الرئيسية » أرشيف - ثقافة » العتابا وأخواتها

العتابا وأخواتها

تهتمُّ‏ ‬كلُّ‏ ‬الامم والشعوب على وجه هذه البسيطة بتراثها الشعبي‏ ‬إذ أنه‏ ‬يشكّل سمةً‏ ‬هامة لهويّتها‏. ‬وما التراث الشعبي‏ ‬باقتضاب إلا محصّلة ما لشعب معيّن من العادات والتقاليد والامثال والحِكم والحكايات والطرائف والرقص والأغاني‏ ‬والشعر العامّي‏ ‬الخ‏. ‬ولا ريبَ‏ ‬بأنّ‏ ‬الشعرَ‏ ‬العاميَّ‏ ‬أحدُ‏ ‬العناصر الرئيسية للتراث إذ أنّه‏ ‬يتبوّأ مكانةً‏ ‬مرموقة لدى كافة شرائح المجتمع‏. ‬إنه مرآة صادقة لما‏ ‬يختلج في‏ ‬قلب الشعب من المشاعر والتطلّعات في‏ ‬الأفراح والأتراح وكل ذلك بلغة الحياة السليقية‏، ‬يسمعها ناطقوها فيحفظونها عن ظهر قلب‏. ‬لا‏ ‬غرابةَ‏ ‬إذن في‏ ‬الاقبال الشديد للعرب على حفلات الشعر العامي‏ ‬التي‏ ‬تقام بين الآونة والاخرى في‏ ‬الدول العربية عامّةً‏ ‬وفي‏ ‬بلاد الأرز خاصّة‏. ‬إذ أنّ‏ ‬لهذا الشعر أوزانه وقوافيه الخاصّة به‏. ‬حبّذا لو أولى القائمون على إعداد البرامج‏ ‬التعليمية في‏ ‬الأقطار العربية الاهتمامَ‏ ‬الكافي‏ ‬بموضوع الشعر الشعبي‏ ‬بجانب الشعر الفصيح طبعاً‏. ‬فالأغنية الشعبية دارجة وشائعة وشعرية ذات لحن بسيط ومرن وناظمُها وملحّنُها مجهولان وما الكلمات إلا كالطير واللحنُ‏ ‬كالجناحين‏ ‬يحلّق بها عاليا فهي‏ ‬مُلك للجميع‏. ‬هناك فوائدُ‏ ‬جمّةٌ‏ ‬في‏ ‬استظهار فلذات أكبادِنا لحدّ‏ ‬أدنى،‏ ‬على الأقل،‏ ‬من هذا التراث الشعبي‏ ‬المتوارث،‏ ‬الأغاني‏ ‬الشعبية الشائعة في‏ ‬مجتمعاتهم‏. ‬إستظهارٌ‏ ‬كهذا‏ ‬يُسهم كثيراً‏ ‬في‏ ‬توثيق عُرى الوحدة والانتماء المشترك لأبناء هذا المجتمع أو ذاك‏. ‬
نشأة الأغنية الشعبية موغلةٌ‏ ‬في‏ ‬القدم، قدم وجود لغات الجنس البشري‏ ‬على هذه الأرض‏. ‬وهناك العديد من الكلمات التي‏ ‬تتردد في‏ ‬أغانينا الشعبية مثل‏:‬‏ ‬آخ‏ ‬بمعنى التألم والتوجّع؛‏ ‬أوف‏ ‬أي‏ ‬اسم فعل بمعنى أتضجّر؛ ويا ليل ويا عين‏. ‬هناك آراء عديدة بشأن أصل اللفظتين الأخيرتين نذكر منها ما‏ ‬يلي‏. ‬قد تكون اللغة الأكادية،‏ ‬أقدم اللغات السامية،‏ ‬أصلاً‏ ‬لهما أو أن‏ ‬الليل‏ ‬من الأليل أي‏ ‬الأنين والتحسّر أو أنه من‏ ‬إيل‏ ‬أي‏ ‬إله الفينيقيين والعبرانيين أو أن‏ ‬الليل‏ ‬هنا معناه عكس النهار ووراء اللفظتين القصةُ‏ ‬الشعبية الفلسطينية التالية‏. ‬يُحكى أن فتاةً‏ ‬حسناء قد وقعت في‏ ‬حبّ‏ ‬شابّ‏ ‬وأرادت أن تمتحن إخلاصَه لها في‏ ‬حبه ذاك فتقدّمت إليه بأن‏ ‬يقلعَ‏ ‬عينَه اليمنى فلبّى طلبَها فلم تكتف بذلك بل تغنّجت وتوسّلت إليه ثانيةً‏ ‬طالبةً‏ ‬إطفاء نور عينه اليسرى كي‏ ‬لا‏ ‬يبصبص على امرأة أخرى ففعل ذلك على الفور‏. ‬ثم جاء إليها مبتهجاً‎ ‬وهو ضرير فقالت له وما حاجتي‏ ‬اليك وأنت أعمى؟‏ ‬عندَها صُعق ذلك الشاب الولهان وشرع‏ ‬يردد‏ “‬يا ليل‏ ‬يا عين‏”. ‬
هناك ألوان شتّى للأغاني‏ ‬الشعبية،‏ ‬كما لا‏ ‬يخفى على أحد،‏ ‬فمنها ما‏ ‬يختصّ‏ ‬بالرجال كالحِداء والمحوربة وأخرى للنساء مثل الزغاريد والبكائيات وأغانٍ‏ ‬مشترَكة لكلا الجنسين كالعتابا والميجنا وأبي‏ ‬الزلف‏. ‬أما من حيثُ‏ ‬الموضوعُ‏ ‬والهدفُ‏ ‬فالمجال واسع سعة الحياة البشرية‏. ‬والجدير بالذكر لغوياً‏ ‬بأنّ‏ ‬الحداء معناه سياقة الابل والغناء لها أما الزغاريد فمعناها ترديد هدير البعير في‏ ‬حلقه‏. ‬
‏١) ‬العتابا‏:‬
هذه اللفظة لغوياً‏ ‬مشتقةٌ‏ ‬من العَتْب والعُتبان أي‏ ‬الموجدة واللوم إزاء فعل أو قول شيء ما أو اتخاذ موقف معيّن ويقول العرب إن العتابَ‏ ‬صابونُ‏ ‬القلوب‏. ‬هناك عدة أساطير تدور حول شرح المعنى الأصلي‏ ‬للعتابا اخترنا منها التالية‏. ‬يُروى بأن فلاحاً‏ ‬كرديا كان‏ ‬يعيش في‏ ‬جبل الأكراد وكانت زوجته باسم‏ ‬عتابا‏ ‬فاتنةَ‏ ‬الجمال، وفي‏ ‬أحد الأيام رآها إقطاعى ثري‏ ‬وأحبّها فانتزعها عنوةً‏ ‬من زوجها‏. ‬اضطر الفلاح المقهور على أمره أن‏ ‬يغادرَ‏ ‬بلدتَه هائما على وجهه من بلد إلى آخرَ‏ ‬حتى استقر به المطاف في‏ ‬شمالي‏ ‬لبنان‏. ‬عندَها تفتّحت قريحتُه فأنشد‏:‬
عتابا بين بَرْمي‏ ‬وبين لَفْتي عتابا ليش لغيري‏ ‬ولفتي
أنا ما روح للقاضي‏ ‬ولا إفْتي‏ ‬ عتابا بالثلاث مطلقا
ويبدو أنّ‏ ‬الحبَّ‏ ‬والعتابَ‏ ‬صِنوان لا‏ ‬يفترقان كما قال الشاعر‏:‬
أُعاتب ذا المودّةِمِن صديقٍ‏ ‬ ذا ما رابَني‏ ‬مِنْهُ‏ ‬اجْتِنابُ
إذا ذهب العِتابُ‏ ‬فليس وُدٌّ‏ ‬ ويبقى الوُدُّ‏ ‬ما بقي‏ ‬العِتابُ
وينبغي‏ ‬عدم الإكثار من العتاب فكما‏ ‬يقول المثلُ‏ ‬الفلسطيني‏ “‬إشي‏ ‬إن زاد نقص‏” ‬وتصدح مطربةُ‏ ‬العرب،‏ ‬سعاد حدّاد أي‏ ‬فيروز بهذين البيتين من الشعر للأخوين رحباني‏:‬
حاجي‏ ‬تعاتِبْني‏ ‬يْئسْت منْ‏ ‬العتاب وْمِن كتِرما حِمّلْتني‏ ‬هالجسم داب
حاجي‏ ‬تعاتِبْني‏ ‬وإذا بدّك تروح روح وأنا قلبي‏ ‬تعوّد عَ‏ ‬العذاب
