هل نجهز الأكفان ونحفر القبور للأسرى المرضى والمضربين؟!

 

هل ننتظر إلا موت الأسرى المرضى والمضربين عن الطعام تباعا؟ أم هل يكون ميسرة أبو حمدية آخر من يدخل مكبلا إلى الباستيلات الصهيونية، ليلفظ أنفاسه مكبلا أيضا،ليعود إلينا في التابوت؟ هل جهزنا الأكفان؟وهل حفرنا القبور؟هل حضّرنا كلمات النعي وبيانات الشجب والاستنكار،ومقالات التمجيد والبكائيات المطولة؟والتي قد يكون مقالي هذا من جنسها؟وهل جهزنا البوسترات الخاصة بالشهيد القادم من قلاع القتل البطيء(أو السريع) بعد ميسرة أبو حمدية وقبله عرفات جرادات؟

أم أن الأكفان تجهز بسرعة،والجرافات تستطيع حفر القبور بسرعة أيضا،والمطابع في عصرنا تستطيع تجهيز البوسترات الملونة في دقائق معدودة،ولا داعي لنحضرها الآن حرصا على وضع التاريخ الدقيق عليها؟

(وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) بهذا النص القرآني الحامل صيغة الأمر بدأ الشيخ الأسير جمال عبد السلام أبو الهيجا(أبو العبد) رسالته قبل حوالي يوم أو يومين من رحيل زميله في الأسر ميسرة أبو حمدية(أبو طارق)…هذا رجل مبتور اليد اليسرى برصاص الاحتلال في معركة (رحلة بالألوان) في مخيم جنين، وفي خمسينيات العمر، ويعاني أمراضا مختلفة، رأى في الأمر الرباني ما يعنيه، مع أنه من أهل الأعذار، لكن همته، كما يعلم الجميع، كهمة ذاك الذي أراد أن يدخل الجنة بعرجته، خاطب في رسالته أهل النخوة والعزيمة، وشعب البطولات والتضحيات وكل قادة شعبنا الشرفاء وقادة المقاومة الأوفياء…وصلت رسالتك يا أبا العبد، وقد بلغت وأقمت الحجة، فبأي عذر نلقى الله؟ وعلمنا منك حالة ميسرة، مؤكدا بها ما قاله محاميه وغيره، وأنت تصفها: ما عاد يقوى حتى على الأنين، يكتوي بنار الألم ويرتـقب لحظة الأجل، لسانه يلهج بذكر الله ويتلو بعيون دامعة إني مغلوب فانتصر…وأعلنت فيه إضرابك عن الطعام رافعا مظلمته هو غيره من الأسرى أمثال:خضر تركمان(شقيق شهيدين) و معتصم رداد وعامر بحر ومحمد التاج ومنصور موقدي وغيرهم من الأحرار الذين يحملون رتبة الشهداء مع وقف التنفيذ، بينما يجتمع ألم المرض وقهر العزل الانفرادي على المجاهد الأسير ضرار أبو سيسي والمجاهد عوض الصعيدي وما من مغيث(هكذا كتب الشيخ)…أحسنت بل صدقت فما من مغيث إلا الله.

وبعد هذه الرسالة وبدء الإضراب، عزل الشيخ جمال ومن معه من المضربين في باستيل إيشل في بئر السبع ،وجاءهم الخبر المتوقع؛ أي استشهاد أخيهم ميسرة، نعم رحل ميسرة،وهو مقيد إلى سريره في (سوروكا) …ويواصل الأسير الشيخ جمال مع عشرين من إخوته الأسرى إضرابهم لليوم الرابع على التوالي، وقد تم اتخاذ قرار من مصلحة السجون الصهيونية بـقمعهم وتـفريقهم بين السجون، وقد زادهم رحيل ميسرة تصميما على مواصلة الإضراب حتى إخراج الأسرى المرضى وإطلاق سراح سامر العيساوي، سامر المضرب عن الطعام منذ شهور طويلة والذي ينتظر الفرج أو توقف قلبه عن العمل، ليخرج في تابوت كما خرج ميسرة…أما أم العبد زوج الشيخ جمال فهي في مشفى رام الله لإجراء عملية قسطرة، وهي تعاني مرضا قبل ذلك…فأي خبر تنتظره عن زوجها أو العكس؟ إن الحديث عن حالة الرجل الذي يقود حاليا هذه المعركة تنسحب على كل زملائه وعائلاتهم…فهل تغير القانون الفيزيائي المعروف:لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومعاكس له في الاتجاه؟أم أنني لا أحسن تـقدير حجم الفعل الحقيقي،لهذا أرى رد الفعل باهتا مكررا مملا!

