الشيخ القرضاوي، و دم الشيخ البوطي (1) محمد عزت الشريف *** فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي أحد أهم الذين نشأتُ و تتلمذتُ وغيري على فكرهم ورؤاهم وفتاواهم من خلال الكلمة المكتوبة والمنطوقة و… إلى آخره من أشكال. ومنذ بداية زمن ما يسمونه بالربيع العربي وحتى الآن وأنا أغالب نفسي، ونفسي تغالبني في شأن الردّ على فضيلة الشيخ المعلم، ومراجعته فيما أطلقه، وحرره من تصريحات، ورؤى و فتاوى ذات صبغة (دينية ـ سياسية). خاصةً منها ما يتعلق بالشأن الأمني الداخلي السوري الذي لمّا يزل يلتهب شيئاً فشيئاً، ويوماً بعد يوم وساعةً تلو ساعة بدءاً من الهرج والمرج ، و مروراً بالتظاهرات العنيفة، و وصولاً إلى الحالة التي نسمع فيها الآن وكل يوم جلبةً لآلياتٍ عسكريةٍ ، و قرقعات سلاح !! يأتي كل ذلك التصعيد متساوقاً، ومتوازياً مع تصعيد الدكتور القرضاوي (نفسه) لتصريحاته وفتاواه وآرائه ؛ ذلك التصعيد الذي بدأ منذ إنطلاق ثورة يناير المصرية بالتحريض للثوار، والتهديد للرئيس المخلوع بعد زمن طويل من سياسة الشيخ المُهادنة ، و المسايرة للحكام والأمراء والسلاطين، سواء في مصر، أو في دويلات الخليج . كل ذلك من ردود أفعال وأقوال الشيخ على الأحداث؛ كنا نراها في إطارها الطبيعي، بل والمنطقيّ.. ولكن هذا المنطق سرعان مااضمحل وتلاشى تماماً مع بدء الحراك الشعبي والسياسي الذي أخذ تنامى، و تصاعدت وتيرته في سوريا؛ بعد نجاح الثوار في إسقاط رأس الحكم في مصر . بدأ الدكتور القرضاوي بتصريحاته المساندة للتظاهر السلمي في سوريا على نمط التظاهر السلمي الذي تطور إلى ثوة سلمية في مصر. لكن الرجل ما لبث أن إنقلب تماماً من منطق السلمية والعقل، إلى منطق القوة والعنف ، وأخذ يُصعّد في التصريحات التي تُحرّض على العنف حدّ أن دعى الدول والحكومات للتدخل في شئون الدولة السورية بالمال وبالسلاح !! كل هذا وأنا (شخصياً) أُمَنِّي نفسي، وأدعو ربي أن يعود فضيلة الشيخ إلى سابق الرشد، وبعض المنطق الذي علـَّمنا إيّاه، وغرسه في نفوسنا، وجعله أساساً، واعتمده منهجاً للحوار . ولم ينفد بعض صبر والشيخ يُحرّض ـ حتى ـ على القتل، ليس فقط للمسلحين والعسكر الجند، ولكن حتى للمثقفين والمفكرين وعلماء الدنيا و الدين؛ وكل أولئك الذين يراهم هو (حسب رؤيته الشخصية) أنهم يساندون ولو بالكلمة إجراءات وسياسات حكومة البلاد الشرعية؛ في تصدِّيها لأعمال العنف و التفجير والقتل، و صنوف الإجرام، والتدمير!!. ولكن لم يبقَ في سهم الصبر منزع؛ والمُحرَّضون المُغرّر بهم ينزلون إلى الشوارع والبيوت والمصانع وحتى المساجد؛ يفجّرون، ويذبحون، ويهدمون، ويدمرون البلاد ومَن شملتهم الفتوى من صنوف العباد؛ العباد الذين لا يؤمنون بمنهج دعاة العنف في سوريا.. ومن بين أهم المحرّضين على ذلك العنف المسعور- وياللآسف – (فضيلة الشيخ القرضاوي نفسه) . لقد أُغتيل العلامة الشيخ البوطيّ في عملية من أحقر ما رأينا من عمليات! قتلوا الشيخ البوطيّ، قاتلهم الله وفضحهم بفعلتهم ، وأرانا صورهم وحقيقتهم (مجرمون بنو مجرمين) قتلوا الشيخ الربانيّ بين المنبر والمحراب لأنه بين المنبر والمحراب ! قتلوه قابضاً بين يديه كتاب الله الذ ي لم تنفك عنه قبضته حتى عند إنسلال روحه ؛ قتلوه لأن بين يديه كتاب الله! عرفوا كيف يصلوا لجسد الشيخ البوطي، لأنهم عجزوا عن كيف يصلوا لفكر الشيخ البوطيّ . قدروا أن يقنعوا السفهاء أنّ دم الشيخ المختلف معهم في الرأيِّ دمٌ حلال. ولكن ؛هل تـُراهم اليوم قادرين حتى على إقناع أنفسهم أن دم المسلم على المسلم حلال؟! قدروا على تحديد متى يجب أن يموت صوت حبر الأمة، فهلاّ يقدرون الآن على تحديد متى يقوم بديلا عن البوطي صوتُ في الأمة. يا شيخ العلماء القرضاوي .. لا أسألك عن أسماء مَن أراقوا دم العلامة الشهيد الشيخ البوطيّ ولكن أحاججتك هنا في فتوى إستحلال دم الشيخ؛ ولا حرج .. فالشيخ البوطيّ كان كما كنت أنت لي أحدَ أهم مَن تعلمتُ عليهم العلم والمنطق ومدافعة الرأي بالرأي، ومقارعة الحُجّة بالحُجة . فهل خرجت يا فضيلة الشيخ القرضاوي عن السياق ؟! وثرت على منهجك، و منطقك .. و تنكَّرت لرؤاك، و تخليت عن ومبادئك؟! سنرى … ***