تُستهلّ‏ ‬العتابا عادة‏ ‬بأوف‏ ‬أو‏ ‬آخ‏ ‬ويتألّف عادة الدور أو البيت منها من سطرين أي‏ ‬أربعة أشطر وعلى الأشطر الثلاثة الأولى أن تنتهي‏ ‬بلفظة جناس أي‏ ‬اتفاق في‏ ‬النطق واختلاف في‏ ‬المعنى كما سنرى في‏ ‬الأمثلة الآتية‏. ‬وبيت كهذا‏ ‬يُسمّى بالبيت المصروف وإذا لم تتوفّر كلمة الجناس في‏ ‬آخر الشطرات الثلاث الأولى فالبيت‏ ‬غير مصروف ونظم كهذا ضعيف ومرغوب عنه‏. ‬أما قافية بيت العتابا أي‏ ‬الحرف الأخير في‏ ‬الشطر الرابع فهو حرف الباء الساكن المسبوق بالفتحة أو بالالف‏. ‬أما في‏ ‬الماضي‏ ‬فكانت الألف المقصورة أو الممدودة تختتم بيتَ‏ ‬العتابا‏. ‬وهناك من قوّالي‏ ‬العتابا مَن‏ ‬يتفنّن فيبني‏ ‬الدور من أربعة أبيات أي‏ ‬ثمانية أشطر تكون قافية الصدور الأربعة الأولى واحدةً‏ ‬ومجنَّسة وكذلك الأعجاز الثلاثة الأولى أما قافية العجز الأخير فهي‏ ‬الباء‏. ‬
ومما‏ ‬يجدر ذكرُه أن بحورَ‏ ‬العتابا كثيرةٌ‏ ‬وأغلب الظنّ‏ ‬أن بحرَها الأساسي‏ ‬هو السريع المكوّن من عشرة مقاطع في‏ ‬كل شطر‏. ‬من البحور الأخرى المتناهي‏ ‬وفي‏ ‬كل شطر تسعة مقاطع؛ البحر البسيط وعدد مقاطع الشطر الواحد أحد عشر؛ البحر اليعقوبي‏ ‬وفي‏ ‬كل شطر منه اثنا عشر مقطعا‏. ‬قد‏ ‬يختلف عدد المقاطع أو الحركات في‏ ‬كل شطر فيكون ما بين ‏٩-٢١. ‬
ما زال أصل هذا اللون من الغناء‏ ‬غامضا‏. ‬هناك من‏ ‬يدّعي‏ ‬أنه عربي‏ ‬بدوي‏ ‬أصيل وفريق آخر‏ ‬يميل إلى أنه دخيل في‏ ‬العربية من الميمر السرياني‏ ‬في‏ ‬القرن الرابع للميلاد‏. ‬والعتابا شبيهة جداً‏ ‬بالأبوذيّة‏ (‬أبو الأذية أي‏ ‬صاحب الأذى‏) ‬والميمر والفارق الوحيد بينها أن قافية الشطر الرابع في‏ ‬الأبوذية هي‏ -‬يّة وفي‏ ‬الميمر راء‎ ‬ساكنة أما في‏ ‬العتابا كما أسلفنا فهي‏ ‬إما حرف الباء الساكن المسبوق بالفتحة أو بالالف وإما الألف المقصورة‏. ‬يبدو لنا بأن العتابا المعروفة أيضاً‏ ‬باسم الجبورية في‏ ‬لبنان متحدّرة من الأبوذية العراقية‏. ‬
اتْركيني‏ ‬حامِلِ‏ ‬هْمومي‏ ‬بِكَفّي حاجي‏ ‬تْعَذِّبي‏ ‬فِيّي‏ ‬بِكَفّي
وْقَلْبي‏ ‬دَرْب مَحْبوبو بِكَفّي مَهما نال مِن عينيك عذاب
جبل لبنان عَم بِدِق عودو على الأوطان‏ ‬يا‏ ‬غيْاب عودو
وأرزِ‏ ‬الرَّبّ‏ ‬بْيِخضرّ‏ ‬عودو حتّى تِلْتِقي‏ ‬بْظلّو الحباب
سَلامي‏ ‬لابْعَتُو بِسِلْكْ‏ ‬تِلْفونْ عُيُوني‏ ‬مْنِ‏ ‬البِكي‏ ‬والنّوح تِلْفُون
