الرئيسية » غير مصنف » الحلال في أميركا.. كيف استفاد المسلمون من “كوشر” اليهود؟

الحلال في أميركا.. كيف استفاد المسلمون من “كوشر” اليهود؟

اقتصاد إسلامي يتحرك بمليارات الدولارات داخل أقوى اقتصاد رأسمالي في العالم. هذا هو حال “الحلال” في الولايات المتحدة لقد صار علامة تجارية تتهافت المتاجر عبر التراب الأميركي على الظفر بها وهو ما يفرض عليها الخضوع لسلسة إجراءات طويلة وطرق أبواب المؤسسات المفوضة بمنح رخص الحلال.

من فيرجينيا حيث تتعايش داخل الكيلومتر المربع الواحد عشرات الجنسيات والثقافات والأعراق، يمكن رصد حمى الإقبال على المنتوجات والبضائع الحلال. ومن داخل المجازر ومحلات البقالة والمتاجر الكبرى بهذه الولاية، يظهر جهارا حجم الأرباح الصافية باسم “حلال” على ظهر المنتجات المعروضة.

في “سكاي لاين” بمدينة ألكسندريا المعروفة بأنها منطقة المهاجرين لاسيما من إفريقيا والبلدان العربية، تنتشر العشرات من المحلات والمتاجر والدكاكين، وعلى مدار اليوم يرتاد الزبائن والمستهلكون هذه المحلات، ليس فقط لاقتناء سلع مستوردة من بلدانهم تفتقدها المتاجر الكبرى والمحلات الأخرى، إنما يأتون إلى هذه المحلات بحثا عن الحلال في اللحم والمعلبات والأجبان والزيوت والدهون الحيوانية وأيضا في المنتجات التي تضم مركبات غذائية إضافية.

في البداية كان.. الكوشر

ومن بين هؤلاء الحريصين على اقتناء الحلال، سمير، أميركي من أصل فلسطيني استقر في فيرجينيا منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، وهي مدة زمنية تعايش فيها الرجل مع تطور سوق الحلال في هذه الولاية، ورصد التحول في العادات الغذائية للمسلمين في هذه المنطقة.

“خلال السنوات الأولى لمقامي في فيرجينيا، لم يكن للمنتج الحلال حضور وقاد، أقصى ما كنا نفعله اللجوء إلى المزارع في ضواحي الولاية حيث نقوم بالذبح على الطريقة الاسلامية”، بهذه العبارات يصف سمير وضع الملحين على استهلاك الحلال في تلك الفترة، بعدها ” وجدنا الحل في الكوشر “.

و يعرف “الكوشر” بأنه “الطعام المباح أكله في الشريعة اليهودية الذي يتم إعداده طبقا لمجموعة من القوانين اليهودية المتعلقة بالتغذية”، وهو ما يتوافق مع شرائع الأكل بالنسبة للديانة الإسلامية.

وظل “الكوشر” وفق إفادات المسلمين من جيل سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي البديل المثالي لـ”الحلال” إلى غاية عقد التسعينيات الذي عرفت هذه التجارة رواجا كبيرا على مستوى الجهات الأربع للعالم.

 

“الحلال”.. تجارة لا بوار فيها

حسب تقارير اقتصادية لمجلة إنسايدرز، فقد قدرت قيمة تجارة اللحوم الحلال بحوالي 2.3 تريليون دولار أميركي سنويا، على أن تصل بحلول سنة 2020 إلى ما مجموعه 6.4 تريليون دولار في السنة.

أما سوق الكوشر في الولايات المتحدة، فقد استفاد من الحرص على استهلاكه من قبل 5.2 مليون يهودي، أي ما يعادل 40 بالمئة من عدد اليهود المستقرين بالولايات المتحدة الذين يقدرون ب 12.3 مليون نسمة.

ويقارب المعدل السنوي لنمو سوق الكوشر نحو 15 بالمئة ما بين أعوام (2005-2008) و10 بالمئة ما بين (2008 – 2010)، بينما يصل عدد الشركات المستثمرة فيه إلى أزيد من ألف شركة.

