وطن – دفع الضابط السوري “كمال مقصوصة” حياته ثمناً لمواقفه ومعارضته للفرز الطائفي الذي مارسه البعث منذ تسلمه للسلطة وقبل ذلك. وتم تصفيته بأسلوب وحشي عام 1967.
وروى المهندس “هشام النجار” الذي أدى خدمته العسكرية في أحد مصانع مؤسسة معامل الدفاع في مدينة حمص مطلع السبعينات لـ “وطن” أن “كمال مقصوصة” كان مديراً لمعمل الأحذية قبل فرزه إليه. وكان ضابطاً وطنياً كفؤاً من عائلة معروفة في حي الميدان الدمشقي.
القيادة السياسية استدعت مقصوصة
وأضاف النجار نقلاً عن عمال في المصنع آنذاك أن القيادة السياسية في دمشق استدعته حينها ليتولى منصباً هاماً في إدارة التجنيد العامة. والذي تقع دعوة الاحتياط في حدود مسؤولياته بعد مهزلة الهروب الكبير بقيادة مهندس الخيانة “حافظ الاسد”.
وأردف محدثنا أن العقيد “كمال مقصوصة” استدعي مساء أحد الأيام إلى القيادة العامة (مبنى الأركان العامة في دمشق). ليشهد اجتماعاً عقده جنرالات الصمود الطائفيين. ليقرروا فيه سلسلة من الإجراءات والأعمال وذلك بعد سقوط القنيطرة، وبعد أن أصبحت دمشق مهددة بالغزو الإسرائيلي.
وتابع النجار: “خلال المناقشة في هذا الاجتماع قدم الرائد رفعت الأسد طلباً غريباً ومنسقاً مع أخيه “حافظ الاسد” بدعوة لوائي احتياط من أبناء مدن معينة مثل حلب وادلب ودير الزور والحسكة والرقة. ليزجهم في محرقة معركة -أرض مكشوفة ومن دون تهيئة-مع العدو الصهيوني بعد أن سلم الجولان وموقعها الاستراتيجي. مستثنين من الدورات أبناء الطائفة العلوية مخالفين أبسط شروط الدعوة للاحتياط وفق القرعات.
فاستغرب العقيد المذكور هذا الطلب. ونبّه المجتمعين إلى أن دعوة الاحتياط لا يمكن أن تتم على أساس هذا التقسيم، وأن دعوة الاحتياط عادة تتم على أساس مكلفي الأعوام (مثلاً مكلفي الأعوام ١٩٦٠-١٩٦٥ أو على أساس دعوة المعبأة سابقاً (مثلاً: اللواء ٨٠ ، اللواء ٦٠ احتياط..) إلخ
دعوة الاحتياط
أما دعوة الاحتياط من أبناء مدن معينة، ومن أبناء طوائف معينة، واستثناء غيرهم من أبناء المناطق والطوائف الأخرى. فهذا أمر فريد من نوعه في تاريخ الجيوش ومستحيل التطبيق لأن أجهزة شعب التجنيد ومكاتب النفير، لا تملك الإحصاءات الجاهزة التي تمكنها من تنفيذ تلك الدعوة المريبة. وهنا كانت المحكمة الصاخبة التي عقدت لمحاكمة الشرفاء ضد إدعاء دعاة الفتنة والطائفية.
وحينها هوجم مقصوصة من قبل الضباط الحاضرين وكلهم من لون طائفي واحد ووصفوه بأبشع النعوت التي لا تليق بإنسان كريم مثله. ولم تنته القصة عند هذا الحد فبعد إصرار البطل مقصوصة على موقفه ببسالة نادره ما كان من صاحب الإدعاء. الاّ أن أمر حراسه الشخصيين بتنفيذ الخطة فحملوه الى إحدى النوافذ وقذفوه بقوة ورأسه إلى الأسفل أمام كل جنرالات الصمود والتصدي المختارين بعناية لهذا الاجتماع. وكأنهم يشاهدون فلماً لجيمس بوند فأرتطم رأسه بالرصيف وفارق الحياة على الفور وإنفض الجمع وكأن شيئاَ لم يكن.
وتابع المصدر أن عدداً من العناصر نقلوا مقصوصة من المستشفى الذي تم نقله إليه إلى بيته بصندوق مغلق. محذرين عائلته من فتحه أو تشريح الجثة تحت طائلة تصفيتهم , مُدعين إنتحاره.. ثم سارت القيادة في جنازته بوداع رسمي موزعين على المشاركين محارم “الكلينيكس” مجاناً تماماً. كما يفعلون اليوم بالجنود والضباط الشرفاء الذين يرفضون قتل إخوانهم عل مبدأ “قتل القتيل ومشى في جنازته”.
وأصدرت محكمة أمن الدولة التي كان يترأسها المقدم “صلاح الضلي” أحكاماً جائرة بتصفية عدد من قيادات الجيش الذين اعترضوا على بيع الجولان. ومنهم عدا العقيد أركان حرب “كمال مقصوصة” العقيد “هشام شبيب” والنقيب “معروف التغلبي”. والنقيب “ممدوح رشيد” والملازم “نصوح الجابي” والمساعد “بحري كلش” غيرهم.
وروى الباحث “خليل مصطفى” في كتابه “سقوط الجولان” أن سجون البعث غصت آنذاك بالمئات من الضباط والآلاف من باقي العسكريين. وكان من أبرز هؤلاء المعتقلين: (اللواء محمد الجراح واللواء راشد قطيني والفريق محمد الصوفي والفريق عبد الكريم زهر الدين واللواء وديع مقعبري والعمداء مصطفى الدواليبي ونزار غزال وأكرم الخطيب. وموفق عصاصة ودرويش الزوني وممدوح الحبال والعقداء هيثم المهايني ومحيي الدين حجار وحيدر الكزبري.
(المصدر: خاص وطن)
اقرأ أيضا