الرئيسية » حياتنا » هل سنكون قادرين على “محو” الذكريات السيئة؟ بماذا يجيب العلم

هل سنكون قادرين على “محو” الذكريات السيئة؟ بماذا يجيب العلم

وطن– هل محو الذكريات السيئة المؤلمة من عقلك، كما يحدث في الأفلام والكتب، فكرة خيالية أو على العكس من ذلك، يمكن تحقيقها يومًا ما. وهل يستطيع المرء حقًا أن ينسى بسهولة ذكرًى مؤلمة حفرت في قلبه جروحاً نفسية لا تُشفى؟

فيما يلي، نقل موقع “واست فرانس” الفرنسي، ما قاله علماء الأعصاب حول هذا الموضوع:

لماذا نتذكر الأشياء السيئة بهذه السهولة؟

تسجل ذاكرتنا جزءًا كبيرًا من الأحداث التي نمر بها خلال اليوم، ومع ذلك، ينتهي المطاف بمعظمها بالنسيان. من ناحية أخرى، يتم تخزين الذكريات السيئة بسهولة مقلقة. ولكن، هذه العملية تمرّ بدورة مهمة؛ فنظامنا العصبي ينبغي عليه تعديل بعض الدوائر العصبية وبالتالي، تصنيع البروتينات، ما من شأنه أن يؤدي إلى إنفاق الطاقة.

لكن، لماذا بذل مثل هذا الجهد لتخزين ذكرى تترك في نفسك ندوباً وجرحاً نفسياً أو حتى تُبقيك في أسوأ الحالات؛ تؤدي إلى الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة؟

يتم تخزين الذكريات السيئة بسهولة مقلقة
يتم تخزين الذكريات السيئة بسهولة مقلقة

وفقًا لما ترجمته “وطن“، فإن ذلك، يرجع جزئيًا إلى أن التجارب السلبية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعواطف. ومع ذلك، فإن دماغنا يصنف الذكريات ويخزنها وفقًا لفوائدها. في الحقيقة، إنّ تخزين الذكريات المتعلقة بالعواطف القوية مفيدة لبقائنا. فعلى سبيل المثال: إذا عبرنا في أثناء المشي في المدينة، منطقة خطرة أو تعرّضنا فيها لمشكلة ما، وهذا سيخيفنا بشكل خاص، فإن دماغنا سوف يتأكد من أننا نتذكر هذا المكان، حتى لا يتكرّر هذا الموقف الخطير مرة أخرى.

ثم يصبح الموقف أكثر تعقيدًا عندما تكون التجربة مؤلمة حقًا. في هذه الحالة، يميل الدماغ إلى إخفاء هذه التجارب، بحيث يخزنها بطريقة ما دون معالجتها. ناهيك بأنها ستعمل بشكل جيد كآلية دفاع سريعة. وبعد ذلك، تنشأ المشكلة عندما تعود الذكريات السيئة إلى الظهور لسبب ما. في هذه الحالة؛ يمكن أن يكون الضرر كبير جدًا، لأن هذه تجارب تم تخزينها دون المرور بعملية “الإعداد” الصحيحة.

لماذا نستطيع أن نتذكر بعض المقاطع في حياتنا وننسى بعضها بسهولة أكبر؟

اكتشف أدوار الضوء والصوت

ما هي العوامل التي تجعل دماغنا يقرّر الاحتفاظ بالذاكرة أو محوها؟ لتحديد ذلك، قام علماء الأعصاب بتجميع أجزاء اللغز المعقد تدريجيًا.

سلطت بعض الدراسات الضوء في بعض الأحيان على دور العوامل غير المتوقعة، مثل: الضوء. لقد ثبت أن ذباب الخل (Droshopila melanogaster) الذي يتواجد في الظلام ينسى الأحداث المؤلمة. عند هذه الحشرة بروتين معيّن يعمل كمُحَوِّل أو مغيّر للذاكرة. هذا الجانب مثير للاهتمام بشكل خاص، لأنه يعني أنه موجود في جميع الحيوانات والبشر أيضًا. بناءً على هذه الملاحظة، قد يكون من المثير للاهتمام النظر في كيفية تأثير الضوء على وظائف معينة في الدماغ، بما في ذلك عملية الحفظ.

