كتب الدكتور محمد عدنان بن مير: ثقافات وحضارات أي حوار

وطن- إن الغرب المتحضر يرفض وجود منافس له و يمكن استنباط معالم هذا الرفض غير المبرر من خلال الدعوة الى تجديد الفكر و الفقه الإسلامي حيث أعدت عدة من الأقلام لقيام بهذه المهام ونوادي إعلامية تنفث سمها في المجتمعات العربية و الإسلامية محاولة يلفها اليأس بنية الوصول إلى تشكيك كلي في  إلى ماهو إسلامي بحجة انه يولد التطرف .

إذ جعلت المناهج التعليمة هدفا لسهام التغيير بحجة احتواءها أفكار التصادم و الدعوة إلى التطرف و التمييز.

و عليه تسعى القوى الغربية إلى إحداث تغيير في منظومة القيم الأخلاقية و العقائدية للمجتمعات الإسلامية بما يتناسب ومبادئ السلم و العلمانية و الحداثة المزعومة و التعايش مع منظومة الكيان الصهيوني و السكوت عن ظلمه.

ثقافات وحضارات

وهي دعوة صريحة لمصادرة الوجود الإسلامي و إلغاء مساهمته في الحضارة الإنسانية بالكيل له تهم و دسائس الإرهاب و التطرف و عدم إنصاف المرأة.

هذا الإنكار مرده إن الدين الإسلامي ليس مجرد دين كا سابقيه من الاديان و الشرائع بل هو نموذج متكامل لحياة الناس لا يختص بمنطقة جغرافية دون غيرها أو جنس أو عرق دون سواه ذلك ان الإسلام دين عالمي  فكل من يعتنقه يتلمس التحضر و التقدم من ذاته ومن هذا المنطلق لا يرضى الغرب أن ينافسه نموذج أخر بافتعال الحروب و الأزمات تحت مطية محاربة الإرهاب تارة و احلال الديمقراطية تارة أخرى  كل هذه الأفعال إنما تكون عائق حقيقي أمام قيام الدولة الوطنية بسبب حتمية التدخل الأجنبي .

غير أن الغرب يعترف للحضارة العربية و الإسلامية بالتقدم و التحضر دون الإقرار و يدفع بطمس معالم هذه الحضارة و إطفاء نورها و تحويل وجهاتها إلى ما يخدم مصالح الغرب المادية و لكن هيهات مصداقا لقوله تعالى (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) سورة الصف الاية 8

الثقافة والمجتمع

موقف الفكر الغربي من الحضارة العربية و الإسلامية

و في ظل رفض الغرب لوجود منافس له ماهو موقف الفكر الغربي من الحضارة العربية و الإسلامية ؟

إن موقف الفكر الغربي من الحضارة العربية الإسلامية  سيء للغاية يمكن اختصاره في نظر الغرب بالإرهاب و التطرف أما الواقع الإسلامي فهو دولا متخلفة  جعلت مكبا للمنتجات الدول الغربية مما يكرس النظرة المادية دون توريد التكنولوجيا النافعة و مطية للانقلابات و عدم الاستقرار السياسي الذي يعوق قيام دولة وطنية سببه التدخلات الغربية و دعم جهة ضد أخرى أو طائفة معينة صد طائفة أخرى حد التقاتل بينهما و بالتالي تهيئة المسار التعمير البعدي .و تغييب المسلمين عن أماكن العمل و التأثير وليس لهم أي مساهمة في حقول المعرفة إلا إذا أناخوا لمصلحة الغرب

و يظهر إنكار الغرب للوجود الحضارة العربية و الإسلامية من خلال استقراء بسيط للفكر الغربي فحسب الباحث الألماني – فلفريد هوفمان – عدم وجود نموذج مشخص للدولة الإسلامية من الناحية الاقتصادية و السياسية .

ومبرر ذلك التدخلات الأجنبية  الغربية بالاستعمار تارة و دعم حركات تمرد داخل الدول الإسلامية تارةاخرى بحجة  التحول الديمقراطي بالإضافة إلى صراع القوى الكبرى في المنطقة و محاولة سيطرتها على منابع الطاقة و المياه و الغزو الثقافي كل هذه الأسباب إنما هي حتمية حقيقية تقف عائق إمام إيجاد نموذج مشخص للدولة الإسلامية سواء في الحياة السياسية أو الاقتصادية ذلك إن معظم الدول العربية و الإسلامية عند استقلالها وجدت نفسها مكبلة بالاتفاقيات دولية حالت دون قيام دولة وطنية  في إطار نموذج إسلامي.

وبخصوص نعت الفكر الغربي للحضارة العربية و الإسلامية بالإرهاب و التطرف فان هذا الخبر عار من الصحة بمكان ذلك أن الإسلام لا علاقة له بالإرهاب ذلك إن هذا  الأخير  يعد اعتداء على   الحق  في  الحياة إذ لا يجوز مس هذا الحق إلا بسلطان الشريعة   كيف و الحياة من الكليات الخمس التي تكفل حمايتها الشريعة الإسلامية  . مصداقا لقوله تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ) الآية 32 سورة المائدة

فمن غير المنطق أن توجد صلة بين الإرهاب و الإسلام ذلك إن الربط بين الإرهاب و الإسلام ضرب من الجنون و الأكثر إن الإسلام يحمي الإنسان في حياته و مماته بالترفق و التكريم في التعامل مع جثمانه

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :- (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ خَطَبَ يَوْمًا، فَذَكَرَ رَجُلًا مِن أَصْحَابِهِ قُبِضَ فَكُفِّنَ في كَفَنٍ غيرِ طَائِلٍ، وَقُبِرَ لَيْلًا، فَزَجَرَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ حتَّى يُصَلَّى عليه، إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إنْسَانٌ إلى ذلكَ، وَقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ.)

لراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم

قالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا تَسُبُّوا الأمواتَ، فَإنَّهُمْ قَدْ أفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّموا رواه البخاري.

باب النهي عن الإيذاء

أما فيما يخص حقوق الإنسان فان الإسلام سباق في الاهتمام  بهذا الموضوع لما  له من أهمية في تماسك المجتمع  و الدولة فشرع للأقليات حقوقا في مختلف شؤونها الدينية  مصداقا لقوله تعالى (  لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة:256

وفي شؤون حياتها الشخصية و المدنية تحكمها شريعة الإسلام أنهم احتكموا لها ( فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ۖ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا ۖ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الاية42 من سورة المائدة .

ومن جملة حقوق يعترف بها الإسلام و يحميها هي بين طيات دساتير جل دول العالم مبدأ شرعية الجريمة و العقوبة التي تدخل صمن المبدأ الدستوري متعارف عليه عالميا لاجريمة و لا عقوبة إلا بنص . و هو مايطابق قوله تعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولً) الآية 15سورة الإسراء .

و عليه جلي بالغرب إن يقر بوجود الحضارة العربية و الإسلامية باعتبارها شريك لا غنى عنه و ليست منافسا يجدر درءه   من اجل تعايش سلمي مبني على تقاسم الأدوار في بناء الحضارة الإنسانية و التداول الطبيعي و إتباع سبل الحوار الحضاري باعتباره سلوك الفكر الناضج الذي يبحث عن المشاركة في بناء حضارة إنسانية بعيدا عن الصراعات و التفرد بالرأي وتحقيق صلاح المعاش و المعاد للإنسان و حماية الكوكب من نتائج الحروب و الأسلحة ذات التدمير الشامل وإعطاء كل ذي حق حقه  بعيدا عن المغالاة و العناد و نفي العنصرية مهما كان لونها .

الدكتور  محمد عدنان  الاخضر بن مير

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث