الرئيسية » تقارير » فايننشال تايمز: أميركا لا يمكنها الهروب بسهولة من حرائق الشرق الأوسط

فايننشال تايمز: أميركا لا يمكنها الهروب بسهولة من حرائق الشرق الأوسط

الشرق الأوسط يحترق، والولايات المتحدة تتأهب للخروج منه: ثمة قدر (وإن كان ضئيلا) من المبالغة في هذه الملاحظة. أصبحت تفاعلات الصراع وتزايد الميول نحو فك الارتباط الأمريكي بالمنطقة يعززان بعضهما بعضا. وكلما ارتفعت ألسنة اللهب والحرائق في المنطقة، بدت واشنطن أكثر عزما على الابتعاد منها.

 

ويتحدث زعيم أوروبي سابق معروف بعلاقاته القوية مع العالم العربي عن “تمرد” إقليمي ضد الولايات المتحدة بشكل خاص والغرب بشكل عام. وكان قرار السعودية برفض عضوية مجلس الأمن الدولي –والقرار موجه لأمريكا أكثر من مجلس الأمن– قشة في مهب الريح.

 

وكذا إحجام الدول العربية (مثال آخر) عن تمويل الفلسطينيين في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة للتوسط في اتفاق سلام مع إسرائيل. انتشر الاستياء ووصل إلى تركيا، حيث صرح الرئيس عبد الله جول قائلا إن غياب الولايات المتحدة عن الحل، سمح بتحول سوريا إلى ملاذ للجهاديين، وهي أقرب إلى أنموذج أفغانستان على البحر المتوسط.

 

هذا الجزء من العالم (الشرق الأوسط) هو مستقر نظريات المؤامرة العنيفة. وقد تحدثت صحيفة ناطقة باللغة الانجليزية في منطقة الخليج مؤخرا عن مؤامرة أمريكية إيرانية مزعومة لإضعاف الدول العربية عن طريق تأجيج نار الطائفية بين السنة والشيعة، وهذا أبعد من الخيال؟، وقد اطلعت خلال بضعة أيام في البحرين على أبعاد شكوك العديد من العرب السنة. وثمة إشاعة أخرى منتشرة على نطاق واسع، ما قاله لي أحد كبار المسئولين، إنه يفترض وجود مؤامرة بين إسرائيل وإيران، وكان العديد من المحللين يعتقدون ذلك.

 

أجرت أمريكا محادثات جديدة مع إيران بشأن برنامجها النووي. وقد أطلقت صفقة الولايات المتحدة مع موسكو بشأن التخلص من الأسلحة الكيميائية في سوريا، يد الرئيس بشار الأسد في قتل الأغلبية السنية لبلاده.

 

كما استُقبل نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي الشيعي، في البيت الأبيض. فهل هناك حاجة إلى دليل إضافي على وقوف إدارة باراك أوباما الآن إلى الجانب الشيعي من الهوة الطائفية؟ هذا هو الحديث الذي يملأ الفضاء من قبل المشككين في الولايات المتحدة.

 

خيط الحقيقة هناك أن الولايات المتحدة قررت بالفعل الرجوع خطوة إلى الوراء. وفي هذا، صرح أوباما، في وقت سابق، أنه انتخب لإنهاء حروب أميركا وليس لإشعال أخرى جديدة. 

 

وكان الالتفاف إلى آسيا الإشارة الأولى للتغيير في الاتجاه، حتى وإن كانت الانتفاضات العربية قد كشفت هذا. وكان ذلك قبولا بالهزيمة في أفغانستان.

 

وفي مكان آخر، تكررت حالة فك الارتباط، باعتماد سياسة القيادة من الخلف في ثورة ليبيا لإسقاط معمر القذافي. وبعد كثير من التردد، نبذت الولايات المتحدة ​​التدخل العسكري في سوريا.