كيفية تأثير الضوء على وظائف معينة في الدماغ، بما في ذلك عملية الحفظ
قد يكون من المثير للاهتمام النظر في كيفية تأثير الضوء على وظائف معينة في الدماغ، بما في ذلك عملية الحفظ

من المثير للاهتمام أيضًا استكشاف دور الأصوات، خاصة تلك التي ندركها عندما ننام. نحن نعلم أن النوم هو مرحلة أساسية لعمل الذاكرة بشكل صحيح. على سبيل المثال، بعد تثبيت التطبيقات (الذكريات) عند استخدام الكمبيوتر، يبدو الأمر كما لو أن دماغنا، في أثناء النهار يستغل الليل لتحديثها. وبالتالي، خلال راحتنا الليلية، ستتحول الذكريات المكتسبة حديثًا إلى ذكريات طويلة المدى.

في هذا السياق، تكهن العلماء في جامعة يورك في إنجلترا، بأنه قد يكون من الممكن عكس هذه العملية. بمعنى آخر استخدام محفزات معينة في أثناء النوم (في هذه الحالة، المنبهات السمعية) “لمحو” ذكريات التجارب السلبية.

على الرغم من أن هذا النوع من الدراسة لا يزال في المرحلة التجريبية، فإن هذا النهج -إذا تم تأكيد فعاليته- يمكن أن يثبت أنه مفيد جدًا لتطوير علاجات مستقبلية تهدف إلى تخفيف الذكريات المؤلمة.

كيف تؤثر مخاوفنا علينا في حياتنا اليومية؟

أدوية واعدة

لا نعرف حتى الآن ما إذا كانت العلاجات بالضوء أو الصوت ستساعد يومًا ما في محاربة الذكريات السيئة. كما أنه من ناحية أخرى، تشير النتائج العلمية إلى أن بعض الأدوية يمكن أن تساعد بالفعل في محو الذكريات المؤلمة.

نأخذ على سبيل المثال علاج بروبرانولول، وهو جزيء يستخدم لعلاج ارتفاع ضغط الدم الشرياني. يسمح هذا الدواء، الذي يُعطى لحيوانات المختبر، بنسيان الصدمة “المكتسبة”. يمكن أن يكون تفسير هذا التأثير على مستوى البروتين الموجود في الخلايا العصبية، يتمثل في دوره في تحديد ما إذا كان يجب تعديل الذكريات أم لا، ومن جهة أخرى، إذا تدهور هذا البروتين، تصبح الذكريات قابلة للتعديل وإذا وُجدت، يتم الاحتفاظ بها.

من الصعب جدًا نسيان التجارب المؤلمة، حيث تؤثر بشكل خطير على أولئك الذين يعانون منها.
من الصعب جدًا نسيان التجارب المؤلمة، حيث تؤثر بشكل خطير على أولئك الذين يعانون منها.

من المسلّم به أنّ هذا العمل يتعلق حاليًا بحيوانات المختبر فقط. ومع ذلك، فإن هذا الأخير يشكّل نموذجًا ممتازًا لدراسة الجهاز العصبي. كما تجدر الإشارة إلى أنّ دماغ الإنسان، على الرغم من تشابهه من بعض النواحي مع الحيوانات المستخدمة في هذه التجارب، فإنه أكثر تعقيدًا من ناحية أخرى.

كيف تؤثر الليالي القصيرة في صحتنا العقلية؟

مضاد للالتهابات كدرع ضد الذكريات المتطفلة

لا شكّ في أنه من الصعب جدًا نسيان التجارب المؤلمة، حيث تؤثر بشكل خطير على أولئك الذين يعانون منها. بيد أن النتائج التي نشرها باحثون في جامعة كوليدج لندن أخيراً يمكن أن تفتح طريقًا علاجيًا جديدًا لعلاج العواقب.

في هذا السياق، درس العلماء تأثيرات علاج الهيدروكورتيزون في سياق الذكريات المتطفلة، تلك الذكريات العالقة التي تنشأ بشكل لا يمكن السيطرة عليه بعد حدث صادم، ناهيك بأنها تغزو وعي الضحية. (هيدروكورتيزون هو الاسم الصيدلاني للكورتيزول، وهو هرمون تنتجه الغدد الكظرية من الكوليسترول، ويعالج الضغوط الجسدية والعاطفية).

