وطن – نشر الصحفي المصري إسماعيل الإسكندراني قصة قال إنها “مضحكة مبكية” لاعتقاله من قبل سلطات نظام السيسي بتهمة لا تصدق ولا تخطر على البال. بل عند مواجهته بالتهمة لم يتماسك القاضي وأعضاء المحكمة أنفسهم من الضحك بسبب مجموعة على منصات التواصل تسمى “طريقة عمل المحشي”.
وعلى الرغم من عشق الصحفي (كما فريق وطن وغالبية القراء الذين يتابعون التقرير) لأكلة لمحشي، إلا أنه لا يمكن لأحدهم أن يصدق أن يحصل ويعتقل أحد حول العالم لأجل مجموعة أو تنظيم يحمل اسماً يرتبط بتلك الوجبة اللذيذة.
وقد يظن القارئ أن هذا التنظيم يرتبط بحشو المتفجرات لكن هذا أيضاً بعيد كل البعد على الأقل عن قصة إسماعيل الإسكندراني، الذي ذكر في مقاله لموقع “المنصة” أن المجموعة المذكورة لا صلة لها بالسلاح أو الأعمال العسكرية.
النيابة العامة المصرية بين العجائب والطرائف والنوادر
ويقول الصحفي المصري في مقاله: “ما جرى معي فيما يسمى، مجازًا، “تحقيقات” امتدت 20 ساعة على ثلاث جلسات بين 2015 و2018، يستحق كتابًا يجمع العجائب والطرائف والنوادر”.
ويضيف: “في مقدمة المضحكات المبكيات ما حدث حين رفع رئيس نيابة أمن الدولة العليا رأسه من قراءة سطر في محضر التحريات، ثم سألني عن كتابتي عن البنك التجاري الدولي (CIB)”.
ويقول الإسكندراني بأنه لاحظ أن عيني رئيس النيابة تضحكان لكنه كان يتماسك حفاظاً على الوقار المطلوب كعضو هيئة قضائية، وظل يوجه تهماً غريبة ويؤجل النقاش أو التحقيق عن “المحشي” حتى آخر جلسة.
وذكر الصحفي المصري عن الجلسة الثالثة من التحقيق معه أمام رئيس النيابة: “كان لزامًا عليه أن يسأل عن شيءٍ ما مكتوب في محضر التحريات، فجعله السؤال الأخير، الذي تلقيته منه مُقطَّعًا ومُجزَّأً، وكأنه متردد في قوله بنفس واحد”.
الحوار الذي فجر المحكمة ضحكاً
وأوضح أن الحوار جاء على الشكل التالي بين رئيس النيابة والصحفي المعتقل حسبما نقله ضمن موقع المنصة:
– ما هو قولك فيما هو منسوب إليك..
– أيوه؟
– من حيث الانضمام..
– آه؟! (وفي سري: انضمام آخر؟ ألم ننتهِ من مناقشة الانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام الدستور والقانون تتخذ من الإرهاب وسيلة لتحقيق أغراضها..إلخ؟!)
– لجماعة سرية..
– ممم؟ (ولنفسي: جديدة هذه “السرية”!)
– مكونة من 9 أفراد..
– ..!! (في سري: بس؟!)
– على موقع التواصل الاجتماعي..
– …!!
– فيسبوك..
– أيوه؟!
– اسمها..
وهنا أتت لحظة الحقيقة، فرفع كتفه مادًّا ذراعه وكفه إلى السماء، معلنًا تسليمه للضرورة، ومفاجئًا لي بابتسامة يائسة:
– اسمها “طريقة عمل المحشي”!
وعند ذكر تلك العبارة ذكر الصحفي المصري إسماعيل الإسكندراني: “والله لا أعرف متى توقفت عن الضحك الهستيري الذي أدمع عيوني من شدته. فقهقهتُ، وقهقهت المحامية، وضحك محقق النيابة نفسه، وضحك زميله في المكتب المجاور، وكان الوحيد الذي لم يضحك هو سكرتير الجلسة الذي بدا ممتعضًا من طولها غير المعتاد، وكان يريد الانصراف”.