أنا شخصيا لن أكرر خطاب ونداء من هو أسمى مني قدرا،وأعلى مني ومن ملايين مثلي همة،وهو أوجب بالاستجابة والنصرة ممن حوله الدواة وقوته القلم مثلي،ولا فخر.

بين لحظة وأخرى،أو بين يوم وآخر أو بين أسبوع إلى شهر قد يأتينا الخبر العاجل لنعيد تكرار الندب واللطم،الممزوجين بتهديدات جوفاء…ولكن أرى أن تجهيز الأكفان وحفر القبور قد يعطي (آكشن) لمعزوفتنا المحفوظة…وللتذكير لا الإعلام فإنه قد أعلن عن وجود 25 أسيرا مصابون بالسرطان، فإن كان المنون آتيهم، أفلا يكون آخر عهدهم في الدنيا لقاء أهلهم، أم عليهم أن يقضوا مقيدين، كي يلقي عليهم ذووهم نظرة أخيرة وهم في النعوش؟

ولا بد لي أن أنكأ جرحا، وهو إخلال الاحتلال ببنود صفقة شاليط، فيما يخص ما بقي من أسرى؛وكنا نعلم أنه يستحيل تبييض السجون، وتحقيق أكثر مما تم من إفراجات بأسير واحد، ولكن كان هناك تعهد بحل مسألة المرضى والمعزولين…فإلى الإخوة في مصر بصفتهم من رعى الصفقة:ما قولكم في عدم الالتزام الصهيوني ببنود الصفقة،بل بإعادة اعتقال الأسرى،لا ليحاكموا بتهم جديدة بل ليعودوا للأحكام القديمة؟نريد منكم موقفا،ومصر الجديدة قادرة بعون الله على اتخاذ الموقف.

أما فصائل المقاومة،فعليها عبء كبير، بل هي أمام امتحان مصيري تاريخي، وجمهورنا الفلسطيني كره أسلوب (فلّت بفلّت) والمقارنة المتبادلة بين مقاومة غزة بأختها في الضفة، ورحم الله أياما كانت رفح تعلن الإضراب على شهداء جنين في الانتفاضة الأولى، وكانت جنين تنتقم لاغتيال قيادي في غزة في الانتفاضة الثانية…على كل العدو خرق ويخرق بنود التهدئة، فما أنتم فاعلون؟لا أقول أن عليكم الانسياق والدخول في مواجهة (قد) يكون في تقديركم أن العدو يسعى لها، ولكن الاستمرار بلعب دور كيس الملاكمة، والمسارعة إلى الشكوى والشجب والتهديد اللفظي، هي أمور لا تـفيد واقعنا المرّ، ولا ترقى ردا على ما يحدث للأسرى المرضى والمضربين…وأقول بقراءة صريحة:إن شعبنا الفلسطيني –لا سيما الشباب-قد يمسك بزمام الأمور متجاوزا كل قادته وفصائله ما لم تتحرك هذه الفصائل وترتقي إلى مستوى الحدث.والتاريخ خير شاهد…

رحمك الله يا ميسرة…فالموعد الله…وأسأل الله ألا يأتينا خبر شبيه بخبرك في الأيام والأسابيع القادمة!

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

الأربعاء 22 جمادى الأولى-1434هـ،3/4/2013م

من قلم:سري سمور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث