الرئيسية » تقارير » “ارتدوا البدلات بدل الجلابيب”.. صحيفة تكشف بالأسماء: أبناء مسؤولين سعوديين عُيِّنوا بشركة أميركية كـ “رشوة لآبائهم”

“ارتدوا البدلات بدل الجلابيب”.. صحيفة تكشف بالأسماء: أبناء مسؤولين سعوديين عُيِّنوا بشركة أميركية كـ “رشوة لآبائهم”

تلقت شركة ماكنزي ملايين الدولارات في السنوات الأخيرة لتقديم المشورة لحكومة السعودية بشأن تحوُّلٍ اقتصادي طموح. وخلال الفترة ذاتها، وظَّفَت الشركة العالمية الرائدة في مجال استشارات الأعمال على الأقل 8 من أقارب مسؤولين سعوديين رفيعي المستوى.

 

وفق صحيفة The Wall street Journal الأميركية فقد عيَّنَت شركة الاستشارات – ضمن آخرين – على الأقل ابنَيّ الرجل الذي عمل وزيراً للطاقة ورئيساً لشركة النفط الحكومية، وكذلك ابناً لوزير المالية، وابن الرئيس التنفيذي لشركة التعدين العربية السعودية الحكومية “معادن”.

 

ولدى ماكنزي علاقاتٌ ممتدة على مدار عقودٍ في السعودية، ذلك البلد الذي تُحدِّد فيه الروابط العائلية، في أغلب الأحوال، التسلسلات الوظيفية داخل الحكومة والشركات. وقالت الشركة إنها تُعيِّن الأشخاص بناءً على جدارتهم، وأضافت أن مكاتبها في الشرق الأوسط رفضت في السنوات الخمس الأخيرة أكثر من 100 مُرشَّح ممن لديهم أقارب ذوو نفوذٍ مُؤثِّرٍ للغاية.

 

وقالت الشركة وفق The Wall street Journal: “تُمثَّل ماكنزي نظاماً يَعتمد تقدمه على الجدارة. نُوَظِّف الأشخاصَ الاستثنائيين، وواثقون في صحة السياسات والممارسات التي تدعم عملية التوظيف لدينا وتُطوِّرنا على الصعيدَين العالمي والمحلي”. ولم تتوصَّل صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية لأي مزاعم لمسؤولين أميركيين أو سعوديين بوقوع مخالفات من قِبَلِ ماكنزي في عملية التعيين لديها بالسعودية.

 

رشوة لكن باسم آخر

تقول The Wall street Journal إن تعيين أقارب المسؤولين في دولٍ أخرى كان محلَ فحصٍ دقيق من السلطات الأميركية في الماضي. ودفع بنك جي بي مورغان تشيس العام الماضي 264 مليون دولار في تسوياتٍ جنائية ومدنية على خلفية دعاوى فيدرالية بموجب قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة، لتعيينه أقارب غير مؤهلين لمسؤولين صينيين بهدف الحصول على وظائف. وكان مسؤولٌ بوزارة العدل الأميركية قد أطلق على برنامج التوظيف أنه “ليس أكثر من رشوةٍ لكن باسمٍ آخر”.

 

وأشار المُتحدِّث باسم جي بي مورغان تشيس إلى بيانٍ صدر عام 2016 يُفيد بأن البنك يتعاون مع التحقيقات الفيدرالية واتخذ إجراءاتٍ ضد موظفين.

 

وأرست وزارة العدل الأميركية منذ سنوات مبدأً ينص على أن تعيين أقارب المسؤولين للحصول على أعمالٍ بدلاً من تعيين متقدم للوظيفة لقدرته أو لقدرتها على الوفاء باحتياجات المنصب يُمكن أن يُعرَّف بأنه رشوة بموجب قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة.

 

وقالت ماكنزي إن أبناء وبنات المسؤولين الذين جرى توظيفهم “يتمتعون بوضوحٍ بالمؤهلات، وعُيِّنوا فقط على أساس مؤهلاتهم الأكاديمية وقدراتهم وأدائهم من خلال عملية تقييم صارمة متعددة المراحل”، مضيفةً أن متوسط معدلهم التراكمي هو “ممتاز”، وحظى العديد منهم بعروض توظيف من شركات عالمية رائدة أخرى.

 

أبناء وزراء ومسؤولين آخرين

وكان الدور الأبرز لشركة ماكنزي في السعودية وفق The Wall street Journal هو تقديم المشورة للسعوديين بشأن الخطط واسعة النطاق لفطام اقتصاد المملكة المعتمد على النفط. ومنذ عام 2015 كان كبار المديرين التنفيذيين في ماكنزي يضعون مع الوزراء وفريق عمل ولي العهد محمد بن سلمان الاستراتيجيات بشأن بعض الأمور بما في ذلك خطط بيع أسهم شركة أرامكو للنفط السعودية المملوكة للدولة، وهي في الأغلب أكبر عملية اكتتاب عام في العالم، وتهدف إلى تمويل تنويع الاقتصاد.

 

وخلال ذلك الوقت وَظَّفَت ماكنزي على الأقل اثنين من أبناء خالد الفالح، وزير الطاقة ورئيس مجلس إدارة أرامكو.

 

ولا يزال عبد العزيز نجل الفالح يعمل في الشركة، وعندما عُيَّن عام 2015 قال والده لرفقائه إنه لا علاقة له بحصول ابنه على الوظيفة، وفقاً لأشخاص مُقرَّبين منه. وقال هؤلاء الأشخاص إن الفالح أخبر رفقاءه أن نجله كان عليه أن يستمر في العمل لدى أرامكو، التي دفعت رسوم دراساته العليا في جامعة ستانفورد، متوقعاً أن يعود للعمل لدى الشركة.

 

وأحال عبد العزيز الفالح أسئلة بشأن الأمر إلى شركة ماكنزي. ولم يُجِب والده على أسئلةٍ مُتعلِّقةٍ بالأمر.

 

وعَيَّنَت ماكنزي أيضاً اثنين من أبناء محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي استقال عام 2016 وأصبح مستشاراً للديوان الملكي ومديراً لشركة مواد كيميائية حكومية عملاقة، كما وظَّفَت الشركة كذلك ابنة وزير ثقافة سابق، بالإضافة إلى أمير كان والده مستشاراً عسكرياً والآن يعمل سفيراً للسعودية لدى الأردن. وكان اثنان من المُعيَّنين يعملون مساعدين أثناء عطلتهم الصيفية من الجامعة. ولم يوافق أيٌ من المسؤولين أو أبنائهم على التعليق على هذا التقرير.

 

هؤلاء ما زالوا يعملون

ووفق The Wall street Journal ولا يزال 4 على الأقل من أولئك المُعيَّنين يعملون لدى ماكنزي، وهم فيصل نجل وزير المالية محمد الجدعان، ومحمد نجل خالد بن صالح المديفر الرئيس التنفيذي لشركة التعدين “معادن”، وأثاري ابنة فهد المبارك مستشار الديوان الملكي ومحافظ مؤسسة النقد السعودي السابق، وعبد العزيز الفالح نجل وزير الطاقة. ولم تُجِب أيٌ من عائلات الجدعان والمبارك والمديفر على طلبات للتعليق.

 

وقال ساندي أبغار، الشريك السابق بشركة ماكنزي والذي ساعد في تأسيس المشروع، إنه حين دخلت ماكنزي السوق السعودية عام 1974 لتقديم المشورة بشأن مقرات جديدة لشركة أرامكو، كان حلقةَ الوصل بين شركة النفط وشركة الاستشارات مهندسٌ صغير يُدعى علي النعيمي، مضيفاً أن النعيمي مضى قُدُماً ليصبح الرئيس التنفيذي لأرامكو ووزير النفط السعودي، وهو صعودٌ قال أبغار إنه لم يكن يتوقَّعه لأن النعيمي كان موظفاً متوسط المستوى.

 

ووفقاً لأشخاصٍ عملوا في مجال الاستشارات في السعودية، يُعد توظيف الشركات الأجنبية العاملة في المملكة لسعوديين أمراً مهماً لجذب العملاء المحليين في القطاعين العام والخاص. وقال أشخاصٌ على اطلاعٍ بمجال الاستشارات إنه حين أصبحت ماكنزي شركة استشارات يُعتَمَد عليها بالنسبة للشركات السعودية والحكومة، بدأت في البحث عن سعوديين موهوبين.

 

البدلات بدل الجلابيب

وقال شخصٌ مطلع إن المديرين الغربيين لماكنزي شجَّعوا الاستشاريين السعوديين لدى الشركة على ارتداء بذلات رجال الأعمال بدلاً من الجلابيب العربية التقليدية والعمم عندما كان عملاء سعوديون يأتون إلى المكتب.

 

وفي عام 2003، عيَّنَت الشركة مازن الجبير، وهو مُتقدِّمٌ لوظيفةٍ حاصل على شهادتين من جامعة هارفارد. وكان شقيقه عادل مستشاراً للديوان الملكي آنذاك، ومضى في طريقه ليصبح وزير الخارجية السعودي الحالي.

 

حسب The Wall street Journal لم يستجب مازن الجبير، الذي يعمل الآن في مجال الاستثمار، لطلبات للتعليق على الأمر. وأحال مُتحدِّثٌ باسم وزارة الخارجية السعودية أسئلةً بشأن الأمير إلى مُتحدِّثةٍ باسم السفارة السعودية في الولايات المتحدة الأميركية والتي لم ترد على الأسئلة.

 

ووفقاً للسيرة الذاتية لعبد العزيز الفالح على الإنترنت، فعندما عُيَّن لدى ماكنزي في أكتوبر/تشرين الأول عام 2015 كان عبد العزيز حاصلاً على درجةٍ علميةٍ في مجال الأعمال من جامعة ستانفورد، وشهادة من معهد مانشستر للتكنولوجيا، ولديه خبرة في مجال الأسهم الخاصة وفترة عمل تطوعية في شركة أرامكو. وكان والده آنذاك رئيس مجلس إدارة شركة أرامكو ووزير الصحة.

 

وكان ابنٌ آخر للفالح، وهو هشام، مُحلِّلاً مساعداً في العطلة الصيفية لدى ماكنزي عام 2015 بينما كان يدرس بجامعة ستانفورد. وأحال أسئلةً وُجِّهَت له بشأن الأمر إلى ماكنزي.

 

ووَظَّفَت ماكنزي فيصل الجدعان مُحلِّلَ أعمالٍ عام 2015 عندما كان والده محمد – الذي أصبح الآن وزير المالية السعودي – رئيس هيئة السوق المالية السعودية. ووفقاً لما جاء في سيرته الذاتية المنشورة على شبكة الإنترنت فقبل تعيينه بمكانزي، كان فيصل حاصلاً على شهادة البكالوريوس من جامعة فيصل السعودية، وتدريب بشركة لمدة أربعة أشهر، وعمل استشارياً لمدة أربعة أشهر حين كان طالباً.

 

والتحق محمد المديفر وفق The Wall street Journal بماكنزي مستشار خبرة في أوائل عام 2016، وهو حاصل على شهادة البكالوريوس من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ودرجة جامعية في الأعمال من جامعة بنتلي في ماساتشوستس. وعمل في وقتٍ سابقٍ كمُحلِّل ائتماني في السعودية وحصل على تدريب في البنك الدولي لمدة شهرين. وكان والده الرئيس والمدير التنفيذي لشركة التعدين العربية السعودية “معادن” المملوكة للدولة منذ عام 2011.

