جلاء “ام صيحون”.. حكاية توطين ”البدول“ القادمين من كهوف البترا

وطن – أعادت مواجهات محدودة ،الخميس ، داخل المحمية الأثرية ، وصفها بيان رسمي “بأعمال شغب محدودة” إثر تنفيذ حملة أمنية بالتنسيق مع سلطة إقليم البترا ، لإزالة مخالفات تم التعامل معها وإعادة فتح الطريق ، مناقشة أكثر الملفات جدلية وحساسية في الإقليم السياحي، رغم اكتفاء وسائل الإعلام بمضمون البيان الرسمي “حرفيا ” دون البحث في التفاصيل.

تخوفات من التهجير

الحادثة أعادت تخوفات حسم ملف ام صيحون البوابة الشمالية للمحمية الأثرية ،وهي أكثر الملفات جدلا في إقليم البترا التنموي السياحي، حيث يبدى معها السكان المحليين بين الحين والآخر تخوفات ” التهجير”.

الرواية الرسمية الرائجة تزعم تنظيم العلاقة مع الموقع الأثري ، وصولا لخفض الكثافة السكانية على أراضي اسكان يخضع لإجراءات تنظيمية جائرة ، إلى جانب تهميش وإقصاء التنمية المستدامة المفترضة.

الإقليم يتجنب في روايته الرسمية الحديث عن أحقية السكان المحليين في التوسع من عدمها ، يكتفي التلميح لاشتراطات ومعايير رسمية يتعذر معها منح الموافقات باعتبارها ووصفها منطقة محصورة ومقيدة، جراء التزامات أقرت مع شركاء لم تشر إليها صراحة ، يصر معها المجتمع البدوي تنفيذ وعد “الكيلو مد” ، او ما يعرف بالتوسع الشمالي خارج النطاق العازل للمحمية، تنفيذا لعقد اجتماعي وإن كان “شفاهياً” ، أقرتها التزامات قُبيل الرحيل عام 1985 وإخلائهم المحمية.

توافق في حينه حفظ أحقية السكان المحليين إدارة الموارد السياحية داخل الموقع الأثري ، مع أحقية التوسع عمرانيا مع توفير كافة الخدمات المجانية داخل ام صيحون مع منح أراضي لاحقاً للأجيال القادمة ، مقابل مغادرة موطنهم الأصلي في كهوف البترا.

استدراج الإقليم السياحي مؤخرا عروض استملاك حوض ” الرفيد ” بغية إقامة مجمع سكني ، وفق اشتراطات لمن اتم الثامنة عشر وغير مستفيد من التملكات داخل إسكان ام صيحون سعيا لخفض الكثافة السكانية ، قوبل برفض الغالبية ، لبعده عن المحمية الأثرية ومصادر دخلهم الوحيدة ، قبل طرح خيار منطقتي ” غيثا و قماش ” ، يرجح معها تعذر خيار استملاك ” غيثا ” بوصفها منطقة خاصة للاستثمار السياحي ، وان كلفة استملاك ” ذراع قماش ” سيتعذر معها إقامة المجمع السكني والاكتفاء بتمليك الأراضي.

يتيقن غالبية الأهالي ان كافة خيارات الإقليم السياحي خارج التوسع داخل الإسكان الحالي لتعذر تنفيذ “كيلو مد” لعدة اعتبارات ابرزها انحدار الجهة الشمالية من الإسكان وملاصقتهاالمحمية ، او ما يعرف منطقة النطاق العازل للمحمية التي تخضع لاشتراطات يتعذر معها المد العمراني ، إلى جانب محاذاتها لملكيات خاصة”.

جلاء مقيد “مصطلح راج في المجتمع ” البدولي ” قبل نحو عامين ، للراغبين من ابناء البدول تخصيص مبانيهم المقامة حاليا في ام صيحون للاستثمار السياحي ، يلتزم إقليم البترا التنموي السياحي استملاك او استبدال أراضي بأخرى ، دون استخدامها من قبل الإقليم لأية صفة ، تصفها الرواية الرسمية مساع لتنظيم العلاقة مع الموقع الأثري.

 

وبعيداً عن المسميات الرائجة ” جلاء مقيد ، التهجير، الترحيل ، تخفيض الكثافة السكانية ” ، يتيقن أبناء قبيلة البدول أن التوجهات الرسمية تتبع سياسة تضييق الخناق بعدم الاستفادة من عوائد السياحة ، وأن مسألة توزيع مكتسبات عوائد التنمية قياسا بباقي التجمعات السكانية الستة في اللواء السياحي تشكل عوامل طاردة لهم من اسكان استحدث منتصف ثمانينات القرن الماضي ، في اعقاب تسوية حكومية أقرت بالتوافق إخراج البدول من داخل المحمية الأثرية.

بداية القصة

وتعود القصة لمنتصف ستينيات القرن الماضي بالتزامن مع تحول المنطقة محمية أثرية، حسم قرار حكومي مصير تواجد البدول داخل الموقع ، بوصفهم عائقا أمام حماية وترميم المواقع الأثرية، وبوصف استعمالهم الكهوف بمثابة الصورة المغايرة والمرجوة للمنتج السياحي في المدينة، رغم تواجدهم التاريخي كسكان أصليين في الموقع الأثري بحسب الدراسات الحديثة.