وْمَتى‏ ‬يا حبابنا عَ‏ ‬الدّار تِلْفُونْ لَحنّي‏ ‬الدّار وِحْجارْ‏ ‬العتاب
‏٢) ‬الميجنا‏: ‬
هناك آراء عديدة بشأن أصل هذه اللفظة منها‏:‬
‏١. ‬يا ماجنة‏ ‬أي‏ ‬أيتها المستهترة العابثة‏.‬
‏٢. ‬يا ما جانا‏ ‬أي‏ ‬ما أكثر ما أصابنا وحلّ‏ ‬بنا‏.‬
‏٣. ‬يا ما جنى‏ ‬أي‏ ‬ما أكثر ما تعسّف وظلم‏.‬
‏٤. ‬نجن‏ ‬السرياني‏ ‬الذي‏ ‬يعني‏ ‬الغناء واللحن‏.‬
‏٥. ‬ميجنا اسم لابنة أمير‏.‬
‏٦. ‬تحريف من الاسم مرجانة‏.‬
‏٧. ‬الميجَنة الفصيحة التي‏ ‬تعني‏ ‬مدقّة القصّار‏ (‬أنظر الفعل وجن‏).‬
قد‏ ‬يكون الرأي‏ ‬الثالث الأقرب إلى الحقيقة لما في‏ ‬الميجنا من الطابع الحزين والايقاع البطيء‏. ‬العتابا والميجنا توأمان‏. ‬تُستهل الميجنا بالمطلع أو الكسرة‏ “‬يا ميجنا‏ ‬يا ميجنا‏ ‬يا ميجنا‏” ‬والعجز‏ ‬يكون جملة تامّة مستقلة قافيته‏ -‬نا‏. ‬وعدد المقاطع الصوتية في‏ ‬كل شطر هو عادة اثنا عشر أي‏ ‬أن الوزن هو البحر اليعقوبي‏. ‬الشائع في‏ ‬عصرنا تجنيس القوافي‏ ‬الثلاث في‏ ‬الميجنا إلا أن ذلك‏ ‬غير ملزم‏. ‬لا رأيَ‏ ‬قاطع بأصل الميجنا أهو عربي‏ ‬من الأبوذية أو سرياني‏ ‬من الميمر‏. ‬
يا ميجنا‏ ‬يا ميجنا‏ ‬يا ميجنا إلا لعيونِك شو إلُو مَعْنى الغِنى
يا رايْحَه عَ‏ ‬الدَّيْر وَحْدِكْ‏ ‬نادِرَه ميْلي‏ ‬لَعِنّا وْخَبِّرينا نادِره
بْنات الْ‏ ‬عَ‏ ‬شكْلِك‏ يا حْلَيْوَه نادِرَه غَيْرِك ما بِرْضى‏ ‬يْكون مَعْبود‏ ‬ي‏ ‬أنا
يا ميجنا‏ ‬يا ميجنا‏ ‬يا ميجنا يَحْيا الزّمان الّي‏ ‬جَمَعْنا وْلمنا‏ ‬
يا بِنْتَ‏ ‬عَشْرِ‏ ‬سْنين شَعْرِك جَدّلي واحْكي‏ ‬المزِح لِلْغَيْر خَلّي‏ ‬الجدّ لي
لَوْ‏ ‬تِعْلَمي‏ ‬بِغْيابْكُن شُو جدّ‏ ‬لي مَجْنونِ‏ ‬لَيْلى ما تْعذَّب قَدِّنا
‏٣). ‬على‎ ‬دلعونا‏: ‬
هناك بعض الآراء حول أصل اسم هذا اللون الشائع من الأغاني‏ ‬الشعبية نذكر منها‏:‬
‏١. ‬اللفظة مشتقة من الدلع بمعنى الغنج والدلال‏.‬
‏٢. ‬إيل عناة إلاهة الحب والحرب لدى الكنعانيين‏. ‬
‏٣. ‬وراء الاسم أسطورة‏. ‬يُحكى أن شاعرا اسمه ظريف الطول قد وقع في‏ ‬حبّ‏ ‬شاعرة تُدعى عناة وشاء القدر بأن تتزوج عناة بشاب‏ ‬غريب‏. ‬عندها جُنّ‏ ‬جنون ظريف الطول وشرع‏ ‬يصرخ‏ “‬دلوني‏ ‬عناة‏” ‬وبمرور الوقت تحرّفت الكلمتان‏. ‬وبنية الدلعونا شبيهة بالميجنا إذ أن لها مطلعاً‏ ‬هو‏ “‬على دلعونا وْعلى دلعونا‏” ‬وعجزا البيت الأول والأخير‏ ‬ينتهيان بالقافية‏ -‬نا والوزن هو بحر السريع أي‏ ‬عشرة مقاطع في‏ ‬كل شطر‏. ‬أما قافية الأشطر الثلاثة التالية من الثالث إلى الخامس فهي‏ ‬واحدة دون أي‏ ‬جناس‏. ‬وهذا اللون من الشعر العامي‏ ‬بموسيقاه‏ ‬يناسب رقصة الدبكة على عزف الناي‏ ‬أو المجوز‏.‬
