الرئيسية » تحرر الكلام » أين الأمن والسلم الدوليان؟

أين الأمن والسلم الدوليان؟

وطن– الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين ، أشهر كذبة في عالم السياسة الحديثة ، وهي الكلمة الأكثر شيوعا واستخداما على ألسنة زعماء العالم .. وفي الحقيقة ، فإنه لا بد للمتعقل العربي عندما يسمع شيئا مشابها لهذه الحجة القديمة المتجددة ، أن يبتسم ابتسامة صفراء تشبه ما يسمعه ويتساءل ساخرا : أين الأمن والسلم الدوليان ؟ هل نحن فعلا نعيش في ظلال سلام عالمي ومجتمع دولي مستقر آمن ؟! أم كذبة سوداء وظلام عالمي؟

يقول ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية ” المزحة هي شيء خطير جداً “، كما يقول ” الكذبة تكون وصلت إلى منتصف العالم قبل أن تتمكن الحقيقة من الظهور”

وعليه فإننا منذ قيام النظام الدولي الحالي نعيش مزحة ممزوجة بكذبة كبيرة تقوم في جلّها على طبيعة النظام العالمي والمواثيق التي تحكمه وتتحكم به ، والاهداف المتمثلة فيه وفي مقدمتها ما يسمى بإرساء السلام العالمي.

لقد اتفق المنظرون السياسيون على أن النظام العالمي يعيش اليوم أعباء جسيمة ويمرّ بأزمة حقيقية، مستندين إلى الحروب التي تعصف بالشرق الأوسط ، والاضطرابات التي تصاحبها كبروز كيانات ناشزة عن البنية المعترف عليها والتي تشكل كيان هذا النظام ، حيث ستودي به إلى الانهيار عاجلا أم آجلا ، يصاحبه تشكل نظام عالمي جديد ، تحدد أطر البحث عنه مفاهيم المجتمعات الغربية كما أكد ذلك هنري كيسنجر في كتابه ” النظام العالمي”.

إن هذا الحديث ، يبدو منطقيا من الناحية السياسية ، ومقبولا بالنسبة لدول القارتين الامريكية والأوروبية ، وحتى  دول شرق آسيا وأستراليا والقطبين الشمالي والجنوبي ، لكن ماذا عن دول الشرق الأوسط التي تعيش ذروة هذا التغيير وتدفع ثمنه ، بل وأكثر من ذلك حيث أن الانهيار والبناء  يبدأ منها باعتبارها المسرح الخصب والساحة الوحيدة المهيأة للصراعات ، وتصفية الحسابات ، وتقاسم النفوذ .

“ليلة رعب” في باريس بعد أسوءِ هجمات منذ الحرب العالمية الثانية

وهنا يحق لنا أن نتساءل ، ما موقعنا نحن من هذا النظام ، ولماذا يجب أن تحدد مفاهيم المجتمعات الغربية أطر البحث عن نظام جديد وليست مفاهيمنا ونحن من يدفع اليوم الثمن الأكبر ؟

لقد أرست معاهدة ” وستفاليا ” التي أنهت الحرب الدينية الدموية في أوروبا بين الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية عام 1648م ، أسس العلاقات الدولية المعاصرة والمنتظم السياسي الدولي ، كما غيرت الحرب العالمية الثانية الخارطة السياسية للمجتمع الدولي عما كان عليه بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.

وتأسست الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية على يد  الحلفاء ، بديلا عن عصبة الأمم المنهارة جرّاء فشلها في منع قيام الحرب والحفاظ على السلم العالمي وتنظيم التعاون الدولي ، بالمساعي والاهداف ذاتها التي قامت عليها العصبة – المحافظة على السلم العالمي والأمن والتعاون الاقتصادي والاجتماعي الدولي ورعاية حقوق الانسان –

وفي السياق التاريخي مما سبق من التحولات الكبرى في العالم ، نرى أنه لم يكن للشرق الأوسط أو للعرب على وجه الخصوص دور يذكر او يثّمن في هذه الاحداث ، فشريعة الغاب علمتنا أن لا قيمة للضعفاء المحكومين ،  ولا مكان لهم إلا في ذيل المجموعة أو بطون سادتها .. فما كان للعرب منها ناقة ولا جمل .

أما بعد انتهاء عصر الاستعمار العالمي ونيل بلداننا الاستقلال المنشود الذي لم يكن منّة من الدول المستعمرة علينا بل نتاجا طبيعيا لانقلاب موازين القوى ، وتحول عصر الاحتلال القديم إلى احتلال بأدوات أخرى ، راحت البذور التي أسس لها الاستعمار ” الاستخراب” بمعنى أصح ،  تنمو وتطرح استبدادا وتخلفا وتراجعا على مستوى الأمم الأخرى المشتركة في المنتظم الدولي ذاته حتى يومنا هذا.

ويعود ذلك إلى عوامل منها :

زيف السياسة العالمية

اختلال الموازين التي تحكم العلاقات بين الدول

تسييس المنظمات والهيئات الدولية لصالح القوى المسيطرة على العالم.

مصالح الدول الغربية في إبقاء دول الشرق الأوسط تحت سيطرتها لتوظيفها لخدمة مصالحها واستراتيجيتها .

والأزمة الأخيرة التي تعيشها الدول العربية خير شاهد على تخلي المجتمع الدولي عن مسؤولياته بداية بواجبه في إرساء الامن والسلم في دول العالم ، وليس انتهاء بسكوته عن الجرائم التي ترتكب بحق الانسان الذي تصان حقوقه في مواثيق المبادئ العامة لحقوق الانسان والتي لم يبقَ منها مبدأ إلا وانتهك في سوريا والعراق واليمن وفلسطين ومصر وليبيا وغيرها من الدول .

إننا نعيش ضمن منظومة واهمة لم  تكن لنا ، ولم تخلق لأجلنا ، بل أسست إرضاء لمؤسسيها فقط ، ولهذا فإن التعامل مع أزمات العالم يختلف باختلاف الدول ومصالحها مع صناع القرار الدولي ، ولن يتحقق الأمن والسلم في بلادنا ما لم نتحكم بقرارتنا ونخرج من البوتقة الغربية والمنهج السياسي الغربي ، ونتعامل مع ازماتنا بمفردنا .. فحسابات الشعوب الضعيفة لا قيمة لها في لحظات التحول الكبرى.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.