سخرية وتهكم
وتابع الصحفي المصري: “تجلّى أمامي عبث الحقيقة وحقيقة العبث، فلم أسأل أسئلة استنكارية للدهشة كما فعلت في نيابة أمن الدولة، بل اتجهت فورًا إلى السخرية والتهكم، فكان أول ما نطقت به بعد خفوت نوبة الضحك الهيستيري أني أحب المحشي لكن ليس لدرجة أن أنضم إلى تنظيم اسمه “طريقة عمل المحشي”، كما يقول محضر التحريات!”.
وتابع إسماعيل الإسكندراني: حين لاحت أمامي مواد قانون العقوبات التي اتُّهمتُ بجرائم تدخل تحتها، تذكرت أني واقف فيما بين السجن المؤبد أو الاكتفاء بالحبس الاحتياطي الذي امتد 26 شهرًا، حاولت أن أفهم بجدية موضوع “المحشي” هذا. وهنا، انكشف السر القديم وتجلَّى.
وأكمل ساخرا: فلم يكن اسم “طريقة عمل المحشي” تمويهًا لعمل المتفجرات، مثلًا، بل كانت مجموعة سرية/secret group على فيسبوك، تُرجمت إلى “جماعة سرية”. وضمَّت بالفعل تسعة أفراد، لم أعرف منهم أحدًا ولم أكن على اتصال بأيٍّ منهم. وكانوا يتحدثون، من موقع المعارضة، في شؤون السياسة والاقتصاد، ومنها أسهم البنك التجاري الدولي في البورصة!
الآن فككت شفرة “السي آي بي”، و”الإتش إس محشي”، ورأيت حقيقة عالم سمسم الذي نعيش فيه.
وقال الصحفي المصري إنه في غضون أسابيع بعدها، وفي شهر الصيام والصبر، حكمت عليَّ محكمة الجنايات العسكرية بشمال القاهرة بالسجن 10 سنوات مدانًا بالانضمام لجماعة إرهابية (جماعة الإخوان المسلمين)، وجماعة “طريقة عمل المحشي”! وبعد أربعة شهور تم التصديق على الحكم، كما هو، من مكتب التصديقات العسكرية.
ولفت إلى أنه منذ أيام معدودات، قبيل مرور سنة على خروجي بعد تخفيف الحكم بقرار المحكمة العسكرية العليا إلى سبع سنوات، حين استخرج مكتب خالد علي المحامي شهادة من النيابة العسكرية تفيد بموقفي من القضية لأتمكن من السفر، اكتشفت المفاجأة الأكبر.
المفاجأة التي أظن أن أجيالًا ستأتي في أزمان لاحقة فيتعجبون لها، وربما لا يصدقونها، أني خرجت من السجن بعد انقضاء سبع سنوات وأنا لا أعلم، ولا أيٌّ من المحامين يعلم، أنَّ المحكمة العسكرية العليا لم تخفف حكم السجن من عشر إلى سبع سنوات، بل إنَّها، في الحقيقة، برَّأتني من الاتهام الأول والرئيسي (الانضمام لجماعة إرهابية)، ثم عاقبتني بما مجموعه سبع سنوات، في اتهامين وليس في اتهام واحد.
ويختم الإسكندراني تقريره بالقول: “ربما يكون عزائي في ملحمة العبث تلك أنَّ أعلى سلطة قضائية عسكرية في عهد السيسي قد أقرت ببراءتي من تهمة الانضمام لأي جماعة، سواء كانت حادقة أم حلويات”.
وأضاف:”والأهم أنها كتبت، للتاريخ، حكمًا بالعقوبة المضاعفة في إدانتين مجموعهما سبع سنوات، بتهمتي “الإذاعة” و”النشر”. ودعنا من نكتة أنَّ عمليات القوات المسلحة في سيناء هي شائعة كاذبة تستحق العقوبة؛ لأن قلوبنا الصغيرة لا تحتمل أكثر مما مضى من عبثية.”