وعلى مستوى ” الحلال”، تفيد إحصائيات صادرات عن مؤسسات ترعى هذه السوق أن حجم تعاملاتها قفزت من 12.5 مليار دولار في عام 2008 إلى 13 مليار دولار خلال السنة الماضية.

علامة “حلال”

وتشهد مطاعم “الحلال” في الولايات المتحدة نموا هائلا يظهر بقوة في انتشار مطاعم الكباب والمطاعم المتنقلة عبر السيارات. وزاد من ذلك الإقبال المنقطع النظير على وجبات المطبخ الآسيوي وموائد بلدان الشرق الأوسط في أوساط الأميركيين المسلمين وغير المسلمين.

ومع الارتفاع المسجل في عدد مسلمي الولايات المتحدة، تنتشر الكثير من المؤسسات التي تصدق على المنتجات بكونها “حلال”، وتطمئن المستهلكين إلى أن المنتج الذي هم بصدد اقتنائه يتماشى مع المعايير الاسلامية وبكونه خاليا من أي شيء “حرام” أو “محظور”.

وسعى المسلمون الذين سبقوا إلى الاستقرار بأرض الولايات المتحدة إلى تأسيس مؤسسات وجمعيات غير رسمية من أجل حماية التقاليد الدينية في الحياة وعند الوفاة، وبدأ هذا السعي أول مرة في ولاية كاليفورنيا عندما أقيم أول مسجد عام 1880.

ويقول الحاج حبيب غنيم رئيس الغرفة الأميركية للتجارة الحلال ومدير منح شهادة الحلال في الجمعية الإسلامية الأميركية بمنطقة واشنطن، إن أول مرة أثيرت فيه مسألة “الحلال” في الولايات المتحدة كانت عام 1960عبر طلبات تقدمت بها جمعيات الطلبة المسلمين مبررة ذلك بنمو المكون الإسلامي داخل الولايات المتحدة.

وقد فرض نظام اقتصاد السوق الذي تقوده أميركا الإسراع بمأسسة “الحلال” ووضع قواعد قانونية تؤطرها، ذلك أن رجال الأعمال الأميركيين ومن أجل تصدير بضائعهم إلى سوق البلدان الإسلامية “الواعدة” يحتاجون إلى إقناع المستهلك بهذه البلدان بأن منتوجاتهم خالية من أي شيء محظور ومتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية.

ويلفت غنيم الأنظار إلى أن عمليات المصادقة على الأطعمة الحلال تدين بالكثير من الفضل إلى منظمات التصديق على أطعمة الكوشر، التي كانت تقوم بمهمة مماثلة لفترة أطول وتملك المعرفة حول صناعة الأغذية. يقول “لقد تعلمنا منها، ولدينا علاقة جيدة مع منظمات مثل “ستار كاي” وغيرها نظرا للتشابه في العمل الذي نقوم به”.

ويضيف رئيس الغرفة الأميركية للتجارة الحلال “إننا نتعلم من أبناء عمومتنا اليهود الذين مارسوا هذا العمل منذ سنوات عديدة، إننا نتعلم، ونحصل على قدر كبير من الدعم منهم”.

ولأن النظام الفدرالي لا يتدخل في الشؤون الدينية، فإن وزارة الزراعة الأميركية ليس من مهامها المصادقة على الأطعمة الحلال أو على أطعمة الكوشر، فيتم ذلك على يد السلطات الدينية أو الذين تفوضهم بذلك.

غير أن الحكومة الأميركية عن طريق وزارة الزراعة توفر للمصدرين إلى بلدان أخرى المعلومات حول معايير الاستيراد التي تتبعها تلك البلدان، وتحيل المصدرين و”شركات المنشأ” إلى المنظمات الأميركية للمصادقة على الأطعمة الحلال التي توافق عليها “بلدان المقصد”.

أمام هذه الأرقام الوفية لمنحنى الصعود داخل أميركا وخارجها، لا يخفي خبراء الاقتصاد أن يكون “الحلال” هو القوة الاقتصادية القادمة، حجتهم في ذلك أنها تجارة لا تؤمن بالاحتكار ورأسمالها ليس حكرا على أتباع الديانة الإسلامية بل مفتوحة أمام جميع الشركات والمؤسسات التي ترغب الاستثمار فيها.

 

عبد الله إيماسي
الحرة

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.