 

هذا العام، بدأت ابنة المبارك، محافظ مؤسسة النقد السعودي السابق الذي عُيِّن مستشاراً للديوان الملكي في يناير/كانون الثاني، العمل في ماكنزي. لم يكن السيد مبارك يتقلد أياً من المنصبين حين انضم ابنه بدر للشركة، وكان مستشاراً للمحكمة الملكية حين انضمت ابنته أثاري.

 

وحصلت ابنة المبارك على درجة البكالوريوس من جامعة الملك فهد، و3 أشهر تدريبية في المركز السعودي لأبحاث الطاقة، وأكملت دورة تدريبية لمدة شهر واحد في جامعة ستانفورد. عملت آثاري المبارك لسنوات في منظم الأسواق السعودية قبل الانضمام لماكنزي، وحصلت على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة أي إي إس إي الأسبانية، بكالوريوس من جامعة سعودية. وقال شخص مطلع على المسألة أن عرض ماكينزي قُدم لأثاري حين كان والدها لا يحتل أياً من الوظيفتين.

 

في سبتمبر/أيلول 2014 وفق The Wall street Journal بدأت سارة الخضيري العمل في ماكينزي بعد تخرجها من جامعة جامعة نورث إيسترن في بوسطن. بعدها بشهر، كان والدها الذي ترك منصبه كوكيل إدارة منطقة مكة المكرمة قبل تعيينها بشهور، قد أصبح رئيساً لمشروع الملك عبد الله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام، وبعدها بشهرين عُيِّن وزيراً للثقافة. عملت ابنة الخضيري في ماكينزي حتى شهر فبراير/شباط. ولم ترد على طلب التعليق.

 

كان سلطان بن آل سعود مُتدرِّباً صيفياً في ماكينزي بدبي عام 2015 في الوقت الذي كان يسعى فيه للحصول على بكالوريوس إدارة الأعمال من جامعة ستانفورد. وتقلد والده الذي كان أميراً ومستشاراً لوزارة الدفاع السعودية حين عين ابنه، منصب سفير المملكة في الأردن عام 2015. ولم يرد كلاهما على طلب التعليق.

 

طورت شركة ماكينزي عبر السنون علاقاتها مع كبار المسئولين الذين يلعبوا أدواراً هامة في إصلاح الاقتصاد السعودي.

 

ووفقاً لأشخاص على دراية بعمل شركة ماكينزي بالمملكة السعودية العربية، عملت المؤسسة عن قرب مع عادل فقيه، وزير الاقتصاد والتخطيط. وقد لقب بعض المسؤولين السعوديين عادل الفقيه بـ”وزير ماكينزي” بسبب العديد من الاستشاريين من شركة ماكينزي وغيرها الذين وظفهم في مشاريع الوزارة. ووسَّعَت ماكينزي عملها مع الفقيه في أبريل، حين اشترت شركة الاستشارات السعودية المحدودة إلكسير للحلول الإبتكارية التي بنت عملها جزئياً بالتعاقد مع فقيه، وفقاً لهاني خوجة مؤسس الشركة.

 

ويُعد شراء الأعمال التجارية المحلية ممارسة معروفة تتم بهدف لكسب حصة في السوق.

 

وفي الوقت نفسه، أُقيل فقيه من نصبه واحتُجِزَ السبت الماضي، ضمن ما سماه المسؤولون السعوديون بالحملة الواسعة ضد الفساد، والتي احتُجِزَ فيها ما يقرب من 200 شخص. ولم نستطع الوصول لفقيه لطلب تعليقه.

 

ولم تُعلِّق ماكينزي على علاقتها بالفقيه، وقالت إنها “اشترت إلكسير بسبب كفاءتها، ورقمها القياسي في مساعدة العملاء على تنفيذ وتغيير طريقة الإدارة”.

 

المصدر: ترجمة وتحرير هافنتغون بوست عربي

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.