وعملت الحكومة على بناء إسكان بني خصيصاً للبدول قبل أن يدخل قرار الرحيل من داخل المحمية مطلع 1985 ، في منطقة أم صيحون البوابة الشمالية المؤدية لمدينة البترا السياحية ، كان الإسكان وموقعه وتفاصيله التنظيمية وما اعقبه من سلسلة أحداث جدلية رغم مضي ازيد من ثلاثة عقود ، قبل ان يرغم العديد منهم العودة مجدداً إلى الكهوف داخل المحمية الأثرية جراء أزمة السكن القائمة حاليا.

ولم ترافق خطة الرحيل في حينها تعويضهم عن مصادر الدخل المفقودة والتي أقرت بالاتفاق ، عشرينيات القرن الماضي ، إضافة إلى ان مساحة الإسكان لا تسمح بالتوسع رغم الزيادة السكانية التي تنامت طيلة الـ 37 عاما ، تبعها قرارات تنظيمية يراها الأهالي جائرة وطاردة وتقود للتهميش والإقصاء.

تجاهل العمل على تعزيز التنمية المستدامة والخدمات المفترضة وتوسعة محيط الإسكان ، أعاد ملف البدول مجدداً للواجهة بعد ان طفح الكيل بسياسة الوعود الرسمية ، قرر معها السكان المحليين منتصف العام 1996 العودة مجدداً من حيث اتوا للسكن ضمن كهوف المحمية الأثرية ، لتستيقظ ام صيحون في ليلة وضحاها خالية من سكانها.

قادت وساطات رسمية عودتهم لمساكنهم المقامة خارج حدود المحمية الأثرية ، انتظر معها البدول ثمان سنوات أخرى ترقباً تنفيذ وعود حكومية ، أدت لاحقاً اشتباكات مع قوات الأمن مقتل ثلاثة من أبناء المنطقة وتجدد الوعود الحكومية مرة ثانية.

تواصلت الضغوط على البدول وصلتهم الحيوية في السياحة وعزلهم عن المحمية الأثرية بدءا من إقامة سياج على حدود المحمية بوصفه إساءة لهم ، إلى جانب حرمانهم الاستفادة من المنتج السياحي وتطوير المنطقة بهدف استقطاب السياح وزيادة تواجدهم ضمن برامج سياحية ترفيهية.

ومع تزايد وتضخم التعداد السكاني في منطقة يقطنها نحو 650 أسرة يشكلون 4 الآف مواطن ، ومنع التمدد العمراني في إسكان مقام على مساحة 2 كلم2 ، ارغم العديد منهم العودة مجدداً لمساكن الاجداد ضمن كهوف المحمية الأثرية ، يدركون انهم يرتكبون مخالفة ، لكن المخالفات التي تحررها المحمية لا تقلق من لا يجد حل لازمة المسكن.

مقترح جديد قوبل بالرفض

في السنوات الماضية روجت رواية منسوبة للإقليم ” طرح حل من خلال إنشاء وحدات سكنية جديدة في منطقة جديدة في اللواء ” غير انها قوبلت بالرفض ، يقول السكان ان المنطقة المقترحة بعيدة عن مصدر دخلهم من القطاع السياحي ، إضافة لرغبتهم البقاء في المنطقة مجددين مطالبهم منحهم التمدد والتوسع في محيط المنطقة وخارج إطار المحمية الأثرية.

غير ان مراقبين يرجحون فرضية تشغيل المدينة السكنية المرتقبة والمقامة خارج المنطقة وقبول بعض الأسر الرحيل إليها خاصة من العاملين في القطاع الحكومي والذي يعانون في الأصل من أزمة السكن في ام صيحون، غير انها لكن تكون بمثابة بداية تفريغ المنطقة من سكانها.

يبقى الثابت تشكيك الأهالي في الدراسات والإحصائيات الرسمية التي تتناول الشأن ” البدولي ” بوصفها غير دقيقة وبمثابة استدرار أموال المانحين والمنظمات الغربية خاصة المتعلقة في عمالة الأطفال والتسرب المدرسي ، وتزايد الأمية وتدني المستوى التعليمي.

وتغيب الدراسات الرسمية والتي لو قدرت الجدية لها ستوثق تردي البيئة الصفية الدراسية ، وضعف الخدمات وتراجعها والتنمية المستدامة في كافة القطاعات خاصة التي تعنى في تنمية المجتمع وتوثيق روابطه في المنطقة، فرضت من ام صيحون الأقل حظاً والأعلى كثافة سكانية في المملكة.

وسط تزاحم الأرقام يتجنب الإقليم السياحي التنموي الكشف عن مخصصات توزيع عوائد التنمية التي تخصص سنوياً لتجمع قبيلة البدول ، الثابت فيها نصيب المنطقة بأكملها 5 الآف دينار ضمن موازنة اللامركزية العام قبل الماضي والمقدرة بنحو 3.75 مليون دينار.

قد يعجبك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تابعنا

الأحدث