الرئيسية » تحرر الكلام » لماذا عزى “بن سلمان” “العودة الجاسوس”؟

لماذا عزى “بن سلمان” “العودة الجاسوس”؟

  الداعيةسلمان العودة” رجل مسالم رزقه الله فطنة وعقلًا، وذكاء فطريًا ودماثة خلق شهد به القاصي قبل الداني .. لما تفتحت مداركه على أرض الطفولة وجد نفسه صبيًا يلهو في قرية “البصر” التابعة لـ”بريدة”، فتمنى مع تقدمه في العمر أن يكون شمعة تضيء في مسيرة تقدم وعز الأمة الإسلامية من جديد، ثم تمنى لاحقًا أن يعود طفلًا، بحسب ما صرح به في أحد كتبه.

    داعية جمع إلى جوار العلم الغزير حسن الإدراك للواقع والرغبة في البوح بكلمة الحق، وهو ما تطور عبر عمره، وهو إذ يخطو الآن عبر عامه الثاني والستين، ولد في 14 من ديسمبر/كانون الثاني 1956م، صار يعاني من أحداث خصَّه الله لها لإثبات أنه تعالى يبتلي أحبابه أكثر مما يبتلي الغرباء عن رحابه، كما يعاني الرجل من الظلم غير المحدود أو حتى المُتوقع في بلده.

    جهاز “رئاسة أمن الدولة” السعودي تم إنشاؤه في يوليو/تموز الماضي فحسب، وكأن أرض الحرمين كان ينقصها هذا الجهاز، وكأن الظلم الذي تحتويه بين أظهرها كان قليلًا عليها، ولكن الطغاة من كل حدب وصوب ينهلون من كف وريق شيطان واحد.

   وكان أول عمل واضح بارز في حياة ومسيرة الجهاز ذي التبعية السيادية لولي العهد “محمد بن سلمان”، الذي لم يجاوز الثلاثين إلا بعام أو عامين على الأكثر، أو ما يقارب نصف عمر الداعية الأشهر اليوم في المملكة الدكتور “سلمان العودة”.

   إن عدنا بالذاكرة لعدة أشهر توقفنا لدى يوم 25 من يناير/كانون الثاني الماضي إذ كانت الراحلة “هيا السياري”، زوجة “العودة” برفقة أبنائها في سيارة على طريق الفيضة في الطائف؛ فاصطدمت بسيارتها أخرى للنقل مما أودى بحياتها وأحد أبنائها وترك ابنيهما “عبد الرحمن” و”لدن” في حالة تستوجب احتجازهما في مستشفى عسكري في الرياض لأشهر، فيما آثر الرجل المكلوم الانسحاب بأحزانه في داره في “بريدة” محتميًا بالله تعالى أمام الابتلاء الصعب الشديد الذي أصابه باستشهاد زوجة وابن وإصابة اثنين، ثم أمام أحداث سياسية بالغة الضراوة تعصف ببلاده على نحو غير مسبوق.

  وفي نهاية يناير/كانون الأول من العام الحالي اتصل “محمد بن سلمان” ولي ولي العهد السعودي آنذاك، وصاحب المنصب المعد على المقاس له، ومنشيء جهاز أمن الدولة في المملكة، اتصل “بن سلمان” بصفتيه السابقتين معزيًا الداعية “العودة”، وكان الاتصال بمثابة “رسالة” لم يكن الداعية على استعداد لفهمها وما يزال، فالأمير الذي يبلغ عمره نصف عمر الداعية يعد نفسه ليكون الحاكم الأول في البلاد، وعلى الداعية أن يحفظ الجميل له، وإلا فإنه بعد أشهر سيعرض نفسه للمسآلة عبر الجهاز الأمني الذي يعد الأمير له، لم تحدث الأمير نفسه بأن احادث وفاة زوجة “العودة” وابنه تسبب فيه التقصير في الاهتمام بالطرق والمبالغة في الاهتمام بدور الأمراء وقصورهم ..

   كما أبرق الملك “سلمان” بنفسه إلى “العودة” معزيًا، وحدثه ولي العهد “محمد بن نايف” آنذاك هاتفيًا، وشكر “العودة” الجميع، وبعد حين بدأ ينتظم في بثه الحي على مواقع التواصل داعيًا الشباب للاهتمام بالتعبد في شهر رمضان وإلى حسن النظر للأخطار المحيطة بالأمة، دون خوض فيما يزعج حكام المملكة أو غيرهم، ثم ما لبث أن أنشغل بعودة ابنته “لدن” و”عبد الرحمن” إلى الحياة حتى أنه صار “يُسرح” للأولى ضفيرتها، ويلعب معها “نط الحبل” في محاولة للتسرية  والتخفيف عنها وشغلها عن آلام فقد أمها في مرحلة الصبا التي تحب فيها كل ابنة الاقتراب أكثر من أمها.

  واندلعت الأزمة الخليجية لتكون أحد الشماعات أو الستائر التي تلهي المملكة عن ارتقاء “بن سلمان” عرشها بسرعة الصاروخ، رغم صغر سنه وانعدام قدراته في الحياة إلا من الخيانة وتقديم التنازلات لأعداء الأمة حتى استيقن الأخيرون أنه الأنسب لتولي البلاد حتى في حياة أبيه لأنه لا أحد سيقدم لهم مثلما يُقدم وسيُقدم، وفي مقابل قمة الابتذال والتبعية وبيع النفس، كان “العودة” بعيدًا يدعو الله أن يُصبره ويحفظ بقية أهله، ولما أمعن الأمير الصغير في التضييق على بلد شقيق ..دعا “العودة” للجميع بالخير دون تصريح رافضًا استخدام قلمه في تقبيح مسلمين جيران للمملكة .. فما كان من الأمير إلا أن فقد صوابه، مقررًا اعتقال الداعية ضمن آخرين مع إتاحة الفرصة لأمن الدولة لإثبات تبعيتهم لهم بحقارة مثل حقارته.

   في 16 من أغسطس/أب 1994م أُلقي القبض على “العودة” إثر تقديمه “مذكرة للمناصحة” للملك الراحل “فهد” بأن يُجري إصلاحات في جميع المجالات، وذلك بعد رفضه دخول القوات الأمريكية إلى السعودية في حرب الخليج الثانية.. وبالطبع فصل الشيخ من عمله في الجامعة، واستمر حبسه لـ5 سنوات .. لكن سجنه كان سياسيًا بامتياز..

    أما مؤخرًا فجهاز أمن الدولة قال إن الشيخ وقرابة ثلاثين من خيرة أبناء وعلماء المملكة “متورطون” في العمل مع خلية استخباراتية خارجية، وأيًا ما كانت تبعية الخلية المدُعاة (لقطر أم تركيا أو مصر) فإنهم جواسيس يمتلكون أجهزة تقنية حديثة للتجسس من “آي باد” وما شابه .. ودعنا من انتشار هذه الأجهزة في المجتمعات الغنية مثل المملكة ..فإنه من المعروف أن الجاسوس والجواسيس يأخذون وقتًا طويلًا يمتد لعشرات الأعوام ليتم إعدادهم .. فكيف كان “العودة” جاسوسًا بحسب الأمير المنعدم الفهم .. كيف كان الداعية ورفاقه جواسيس في المملكة فيما يتصل “محمد بن سلمان” بنفسه معزيًا أكبرهم أو الداعية “سلمان العودة”؟

    رعى الله الشيخ وأعانه على الظلم والابتلاء والاتهام الظالم .. وجازى ظالميه بما يستحقون .. وصبّر أهله وبنيه .. وأراح الأمة من الجهلة الظلمة الخونة الجاثمين على أنفاسها.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.