في كف الفيزيقا مفتاحٌ لما ورائها الإنسان يساوي الحرية , والحرية تعني أن نطير بجناحي الحق والخير وأن يسكننا الجمال , هم أذن أضلاع الإنسانية الثلاث , وبدونهم نصبح كالقطيع , لا يحركنا سوى الحاجة والشهوة , لايحكمنا سوى قوانين الداروينية الإجتماعية والفناء , بدونهم لا نستطيع سوى أن نبني ثقافة الغاب والقوة , وحضارة تسير على قدمين داميتين من القهر والفقر . يخطأ العلماء في أعتقادي عندما ينظرون إلينا بنظرة داروينية بحته , عندما يعتقدون أننا مجرد تطور طبيعي لسلالة القردة العليا , صحيح نحن نتشابه مع القردة في الطبيعة الفزيولوجية , كما يتشابه النمر مع القطة , لكننا نظل أجناساً مختلفة عن بعضها البعض , وإلا فلما لم تتطور عقول القردة , لما لم تبني حضارة ويكون لها تاريخ , حتى وأن كانت قريبة من الإنسان , كما أن الصدفة نسبية ومقترنة بالإنسان في كل الأحوال حيث أنها تتفاعل مع النسبيات الأخرى ىاخل النسق العام الذي يحتويها جميعاً , فنيوتن على سبيل المثال عندما سقطت عليه التفاحة كانت صدفة ,إلا أن سقوط التفاحة يعد طبيعياً ونسبياً في آن في إطار النسق العام للطبيعة التي يؤدي كل شيء فيها دوره الوظيفي بإنتظام ودقة , هذا بالإضافة إلى أن وجود نيوتن في تلك اللحظة بالذات كانت صدفة بالنسبة لنيوتن لأنه كائن واعي وقادر على الأختيار وبالتبعية السير في هذا الطريق أو ذاك لكنها ليست صدفة بالنسبة للطبيعة والقدرالذي كُتب فيه أن تتفاعل نسبية سقوط التفاحة مع نسبية وجود نيوتن لكي يكتشف لنا قانون الجاذبية , كما أن الداروينية لازالت إفتراضاً نظرياً , ولا يمكن أعتبارها حقيقة علمية بأي حال من الأحوال . يخطأ الفلاسفة نفس الخطأ تقريباً , فهاهم الوضعيون لا يؤمنون بكل ما لا يروا ولا يلمسوا ولا يسمعوا , هاهم البراجماتيون يريدون أن يطبقوا نظريتهم على كل شيء وليس على الحياة العملية والواقعية فقط , ها هي الحداثة تضع الفرد في مقابل المجتمع , الدين في مقابل العلم , الأخلاق الوضعية في مقابل الأخلاق السماوية , وها هي ما بعد الحداثة تجعلنا مجرد سلع تُستهلك لتستهلك , تجعل لكل منا أفكاره ومعتقداته وعاداته وتقاليده , ولتذهب القضايا الكبرى إلى الجحيم , وكأن هناك تعارض مابين العلم والدين , الفرد والمجتمع , وكأننا نصر أن نسير على قدمٍ واحدةٍ وأن نبتر الأخرى . نعم , العقل مرآة رمزية للعالم , مرآة جامعة لشتات الضوء تتشكل بناها المنطقية من حروف وأرقام , لكي تستطيع أن ترتب هذا الكون الذي يظهر لأول وهلة وكأنه مشتت , فوضوي , غير قابل للفهم أو الأختراق , هي أذن مرآة رياضية النسق , بمعنى أنها منطقية , ولا يمكن أن تكون غير ذلك , فالمنطق في النهاية شبيه بالرياضيات , بمعنى أنه تحصيل حاصل , أيً كان نوعه , كما أنه لا يخطىء إذا وضع في مكانه السليم , وهو مخلوق على هذه الصورة لكي يستطيع الإنسان الوصول إلى حقائق يقينية في المجالات المختلفة , والعقل يخطيء في حالتين , الأولى غير