 

وقد عبَر خطاب أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن تمدَد هذه القرارات وتطورها إلى إستراتيجية، حيث تعمد التغاضي عن الكلام في دوامة الأحداث في سوريا وإغلاق الحكومة في واشنطن، ولكن التاريخ قد سجل حتى الآن أن (الخطاب) يمثل لحظة تخلي الولايات المتحدة عن الريادة في الشرق الأوسط بعد أكثر من نصف قرن.

 

الرئيس، بالطبع، لم يقطع بالأمر تماما بمثل هذه الصياغة. فقد قال إن الولايات المتحدة سوف تستخدم كل أدوات القوة، بما في ذلك القوة العسكرية، للدفاع عن مصالحها الأساسية في المنطقة. وشملت هذه الحماية حلفاءها من العدوان الخارجي وكذا مواجهة الإرهابيين المصممين على مهاجمة الولايات المتحدة والحفاظ على التدفق الحر للطاقة. وستبقى السياسة الخارجية الأمريكية تركز بدقة على منع إيران من الحصول على سلاح نووي وتسعى لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

 

ولكن في تحديد الأولويات، رسم أوباما حدودا أكثر صرامة: نشر الديمقراطية يصب في مصلحة الولايات المتحدة ولكن لا يمكن فرضها وتحترم الولايات المتحدة سيادة الدول، كما إنها لا تنحاز لأي طرف في مصر ولا تسعى إلى إملاء شروط أي تسوية في سوريا، ومن المفهوم أن الصراعات الطائفية لا يمكن تسويتها من قبل الأجانب.

 

وبهذا، استُبدل التدخل الليبرالي بواقعية صارمة. وبعبارة أخرى، استبدلت الولايات المتحدة دورها كأبرز قوة في الشرق الأوسط إلى عامل توازن خارجي.

 

ويمكنك أن ترى كيف وصل أوباما إلى هنا:

 

سقوط الأنظمة الاستبدادية في العراق ومصر وسوريا كشف عمق الانقسامات بين السنة والشيعة.

 

قليل هم الذين يدَعون أن الغزو الأمريكي للعراق كان نجاحا.

 

“التدخل الخفيف” في ليبيا قد غذى هجرة الجهاديين إلى منطقة الساحل.

 

فشل الولايات المتحدة في توجيه الأحداث في مصر.

 

واستغلال روسيا للحرب في سوريا لاسترجاع قوتها في المنطقة.

 

لم يكن للغرب سجل يتفاخر به في الشرق الأوسط، وكان دائما عرضة للاتهام بسياسة الكيل بمكيالين. الآن، الثمن المدفوع بالدم والمال خلال سنوات الحرب الأخيرة قد استنزف إرادة أمريكا في التحرك خارج نطاق الدفاع الفوري عن مواطنيها..

 

لهذا كله، أظن أن أوباما سوف يجد أنه من الأسهل له التعبير عن نهجه الجديد أكثر من تنفيذه.

 

ومناورات إطلاق المفاوضات النووية مع الرئيس الإيراني، حسن روحاني، كانت مشجعة، ولكن ليس أكثر من ذلك.

 

وإذا فشلت واشنطن وطهران في التوصل إلى اتفاق يسمح لإيران بحيازة طاقة نووية مدنية في الوقت الذي تنكر فيه القدرة على بناء قنبلة، فإن كل الرهانات في المنطقة ستصل إلى طريق مسدود.

 

وفي قلب الانقسام في الشرق الأوسط تكمن العداوة العميقة بين السعودية وإيران. ومن دون تقييد يد أميركا، فإن (الانقسام) يمكن أن يخرج عن نطاق السيطرة.

 

وإذا كانت تجربة العراق ثم ليبيا بينت مخاطر أنواع التدخل المتفاوتة، فإن سوريا كشفت المخاطر الفظيعة التي يمكن أن تصاحب التقاعس عن التحرك.

 

 “فيليب ستيفنز” (Philip Stephens) / كاتب وصحفي بريطاني (فايننشال تايمز)

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.