيل. وقيل إن التجار المرتبطين بحزب الله ساعدوهم على بيع قنابل C4، زعمت الـ(PCC) سرقتها في الباراغواي.

أكثر من ذلك، تخطيط حزب الله في تايلاند وجنوب أمريكا ليس أمرا جديدا: في 1994، فجر حزب الله بقرب السفارة الإسرائيلية في بانكوك قبل أن يفجر مركز AMIA اليهودي المجتمعي في بيونس آيرس. ولكن مخططات هذا العام في تايلاند وبيرو لديها اتصالات أكثر مما يبدو في النظرة الأولى.

قبل عامين، أفشلت السلطات المحلية مخطط تفير لحزب الله لسياح إسرائيليين وقد يكونون أمريكيين في بانكوك في كانون الثاني/ يناير 2012. قاد حسين عتريس، مواطن سويدي لبناني وعميل لحزب الله، الشرطة لمخزن كان يخبئ به مواد التفجير، لعمليات حزب الله المستقبلية. ولكن هذا ليس كل شيء: بعض هذه المواد يحتوي خمس أطنان من الأسمدة و400 لتر من نترات الأمونيوم، وكانوا معدين في حالتهم الكريستالية، وهي خطوة في صناعة المتفجرات. المعلومات حول الشحن الدولي وجدت في المشهد أن بعض هذه المتفجرات -والتي كانت مخزنة في حقائب على شكل قمامة قطط- كانت معدة للنقل الخارجي. المسؤولون في المخابرات الإسرائيلية يظنون أن حزب الله استخدم تايلاند كمورد للقنابل، ملاحظين أن عتريس استأجر هذه المساحة قبل عام من الإعداد. الخلاصة لا يجب أن تكون مفاجئة: المسؤولون الأمريكيون حددوا أن حزب الله يستخدم بانكوك كنقطة دعم لوجستي ونقل، واصفين المدينة بـ”مركز حزب الله لشبكة الكوكايين وغسيل الأموال”.

المستندات التي استولي عليها في المخزن تقترح أن بعض الشحنات لمواد التفجير كانت قد شحنت لأمريكا الجنوبية، مع أن هذا لم يتم تأكيده. هل شحن حزب الله بعض المواد الكريستالية من تايلاند قبل أن تداهم الشرطات التايلندية في 2012؟ هل المخططات التي أفشلت في بانكوك وبيرو هذا العام كانت ستستخدم جزءا من المواد التفجيرية المشحونة من بانكوك؟

قد لا نعرف الإجابة، وهو ما يريده نصر الله. يستطيع الآن أن ينفي بمنطقية أي معرفة أو دور للهجمات التي تستهدف الإسرائيليين أو الأمريكيين أو أي غربيين في الخارج، حتى لو كانت هذه الوسائل الرئيسة التي يستطيع بها حزب الله استهداف إسرائيل اليوم.

بالتأكيد، حزب الله لديه وكلاؤه المحليون في الجولان كذلك، ولكن نصر الله لن يعلن ذلك كذلك، وهذا هو هدف تعيين عملاء يمكن عدم الاعتراف بهم. إنها حالة متناقضة، عندما يريد حزب الله، الذي كان دائما وكيلا لإيران، يبدأ بتوظيف وكلائه الخاصين. ولكن التنظيم أظهر في العراق، والآن في سوريا أنه يقوم ويستطيع تدريب وتوظيف وكلاء له، حتى لو كان هؤلاء، كذلك، وكلاء أساسيين لإيران.

هذا القدر واضح: حزب الله يظل تهديدا مباشرا لإسرائيل، حتى وإن كان غارقا في سوريا. هذا ما يريدنا نصر الله أن نعرفه جميعا. لنتأكد، الهجمات على جوانب الطرق ستستمر من فترة لفترة، وحزب الله قد يتبنى بعضا منها. ولكن لرغبته بتجنب حرب مفتوحة ثانية مع إسرائيل في الوقت الحالي، تهديد حزب الله لإسرائيل اليوم يأخذ شكلا عابرا للمحيطات، في بلدان بعيدة مثل تايلاند وبيرو، أكثر مما هي على حدودها المباشرة.

هناك مجهول واحد يلوح في الأفق في البيئة الجيوسياسية الجديدة، وقد تعيد تشكيل وتركيز استراتيجية حزب الله بسرعة: إذا ضربت الطائرات الإسرائيلية في لحظة ما المنشآت الإيرانية النووية؛ فإن كل رهانات حزب الله باتت سدى. سيستخدم حزب الله -قطعا- بعضا من هذه الصواريخ “فائقة الدقة” على منشآت إسرائيلية مهمة، وسيظل مستمرا على نهج عمليات البيرو العابرة للبحار. كما إن قدر التزام وتأثير حزب الله، كقوة مقاتلة لإيران، ضد المتمردين السوريين والجيش الإسرائيلي يثير سؤالا مفتاحا، لكنه سؤال يستطيع كل من حزب الله وإيران ويريدون إجابته سريعا إلى حد ما.

بوليتيكو – التقرير

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.