قصدية وهي على سبيل المثال وليس الحصر كالخطىء في إجراء عملية حسابية , وهنا يكون الخروج عن المنطق السليم بالخروج عن التسلسل المنطقي لحل المسألة , والثانية قصدية وهي عندما يوضع المنطق غير السليم في المكان غير السليم . ما هي الفكرة أذن , أعتقد أن الأفكار ليست دوجمائية بأي حال من الأحوال , بل هي كائن دينامي , يتغير بتغير الزمان والمكان , فلا يوجد شخص يفكر في الفراغ لا بد أذن من وجود عائق ما في درب ما وهناك وسيلة ما لأزالته ومواصلة السير , الفكرة أذن كالحياة لها قلب واحد ووجوه عدة , فهي تبحث دائماً عن الحقيقة , لكني لا أستطيع أن أعرف ماهيتها أو أن أعرف صدقها من كذبها ما لم أعرف في أي درب تسير , فأذا كانت المشكلة علمية على أن أتبع المنطق الأستقرائي لفرانسيس بيكون , أو غيره من أنواع المنطق المرتبطة بالعلوم المختلفة , لكني لا أستطيع أن أطبقها على كل ما هو ميتافيزيقي , لأنها غير صالحة إلا لكل ما يرى ويلمس ويسمع , وليس معنى هذا أن كل ما لا يرى غير موجود , ولكن هناك سبيل آخر للوصول إليه ومعرفته , ولأضرب مثلاً بالألوان الطبيعية , فالقدرة على التكيف الآني توجب بأن ترى الذبابة الألوان الطبيعية , أما نحن فلا نستطيع , أذن ليس كل ما لا يرى غير موجود , وإذا كانت المشكلة مرتبطة بالحياة العملية والواقعية , علي أن أتبع المنطق البرجماتي بقاعدتيه المرتبطتين بالمعنى والصدق , بمعنى أنه لا بد أن يكون لهذه الفكرة معنى مفهوم قائم على الخبرات الحسية للفرد , وأن تصدق بعد ذلك في تطبيقها على أرض الواقع , لكني لا أستطيع أطبقها على كل ما هو ميتافيزيقي , لنفس السبب السابق , وإذا كانت المشكلة فلسفية أو ميتافيزيقية أو شرعية , علي أن أعتمد على المعادلة التالية : المعطيات الأولى للمشكلة وأسس حلها من أرض الواقع + الأستنباط والقياس = ميتافيزيقا , فالدين السليم على سبيل المثال هو الذي أتلقى كتابه وأفكاره ثم أخضع ما قرأة وما عرفت للقياس والأستنباط , لكي أعرف أن كان هذا الدين يتوافق مع العقل والمنطق السليم أم لا , وأنا هنا أتحدث عن العقيدة لا المعجزات أو الشريعة , التي هي تالية على الإيمان ويكون الأستنباط والقياس من مصادرها لأستخراج الأحكام الشرعية , وسوف أتحدث عن هذه القضية بشيء من التفصيل في مقال آخر, وإذا كانت المشكلة مرتبطة بالجمال والفن , علي أن أثبت أولاً أن كان هذا الشيء جميلاً أو ان كان هذا العمل فناً ام لا , وذلك بالرجوع للقواعد العامة للجمال والفن , والقواعد العامة الخاصة بكل فن على حدة , ثم تحليل هذا العمل الفني أو الأدبي , وهنا يأتي دور النقاد على أختلاف تخصصاتهم , وفي حقيقة الأمر يستطيع العقل البشري ان يفكر بطريقة تلقائية وبطرق مختلفة على حسب الموضوع الذي يفكر فيه , المشكلة الحقيقية أذن عندما يفرض الفلاسفة منطق معين على كل شيء , .,another word , مقصلة العقل الفطري . مغالطة ٌ كبرى , العلاقة بين الفكر والمادة علاقة ديناميكية , متساوية التأثير والتأثر , حقيقة , العلاقة بين الفكر والمادة علاقة ديناميكية , ولكن يظل الفكر سابق على المادة , ففي البدء كانت إرادة الله , ثم قال للكون كن فكان , وكان الإنسان والطبيعة , وأصبحت العلاقة بينهما قائمة على إثارة المشكلات وفرض واقع بيئي وطبيعي معين ومحاولت إيجاد حلول لها أو التكيف معها , أما إذا كنا نتحدث عن علاقة الإنسان بالإنسان , فتظل الفكرة سابقة على المادة , لأنها سابقة على الفعل البشري بما يثيره من مشكلات , حتى مع الطبيعة ذاتها , فمن أبتكر النظريات وطبقها , من بنى المجتمعات وجعلها أكثر بؤساً وفقراً وتهميشاً , من أنتهك حرمة الوصايا العشر , وحفر المقابر الجماعية , من , عليك أن تعترف بالحقيقة أنت وحدك من هدم العالم ليرقص على حطامه . السبيل الثاني لمعرفة الحقيقة هو الحدس , والحدس نوعان , حدسٌ عقلي وحدسٌ نفسي , الأول وهو العيان العقلي المباشر لا يمكن أن يحدث إلا في ذهنٍ صافي وغير مشوش وذات تريد أن يرى الحقيقة بصدق , وإلا تاهت عنه الحقيقة في دروبٍ من الضبابية والتشتت وإيهام الذات , والنفس البشرية تستطيع الوصول إلى الحقيقة عن طريق الحدس المباشر , لكنها أي النفس , تستطيع أن تزين الأمور لكي تتناسب مع ما تهوى وما تشاء , وهنا تكمن الخطورة , فأذا كانت النفس سوية , وتريد أن ترى الحقيقة بصدق , تستطيع أن تصل إليها بسهولةٍ ويسر , أما إذا كانت النفس غير سوية , فأنها لن تؤمن بما يجب أن تؤمن به , بل لن تؤمن سوى بالمصلحة , ولن تخرج سوى هذا الجزء الحيواني في الإنسان , النهم دائماً للفتك والسيطرة والسرقة والإبادة والإغتصاب . قد يتشكك البعض في الحدس , وقدرته على أن يصل إلى الحقيقة , وهنا أقول لهم أن لكل شيء دليله العقلي ودليله الحدسي ( العقلي \ النفسي ) خاصةً فيما يتعلق بالمباديء والقيم , فجميعنا يعرف أن السرقة شيء سيء لأنها تمثل إعتداءاً على حقوق الغير , وتفتح باباً للصراع بين الأفراد , ولكن هذا المنطق الكانطي في الواجب الأخلاقي ليس وحده القادر على الوصول إلى الحقيقة , والتمييز بين الصواب والخطأ , فالحدس أيضاً يستطيع , أن كان العقل صافي وغير مشوش وأن كانت الذات تريد أن ترى الحقيقة بصدق , أن كانت النفس سوية , وتريد أن تراها بصدق , وإلا فلما لا يختلف أثنان أن أستفتيا قلبيهما وعقليهما على أنها شيء سيء , أيً كانت تربيتهما أوبيئتهما الثقافية , حتى وأن تربيا في وسط جماعة من اللصوص , لما لا يختلف أثنان على أنها شيء سيء , هنا أو في أي بلدٍ آخر , أو في أي زمان ومكان . ليس المتصوفة وحدهم القادرون على أن يروا نور الحقيقة , فالحقيقة كالشمس أن توهمنا أنها غربت عكس نورها القمر , الحقيقة طاقة نور لا تنير دربنا إلا حين نبصرها , ولا نبصرها إلا إذا أردنا أن نبصرها , هي الخط الفاصل بين المعرفة الحقة والجهل , بين الوجود الحق والفناء الحق , فالبشر جميعهم يستطيعون أن يروا بنور الله , أن أرادوا أن يتبعوا ما وهبهم الله إياه .