على دَلْعونا وعلى دَلْعونا أرض القداسة أرض الحنونا
بإيدي‏ ‬الرِّيشة وِبّقَلْبي‏ ‬الورقة صورة عن‏ ‬غايِب بِسْرِقْها سِرْقة
ويا رَيْتِ‏ ‬بْيِمْرِق رَبّي‏ ‬شي‏ ‬مَرْقَة يْكَفِّيلي‏ ‬الصورة بْإيدو الحنونا
على دَلْعونا وعلى دَلْعونا خلّي‏ ‬رَقْصاتَك حِلْوِة وْمَوْزونا
خلّي‏ ‬رَقْصاتَك حِلْوِة وْمَوْزوني حتّى‏ ‬غَنّيلَك نَغْمِة حَنوني
واطْلُبْ‏ ‬شو بَدّك تِكْرَم‏ ‬يا عْيوني رُوحي‏ ‬كِرْمالَك والله مَرْهونا
‏٤) ‬الزغاريد‏:‬
الزغرودة‏ (‬الزغروطة أو الزلغوطة بالعامية‏) ‬عبارة عن بيتين من الشعر الشعبي‏ ‬يستهلّ‏ ‬صدراهما وعجزاهما باللفظة‏ “‬أوّيها‏”. ‬لا بحرَ‏ ‬معيّن هنا وقد‏ ‬يشتمل البيتُ‏ ‬على ستّةَ‏ ‬عشرَ‏ ‬أو ثمانيةَ‏ ‬عشرَ‏ ‬أو عشرين مقطعاً‏ ‬ولا حاجةَ‏ ‬لتوافق عدد المقاطع في‏ ‬الصدر والعجز‏. ‬ومن نافلة القول التنويهَ‏ ‬بأن هذا اللونَ‏ ‬من الغناء الشعبي‏ ‬المرح قديم وخاصّ‏ ‬بالنساء المتزوّجات‏. ‬تُُختتم الزلغوطة بتكرار المقطع‏ ‬لي‏. ‬ينصبّ‏ ‬موضوع الزغاريد في‏ ‬حفلات الزفاف على الاسهاب والمبالغة في‏ ‬تقريظ العروسين ظاهراً‏ ‬وباطناً‏.‬
أويها‏ ‬يا هالْعَروسْ‏ ‬شُو أكْلِت إمِّك‏ ‬تَ‏ ‬جابْتِك حِلْوِه أويها إكْلِت القَلْب والقانْصة وِالكِلْوِة
أويها وأيْش جَبْلِك عريسِك لَيْلِةِ‏ ‬الجَلْوِه‏ ‬ أويها جَبْلِك فِسْتان أبْيَض لْقامْتِك الحلوة
‏ ‬لي‏ ‬لي‏ ‬لي‏ ‬
‏٥) ‬أبو الزلُف‏:‬
يبدو أن كلمةَ‏ “‬الزلف‏” ‬العامية هي‏ “‬الذَّلَف‏” ‬الفصيحة والتي‏ ‬تعني‏ ‬قِصر الأنف‏ ‬وصغره وهذه الصفة تدلّ‏ ‬على الاناقة والجمال‏. ‬ركيزتا‏ “‬أبو الزلف‏” ‬مطلع ودور‏. ‬المطلع مكوّن من بيتين أولهما‏:‬
هَيْهات‏ ‬يا بو الزّلُف عَيْني‏ ‬يا مُوليّا
وثانيهما بنفس الوزن والقافية مثل‏:‬
مَحْلى ليلي‏ ‬السَّهَر مَع بَعْضِنا سْوِيّا
وفي‏ ‬كل بيت ثلاثة عشر مقطعا صوتيا‏.‬
أما الدورُ‏ ‬فيضمُّ‏ ‬أربعةَ‏ ‬أبيات ذات قافيتين الواحدة للصدور والأخرى للأعجاز إلا أن العجز الأخير‏ ‬ينتهي‏ ‬بالمقطع‏ ‬يّا‏. ‬
