وطن- ويستهل الكاتب مقاله بالقول إنه قد يكون تنظيم الدولة ألغى حدود سايكس بيكو بين العراق وسوريا، إلا أن لبنان كرست تلك الحدود، التي رسمتها فرنسا مع سوريا، ولم يكن على السوري الحصول على تأشيرة منذ عام 1943، عندما أعطت فرنسا لبنان استقلالها النظري، ليعبر حدودا لم تكن موجودة لمئات السنين.
ويقول فيسك: “بعد أن أصبح ربع عدد السكان في لبنان من السوريين، ومع أن سيل اللاجئين سيستمر، عبر طرق التهريب، إلا أن أي سوري يسعى للدخول من المعابر الرسمية، مثل نقطة المصنع الحدودية، عليه أن يقدم للحصول على فيزا عمل أو تعليم أو سياحة أو ترانزيت، وفيزا السياحة تحتاج إلى وجود حجز فندقي، وما قيمته ألف جنيه إسترليني. كما يسمح للسوريين الذين يملكون عقارات في لبنان بالدخول، وهذا يعني سهولة دخول الأغنياء”.
وقارن الكاتب حال السوريين بالفلسطينيين قائلا: “فاللاجئون الفلسطينيون الذي هاجروا أو هاجر آباؤهم أو أجدادهم من فلسطين عام 1948، هروبا من المذابح عندما أقيمت إسرائيل، هم أكثر الناس اهتماما سياسيا واجتماعيا وتاريخيا بما يحصل؛ لأنهم كانوا عندما هاجروا يظنون، كما يظن اللاجئون السوريون اليوم، بأنهم سيعودون خلال أيام أو أشهر”.
ويضيف “لأن اللاجئين الفلسطينيين، الذين وصل عددهم في لبنان إلى 350 ألفا، وتراجع العدد بسبب الهجرة إلى 200 ألف، عوملوا ابتداء بعطف، إلا أن هذا العطف تحول إلى شك وخوف، وفي المحصلة إلى عداء، فلا بد للمرء أن يفكر كيف سيكون مستقبل اللاجئين السوريين؟ حيث بلغ عدد المسجلين منهم 1.15 مليونا. وكانت الميليشيات المسيحية قد ألقت باللائمة على الفلسطينيين في الحرب الأهلية، التي استمرت من 1975 وحتى 1990، وكانت هناك خشية من أن الأقلية السنية في لبنان ستزداد قوة إذا تم توطين اللاجئين الفلسطينيين. وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة فإن 30% من اللاجئين في العالم لا يعودون إلى بلدانهم. فكيف للبنان أن يتحمل، فحتى الآن هناك 35% من سكانه من الجنسية السورية، ومعظمهم أيضا من المسلمين السنة؟”.
ويشير فيسك إلى مشكلة تتعلق بالأرقام، حيث يقول: “إن الأرقام غير واضحة، فبالإضافة إلى 1.15 مليون لاجئ سوري مسجل لدى الأمم المتحدة، هناك 12500 ينتظرون التسجيل في لبنان، إضافة إلى نصف مليون سوري مقيم أو عامل، كثير منهم أطفال يعملون بأجور بسيطة في الحقول في وادي البقاع، وبهذا يكون عدد اللاجئين في لبنان، بينهم الفلسطينيون والسوريون، حوالي 1.75 مليون لاجئ”.
سوريا بين نهاية داعش ووضع أوزار الحرب
وعن معاملة اللبنانيين بشكل عام للسوريين يقول الكاتب: “عدا عن إيجارات السكن الباهظة، ونظام منع التجوال، الذي يفرضه المسيحيون على السوريين الفقراء في القرى الجبلية، والمضايقات للسوريين في أحياء بيروت الفقيرة، إلا أن اللبنانيين تعاملوا مع إخوانهم السوريين بكرم ولطف، وربما كان ذلك بسبب إيواء سوريا للاجئين اللبنانيين من الحرب الأهلية، وكذلك للاجئين العراقيين بعد الغزو الأمريكي عام 2003”.
ويوضح فيسك أنه “تم وضع خطط تفصيلية لتعليم الأطفال السوريين في المدارس اللبنانية، التي أخذت بعين الاعتبار أن مستوى التعليم في سوريا أقل منه في لبنان. ويعمل العديد من اللبنانيين مجانا في مدارس الخيام، التي أنشأتها الأمم المتحدة لتعليم الأطفال السوريين”.
ويستدرك الكاتب بأنه “لا أحد يخفي الغضب الحقيقي ضد ميليشيات الثوار، التي تستخدم المناطق الحدودية للهروب من قوات بشار الأسد، الذين اختطفوا 29 جنديا لبنانيا، أعدموا منهم ثلاثة، والبقية مهددون بالإعدام. كما أن أسابيع من القتال بين الجيش والميليشيات السنية في طرابلس أدت إلى توتر العلاقات بين السنة والشيعة في لبنان، خاصة أن حزب الله يقاتل إلى جانب قوات الأسد في سوريا، حيث يتساءل السنة في لبنان لماذا يقوم الجيش اللبناني باعتقال المسلحين السنة في طرابلس وسجن أعضاء الميليشيات السنية، بينما يسمح لمسلحي حزب الله في حراسة جزء من الحدود مع سوريا وعبور تلك الحدود للقتال إلى جانب قوات الأسد؟”.
ويرى فيسك أن “الجواب مؤلم، وهو أن حزب الله لا يقاتل السنة اللبنانيين، ولكن مجتمعا سنيا مسلحا قد يفتح معركة مع حزب الله، ولأن قوات الأسد تسيطر على مناطق شمال وشرق دمشق كلها، فأي معركة بين سنة لبنان وجيش الأسد ستدخل الحرب الأهلية السورية إلى لبنان”.
وكعادته في استحضار التاريخ، يقول الكاتب: “للأسف فإن التاريخ يغيب في مثل هذه الظروف، فقليل من الناس خارج لبنان يعرفون أنه قبل أن تقسم فرنسا سوريا، وهو الأمر الذي كانت تعارضه الأغلبية في المنطقة، التي تسمى اليوم لبنان، كانت طرابلس مركزا تجاريا ساحليا مهما بالنسبة لمعظم أجزاء سوريا الوسطى، وأن كثيرا من الطرابلسيين لهم أقرباء في حمص وما حولها. وقد قسمت الحدود التي رسمها الفرنسيون بعض القرى إلى قسمين، وكنوع من التعويض لتلك القرى قام الفرنسيون ببناء جسور جميلة تصل بين نصفي القرى المقسمة، لتستطيع العائلات العبور فوق النهر الذي شكل الحدود الجديدة للتزاور”.
ويخلص فيسك إلى أن “الحالمين في وزارة الخارجية الأمريكية قد يطالبون بالالتزام بهذه الحدود المزورة، إلا أن الناس الذين يعيشون هنا لا يرون الحدود بالمنظار ذاته، مهما وصل عدد اللاجئين السوريين بينهم”.