هذا واشتملت الدراسة على 120 مشاركًا (نساء ورجال يتمتعون بصحة جيدة تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عامًا) يشاهدون مشهدين من العنف الشديد مأخوذ من فيلم Irréversible (Studio Canal)، وذلك للحث على حدوث ذكريات متطفلة. بعد المشاهدة مباشرة، تلقى بعض المشاركين الذين تم اختيارهم عشوائيًا 30 ملغ من هيدركورتيزون (يُعطى عن طريق الفم)، بينما تلقى الآخرون علاجًا وهميًا.

 المشاركين الذين تلقوا الهيدرو كورتيزون رأوا أن تكرار التدخلات اليومية للذكريات المؤلمة ينخفض ​​بشكل أسرع من أولئك الذين لم يتلقوا نفس العلاج
المشاركين الذين تلقوا الهيدرو كورتيزون رأوا أن تكرار التدخلات اليومية للذكريات المؤلمة ينخفض ​​بشكل أسرع من أولئك الذين لم يتلقوا نفس العلاج

علاوة على ذلك، كشفت النتائج أن المشاركين الذين تلقوا علاج الهيدروكورتيزون؛ رأوا أن تَكرار التدخلات اليومية للذكريات المؤلمة ينخفض ​​بشكل أسرع من أولئك الذين لم يتلقَّوا العلاج. هذا الدواء الذي يستخدم حاليًا كمضاد للالتهابات لعلاج التهاب المفاصل، يمكن أن يساعد أيضًا في إدارة الذكريات المتطفلة إذا تم تقديمه للمريض بعد حدث صادم.

هل من الممكن تسريع عملية النسيان الطبيعية؟

من المثير للاهتمام، أن التأثير كان مختلفًا عند النساء والرجال، اعتمادًا على مستوى الهرمونات الجنسية الموجودة في الكائن الحي. وهكذا، فإن الرجال الذين لديهم مستويات عالية من هرمون الإستروجين استحضروا عددًا أقل من الذكريات المؤلمة. وعلى العكس من ذلك، فإن المستويات العالية من الإستروجين عند النساء تجعلهن أكثر عرضة لمواجهة الذكريات السيئة بعد العلاج بالهيدروكورتيزون. علاوة على ذلك، تشير هذه النتيجة إلى أن نفس الدواء يمكن أن يكون له تأثيرات معاكسة اعتمادًا على الفرد، ومن هنا تأتي أهمية أخذ الجنس في الاعتبار في هذا النوع من البحث.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا العمل له بعض القيود. وقد لا تعكس الطريقة التي يتم بها إنشاء المنبهات الصادمة بشكل تجريبي، على وجه الخصوص، ما يحدث بعد حدوث تجربة سلبية في الحياة الواقعية، وبالتالي قد لا يقاوم هذا الدواء شدة وقوة حضور الذكريات السيئة. بالإضافة إلى ذلك، أثبت علاج الهيدروكورتيزون حتى الآن فعاليته فقط عندما يتم تناوله في غضون ساعات من بداية الصدمة أو قبل النوم (والذي كما رأينا، يقوي الذاكرة في بعض الحالات).

Eternal Sunshine of the Spotless mind لـميشيل جوندري
Eternal Sunshine of the Spotless mind لـميشيل جوندري

ومع ذلك، فإن هذا النوع من الدراسة يفتح آفاقًا في البحث عن علاجات جديدة لضحايا الإجهاد اللاحق للصدمة. من جانبه، يستمر العلم في التقدم، ويمكننا أن نأمل أنه في المستقبل القريب إلى حد ما، يمكن تسريع عملية النسيان الطبيعية، وبالتالي الحد من الضائقة النفسية طويلة المدى التي يمكن أن تنتج عن تجربة مؤلمة.

ربما في يوم من الأيام سنكون قادرين حتى على محو الذكريات السيئة التي تمنع الضحايا من عيش حياة طبيعية، كما في الفيلم الشهير Eternal Sunshine of the Purless mind للمخرج ميشيل جوندري.

دراسة: أدمغة الآباء تتغير بعد ولادة طفلهم الأول

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.