بُلْبُلْ‏ ‬هَواكِ‏ ‬صَدَحْ في‏ ‬جَوِّنا الصافي‏ ‬
عَنْ‏ ‬شوق عمري‏ ‬اكْتُبي صَفْحات مِلْياني
وْبين الّزُهور الْعَبي وِتْمَوّني‏ ‬غناني
وْعَ‏ ‬ضْلُوع صَدْري‏ ‬انْصُبي عِرْزال صَيْفِيّا
‏٦) ‬عَ‏ ‬الرُّوزنا
هناك آراء عدّة بخصوص أصل هذه الأغنية الشعبية نذكر منها‏: ‬
ا‏. “‬الروزنا‏” ‬اسم لباخرة تجارية إيطالية‏ ‬غرقت وهي‏ ‬في‏ ‬طريقها الى بيروت‏ ‬وعندها‏ ‬غنّى الناس‏:‬
عَ‏ ‬الروزنا عَ‏ ‬الروزنا كلّ‏ ‬البَلا فيها
شو عِمْلِت لِنا السّنة ألله‏ ‬يِجازيها
ب‏. ‬اسم فتاة حسناء لم‏ ‬يحظَ‏ ‬عاشقُها بالزواج منها فردّد هذين البيتين‏.‬
ج‏. ‬اسم كُوّة في‏ ‬الموصل حيث كانت فتاة تغازل حبيبَها ولما علمت الأمُ‏ ‬بهذا أوصدتِ‏ ‬الكوّةَ‏ ‬مرددةً‏ ‬البيت‏ ‬َ‏ ‬الأوّلَ‏ ‬أما البنتُ‏ ‬فردّت عليها قائلةً‏”:‬
شو عِمْلِتِ‏ ‬الروزنا حتّى تِسِدّيها
د‏. ‬اسم‏ ‬غانية لبنانية عاشت بالقرب من جبل صِنّين إلا أن حبيبَها الذي‏ ‬انخرط في‏ ‬جيش ابراهيم باشا عاد إلى ديارها بعد الخدمة العسكرية وصُعِق بخبر اقترانها فردّد مثل هذه الأبيات‏.‬
وهنا أيضا مطلع ودور‏. ‬في‏ ‬المطلع بيتان قافيتهما‏ -‬نا وقافيةُ‏ ‬العجزين‏ -‬ها‏ ‬غالباً‏ ‬أو‏ -‬نا في‏ ‬بعض الأحيان‏. ‬أما الدورُ‏ ‬فيحتوي‏ ‬على أربعةِ‏ ‬أبيات قافية صدورها واحدة وقافية أعجازها واحدة‏. ‬والجدير بالذكر أن قافيةَ‏ ‬البيت الأخير ترجع إلى قافية المطلع‏. ‬هناك ثلاثة عشر مقطعاً‏ ‬سبعة في‏ ‬الصدر وستة في‏ ‬العجز‏. ‬مثال على ذلك‏:‬
عَ‏ ‬الروزنا الروزنا‏ ‬ كِلّ‏ ‬الهنا فيها
شو عِمْلِتِ‏ ‬الروزنا حتّى نِجافيها
يا الرّايحين عَ‏ ‬حَلَب حِبّي‏ ‬معاكُنْ‏ ‬راحْ
يا موازين العِنََب‏ ‬ وْفَوْقِ‏ ‬العِنَب تِفّاح
كِل مِن حبيبُو عِنْدو وَنا حبيبي‏ ‬راح‏ ‬
يا رَبّي‏ ‬نَسمِة هَوا‏ ‬ تْرِدِّ‏ ‬المحبوب لِيّا
‏٧) ‬الحُِداء،‏ ‬الحدْو
معنى ذلك في‏ ‬اللغة سَوْقُ‏ ‬الابل والغناء لها على بحر الرجز‏ ‬غالبا‏. ‬أمّا اليوم ولا سيما في‏ ‬لبنان فهذا اللون من الشعرالعاميّ‏ ‬شائع في‏ ‬الرثاء وفيه مطلع وعدّة أدوار‏. ‬وعلى سبيل المثال‏:‬
عَ‏ ‬الحرب نحنا رايحين وكيد الاعادي‏ ‬قاصدين
وْزَعْقاتنا إلْها صَدى وِسْيوفنا‏ ‬إلها رنين‏ ‬
لبنان‏ ‬يا عالي‏ ‬المنار يا حصن من فيك استجار
مَجْد الحمى وعِزِّ‏ ‬الدِّيار وسيوف حربِ‏ ‬مجرّدين

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.